Admin Admin
| موضوع: أدونيس: عالميّة ربيعنا العربي السبت مايو 19, 2012 10:54 am | |
|
أدونيس: عالميّة ربيعنا العربي
بقلم: توفيق التميمي ترشيح الشاعر الكبير أدونيس لجائزة نوبل، هذا العام وبنسبة ترجيح عالية، جعل من فوز شاعر سويدي بها مفاجأة غير سارة؛ ليس لأدونيس نفسه بل لمرشِّحيه الذين يدركون الأبعاد العالمية والكونية في نصوص أدونيس النثرية والشعرية على حد سواء. هذا الترشيح، في حد ذاته، يعطي مؤشرًا أن العالم بدأ يصغي الى صوت الشاعر العربي العنيد والمتمرد... الشاعر الذي لا يرحل الى العالمية بجواز سفر مزور وحقيبة فارغة، بل يأتي محملا بنبوءاته التي تتحول الى لوحة من الغضب الشعبي العارم، ولهذا ربما يأتي ذلك الترشيح الساخن هذا العام لأدونيس في إطار أصداء الهتافات العربية بحدائق ربيعها، لكن اللجنة المسؤولة عن ترشيحات نوبل للآداب تدرك أن أدونيس الشاعر السوري، هو شاعر التحولات الانقلابية ليس على مستوى القصيدة وبنائها الشكلي، بل هو الثائر الأدبي الذي له السبق في التمرد على الأنساق والقوالب التي تحد من رؤية المبدع داخل شرنقة نصوصه التي يروم تمزيق أنسجتها الواهية والالتحام بجوهر الحياة، والإعلان عن نفسه بوصفه فاعلا في تغيير المعادلة الحياتية نفسها، تلك كانت إحدى رسائل «الثابت والمتحول» وهو أحد أهم الكتب النقدية العالمية التي ظهرت في القرن العشرين، ليدشن بها عصرًا جديدًا للأديب العربي هو عصر التمرد والاحتجاج واستنهاض القيم التنويرية في التاريخ والموروث الأدبي العربي. تلك البدايات التمردية الأدونيسية تتناغم، بعد مرور نصف قرن على انطلاقتها المشاغبة الأولى، مع الإيقاع الجماهيري هذه الايام في ساحات وميادين الغضب الشعبية، وكأن الشاعر كان يصوغ نبوءة لم يلتفت اليها الحاكمون في تلك المرحلة كما لم تلتفت اليها الرعايا المطحونة بآلامها ومكابداتها اليومية والمشغولة عن مثل هذه النبوءات التي يطلقها شاعرفي صِقع منسيّ. حضن بيروت الأول
كانت الرحلة القسرية التي قام بها هربًا من الجندية من بلده الأم سوريا الى بيروت في ظهيرة قائظة من خمسينات القرن السابق، هي محطة فاصلة لأدونيس آخر، ولد على أرض جديدة تحتفل بأوكسجين الحرية ومقاهي الانطلاق. كانت لأدونيس فرصة تاريخية لتتلاقح موهبته الاستثنائية مع هواء الحرية في المقاهي البيروتية، ومع موجات الحداثة التي كانت تعج بها مكتبات بيروت، ومن ثمّ، ذلك اللقاء التاريخي بأفواج أدباء الحرية اللائذين ببيروت من هراوات سلطاتهم السياسية والاجتماعية في بلدانهم التي لم تتهج أبجديات الحريات بعد.
منذ تلك اللحظة كان أدونيس الشاعر والمفكر المشاغب يسعى إلى طموح مشروع إبداعي يخترق حيزه العربي، وينطلق بقوة الى فضاء جدير بمؤهلاته ولائق بقدرته على التمرد وزرق جرعات الحرية التي تلقفها من نسائم بيروت في نصوصه المتمردة. ظل يسكنه يقين بأنه سيحصل يوم ما على جائزة نوبل، وكان ذلك اليقين هو جزء من عناده وثقته بذاته الإبداعية، رغم وعيه الكامل بأن الجائزة نفسها لاتقدم للأديب الفائز بها من الناحية الاعتبارية إلا بهرجة إعلامية وبقعة ضوء تسلط على أدبه المنسي ونجومية مضافة تتسابق اليها كاميرات الفضائيات والصفحات الثقافية.
إقتفاء الأثر
أعتقد أن أدونيس بإنتاجه الشعري والنثري والفكري، وسيرته المثيرة للجدل وآرائه المشاكسة التي لم تتوقف عند حدود التمردعلى أنساق المحافظة الأدبية وتجرّئه المستمر على جغرافية المقدسات، ونبشه في الدوائر الحمراء المسكوت عنها في الثقافة الشرقية على ضفاف الجنس المحرم والسياسة المحرمة؛ كل هذا يجعل أدونيس في غنى عن ذلك الجدل الذي يثيره بعض الكتاب العرب حول أحقية أدونيس بتلك الجائزة. ما ينبغي أن يثار هو هل تمكن من صناعة نموذج الفرادة ليس للشاعر العربي بل للمفكر الثائر والخطير الذي تمتد خيوطه المشاغبة في الحقول المعرفية كلها، ومن دون الحاجة الى الاستئذان التجنيسي في الكتابة والذي يمكنه أن يحاصر موهبة ومخيلة كالتي يمتلكهما أدونيس. لهذا سيظل أدونيس صورة مثالية للأديب والمفكر الثائر المتمرد يصعب تخطيها في خلق بدائل جديدة تشابهها، ومن هنا اتهمت أجيال شعرية ونثرية بتكرار النموذج الأدونيسي، واقتفاء خطواته طوال حقبة ثقافية لأن الظروف والإمكانات التي تتوافر لإنجاب الموهبة الأدونيسية قد لا تتكرر ثانية الا بمعجزة.
هو وليست الجائزة
ولذا سوف يظل أدونيس يتطلع عاما آخر لاختطاف مجد يعتقد أنه يستحقه وجدير به أكثر من سواه، ونحن نعتقد ذلك أيضًا كمتابعين لأدبه وأفكاره التمردية الهائجة منذ أغنيات مهيار الدمشقي وحتى ثلاثيته الخطيرة الثابت والمتحول، وما تلاهما من نتاجات وتحولات لم تهدأ في القصيدة والأفكار على حد سواء، مع قناعتنا التامة أن هذه الجائزة لا تشكل لأدونيس شيئا مفصليًّا إنْ هو حصل عليها، بل هو الذي سيزيد سجلها نصاعة وشرفا.
| |
|