قيام الليل نور وشفاء
وكان النبى يحافظ على القيام لأن الله قال له [وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً] من يريد أن يكون له مقام محمود فعليه بقيام الليل وجعله الله عليه فرضا فقال له [يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً] ويقول في ذلك أحد الصالحين : "ركعتان في جوف الليل الآخر خير من ألف ركعة بالنهار" وسبحان الله إن العلم الحديث في أيامنا هذه كشف لنا عن سر صلاة التهجد وذلك في حديث {عليكم بقيام الليل} قال صلَّى الله عليه وسلَّم {عَلَـيْكُم بقـيامِ اللَّـيْلِ فإنَّهُ دأَبُ الصالـحينَ قَبْلَكُمْ وإنَّ قـيامَ اللَّـيْلِ قُرْبَةٌ إلـى الله تَعَالَـى وتَكْفِـيرٌ للسيئاتِ ومنهاةٌ عن الإثْمِ، ومَطْرَدَةٌ للدَّاءِ عن الـجَسَدِ }[1] وهذا الحديث من معجزات النبى فالأطباء أثبتوا ذلك وقد كتب أحد أساتذة الأطباء في جريدة الأهرام المصرية نقلاً عن كتاب ألفه مجموعة من الأمريكيين جاء فيه "إن القيام من الفراش في اثناء الليل والحركة البسيطة داخل المنزل أو القيام بتدليك الأطراف بالماء – انظر هذا يشبه الوضوء – والقيام ببعض التمرينات الخفيفة -وهذا يشبه الصلاة – والتنفس بعمق –وهذا يكون في المناجاة- له فوائد صحية كبيرة "...قال الأستاذ الطبيب "والمتأمل لهذه النصائح يجد أنها تماثل تماماً حركات الوضوء والصلاة عند قيام الليل وقد سبق النبي كل هذه الأبحاث في الإشارة المعجزة على فوائد قيام الليل وذكر الحديث"وعن هذه الفوائد قال: ثبت أن قيام الليل يؤدي إلى تقليل إفراز هرمون الكورتيزول وهو الكرتيزون الطبيعي للجسم خصوصا قبل الإستيقاظ بعدة ساعات ، وهو ما يتوافق زمنياً مع وقت السحر الثلث الأخير من الليل ، مما يقي من الزيادة المفاجئة في مستوى سكر الدم والذي يشكل خطورة على مرضى السكر ويقلل كذلك من الإرتفاع المفاجئ في ضغط الدم مما يقي من السكتة المخية والأزمات القلبية ويقلل قيام الليل من مخاطر تخثر الدم في وريد العين الشبكي الذي يحدث نتيجة لبطئ سريان الدم في أثناء النوم وزيادة لزوجة الدم بسبب قلة السوائل أو زيادة فقدانها أو بسبب السمنة المفرطة وصعوبة التنفس ويؤدى قيام الليل إلى تحسن في حركة وليونة المفاصل خاصة في مرض إلتهابات المفاصل وهو علاج ناجح لما يعرف بمرض الإجهاد المزمن ويؤدى إلى تخلص الجسم من الجليسيرات الثلاثية – نوع من الدهون التي تتراكم في الدم وتزيد من مخاطر الإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية ويقلل من خطر الوفيات من جميع الأسباب وينشط الذاكرة وينبه وظائف المخ الذهنية المختلفة لما فيه من قراءة وتدبر للقرآن وذكر للأدعية فيقي من أمراض الزهايمر وخرف الشيخوخة والإكتئاب وغيرها وكذلك يخفف من شدة مرض طنين الأذن لأسباب غير معروفة هكذا ذكر الطبيب وهناك ابحاث أخرى وصدق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم {...ومطردة للداء عن الجسم } وبالتالي في القيام دواء وشفاء ونور وجمال وكمال وبهاء ولذلك فسيدنا جبريل نزل في مرة لرسول الله بوصية عظيمة من حضرة الله قال فيها { يا محمدُ عِشْ مَا شِئْتَ فِانَّكَ مَيِّتٌ واعْمَلْ مَا شِئْتَ فَانَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ وأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَانَّكَ مُفَارِقُهُ واعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ وعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ}[2]بعدها ارسل الحبيب رسالة(فاكس)لجميع الصالحين السابقين واللاحقين من الذي يريد أن يكون من الوجهاء والعظماء يوم الدين فلبت أرواحهم :نحن وكان فحوى أو مضمون هذه الرسالة { من َصَلَّى باللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ رفعت له يوم القيامة الأعلام } وقال مرة أخرى{ بَشِّرِ الـمَشَّائِيْنَ فـي الظُلَـمِ إلـى الـمساجِدِ بالنورِ التَّامِّ يومَ القـيامةِ } [3] [كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ] فإن هذا هو الوقت الذي يتنزل الله فيه إلى السماء الدنيا والتنزل يعني يتنزل بفضله وكرمه وخيره وبره ورحمته وعنايته وليس معنى يتنزل أي يتنزل بذاته لأن الله لا يحيزه زمان ولا مكان وينادي فيه هل من تائب فأتوب عليه؟