منتديات يورانيوس
أهلا وسهلا بك ضيفنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمــات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدنا.... شــكـــرا
منتديات يورانيوس
أهلا وسهلا بك ضيفنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمــات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدنا.... شــكـــرا
منتديات يورانيوس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
رزان
مشرفة
مشرفة
رزان



 السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Empty
مُساهمةموضوع: السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية    السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Emptyالسبت مارس 23, 2013 2:40 pm

محمد نبيل الشيمي



السلفيون قادمون – السلفيون يهددون ... السلفيون يطالبون بإطلاق مليون لحية
– السلفيون ينبشون المقابر ويهدمون الأضرحة – السلفيون يرفعون أعلاماً
سوداء ويعلنون الجهاد لتحرير القدس – السلفيون يتهمون الليبراليين
والعلمانيين بالكفر ويدعون عليهم في المساجد – السلفيون يطالبون بتغطية
وجوه التماثيل الفرعونية بالشمع ... السلفيون يطبقون الحدود دون الرجوع إلى
ولى الأمر – اختلطت الأوراق وتاهت الحقائق – وتزايدت حالات الفزع والخوف
من المستقبل – اعتبر السلفيون أنهم حراس العقيدة وأوصياء على الدين ,,,
هكذا بدأ المشهد – وليس معلوماً متى سينتهي ... ولكن حتى مع فرض انتهائه
فإن ذلك لا يعنى انتهاء السلفية ... فما هي السلفية ... ومن هم السلفيون
... ماجذورهم ... وما أفكارهم ؟


يقول د.فهمي جدعان في دراسته(السلفية حدودها وتحولاتها) : سيكون خطؤنا
بالغاً إذا اعتقدنا حقاً أن مصطلح السلفية هو من المصطلحات البينة بذاتها
أو المحكمة التي لا يختلف في أمرها المختلفون فالحقيقة هي أن هذا المصطلح
هو واحد من أكثر المصطلحات دخولاً في باب اللبس واللغط وسوء الفهم
والتقدير.


وفي الأوساط نفسها التي جرت العادة علي نسبتها إلي السلفية تبدو هذه النزعة
أحياناً مذهباً مبتدعاً من شأنه أن يثير الفتنة والشقاق في جسم الوجود
الإسلامي الذي لا ينبغي أن يتحدد بغير الرد إلي مفهوم أهل السنة والجماعة
فحسب لا إلي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة...ويري الكاتب أن السلفية
بأشكالها المختلفة وأحوالها المتماثلة أو المتباينة أو المتناقضة ,عقيدة
أو عقائد وموقف أو مواقف على أنها اجتهادات نظرية ومواقف عملية ولن يتيسر
فهمها وتسويغها وتحديد وضعها إلا باستحضار ثلة محددة من الرؤي والوقائع .


معني السلفية/


لغوياً...جاء في معجم ألفاظ القرآن الكريم ....سلف..يسلف..سلفا...سلوفا
..بمعني مضي وتقدم والسلف من تقدم وأسلف أي قدم وفي المعجم الوجيز سلف تعني
مضي وانقضي...ويقول ابن منظور السلف والسليف والسلفة بمعني الجماعة
المتقدمون أما ابن الأثير فيقول ....وقيل سلف الإنسان من تقدم بالموت من
آبائه وذوي قرابته ولهذا في رأيه سمي الصدر الأول من التابعين السلف
الصالح.


اصطلاحاً..قال أحد الأئمة المراد بمذهب السلف ما كان عليه الصحابة وأعيان
التابعين لهم وأتباعهم وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة وعرف عظم شأنه في
الدين وتلقي الناس كلامهم خلفاً عن سلف دون من رمي ببدعة أو شهر بلقب غير
مُرضٍ مثل الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجهمية ومن علي
شاكلتهم...وهناك من يري أن السلفيين من ساروا علي منهاج الكتاب والسنة
والدعوة إليهما والعمل بهما ..كما يري آخرون أن السلف هم أهل القرون
المفضلة فمن اقتفي أثرهم وسار علي منهجهم فهو سلفي ومن خالفهم فهم من
الخلف..ثم إن هناك من يقول إن السلف هم أصحاب رسول الله (ص) الذين حضروا
عصره فأخذوا منه الدين مباشرة غضاً طرياً ويدخل في هذا المعني التابعون
لأصحاب الرسول الذين ورثوا علمهم قبل أن يطول عليه الأمد والذين شملتهم
شهادة الرسول لهم وثناؤه عليهم بأنهم خير الناس ويمتد هذا التعريف إلي
تابعى التابعين


وفي تعريف للموسوعة الحرة ويكيبديا لمصطلح السلفية .


