قد يكون أقرب وصف لهذا الرجل هو الديكتاتور العادل . كان قاسي القلب لا يرحم من يخطئ . حكم العراق في عهد الوليد بن عبد الملك فاستقرت بها الأوضاع . ويعتبر الحجاج من أبلغ الحكام خطابه في التاريخ العربي له خطب تعتبر في قمة البلاغة ذكرها رواة التاريخ لعمقها وطرافتها وتماسك معانيها ومن أشهرها حين دخوله لأول مرة إلى الكوفة بعد أن تولى الإمارة فيها وكان بالمسجد يستمع لتهامس الناس عليه يصفونه بصفات لا يحبها يجلس وقد لف لثاماً حول وجهه وفجأة نهض واعتلى المنبر وقال خطبته الشهيرة جداً والتي بثت الرعب في قلوب أهل العراق حيث ابتدأها قائلاً :
أنا أبن جـــــــــلا وطــلاع الثنايا = مـتى أضع العـمـامــة تعــرفوني
ثم قال : أني لأحمل الشر محملة وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله وأني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها وإني لها . إني لأنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى والخطبة طويلة ذكرتها كتب الأدب وقد اختتمها بالقصيدة التي خلدها التاريخ :
هـذا أوان الشــد فــاشــتــدي زيم = قــد لفهــا الليــل بســـواق حطم
وكذلك خطبته الشهيرة جداً حين دخل البصرة وسمع أهلها يؤذنون للصلاة بطريقة تختلف عما أعتاد السلف . فدخل المسجد خاطباً في الحضور وقال : يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق وبنى اللكيعه وعبيد العصا وأولاد الإماء إلى آخر تلك الخطبة ذات المضامين اللغوية القوية .
عرف عن الحجاج سعة ثقافته وحفظة للشعر القوي المعنى المتين المبني وكان ينشد في مرض موته هذه الأبيات من شعر عبيد بن شعيان :
يـارب قـد حلف الأعـداء واجتهدوا = أيمانهم أنني من ساكني النار
أيحـلـفـون عـلى عـمياء ويحـهـم = مـا ظنـهـم بـقـديـم العفو غـفار
وقد ذكرت لنا كتب التاريخ أن الحجاج قد أصيب بمرض الأكلة في بطنه وكان يهرش بطنه بيديه الاثنتين حتى يدمى إلى درجة أنهم كانوا يكوونه بالنار على بطنه لتخفيف تلك الأكلة التي أصيب بها ولكم يكن يشعر بحرارة النار .
ويقول الرواة أنه كان يبكي كالأطفال من شدة الألم وقد شكا حاله إلى العالم الكبير حسن البصري الذي قال له :
...-كم قد نهيتك يا حجاج أن لاتتعرض لعباد الله الصالحين لكنك لم تنتهي وهذا جزاءك .
...-قال الحجاج بصوت يملؤه الأسى والألم : إني لا أطلب منك أن تدعو الله حتى يشفيني ولكني أطلب منك أن تسأل الله أن يعجل قبض روحي ولا يطيل عذابي .
ويقال أن الحسن البصري رضي الله عنه بكى بكاءً شديداً من شدة تأثره لحال الحجاج .
وقد ظل الحجاج يعاني من مرض الأكلة خمسة عشر يوماً لم يطعم فيها الزاد ولم يغض له جفن حتى مات في شهر رمضان وقيل في شهر شوال سنة ( 95هـ ) وعمرة ( 54 ) عاماً .
وفي رواية أخرى عن كيفية موته تقول :
أن الحجاج رأى في منامه أن عينيه قد قلعتا وكان متزوجاً من امرأتين فطلقهما بعد هذا الحلم اعتقاداً منه أنهما ستقتلانه وفي اليوم الثاني من حلمه جاءه خبر وفاة ابنه محمد وأخيه وأنه حزن عليهما حزناً شديداً مات على أثره .