قطر الندى عضو محترف
المزاج : GOOOOOOD
| موضوع: عن أوهام الإعجاز العلمي مجدداً السبت فبراير 16, 2013 11:46 am | |
|
عبد الله أبو شرخ
إنّ أقل ما يجدر المثقف عمله أن يكون همه إرضاء جمهوره، فالعبرة الأساسية برمتها أن يكون المثقف مُحرجاً، ومُناقضا، بل حتى مكدّراً للصفو العام - إدوارد سعيد
---------------------------------------------------------------- هذا مبحثٌ قديمٌ جديد تم طرحه عشرات المرات من قبل، وفي كل مرة تتم فيها مناقشة إشكاليات الإعجاز العلمي في الكتب المقدسة، نجد هجوماً حاداً يتسم بالعنف اللفظي المضاد للعقلانية من قبل الإسلاميين والسلفيين بوجه خاص، رغم أن الإعجازيين يدعون أصلاً أن الإعجاز علمي ومدخلهم إلى هذا الافتراض ينطلق باديء ذي بدء بوصفه تفكيراً عقلانياً وليس عنيفاً يتم فرضه بالقوة.
لا ينبغي للناقد أن يغفل لحظة واحدة عن هول الصدمة الناجمة أصلاً عن حجم التعبئة المغلوطة والمنتشرة عبر مئات المنتديات والمواقع ووسائل الإعلام الصادرة عن جماعات الإعجاز، ما يؤكد أن ثمة دعماً وهابياً من السعودية للمشتغلين بترويج مسألة الإعجاز العلمي، لذا فلا يجب إنكار مسألة مهمة، وهي أن القرآن وكتب الحديث إنما هي كتب هداية روحانية للتعبد والصلاة والاطمئنان، ولكن يجب الطرق على أن الكتب المقدسة عموماً ليست مراجعاً علمية وإلا توجب على الجامعات الإسلامية أن تنزل من على رفوف مكتباتها كتب الفيزياء والكيمياء والفلك والرياضيات وفيزياء الكم والنسبية، ولا أعتقد بوجود عاقل يقر بصواب هذا العمل.
إشكالية أخرى تجابه الناقد لإشكاليات الإعجاز العلمي، وهي أمية الجمهور غير القاريء ( نسبة الأمية 70 % ) والذي يلتقط مشافهة من فم زغلول النجار وأعوانه معلومة غير قابلة للنقد والتمحيص والدراسة، فالإيمان لا يحتاج إلى العقل بل إلى التصديق، وبالتالي فإن محاولات تنوير الناس بما يقوله العلم هو بمثابة حرث البحر أو مضغ للماء، وعلى الرغم من ذلك سوف آخذ حقي بالتفكير ثم بالتعبير عما أعتقده في هذا المجال، وقد لا تكون القضايا جديدة، ولكنها قطعاً فاعلة ومؤثرة في العقل الجمعي للناس.
إن القرآن بوصفه كتاب هداية وتعبد أتى ليصنع من مجتمع صحراوي جاف أمة انتشرت في الأرض كلها، أي أن القرآن كان ثورة معجزة في وقته، ولكن خلط الدين بالعلم الحديث يقحمنا في مخاطر تهدد الدين والعلم معاً، فالدين يقين وإيمان ثابت لا يتزعزع بينما العلم يقوم على الشك والسؤال والتغير الدؤوب سعياً وراء الحقيقة، وما كان نظرية علمية في زمن ما قد يصبح نكتة ساذجة في زمن آخر.
إن كل ما يفعله الإعجازيون هو انتظار الابتكار أو الاختراع ليأتي إلينا من الكفار الأنجاس ثم بعدها نجد كلمة أو شبه جملة نلوي عنقها لكي نقول للغرب موتوا بغيظكم، فالقرآن لدينا تحدث عن هذا الاختراع من قبل 1400 سنة !! لا يحدث العكس أبداً، فنحن نستخدم السيارة والدش والفيديو والمضادات الحيوية ونستورد كتب الفيزياء والكيمياء والفسيولوجي وفيزياء الكم والهندسة والفلك والجيولوجي والأحياء والكثير مما يصعب حصره، وما من اختراع واحد كان سببه رجل يفتش ويبحث في كتاب دين. دعونا نلقي نظرة نقدية فاحصة لبعض قضايا الإعجاز المزعوم ثم نترك مساحة للعقل لكي يميز ويقارن.