يراد بالسلفية السلف وهي جمع سالف وهو كل من تقدم من الآباء وذوي القربي في
السن أو الفضل ، والسلف في الإسلام السنى هم القرون الثلاثة الأولى
المشهود لهم بالخيرية بنص الحديث عن الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) : "
خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " وهم كما
عرفوا فيما بعد " الرسول وأصحابه والتابعون وتابعيهم بإحسان وتستخدم لفظة
سلفي بصفة عامة لمن يتمسك بالأصول الأساسية في المذهب أو التيار أو الحزب
ولا يرحب بالأفكار التجديدية ويفضل التمسك بالتراث - والسلفية في الإسلام
هم متبعو منهج السلف الصالح والعودة للأصول النقية للإسلام .


يذكر أن ابن تيمية وشيوخ السلف النصية لم يطلقوا على أنفسهم " سلفية "
وإنما كانوا يشيرون لأنفسهم بأهل السنة والجماعة لاعتقادهم أنهم الفرقة
الناجية المتبعة للمنهج الصحيح لأهل السنة والجماعة ، وإنما ظهر مصطلح
السلفية في الأساس للتعبير عن تيار إسلامي ظهر في عهد الدولة العثمانية
يدعو لنبذ التعصب المذهبى الذي كان شائعاً حينها , الذي أطلق عليه حديثا
إصلاحية ولكن في الوقت الحالي يعتبر مصطلح سلفية المجرد عن السلفية النصية
أو التقليدية حيث استخدمه علماؤهم المعاصرون كمسمى تمييزي عن باقي المدارس .


ويرى د. محمد عمارة في دراسته " السلفية: واحدة ؟ أم سلفيات ؟ " أن السلفية
في الاصطلاح هي العصر الذهبي الذي يمثل نقاء الفهم والتطبيق للمرجعية
الدينية والفكرية قبل ظهور الخلاف والمذاهب والتصورات التي وفدت على الحياة
الفكرية الإسلامية ، بعد الفتوحات التي أدخلت الفلسفات غير الإسلامية على
فهم " السلف الصالح للإسلام والسلفية ...وأيضا هو كل عمل صالح قدمه الإنسان
– ويرى الأستاذ/ محمد عبد الله الخطيب في دراسته عن السلفية بعنوان
"السلفية : حقيقتها ومكانتها في الحركة الإسلامية المعاصرة " .




" وقد بين العلماء أن المراد بمصطلح السلف تاريخاً هم الصحابة والتابعون من
أهل القرون الثلاثة الأولى فأصبح مذهب السلف علماً على ما كان عليه هؤلاء
ومن تبعهم من الأئمة الأربعة وغيرهم كسفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ،
والليث بن سعد ، وعبدالله بن المبارك ، والبخاري ، ومسلم وسائر أصحاب السلف
الذين اتبعوا طريقة الأوائل جيلاً بعد جيل .


ولقد استمر هذا المصطلح على سعته وحيويته وشمل مختلف العلماء والدعاة
والمصطلحين من أهل السنة والجماعة على مختلف مراحل وفترات التاريخ الإسلامى
بما فيها المرحلة الحاضرة. "


مصادر التلقى عند السلفيين


جاء في كتاب الرسالة للإمام الشافعي أن السلفيين يعتمدون في تلقى الدين على المصادر الآتية :


• القرآن الكريم : وهو المصدر الرئيسى عند السلفية ويستعينون على فهمه
وتفسيره بالعلوم المساعدة على ذلك كعلوم اللغة العربية ، والعلم بالناسخ
والمنسوخ وأسباب النزول وبيان مكيه ومدنيه ونحو ذلك من العلوم .


• السنة الصحيحة : والسنة عندهم هي كل ما صححه علماء الحديث عن النبي (صلى
الله عليه وسلم ) من الأقوال والأفعال والصفات الخلقية أو الخلقية
والتقديرات ,والسنة منها الثابت الصحيح ومنها الضغيف ، والصحة شرط لقبول
الحديث والعمل به عندهم بحسب قواعد التصحيح والتضعيف ، ولا يشترطون أن يكون
الحديث متواتراً – بل هم يعملون بالمتواتر والآحاد على السواء


• الإجماع : اتفاق جميع رجال الدين المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور
على حكم شرعى . فإذا اتفقوا سواء كانوا في عصر الصحابة أو بعدهم على حكم
من الأحكام الشرعية كان اتفاقهم هذا إجماعاً والسلفيون لا يقرون قولاً ولا
يقبلون اجتهاداً إلا بعد عرضه على تلك الأصول بل يجتهدون بآرائهم في ضوء
تلك المصادر من دون أن يخالفوها – ثم إنهم يأخذونه بالقياس وهو حجة عند
جمهورهم سواء كان قياساً جلياً أو خفياً . وخالفت الظاهرية فأخذوا بالقياس
الجلى دون الخفى .


