وفاء
v i p
 | | موضوع: “بلاغة الضحى” للشاعر عمر أبو الهيجاء: تفاعيل عروضية وانسيابية قصيدة النثر السبت أكتوبر 13, 2012 12:31 pm | |
|
 هذه المجموعة الشعرية “بلاغة الضحى” لعمر أبو الهيجاء هي االتاسعة للشاعر، والصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بدعم من وزارة الثقافة الأردنية هذا العام 2012 ، وتقع في 204 صفحات من الحجم المتوسط وتضم ثلاثَ عشرةَ قصيدةً .أتناول في هذه القراءة محورين كمدخل لقراءة الديوان :أوَّلاً : لغة المجموعة ومناخاتها المطَّلع على تجربة عمر أبو الهيجاء في دواوينه السابقة يقرأ لغةً تذهب مباشرة للمتلقي بلغة شعرية مباشرة، ولا تلتفت كثيراً لاستخدام تقنيات الإسقاط والانزياح والبناء المركَّب ، ويخاطب الشاعر المتلقِّي بلغته الصادقة والحزينة ،التي تؤرِّخ للجرح والدَّم والانكسار والشَّتات والشهداء والضعف وقلَّة الحيلة، وتورِّخ للشوق العارم لفلسطين بأرضها وناسها وتراثها ونضالات شعبها وشهدائها، ويضمِّن كثيراً من قصائده بقصديَّةٍ مقاطع من الفلكلور والغناء الشعبي الفلسطيني الحزين والمسكون بالدَّم والشهداء، و يطغى على هذه القصائد تعبٌ ويأسٌ كبيران في إمكانية الخروج من الواقع المهزوم والمرير.في هذه المجموعة ثمة تحوُّل في القصيدة نحوَ أفقٍ آخر ونحوَ أملٍ بإمكانيَّة تغيُّر وتغيير هذا الواقع، وربَّما كان الشاعر يعي هذا التحوَّل فأشار بوضوح له في عنوان المجموعة، وفي النص القصير الذي وضعه كمدخل للديوان حيث يقول : ” سأنام الليلةَ وحيداً بدوني , تركتُني هناكَ .., في الميادينِ , أتقلَّبُ على جمر الثورةِ , أغني للحريَّة “. ويتضح هذا التحوُّل في ثنايا الديوان بشكلٍ واضح ففي القصيدة الأولى في المجموعة ” سماءٌ تقهقهُ بالرعد نقرأ : ” تُعلِّمني هذي الأصواتُ كيفَ أُسلِّمُ صباحاتي لكلِّ شعبٍ أخذتهُ يقظةُ الطَّعناتِ وسطوةُ الأباطرةِ على خبزِ الجياعِ , أباطرةٍ لا يعرفونَ حضورَ النشيدِ المُدوِّي في الساحاتِ والميادينِ المُكتظَّةِ بالوجوهِ , وجوهٍ لم تزلْ تُصغي لليلِها وذاكرة الموت .” ص 13 .هناكَ أملٌ يتحرَّكُ في الساحات والميادين المكتظة بوجوه الناس الخارجة لتوِّها من الليل والظُّلم والموت، وربما فرض إيقاع الواقع وتأثيراته العميقة في نفس الشاعر فحافظ في كثير من قصائد الديوان على سمة القول الشعري المباشر كسمةٍ بارزةٍ من سمات قصائد هذا الديوان، وإن برزت بصور فنية أكثر احترافاً وأعلى لغةً كقصيدة ” سيناريو اللوحة ” ص 57 وقصيدة ” موسيقى الورد ..قصائد ” ص 193 .