قطار منتصف العمر.. (قصة قصيرة)

v i p

كل شيء كان جاهزا.. النار تطقطق بين قطع خشبية صغيرة، ومشواة تعلوها حُمة كثيفة وُضعت فوق ثلاث آجورات، وبجانب الآجورات كانت هناك سلة مملوءة بسردين طري، يلمع تحت أشعة شمس يوم ليس بغائم.. بحماس ملحوظ بدأ شاعر الحي في الشي، فتصاعد دخان أبيض ومعه انتشرت رائحة السردين ـ المثيرة للشهية ـ كاسحة فضاء الحي…
كل سكان الحي استغربوا.. عندما انهمك شاعرهم في عمله هذا، ومما زاد في استغرابهم أناقته الغير المعهودة، وهم الذين تعودوه بهندامه المهمل وشَعره البوهيمي.. البعض همس أنه ربما تاب وترك زعامة “الغاوون”، والبعض الآخر أشاع أنه لربما على وشك استقبال سيدة من قوم عيسى، صديقته بالمراسلة التي ظل ينتظرها لثلاثين سنة خلت.. وأشربْ يا أيها الحب المغبون نخبك سماً زعافاً، أمام الجَمال الأخاذ لأوانس الرايخ السابع والتسعين وتسعة عشر ألف…
انتهى من الشي.. وشرع في توزيع الشواء على الأطفال والشيوخ أولا، ثم على كل من صادفه في الحي.. الكل تقريبا، تذوق من هذه المأدبة “الصعلوكية”، بما تحمل الكلمة من إيحاءات شِعرية ونخوة حاتمية وبُعد ثوري.. فلتُشهَر سرادق النَظم الفواح في وجه زمان العُهر الواضح.. وبشهادة الجميع، كان سردين شاعرهم لذيذا، رغم أن سردين البلد لم يعد لذيذاً كالسابق.. وعندما أتى المساء، لاحظت العيون الراصدة من خلف الشبابيك، وكذلك عيون مداخل الحي، لاحظوا أن شاعرهم – على غير عادته – غائب عن ذلك العمود الكهربائي.. مكانه المفضل منذ سنوات، العمود الذي قرأ – مرات ومرات – تحت نور مصباحه كتاباً باللغة الألمانية، قيل أنه في التاريخ وقيل أيضا أنه يتحدث عن ” بو حمارة ” الثائر على العرش السلطاني المغربي حوالي سنة 1902..
وما هي إلا لحظات قصيرة، حتى جاءهم خبر عاجل من فاعل خير، يمتطي دراجة هوائية بدون فرامل، معلناً فيهم: يا سكان الحي.. اذهبوا إلى خط السكة الحديدية، لتساعدوا رجال المطافئ في جَمْع أشلاء شاعركم..
وأُقفِل محضر انتحار شاعر الحي.. مع ملحوظة جِد هامة تشير إلى أن رغم موته، فأفكاره يجب الحذر منها.. لأنه يُشاع أن أحد أتباعه يفكر في نشْر ما ترجم الشاعر المنتحر، عن الكتاب المعلوم، مع خط أحمر تحت اللغة الألمانية

» فرصة العمر
» المُخْبِـر (قصة قصيرة)
» بيتـزا !! ـ قصة قصيرة
» في البياض الأسود (قصة قصيرة)
» الرأس المرفوع ..قصة قصيرة