يعتقد السلفية ألا تعارض بين نقل صحيح وعقل صريح . وأن النقل مقدم على
العقل فلا يجوز معارضة الأدلة الصحيحة من كتاب وسنة وإجماع بحجج عقلية أو
كلامية .


وعموماً فإن الأخذ بالقياس يجوز عندما لا يوجد نص في مسألة بعينها أو عند
وجود نص غير واضح الدلالة أو غير صريح ………. ( موقع واحة العقيدة )




الأفكار ( عند البعض الأصول العلمية للسلفيين )


التوحيد :


السلفية يؤمنون بوحدانية الله وأحديته ويؤمنون بأن الله هو رب هذا الكون
وخالقه . ويؤمنون بان لله أسماءً وصفات أثبتها لنفسه في القرآن وفى سنة
نبيه (صلى الله عليه وسلم) ، فيثبتون لله كل ما أثبته لنفسه في القرآن
والسنة الصحيحة من الأسماء والصفات ، ويوجبون الإيمان مجتنبين التشبيه
معتقدين أن الله لا يشبه شيء من صفاته صفات الخلق – كما لا تشبه ذاته ذوات
الخلق كما ورد في القرآن : " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " سورة
الشورى" وعلى هذا مضى سلف الأئمة وعلماء السنة والتأويل ووكلوا فيها إلى
الله ... (شرح السنة / البغوى ( موقع واحة العقيدة )


كما يعتقدون أن الله وحده هو المستحق للعبادة فلا تصرف العبادة إلا لله ،
ويوجبون على العباد أن يتخذوا الله محبوباً مألوها ويفردونه بالحب والخوف
والرجاء والإخبات والتوبة والنذر والطاعة والطلب والتوكل ، ونحو هذا من
العبادات وأن حقيقية التوحيد أن ترى الأمور كلها من الله رؤية تقطع
الالتفات إلى الأسباب والوسائط فلا ترى الخير والشر إلا منه ، وأن من صرف
شيئاً من العبادة لغير الله متخذاً من الخلق أنداداً وسائطاً بينه وبين
الله فيرون ذلك شركاً ( تجريد التوحيد المفيد/ المقريزى ) موقع واحة
العقيدة


ولم تقف عقيدة التوحيد عند اليقين فحسب ولكنها تمتد لتطبع الفكر الإسلامى
بالنظر والتأمل والإدراك والوعى المستنير – إذ أن عقيدة التوحيد من البساطة
بحث لا يجد العقل عناءً في إدراكها ولا تحس الروح جفوة لها


إن عقيدة التوحيد هي جوهر الإيمان في الإسلام وهى التي اجتمع عليها
المسلمون منذ جاءهم محمد (ص) برسالة ربه مبشراً ونذيراً وعليها اتسق تفكير
الجماعة الإسلامية الأولى التي كانت الأساس في التآلف الفكري الذي جمع
بينها … والذي قام عليه المجتمع الإسلامي ( د حسين فوزي النجار ( الدولة
والحكم في الإسلام ) .


القدر : يؤمن السلفيون بالقدر خيراً أو شراً ويؤمنون به علي جميع مراتبه وهي /


- العلم / فيؤمنون أن الله سبحانه علمه أزلي أحاط بكل شئ بما كان وبما سيكون وما لم يكن .


- الكتابة / وهي أول تكليف للقلم ليكتب مقادير وحظوظ الخلائق ووضعها في اللوح المحفوظ حتي قيام الساعة .


المشيئة :


ويؤمنون أن الله مشيئته نافذة فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن , ولا
يحدث شيء صغير أو كبير إلا بمشيئته وهم يفرقون بين المشيئة الكونية
والمشيئة الشرعية فما أراده الله كوناً خلقه خيراً كان أو شراً وما أراده
شرعاً أمر بت من عباده ودعاهم إليه فعلوه أولم يفعلوه .


الخلق :


فما أراده الله خلقه في اجل معلوم ومنهم من قال إن الفرق بين القضاء والقدر
هو الخلق فإذا علم الله أمراً فكتبه وجرت بت مشيئته فذلك هو القدر ، حتى
إذا خلقه الله فذلك هو القضاء .... ( شرح العقيدة الطحاوية " لابن أبى العز
الحنفى ) – موقع واحة العقيدة


الإيمان /


يؤمن السلفية إن الإيمان قول باللسان ، وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح ويزيد
بزيادة الأعمال ، وينقص بنقصانها ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل ولا قول
ولا عمل إلا بنيةولا قول ولا عمل ولا نية إلا بموافقة السنة وأنه لا يكفر
أحد بذنب من أهل القبلة .