1- إشكالية السماء
كان القدماء يعتقدون أن السماء هي تلك القبة الزرقاء التي تظلل الأرض وأن النجوم والكواكب التي تضيء ليلاً ما هي إلا زينة لتلك السماء، وفي القرآن نجد الكثير من الآيات التي تطابق هذه المفاهيم. لنتأمل الأمثلة التالية:
الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء – البقرة 22 والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون – الذاريات 47 والسماء رفعها ووضع الميزان – الرحمن 7 والسماء وما بناها – الشمس 5
من المهم الانتباه إلى تعبير " البناء " والذي يستخدم للدلالة على أن السماء بناء مادي تم رفعه أو بناءه بأيدي الملائكة، ولكن بعد تطور علم الفلك وبعد اختراع التليسكوبات أصبحنا متأكدين أن لا وجود مادي لبناء اسمه السماء من الأصل وأن اللون الأزرق ما هو إلا لون ظاهري للغلاف الجوي للأرض الذي يمتص جميع ألوان الضوء القادم من الشمس ما عدا اللون الأزرق. لنتأمل الآية التالية: ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين واعتدنا لهم عذاب السعير – الملك 5 ) حيث من الواضح أن مليارات النجوم والكواكب في كون بلا قرار ما هي إلا زينة للقبة السماوية للأرض وأن الشهب التي تضيء بمجرد احتراقها عند دخولها للغلاف الجوي ما هي إلا رجوماً للشياطين ! وللتأكد من أن القرآن يفاخر ببناء مادي للسماء لنتأمل معاً الآية التالية: ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ- الرعد 2 ) من الواضح أن السماء في القرآن عبارة عن جسم مادي تم رفعه وأن المعجزة تكمن في أن هذا البناء المادي مرفوع بلا أعمدة !
2- نزول الحديد من خارج الأرض والإعجاز الرقمي
" وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديد ومنافع للناس – الحديد 25 "
يدعي الإعجازيون أن هذه الآية تحتوي على إعجاز علمي، فالحديد حسب رؤيتهم نزل من السماء لذا فهو متواجد في القشرة الأرضية الخارجية، بينما علم الجيولوجيا يؤكد أن الحديد هو أكثر المعادن شيوعاً في العناصر الأرضية حيث يشكل 35 % من الأرض علاوة على وجوده في تركيب الكتلة المنصهرة في باطن الأرض العميق وهذا ينفي سطحية تواجده، ولكن من لديه استعداد لإعمال العقل، وها نحن نؤكد من جديد أن الإيمان لا يحتاج إلى العقل بل إلى التصديق دون فحص أو تقليب أو مراجعة. أما قصة الوزن الذري أو العدد الذري للحديد فهي مراوغة مكشوفة، فترتيب السورة هو 57 بينما الوزن الذري للحديد هو 55.845 ، وثمة ملاحظة مهمة، وهو أن ترتيب السور في القرآن عمل بشري محض وليس إلهياً من الأصل، فالقرآن تم ترتيبه على يد أولئك الذين جمعوه في عهد الخليفة عثمان فأين الإعجاز في علاقة ملفقة لوزن الحديد الذري برقم سورة الحديد ؟!
3- تكوين النملة
" حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ – النمل 18 ".