هل من مبتلى فأعافيه؟هل من مسترزق فأرزقه؟هل من كذا هل من كذا حتى مطلع الفجر
سهام الليل صائبة المرامي إذا وترت بأوتار الخشوع
وسهام الليل أي الدعوات التي في جوف الليل الآخر لأنها سهام تصيب في النحور
سهام الليل صائبة المرامي إذا وترت بأوتار الخشوع
يصوبها إلى المرمى رجال يطيلون السجود مع الركوع
إذا أوترن ثم رمين سهما ما يغني التحصن بالدروع
فهذا هو وقت الفتح
إلهي بالتجلي في ساعة الأسحار ... إذْ أضاءت شموسه للسارى
فهذه أوقات مناجاة ولذلك فإن جميع الصالحين ينادى عليهم معسكر الجمع على حضرة الله في وقت الليل الآخر ولذلك كانت أم سيدنا سليمان بن داود عليه السلام تقول له: يا بني لا يكن الديك أفقه منك فإنه يقوم لله عزَّ وجلَّ في جوف الليل الآخر وكان الصالحون يقومون عند سماع الديكة وكانت هذه المنبهات التى تنبههم إن لم تكن المنبهات في الصدور ، ولذلك قال أحد الحكماء" من لم يكن له في بدايته قومه لم يكن له في نهايته جِلسة"من يريد أن يكون له جلسه في مقعد صدق او مع الذين اتقوا والذين هم محسنون لا بد أن تكون له قومه بالليل لأن هذا هو وقت الجمع على الله وهذه هي السنة التي كان عليها سيدنا رسول الله فقد كنا نصلي القيام في رمضان فيلزم يا إخواني أن نحافظ على القيام والصلاة ذكر لأنها شاملة لكل شيء فيها ذكر وفيها تلاوة قرآن وفيها تفكر وفيها تدبر وفيها خشوع وفيها خضوع وفيها رياضة بدنية إنها عبادة جامعة فخير الذكر ما كان في الصلاة [وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي] وخير التلاوة ما كانت في الصلاة [إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ] والتلاوة هنا في الصلاة
سبحة الضحى
والنفل الذي كان يتعهده ويحافظ عليه سيدنا ومولانا رسول الله هو ركعتا الضحى ووقتهم بعد شروق الشمس بثلث ساعة إلى قبل الظهر بثلث ساعة وأقلها ركعتان ولا حد لمنتهاها والحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم علل وبين سر تعهده لها فقال مما علمه ربه {يصبح على كل سّلامى من ابن آدم صدقة - وسلامة يعني فقارة- وعددها ثلاث مائة وستون فقَّارة- وسبحان الله لم تحصَ بهذا العدد إلا في العصر الحديث في علم التشريح وهي الفقرات التي بالظهر والفقارات التي في اليدين والفقارات التى في الجسم كله فكوني أستيقظ في الصباح وأجد أن هذه الفقارات تعمل من الذي لينها وشحمها لكي تؤدي عملها؟ الله عز وجل فلو لم يزيتها ملك الملوك أين أجد لها الزيت؟ هل يوجد هذا الزيت في أي صيدلية؟ من يحدث له خشونة من الذي يستطيع أن يزيت له هذه الخشونة؟ والذي يحدث عنده تيبس من الذي يستطيع أن يفك له هذا التيبس؟ لا يوجد ولذلك أنصح إخواني بهذه النصيحة التي اوصت بها جمعية الأطباء الأمريكيين حيث قالوا : ان المحافظة على الصلاة بالنظام الإسلامي تجعل الفرد لا يصاب بأي خلل في فقرات العمود الفقري وعندما أسمع الآن أن فلان مصاب بإنزلاق غضروفي أعلم أنه غير محافظ على الصلاة في وقتها لأن أي مؤمن سيحافظ على فرائض الله ونوافل رسول الله كيف يصاب بالإنزلاق الغضروفي أو التيبس؟ لا يأتيه مثل ذلك ابداً لأنها التحصينات الإلهية فإذا ترك هذه التحصينات فتح على نفسه الباب في الوقوع في هذه الأعراض وهذه الأمراض والنبي قال ذلك{يُصْبِح عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ - وعددها ثلاث مائة وستون -فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ فتحير الناس كيف يأتون بالثلاثمائة وستون صدقة؟فأشار إلى أنها سهلة ميسورة فقال وَيُجَزِىءُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى}[1] يعني إذا صليت ركعتي الضحى تكون قد شكرت الله على تشغيل كل الفقرات التى في جسمك وقدمت الشكر [لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ] كما قال الله جل في علاه فما الذي يضيرني بعد ان أفطر أن أتوضأ وأصلي ركعتى الضحى وأخرج إلى العمل وأنا على وضوء وأكون قد تسلحت بسلاح المؤمن الذي قال فيه رسول الله الوضوء سلاح المؤمن وفى الحديث (لايحافظ على الوضوء إلا مؤمن) [2] وإذا كنت مشغولا أتوضأ وبعد أن أصل إلى العمل انتهز أي فرصة وأصلي الركعتين وبذلك أكون باركت مكان العمل حتى يؤمنني الله فيه من الخطر والزلل ومن أهل الشر والمنافقين.. والصالحون قد عودوا أنفسهم على المداومة ونحن لا نستطيع المداومة فالإنسان غير الملتزم في العلاج الطبي يستمر على الدواء يومين أو ثلاثة ثم يتركه وهذا الأمر عينه طبقناه على الأدوية القرآنية والأشفية النبوية لكن الصالحين عباداتهم دائمة ولذلك لا يفرقون بين رمضان وغير رمضان[رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ]هل ذلك في رمضان أم في كل وقت آن؟باستمرار وعلى الدوام وهذه هي نوافل الصلاة والفريضة الأولى علينا جماعة المؤمنين هي الشهادتان ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ) وقد أمرنا الله أن نتلفظ بها في كل صلاة مرة أو مرتين في أثناء التشهد الأخير هل لها نوافل؟نعم [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً]فلا يكفي أن أنطق بالشهادتين في الصلاة مرتين وحسب فماذا يمنعني في أثناء قعودي أو ذهابي أو إيابي أو نومي من تحريك اللسان بذكر الله قال صلَّى الله عليه وسلَّم {ما عمل آدمي عملاً قط أنحى له من عذاب الله من ذكر الله }[3] من يا رسول الله من أصحابك في المكانات العالية؟ قال {سَبَقَ المُفَرِّدُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ الله وَمَا المُفَرِّدُونَ؟ قالَ المُسْتَهْتِرُونَ في ذِكْرِ الله. يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهمْ فَيَأْتُونَ يَوْمَ القيامَةِ خِفَافاً }[4]
الصيام المسنون
أوله وأعظمه ما أشار إليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله { من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر }[1] والدهر يعني السنة فإذا صام الستة متتابعين يجوز ذلك ولو صامهم متفرقين يجوز أيضاً المهم أن يصومهم خلال الشهر وبعد ذلك يوجد حد أدنى وحد أعلى للصيام المسنون أحد الصالحين فصل ذلك فقال: " الحد الأعلى لصيام النوافل هي صيام يوم وافطار يوم وهو صيام داود عليه السلام وسيدنا عبد الله بن عمر قال له رسول الله عندما صام الدهر{ قال: فصُمْ يوماً وأفطرْ يوماً، فذلك صِيامُ داودَ عليه السلامُ، وهو أفضلُ الصيام. قلت: إني أطيقُ أفضلَ من ذلك، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا أفضلَ من ذلك } [2] وهذا كلام رسول الله والحد الأوسط صيام الإثنين والخميس وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يتعهده في بداية دعوته وكان يقول { تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم }[3] وفي آخر حياته وعندما كبر سنه ولكي يسن للضعفاء والمرضى كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وهذا هو الحد الأدنى ويقول فيه صلَّى الله عليه وسلَّم { ثَلاَثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ. فَهذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ }[4] ولذلك قالوا: "ولا يقل المؤمن عن ذلك" أى لا يصح أن يمر عليه شهر بدون صيام الثلاثة أيام فإذا صام الاثنين أو الخميس من كل أسبوع فإن ذلك يبلغه وإذا صامهم متتابعين فلا بأس المهم أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر والأهم أن يحافظ على ذلك فلا يصوم سنة ثم يأخذ بقية عمره في سِنَه هذا بالنسبة لأصحاب الأعذار أما بالنسبة للشباب فعلى الشاب التقي أن يصوم الإثنين والخميس من كل أسبوع أو يصوم يوما ويفطر يوما وخاصة الشاب الذي لم يتزوج فلا يقل عن الاثنين والخميس والأفضل له أن يصوم يوما ويفطر يوما لأنها وصية الحبيب التي يقول فيها {يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء }[5] وجاء أى وقاية - هل يصوم الثلاثة أيام فقط؟ لا بل عليه صيام الإثنين والخميس أو يصوم يوما ويفطر يوماً أو يصوم الاثنين والخميس والثلاثة أيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر الهجري وهذا هو الحد الأدنى للشباب لكن أصحاب الأعذار عليهم المحافظة على الثلاثة أيام من كل شهر لأن هذا ما تعهده رسول الله ونحن نعمل بقول الله [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً]
صدقة التطوع
والركن الرابع هو الزكاة لمن عليه الفريضة ومن ليس عليه زكاة عليه نفلها وهو الصدقة والصدقة يا اخواني هي باب القرب وسر كل عطاء وقد قال الله عزَّ وجلَّ ( يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ») [1] ولذلك لو جاء عبد بعبادة الثقلين وكان شحيحا في الإنفاق فقل له ليس لك نصيب في كرم المليك الخلاق [وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] وكان أحد الصالحين يقول "تصدق ولو بنصف تمرة كل يوم تكتب في ديوان المتصدقين وصلي ولو ركعتين في جوف الليل كل ليلة تكتب في ديوان القائمين" إنها دواوين تفتح كل يوم ويلزم للإنسان أن تكون له صدقة دائمة لله عز وجل [للْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً] ومن لم يتمرن على الإنفاق لا يطمع في كرم الخلاق عزَّ وجلَّ " ( يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ») لأن خلق الله الكرم و اسمه الكريم ليس من أخلاقه أو أسمائه البخيل وهو كريم يحب كل كريم لأن الله يحب من خَلقه من كان على خُلقه (السَّخَاءُ شَجَرَةٌ مِنْ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ ، أَغْضَانُهَا مُتَدَليَاتٌ فِي الدُّنْيَا ، فَمَنْ أَخَذَ بِغُصُنٍ مِنْهَا قَادَهُ ذٰلِكَ الْغُصْنُ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَالْبُخْلُ شَجَرَةٌ مِنْ أَشْجَارِ النَّارُ ، أَغْصَانُهَا مُتَدَليَاتٌ فِي الدُّنْيَا ، فَمَنْ أَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْهَا قَادَهُ ذٰلِكَ الْغُصْنُ إِلَى النَّارِ »[2] ومن يريد أن يكون من أهل الغرف العالية في الجنة ماذا يفعل يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه و سلم { إنَّ في الجَنَّةِ غُرَفاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنَها، وَبَاطِنُها مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّها اللَّهُ لِمَنْ أَطعَمَ الطَّعَامَ، وَ أَفْشَى السَّلامَ، وَصَلَّى باللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ }[3] وهذه يا إخواني هي أبواب الإكرام يكفي أن ( والصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَةَ كما يُطْفِىءُ الماءُ النَّارَ )[4] ومن منا بغير خطيئة وأسرع شيء لمحو الخطيئة هو الصدقة وربما يكون الاستغفار بغير حضور قلب يزيد الأوزار لكن ما يطفئ هذه النار وهذه الأوزار هي الصدقة.. فمن يريد أن يحبه الله عليه أن يكون من المتصدقين والمكرمين والعطاءين .