( اعتقاد أئمة الحديث لأبى بكر الإسماعيلى ) موقع واحة العقيدة .


وهم متفقون على إن للإيمان أصل وفروع ، وأن الإيمان لا يزول إلا بزوال أصله
. لذا فهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب ولا معصية ، إلا أن يزول
أصل الإيمان ، ولا يوجبون العذاب ولا الثواب لشخص معين إلا بدليل خاص .... (
أهل السنة والجماعة معالم الأنطقة الكبرى " لمحمد عبد الهادى المصرى ) –
موقع واحة العقيدة.


السلفية يحبون ويتولون صحابة محمد وأهل بيته وأزواجه أجمعين ويؤمنون
بفضائلهم ومناقبهم التى أثبتت لهم في القرآن والسنة ويؤمنون بأفضلية
الخلفاء الراشدين على جميع البشر بعد الأنبياء وأن ترتيبهم حسب الأفضلية هو
أبو بكر ثم عمربن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم على بن أبى طالب ثم باقى
العشرة المبشرين بالجنة وهن أزواجه في الآخرة خصوصا خديجة بنت خويلد وعائشة
بنت أبى بكر ,


وهم لا يؤمنون بعصمة احد من الصحابة بعينه ، بل تجوز عليهم الذنوب ويعتقدون
بعصمة إجماعهم فقط ويسكتون عما شجر بينهم وأنهم فيه مجتهدون معذورون ، إما
مخطئون وإما مصيبون ، وهم بالجملة خير البشر بعد الأنبياء ... ( العقيدة
القيروانية ) لابن أبى زيد القيروانى - موقع واحة العقيدة.


ولقد برزت هذه العقيدة كركيزة رئيسية للمنهج السلفى وذلك في مواجهة المد الشيعى المتمثل في الثورة الإسلامية الإيرانية وتوابعها .




البدع وموقف السلفيين منها :


البدعة لغة عبارة عن إحداث أو إنشاء شأ أو وضعه بدون احتذاء أو اقتداء بأصل
أو مقال سابق أو هي إحداث شأ لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة ...
والبدعة اصطلاحاً هي الإضافة إلي الدين في أصوله لا فروعه دون الاستناد إلي
نص يقيني الورود وقطعي الدلالة ( د. صبري محمد خليل – مصدر سبقت الإشارة
إليه ) .


ويعتقد السلفية بأن البدعة هي : طريقة في الدين مخترعة ، تضاهى الشريعةيقصد
بالسلوك عليها ما يقصد بالسلوك على الطريقة الشرعية ... ( كتاب الاعتصام
للشاطبى )


فهى أن البدعة إضافة إلى أصول الدين .


وبحسب هذا التعريف ، فمن معالم العقيدة السلفية كراهيتهم لما يعتبرونه
بدعاً – كما يبغض السلفيون من يعتبرونهم أهل البدع الذين أحدثوا في الدين
ما ليس منه ، ولا يحبونهم ولا يصاحبونهم ، ويحذرون منهم ومن بدعهم ولا
يألون جهداً في نصحهم وزجرهم عن بدعهم ... ( عقيدة السلف أصحاب الحديث / (
الحافظ الصابونى ) موقع واحة العقيدة ) ... ومعني هذا كله أن السلفيين
يؤكدون علي ضرورة إلغاء الإضافات التي طرأت علي فهم السلف الصالح لهذه
الأصول أي البدع ( د. صبري محمد خليل – مصدر سبقت الإشارة إليه ) .


السلفية وأحكام الشريعة الإسلامية


يعتقد السلفيون بوجوب إفراد الله بالحكم والتشريع وأن أحكام الشريعة
الإسلامية الواردة في الكتاب والسنة واجبة التطبيق في كل زمان ومكان حسب
فهمهم لها . ويعتقدون أن من أشرك في حكمه أحداً من خلقه سواء كان حاكماً أو
زعيماً أو ذا سلطان أو مجلساً تشريعيا أو اى شكل من إشكال السلطة – فقد
أشرك بالله ,ولكنهم يفرقون بين من كان الأصل عنده تحكيم الشريعة ثم حاد
عنها لهوى أو لغرض دنيوى وبين من أنكر أصلاً وجوب الاحتكام إلى أحكام
الشريعة الإسلامية ومال إلى غيرها من الأحكام الوضعية ... ( شرح العقيدة
الطحاوية لابن أبى العز الحنفى ) موقع واحة العقيدة .