وللمرأة في قصائد عمر ابو الهيجاء وفي كلِّ أعماله السابقة حضورٌ كبيرٌ \ فالمرأة الأم والمناضلة وأم الشهيد والبائسة والمشرَّدة والمرأة – الأنثى ، وفي هذا الديوان حضور المرأة – الأنثى واضح مما أعطى هذه المجموعة من قصائد الشاعر حسَّاً أنثويَّاً ينسجم مع المناخ العام المتفائل في هذه المجموعة ، نقرأ من قصيدة ” موسيقى الورد ” : ” قتلتني موسيقى الشَّفتينِ , فعزفتُ على خلجانكِ لغةً ماطرة ” ص 196 ونقرأ أيضاً من هذه القصيدة ” أغفو على ريشِ الغيمِ , تُمطرُ أصابعي ورْداً على خدِّ الحبيباتِ ،وجسدي سلَّةُ العاشقين ملآى بالموسيقى ” ص 203 وكامل هذه القصيدة هي استدعاء للمرأة الخصب والمرأة الأنثى الجميلة العاشقة والمعشوقة والعالية التي تزرع الحياة حيثما وجدت في الحياة وفي القصيدة .ثانياً : الإيقاع في قصائد المجموعة قصيدة عمر أبو الهيجاء قصيدة نثر، وإن داخلها كثير من المحسِّنات الإيقاعية التقليديَّة في القصيدة العربيَّة كالقافية وبلاغة التعابير اللغويَّة والمزاوجة بعفويَّة إيقاعية بين تفاعيل خليليَّة متشابكة تراها تدخل للقصيدة، وتخرج في نسقٍ عفويٍّ , إن دلَّ على شيءٍ فأنما يدلُّ على عفويَّة الإيقاع في قصيدته وامتزاجه لا شعوريَّاً بموروثنا الإيقاعي الخليلي .من قصيدة ” أنثى الولادات ” نقرأ : ” أُطلُّ من الشُّرفات \ القلبُ يفرُّ مثلَ طفلٍ تأكلهُ الذكريات \ أطيرُ كرفِّ حَمامٍ في حزنِ المفردات \ هل يحفظني ريشيَ المنتوفُ على وجعِ الكلمات ؟\ ” ص 44 وواضح هنا اتكاء الشاعر على القافية كمولِّد للإيقاع .ومن القصيدة نفسها ” أنثى الولادات ” نقرأ هذه المزاوجة العفويَّة بين التفاعيل الخليليَّة الواضحة وبين انسيابية قصيدة النثر:” حين مررتُ ببابها \ متفعلن متفاعلن وهي صيغةٌ شاعت في استخدام تفعيلة الكامل مع زحَّاف الرجز , هزَّني ترابُ يديها , خررتُ ساجداً على أعتابها \ قالت : ” جُنَّ الولد “. نلاحظ ظلال التفاعيل الخليلية التي تجيءُ وتذهبُ ( ترابُ يديها فعولن فعولن \ خررتُ ساجداً على أعتابها مفاعلن مستفعلن مستفعلن \ جُنَّ الولد مستفعلن ) .في هذه المجموعة شاعرٌ يحاول أن يتمرَّد على الحزن والخوف والشَّتات، ويحاول أن يرسم في الأفقِ الغائم وردةً وأملاً وفرحاً قد يجيء، وشاعرٌ يستخدم البلاغة اللغويَّة برصانتها التي تجعل من التفاعيل تقفز عفو الخاطر في سطور قصيدته لتؤشِّرَ لشاعر لا يخلع جلده، وإنما يحاول أن يحوك ثوبه الجديد من نسيجِ لغته، ومن نسيج إيقاعات هذه اللغة الثريَّة والمدهشة.أختم هذه القراءة السريعة للمجموعة بالتأشير لمقاطع من قصيدة مميزة من قصائد الديوان ” سيناريو اللوحة “: ” في اللوحةِ شرفاتٌ للحبِّ وعشَّاقٌ تركوا في شقوقِ الصباحِ وردهم وناموا في الكلام …\ في اللوحةِ ماءٌ كثيرٌ ومدنٌ تلهثُ في حقولِ الجفاف ..\ في اللوحةِ سلفادور دالي يتعكَّزُ على شاربيهِ , ونساؤهُ عارياتٌ يشربنَ ألوانهُ بجماجمِ القِردة ..\في اللوحةِ أشياءٌ وأشياءٌ وأشياءٌ وأشياءُ أُخر ” ص60 – 65 | |
|