تلاوة القرآن
أن الإنسان لكي يحبه العلي الكبير لابد وأن يديم تلاوة كتابه لأنه لا يديم تلاوة كتابه إلا أحبابه وربنا يسَّر لنا الموضوع وإذا كنت غير قادر على القراءة فأسمع وإذا لم يكن لديك وقت على الإطلاق فعليك بجهاز تسجيل صغير وأحضر مصحف مرتل واسمع بترتيب المصحف مثلا أثناء إفطارك في الصباح وأثناء ارتدائك لملابسك عليك أن تستمع إليه فمثلا ستستمع إلى ربعين فلا بأس وعند عودتك استمع أثناء الغذاء ستستمع إلى ربعين بذلك يكون نصف جزء أما إذا كان عندك سيارة فهي فرصة عظيمة وتستطيع في هذه الحالة أن تسمع كل يوم جزء في الذهاب وجزء في العودة على مسجل السيارة وبالترتيب وقال في ذلك أحد الصالحين : يجب أن لا يقل ورد المؤمن عن تلاوة جزء من القرآن في كل يوم بحيث يختمه في كل شهر مرة لأن الحد الأدنى أن يختم القرآن في كل شهر مرة والحد الأوسط أن يختمه مرة كل أسبوعين والحد الأعلى كل أسبوع مرة والأرقي كل ثلاثة أيام مرة فعلى الأقل يقرأ في كل يوم جزء بتدبر وتمعن وتفكر فإن الله عزَّ وجلَّ يناجي التالي لكتابه قال صلَّى الله عليه وسلَّم{ إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُحَدثَ رَبَّهُ فَلْيَقْرَإِ الْقُرْآنَ } [1]فالقرآن الكريم تلاوة وسماعا يشفي الأمراض بنسبة 95% فقد أجريت في أحد مستشفيات إيطاليا دراسة عجيبة حول إمكانيات العلاج من المرض عن طريق سماع آيات من القرآن الكريم أحضروا شريطا مسجل عليه آيات قرآنية تتلى بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وأحضروا مجموعة من المرضي الإيطاليين فأسمعوهم القرآن بصوت القارئ العربي ماذا كانت النتيجة؟ وجدوا نسبة الشفاء بين هؤلاء المرضى وصلت إلى 95% في حين كان سماع الموسيقي الدانص والموسيقي الصاخبة التي سمعها الآخرون من الفئة المعدة لهذا الغرض عادية جدا ولا يوجد تحسن في عينة البحث فقاموا بوضع شريط مسجل عليه آيات قرآنية بصوت قارئ عربي مسلم أسفل شجرة مثمرة وشريط آخر به أو مسجل عليه موسيقي صاخبة ماذا كانت النتيجة؟وجدوا أن الشجرة التي سمعت القرآن الكريم كانت ثمارها أسرع نضجاً وأحلى مذاقا ً أما الشجرة الأخرى فكانت أبطأ نضجاً وأقل حلاوة في المذاق والطعم وما قصة الفتاه المغربية ببعيدة فقد كانت مصابة بالأورام السرطانية، وذهبت إلى العديد من الأطباء من ذوي التخصصات الطبية المعنية بالأورام وكانت النتيجة بالطبع سيئة الكل يحاول دون فائدة لكن فجأة هداها تفكيرها حيث شعرت برغبة جارفة لأداء العمرة ذهبت إلى مكة وعكفت هناك في الحرم المكي فقامت بتلاوة وتدبر آيات القرآن الكريم وشرب ماء زمزم استمرت على هذا الحال ما يقرب من شهر وإذا بها تشعر بتحسن شديد في القوى والحيوية والنشاط كانت المفاجأة العظيمة أنها شفيت بفضل القرآن الكريم وقد جاء أيضاً أحد الأبحاث الأمريكية في جامعة هارفارد كما ذكرت