السلفية بين الاجتهاد والتقليد :


يشير أ د. صبرى محمد خليل أن الاجتهاد لغة هو بذل الجهد والوسع في بلوغ
الغرض إما اصطلاحاً فهو بذل الوسع في النظر في الأدلة الشرعية باستنباط
الأحكام منها والمقصود بهذا تحصيل أدوات الاجتهاد مثل دراسة القرآن والعلم
بما فيه من الناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد والخاص والعام وكذا دراسة
الأحاديث النبوية وعلوم الفقه ويعتقد السلفيون أن باب الاجتهاد كان ولا
يزال مفتوحاً لأهل الاجتهاد والاستنباط على عكس بعض الفقهاء الذين زعموا أن
باب الاجتهاد قد أغلق ولم يبق للمسلمين إلا التقليد ويشترطون للمجتهد أن
يستكمل شروط الاجتهاد العلمية من معرفة القرآن وتفسيره وناسخه ومنسوخه
ومحكمه ومتشابهه وأسباب النزول ومعرفة الحديث النبوى ومعرفة الجرح والتعديل
والمحكم والمتشابه والصحيح والسقيم ، ومعرفة الجرح والتعديل وعلم الرجال
والناسخ والمنسوخ فيه وأسباب ورود الحديث والمحكم والمتشابه والصحيح
والسقيم ، ومعرفة علم أصول الفقه ومعرفة اللغة العربية نحوها وصرفها
وبلاغتها ومعرفة الواقع الذى تطبق عليه أحكام الشريعة وان يكون ممن آتاه
الله فضله وذكاء ...


( الدعوة السلفية ) محمود عبد الحميد العسقلانى ...- موقع واحة العقيدة


والسلفية يحاربون التعصب للمذاهب الفقهية ويدعون لتلقى الأحكام مباشرة من
الكتاب والسنة قدر المستطاع حتى لو خالف ذلك جميع الآراء المذهبية .


وفيما يتعلق بالتقليد فإن التقليد وفقا لرؤية د. صبرى محمد خليل هو قبول
قول القائل بلا حجة يذكرها : والسلفيون يتناقض فكرهم مع التقليد لأن النصوص
ذمته ولأن السلف الصالح نهوا عنه إلا أن السلفيين يجيزون التقليد في مواطن
عدة منها الجاهل المحض الذى لا يفهم المقصود من الآية والحديث ، كذلك
المسائل الاجتهادية التى ليست فيها نص من الكتاب أو السنة صحيح صريح يدل
على المعنى بوضوح فتختلف أنظار العلماء وافهامهم للنص وبعضهم يستدل به على
قضية ، والآخر يستدل به على عكس القضية – فهذه المسائل الاجتهادية الخلافية
أيضا يجوز فيها التقليد ( السلفية قواعد وأصول ) د . أحمد فريد – موقع
واحة العقيدة


يرى السلفيون بعدم جواز الاجتهاد فيما ورد به نص من القرآن والسنة ... ثم
إنهم يوافقون على الاجتهاد في المسائل التى وردت فيها نصوص متناقضة وهم
أيضا يرون أن هناك مرحلة متوسطة من الاجتهاد والتقليد وهى مرحلة الإتباع
(تقليد العالم في الحكم والدليل ) والإتباع عندهم يختلف عن الابتداع ويرون
أن خير الأمور الدينية ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع


والسلفيون يتبعون المذاهب الفقهية المعروفة عند أهل السنة والجماعة ولكنهم
أكثر ميلاً للمذهب الحنبلى ويكاد يكون مقصورا عليهم كما يكثر بينهم إتباع
المذاهب الأخرى . الشافعى والملكى والحنفى – كما يتبع بعضهم المذهب الظاهرى
... ( السلفية والمذاهب الأربعة )


الجهاد :


يعتقد السلفية أن الجهاد بموجب أحكام الشريعة الإسلامية هو فريضة كفاية قد
تتعين على أهل مكان معين أو زمن معين وأنها فريضة طلب ودفع ، يقصد بها
الدعوة إلى الله ونشر كلمته ، كما يقصد بها الدفاع عن المقدسات الدينية وعن
النفس والعرض والمال والعقل ولهذا فقد حرص أئمة السلفية على الدعوة إلى
الجهاد والحث عليه ، كما قاموا بأداء واجبهم الجهادى بأنفسهم في مقاومة
أعداء الإسلام




رأي السلفيين في علم الكلام .