من الجدير ذكره هنا، أن الإعجازيين يمررون أكاذيبهم واستغفالهم للناس بقصص غريبة تفتقر إلى أي توثيق، فيدعون أن عالما غربياً ( بلا اسم )، قد اكتشف أن الزجاج يدخل في تكوين جسم النملة، ولهذا ذكر القرآن مفردة ( يحطمنكم ) التي لا تستخدم إلا للتعبير عن تحطيم الزجاج، وينتهون من هذه الفبركة أن العالم عندما علم بوجود هذا اللفظ في القرآن أعلن إسلامه فوراً ! يذكر ابن كثير في تفسيره لهذه الآية ما يلي: (أَوْرَدَ اِبْن عَسَاكِر مِنْ طَرِيق إِسْحَاق بْن بِشْر عَنْ سَعِيد عَنْ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن أَنَّ اِسْم هَذِهِ النَّمْلَة حَرْس وَأَنَّهَا مِنْ قَبِيلَة يُقَال لَهُمْ بَنُو الشِّيصَان وَأَنَّهَا كَانَتْ عَرْجَاء وَكَانَتْ بِقَدْرِ الذِّئْب أَيْ خَافَتْ عَلَى النَّمْل أَنْ تُحَطِّمهَا الْخُيُول بِحَوَافِرِهَا فَأَمَرَتْهُمْ بِالدُّخُولِ إِلَى مَسَاكِنهمْ فَفَهِمَ ذَلِكَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام مِنْهَا .) سأترك التعليق على اسم النملة وقبيلتها للقاريء العزيز، ولكن دعونا نعود إلى كلمة ( يحطمنكم ) التي لا تستخدم إلا للزجاج حسب زعمهم، فهل حقاً لو قام طفلٌ بتحطيم لعبته البلاستيكية ألا يكون ذلك تحطيماً ؟ وعندما تقصف طائرة دبابة بصاروخ ألا نقول أن الدبابة قد تحطمت ؟ ألا يقوم الديناميت بتحطيم الصخور ؟ ألا تستحق الأمة الإسلامية أن يذكر اسم العالم الذي أعلن إسلامه عندما علم بأمر كلمة ( يحطمنكم ) ؟ ألم يقم النبي إبراهيم ( بتحطيم ) الأصنام التي بنيت من حجارة وليس من زجاج ؟! إذن فعل " التحطيم " لا يأخذنا بدلالة لغوية حصرية على الزجاج، وللإمعان في التحليل العقلي الذي يؤكد أن " الحطام " لا يعني بالضرورة تحطيم الزجاج تأملوا معي الآية التالية: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ - الزمر 21 )، هنا نجد بكل بساطة أن الحطام " وبلغة القرآن نفسها " هو للزرع الذي يجف وليس بالضرورة للزجاج.
4- السائل المنوي
" فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب – الطارق الآيات 5، 6، 7 " تعبير " ابني من صلبي " شاع بين العرب، وحتى الآن تعتقد عامة الناس أن السائل المنوي مصدره الظهر وبعضهم يطلق عليه " ماء الظهر ". ولكن علم البيولوجيا يقرر بكل بساطة أن مصدر السائل المنوي هو الخصيتين وليس " الصلب " ! الإعجازيون باعتبارهم يعتمدون الكذب كوسيلة للترويج لبضاعتهم، على أتم استعداد لاختراع علم بيولوجي جديد لكي يبرهن بكل تعسف أن مصدر السائل المنوي هو الصلب. بعضهم جاهزون لاتهام الناقد بالجهل وقلة المعرفة وبعضهم الآخر لا يهدأ حتى يطلق الشتائم والسباب باعتباره لا يملك عقلاً بل إيماناً !
5- سجال بنت الشاطيء مع مصطفى محمود
تأملوا معي الآية التالية: ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ – العنكبوت 41 ). لعدة عقود خلت قام مصطفى محمود بالترويج للفكرة القائلة بأن أنثى العنكبوت هي التي تبني البيت ولهذا ورد الفعل للمؤنث فجاء اللفظ ( اتخذت ) وهذه حقيقة بيولوجية تؤكد أن القرآن قد اكتشفها من قبل 1400 عاماً ! بنت الشاطيء بحثت في الأمر فوجدت أن تأنيث جميع الحشرات بهدف تحقيرها هو من صميم لغة العرب، فقالوا عن المفرد ( نملة ونحلة ودودة ) ولم يقصد المعنى العلمي الذي قام مصطفى محمود بطرحه.
في الختام نعيد التأكيد على أن القرآن كتاب هداية وإيمان روحي وتعبد وصلاة وليس مرجعاً للفيزياء ولا لعلوم الفلك والبيولوجي، وعلى ضوء ما تقدم فإنني أطالب بتقليل الجرعة الدينية في وسائل الإعلام والتفكير جدياً بالتوقف عن خلط الدين بالعلم أو بألاعيب السياسة الهادفة في النهاية إلى الوصول لكرسي الحكم، وبدلاً من جرعات الدين الهائلة في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام، يجب التفكير في بناء مراكز للبحث العلمي وفي مقدمتها أبحاث الطب المتعلقة بمكافحة أمراض السرطان والفشل الكلوي والقلب وغيرها من الأمراض الفتاكة التي ترهق المرضى وذويهم بتكاليف علاجها المرتفعة، وخلاصة القول أن العلمانية ليست معادية للأديان بل هي الإصرار على الفصل بين الدين والدولة من جهة وبين الدين والعلم من جهة أخرى.
دمتم بخير
| |
|