صحيفة (العرب أون لاين) تؤكد أن تلاوة القرآن الكريم لها أثر مهدئ وذلك بعد أن أجرت بحثاً على مجموعة مكونة من ألف رجل وامرأة من العرب الأمريكيين الذين يجيدون العربية ومن المسلمين الأمريكيين الذين لا يجيدون اللغة العربية فوجدوا أن سماع القرآن الكريم المرتل يعمل على تغيرات فسيولوجية لا إرادية في الجهاز العصبي ويساعد على تخفيف حالات التوتر النفسي الشديد ويخفف حالات الكرب والحزن ويبعث بالنفس إلى الهدوء والراحة والطمأنينة وقد وجد الباحثون أن لتلاوة القرآن الكريم أثراً مهدئاً على أكثر من 79% من مجموع الحالات التي قرأت القرآن الكريم وتم رصد تغيرات لا إرادية في الأجهزة العصبية للمتطوعين الذين تم الاختبار عليهم مما أدى إلى تخفيف درجة التوتر لديهم بشكل ملحوظ بالرغم من وجود نسبة 50% منهم لا يعرفون العربية جيداً وتبين أيضاً من البحث أن قراءة القرآن تعمل على تنشيط وظائف الجهاز المناعي للجسم كما لاحظ الباحثون أن الأشخاص غير المتحدثين بالعربية شعروا بالطمأنينة والراحة والسكينة أثناء الإستماع لآيات القرآن رغم عدم فهمهن لكثير من المعاني وأظهرت الدراسة أن الاستماع إلى التعبيرات الهادئة ذات الإيقاع البطيء الحنون والنغمات التي يخشع لها الوجدان كترتيل الآيات القرآنية يؤثر بطريقة إيجابية على الإنسان وصحته النفسية وأوضح الباحثون أن هذه النغمات تعمل على تهدئة الأعصاب وهو ما يؤدي بدوره إلى إبطاء التنفس وعدد ضربات القلب بصورة متوازنة فيفيد أصحاب مرضى القلب والأزمات القلبية بعكس سماع النغمات الصاخبة المرتفعة من موسيقى ذات إيقاعات سريعة التي تساعد على سرعة التنفس وتحدث التوتر والانفعال وعدم التركيز وأشار دكتور سيفن لوك الأستاذ بجامعة هارفارد إلى أن نشاط الخلايا القاتلة بالجهاز المناعي والمسئولة عن التصدي للأمراض السرطانية يقل بشكل حاد مع انخفاض تأثير المواد المناعية المهمة التي لها دور في التصدي لهذا المرض أثناء تعرض الإنسان للانفعالات الحادة أو المستمرة والقلق والتوتر العصبي فلماذا إذن لا نجعل لأنفسنا فرصة للاستمرار والمداومة على قراءة القرآن الكريم أو سماعه لمن لا يجيدون القراءة ولو لوقت قصير كل يوم فالنفس كما تشتهي الشهوات مع ضياع العشرات من الساعات على جلسات السمر والجلوس على المقاهي والتسوق ومشاهدة القنوات الفضائية التي تحتوي على الكثير من اللهو فضلا عن أن معظم أغاني الفيديو كليب الراقصة التي تحرك رغبات الشباب وتساعد على الإثارة والفتنة نقول لماذا لا نتحصن بكتاب ربنا ونحاول أن نمنحه جزء قليل من وقتنا؟ فالرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يقول فى معنى حديثه أنه من أراد أن يكلم الله فليدخل في الصلاة ومن أراد أن يكلمه الله فليقرأ القرآن ويقول{مَنْ قَرَأَ حَرْفَاً مِنْ كِتَابِ الله فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لاَ أَقُولُ آلم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْف ولامٌ حَرْفٌ وَميمٌ حَرْفٌ } [2]