يعتقد السلفيون بأن علم الكلام هو علم دخيل على الإسلام استمده أوائل
المتكلمين من فلسفة اليونان وحكمة الفرس ( السلف والسلفية للدكتور محمد
عمارة ) وأن طريقة علماء الكلام كالحديث عن الجواهر والأعراض ، والحادث
والقديم هي طريقة مبتدعة لم يكن عليها سلف الأمة الصالح ، ولذا فهم يؤمنون
بأن علم الكلام لا يصلح لاستنباط أصول الدين ومعرفة الله ، وأن النصوص
الإسلامية من قرآن وسنة نبوية فيها ما يكفى من الحجج العقلية والبراهين
المنطقية لمجادلة المخالفين ودعوتهم إلى الإسلام .... ( الغنية عن الكلام
وأهله لأبى سليمان الخطابى ) موقع واحة العقيدة


وقد ذهب بعض السلفيين إلى جواز استعمال علم الكلام في باب الرد على أهل
الكلام ولدفع مزاعمهم بنفس طريقتهم – وإن التزموا بطريقة السلف في عدم
الاستدلال ابتداءً بالحجج الكلامية لإثبات الحقائق الشرعية ( ومن هؤلاء
الحافظ ابن تيمية ( مختصر شرح الطحاوية للألباني ) والحافظ جمال الدين
المزى ( طبقات الشافعية لتاج الدين السبكى ) ... ولكن هذه الطريقة لم تلقَ
قبولاً عند بعض السلفية ، الذين منعوا الخوض في علم الكلام مطلقاً (مثل
الحافظ الذهبى ( طبقات الشافعية ) لتاج الدين السبكى ) والمحدث الألبانى
...( مختصر شرح الطحاوية للألباني .) موقع واحة العقيدة


الفرق بين السلفية والمدارس الكلامية


للمنهج السلفى عدة قواعد مثل إعلاء النقل على العقل ورفض التأويل بغيردليل
وعلم الكلام مع كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث والإقلال من الرأي الشخصى
عند الكلام عن الدين لذا فإن أهم أفكار السلفيين أنهم يقدمون النقل على
العقل فبعد قول الله ورسوله فلا قول لأحد وهم يحترمون ويتأدبون مع النص في
الكتاب والسنة الصحيحة ، ولا تقديم لقول أحد أو هوى أحد على كلام الله عز
وجل ، أو كلام رسول الله .


رفض التأويل الكلامى :


التأويل بالمعنى الاصطلاحى ، والذى استعمله السلف ، صرف اللفظ عن ظاهره إلى
معنى آخر ، معنى مرجوح ، فمثل هذا التأويل مردود عند السلف . لأن ظاهر
الكتاب والسنة يجب القول به ، والمصير إليه وهم يقولون إن فتح باب التأويل
يهدم الدين ، ولكان لكل إنسان أن يقول ظاهر الآية غير مراد ، وظاهر الحديث
غيرمراد ، إنما أراد الله عز وجل كذا ، وإنما أراد رسول الله كذا ويعني هذا
أن أي تأويل كما فعلت الخوارج وغيرهم من أهل البدع يفتح باباً من أبواب
الشر وهم في ذلك يستزيدون من الاستدلال بالآيات والأحاديث والتقليل من
الأخذ بالرأي


السلفيون هم أسعد الناس بالكتاب والسنة فهم أهل السنة يجمعون النصوص من
الكتاب والسنة في المسألة الواحدة ثم تكون هي أصولهم التى بها يقولون ،
وحولها يدندنون ، فهم لم يؤصلوا غير ما أصله الله عز وجل أو رسوله (صلى
الله عليه وسلم ) .


لذلك فإن الكتب التى تنسب إلى أئمة السنة ومن ينتهج بأفكارهم – يستدلون
دائماً بالآيات والأحاديث ، فهى جنتهم التى فيها يرتعون ، واليها ينقلبون ،
بخلاف الكتب الفكرية ، وكتب أهل البدع ، والكتب التى تقول بأشياء تخالف
النصوص ، فيرجعون إلى عقولهم ، أو بعض الآراء التى يستطيعون أن يروجوا على
الناس بها باطلهم .


يقول د. صبرى محمد خليل في دراسته ( دراسات في المنهج السلفى )


• إن تطبيق المنهج السلفى الواحد في أزمنة وأمكنة متعددة يثمر مذاهب سلفية
متعددة ، ففى مجال الفقه مثلاً نجد أن المذاهب الحنبلي / المالكي / الشافعي
ومذاهب الأوزاعى والثوري .... كلها مذاهب فقهية سلفية لأنها محصلة تطبيق
ذات المنهج السلفى الواحد لكنه على أزمنة وأمكنة متعددة .


• إنه إذا كان من الممكن أن نطلق صفة السلفية على مذهب معين ، فإنه لا يصح
أن نقصرها عليه لأن هذا يعنى إلغاءً لعموم دعوة القرآن والسنة لجميع
المسلمين للاقتداء بالسلف الصالح وإنكاراً لخصوبة المنهج السلفي وقابليته
للتطبيق على أمكنة وأزمنة متعددة وبالتالى إنتاج مذاهب متعددة .