[1] أَنَسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ، جامع الأحاديث و المراسيل
[2] سنن الترمذى .عنُ عَبْدَ الله بنَ مَسْعُودٍ
الحج قـــربة
كيف نتقرَّب إلى الله بالحج علما بأنه فريضة مرة واحدة وعالية التكاليف ومعظمنا لعدم الاستطاعة تسقط عنه هذه الفريضة فمن لا يملك الاستطاعة فليس عليه حج لكن الصالحون قالوا في ذلك إن سيدنا رسول الله أعطانا فرصة للحج في كل يوم.. كيف؟ قال صلَّى الله عليه وسلَّم في حديثة الصحيح {منْ صلّى الفجرَ في جماعةٍ ثم قعدَ يذكرُ اللَّهَ حتى تطلُعَ الشمسُ ثم صلى ركعتين كانتْ له كأجر حجّةٍ وعمرة} قال : قال رسول الله {تامّةٍ تامّةٍ تامّةٍ}[1] ولذلك فإن هناك وقتان لا يزال الصالحون في كل زمان ومكان يحافظون عليهما اقتداء بالنبي العدنان وهما وقت السحر والوقت ما بين الفجر وطلوع الشمس فلا ينامون في هذا الوقت لأنه وقت لله ولأن الله قال جل في علاه ( يَا ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ سَاعَةً أَكْفِكَ مَا بَيْنَهُمَا)[2] لكن تأتي النفس وتحدثك وتقول أنك مازلت صغيرا في السن عندما تخرج على المعاش أفعل ما تريد فأقول لها: ومن أين لي أن أضمن ذلك؟ أو تحدثه نفسه بأنك ذاهب إلى العمل ولو فعلت ذلك ستنام في العمل أجل هذا العمل ليوم الجمعة وعندما يأتي يوم الجمعه تحدثه أنك متعب وهذا هو اليوم الوحيد الذي ترتاح فيه هذا يا اخواني هو حديث النفس لكي تكسل الإنسان وتجمده لكن اعلم علم اليقين أنك لو أقبلت على الله بيقين فإن الله يبارك في كل شيء لك فأقل جرعة من النوم تكفيك سيدنا الإمام عمر بن الخطاب عندما تولى الحكم قال : إن نمت نهارا ضيعت رعيتي وإن نمت ليلا ضيعت نفسي فسألوه ماذا ستفعل؟ قال: جعلت النهار لرعيتي والليل لربي متى كان ينام إذن؟ كان ينام بعد شروق الشمس لأنه عندما كان يجد بعض أصحابه يحيون الثلث الأخير من الليل وينامون بعد الفجر قال لهم:والله للذي تنامون عنه أفضل من الذي تقومون فيه وكان رضي الله عنه بعد أن تشرق الشمس بثلث ساعة يصلي سنة الإشراق ثم يضع رأسه بين ركبتيه ويخفق خفقات فيقوم وكأنه نام طوال الليل بل أحيانا كان يمسك الدرة ويضرب نفسه ويقول يا نفس طالما نمت لأن المسافر يا إخواني دائما مستعجل حتى أن المسافر أحيانا عند عودته يمكث يومين أو ثلاثة لا ينام ويقول عندما أرجع سأنام ونحن كذلك فكلنا مسافرون إلى الله عزَّ وجلَّ وسننام نومة طويلة إذن على الإنسان ألا يسلم لحديث النفس لأنه عندما يمشي مع الله فإن الله عزَّ وجلَّ يجعل له مددا في نومه فلو كان قاعدا وغفا غفوة يقوم وكأنه نام يوما وليلة لأن الله عزَّ وجلَّ بارك له في هذا النوم وورد أن كثير من الأئمة كانوا يصلون الصبح بوضوء العشاء مثل الإمام أبو حنيفة ألم يكن يعمل؟ بل كان له عملان فقد كان تاجرا لينفق على عياله وينفق على تلاميذه - لأن العالم في ذلك الوقت هو الذي كان ينفق على تلاميذه ولا يأخذ منهم - وكان معلما يعلم الفقه والدين ابتغاء وجه الله متى كان ينام إذن الإمام أبو حنيفة؟ كان ينام بعض ساعة بعد صلاة الظهر فقد قال صلى الله عليه و سلم (اسْتَعِينُوا بِقَائِلَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ)[3]وكأنه نائم طوال الليل لكننا الآن ننام طوال الليل ونصلي الصبح وننام وانتابنا الكسل والوخم لماذا؟ لأننا استسلمنا للنفس ولا بد من جهاد النفس ويقول في ذلك أحد الصالحين :
و ما النوم إلا الموت قهر لطيفتي حرام عليها النوم ليست من الترب
فالروح لا تنام وإذا انتبهت الروح تأخذ الجسم معها وأقل النوم يكفيها فإذا أشفقنا على الجسم وتركناه يستسلم للنوم والكسل هنا يكون الجسم هو المتحكم والنفس وبذلك لا تصحوا الروح إلا يوم ينادي المنادي[وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ] ولا يصح ذلك إذاً يجب على الإنسان أن يعلي عزيمته لأن علو الهمة من الإيمان
علو عزائمكم هيا و اعشقوا لتشاهدوا عدن الجنان وحورها
وكان الصحابة ومن بعدهم الصالحين كانت تحدث لهم أحوال غريبة في هذا الباب لأنها أحوال عالية لا يعلمها إلا واهبها عزَّوجلَّ فإن الروح هنا علت وسمت والروح إذا علت وسمت تريح الجسم من المنام والمنام المقصد منه إراحة الأعضاء وتعويض الأعضاء وعمل صيانة شاملة لها وذلك كله يقوم به الله عزَّ وجلَّ ويأمر به الأعضاء وأنت في هذه اللحظات لأن أمر الله عزَّ وجلَّ بين الكاف والنون [إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ]فمن يهتم بالنوم ويبحث عنه سينام لكن الصالحين غير ذلك كان الرجل منهم يسهر طوال ليله بين يدي مولاه فإذا أصبح الصباح وضع زيتا على شعره ووضع كحلا في عينه وغسل وجهه حتى يظن من يراه أنه اغتسل وخرج بعد نوم طويل ولا يريد أن يعرف الناس أنه كان سهران وإذا ربك وفق وأعان فأعلم علم اليقين أن هذا الكيان سيطويه الله عزَّ وجلَّ ويمنحه القوة والعون من الرحمن ومادامت القوة والعون من الرحمن فإن فضل الله عزَّ وجلَّ لا يحصيه زمان ولا يحده مكان فاستمد العون من الله وهذه يا اخواني هي أحوال الصالحين في هذا الباب – وهذا هو المنهج الذي يمشون عليه لكي يعينهم الله ويقويهم الله جل في علاه ولذلك نسمع عنهم أنهم يبارك الله لهم فى الزمان والمكان ويبارك لهم في الطعام ويبارك لهم في المنام ويبارك لهم في القراءة ويبارك لهم في الكتابة لماذا؟ لأنهم عزموا عزما اكيدا على طاعة الحميد المجيد عزَّ وجلَّ لعلنا نحافظ على هذا المنهج ونديم عليه لكي يحبنا الله جل في علاه
يتبــــــــــــــــــــــع إن شـــــــــــــــــــــــاء الله