فالحقيقة كما يراها الباحث د. فهمى جدعان هي أنه ليس ثمة سلفية واحدة وإنما
هناك سلفيات وهذه السلفيات ثلاث على الأقل : السلفية التاريخية التي تنحو
العقائد بنظرة إيمانية ويحتل فيها ( الوسيط السلفى ) مكانة مركزية في فهم
الإسلام وعيشه وإنقاذ تعاليمه وفى الالتزام بالطاعة والانقياد والإتباع
لجيل السلف ولولى الأمر والدولة وتولى الجماعة والحرص على وحدتها وعلى
عدالتها برغم كل شيء – الثانية هي السلفية التاريخية التى تجيز اجتهاد
البشر من خلال الفهم والاستدلال والاستنباط والعمل والتى أغلقت السلفية
التاريخية أبوابها دونها .- ويطيب للبعض أن يطلق عليها السلفية الإصلاحية
أو الاجتهادية أو المجددة وهى بذلك تتجاوز الحواجز والحدود المغلقة التى
تفصل بين دار الإسلام وتراثه الأصولي وبين الديار الأخرى بما تملكه من
معارف وتقنيات . وترى هذه النزعة بأن مضاهاة العالم الحديث لابد أن تتم
بأدواته وببعض قيمة أيضا , سائرة بذلك في طريق التجديد والتغيير المعزز
للوجوه العلمية – السياسية والأخلاقية والاجتماعية – من تطوير ( ديار
المسلمين ) غير منكرة على المجتمع عدالته وإيمانه ولا على الدولة شرعيتها
بإطلاق وان كانت تسعى إلى إيفاد مقاصدها في هداية المجتمع وإصلاح الدولة
بآليات الضغط الأخلاقية والاجتماعية والسياسية " وإنكار المنكر " بدرجات
متفاوتة من الرحمة والشدة والإدانة " التي لم تبلغ على وجه الإجمال مبلغ
السلفية المتعالية المباشرة " أو المقاتلة التى تحلق خارج السرب وأدركت
حالة الجمود والتى أصابت كل السلفيات القديمة واعتنقت مبدأ " جاهلية "
المجتمع والدولة وكفرهما ودفعت إلى اسقاط الوسائط البشرية بينها وبين النص
الدينى ورأت في النص مفهوم " المقاتلة " والجهاد والتدخل الفعلى المباشر
الفردى والجمعى لإنقاذ عملية التغيير وإعادة ما ترى أنه " الخلافة على نهج
النبوة " معتقدة أن المجتمع والدولة كليهماقد خرجا على الشريعة الإلهية .
وأنه ليس ثمة طريق للعودة إلى الشريعة إلا " الحديد " والقتال بغض النظر عن
النتائج التى يمكن أن تترتب عن هذه المواجهة الحديدية – (وهذا يعود بنا
إلى ما أكد الباحث من أن تباين هذه السلفيات في الماهية والدرجة والمقاصد
والوسائل , يلقى بظلال عدم اليقين والشك واللبس على " حالة " المفهوم نفسه
طالما أنه يتعذر التسليم والاتفاق على نحو قاطع بأن السلفية الحقيقية هي
هذه بالذات لا تلك الثانية أو الثالثة أو غيرها .)




ويطرح د . حيدر إبراهيم على سؤالاً – لماذا السلفية وذلك في دراسته ( الاتجاه الفلسفى )


" يحاول الفكر السلفى بمختلف اتجاهاته وتياراته , التعبيرعن موقف الدين
كنصوص أو نص مقدس من الواقع وتحولات التاريخ والحياة فالسلفية في الأساس
فكر أزمة بسبب محاولة التوفيق بين المثال والواقع – وبين تأكيد الذات
ومواجهة الأخر وبين الزمني ( النسبي ) وبين الأزلي ( المطلق ) فهى محاولة
للتكيف ولكن في نفس الوقت ترتكز على فرضية تعاليها – بسبب امتلاكها حقيقة
كاملة ونهائية – على تقلبات الحياة والمجتمع التى تقتضى التراجعات
والتنازلات


ويضيف الكاتب أن بعض الباحثين يعتقدون أن ظهور السلفية أو العودة إلى
الماضى مرتبط بحقيقة أن المسلمين يواجهون أزمات دورية متكررة نتيجة
التحولات التى يمكر بها أى مجتمع بشرى يعيش في التاريخ أو الزمن بتقلباته
ومن هنا تظهر حركات هدفها تمكين الإسلام من مواجهة الأزمات والتحديات –
وترى هذه الحركات أن الأزمة أصلاً سببها البعد عن أصول ومنابع الدين الأولى
. لذلك يكون الحل بتقريب المسلمبن إلى تلك المصادر.... ويشير د . حيدر
إبراهيم في دراسته المشار إليها .




ويرى باحثون وجود علاقة سببية بين التأزم الروحى والسياسى – الاجتماعى وبين
صعود حركات وتيارات العودة للأصول بتسميات مختلفة مثل الصحوة – البعث ,
التجديد , الإصلاح , اليقظة , النهضة , ويتم ذلك في شكل دورات تاريخية شبه
منظمة فمثلاً صاحب تدهور الدولة الأموية ظهور الخليفة عمر بن عبد العزيز
ومالك ثم اندلاع ثورات الشيعة وتنامى قوة العباسيين وعندما تعرضت الدولة
العباسية أثناء ضعفها لنفس المواقف ظهرابن حنبل , والشافعي , والقرامطة مع
سقوط الأموميين في الأندلس جاء ابن حزم ومع تدهور ألدوله الفاطمية ظهر صلاح
الدين وقبل سقوط العباسيين برز النووى وابن تيمية وابن القيم وابن كثير –
وخلال فترات الفوضى وغزوات المغول والأتراك كان البعث الشيعى وفى خلال
التدهور العثمانى ظهرت الوهابية والسنوسية والمهدية ومع زيادة المد
الاستعماري في المنطقة العربية وغيرها في المجتمعات الإسلامية فنشأت حركة
الإخوان المسلمين في مصر عام 1928ثم انتشارها في الأقطار العربية الأخرى –
واندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 وأيضا ظهور الحركات الإسلامية في المغرب
العربى والسودان والخليج


... وفى هذا يقول د . محمد عابد الجابرى في دراسته ( السلفية في طريق
النهضة .... مشكلة أم حل ؟ حيث يقرر أن جميع الحركات السلفية التى عرفها
التاريخ العربى الإسلامي كانت بمثابة تعبير عن عملية إعادة التوازن الذاتى
... وأن السلفية كانت دائما ذلك الجزء من التجربة التاريخية للإسلام السني
الذي تستعيد منه هذه التجربة ما يحفظ لها الوجود والاستمرارية عندما يفرز
تطورها الداخلى ما يهددها بالاندثار


فالسلفية – كما يقرر الجابرى نوع من المقاومة الذاتية لأمراض داخلية ذاتية
المنشأ ومن ثم تتسع عنده حمولة مفهوم ( السلفى ) ليشمل في أن واحد " محاربة
الاستعمار ومحاربة البدع والتقاليد الاجتماعية ( الشعبية ) والدعوة إلى
التجديد والتحديث في كل مجال في الفكر والسياسة والاجتماع .


غير انه حين يؤكد هذه الحقيقة يتخذها منطلقاً يتجاوز به رؤية أنصار السلفية
الذين يرونها وجهاً وحيداً لأي إصلاح أو نهضة : فهو يؤكد " أن جميع
التيارات السلفية من الحسن البصرى إلى محمد بن عبد الوهاب إلى الأفغاني
ومحمد عبده إنما كانت أحد مظاهر التجربة التاريخية للأمة أحد مظاهرها
الإصلاحية بل أحد مظاهر الإصلاح فيها – ومن ثم فيجب ألا ينظر إليها كوجه
وحيد – ويخرج من ذلك إلى القول بأن التجربة التاريخية للأمة العربية
الإسلامية تجربتها الراهنة مع الحضارة المعاصرة لا يكفى فيها استلهام نموذج
السلف الصالح وحده ، فهذا النموذج في رأيه كان كافياً للمسلمين يوم كان
التاريخ هو تاريخهم " فالنموذج المنشود ينبغى ألا يكون من نوع ( النموذج
السلف ) الذى يقدم نفسه كعالم يكفى ذاته بذاته : بل يجب أن يشمل جماع
التجربة التاريخية للمسلمين مع استفادة من التجربة التاريخية للأمم التى
تناضل مثل المسلمين من أجل الوجود والحفاظ على الوجود . وأيضاً ولم لا ؟؟
من التجربة التاريخية للأمم التى أصبحت تفرض حضارتها كحضارة للعالم أجمع .


ويؤسس الجابري رؤيته على إن السلفية كانت كافية وفعالة وإجرائية يوم كان
المسلمون وحدهم في بيت هو بيتهم وبيت لهم في الوقت نفسه " أما الآن فلابد
من التعامل بمنطق جديد تفرضه التغيرات " منطق الحضارة المعاصرة ويتلخص في
مبدأين : العقلانية والنظرة النقدية العقلانية في الاقتصاد والسياسة
والعلاقات الاجتماعية والنظرة النقدية لكل شيء في الحياة : للطبيعة
والتاريخ والمجتمع وطموحات للهيمنة العولمية . مرجع سبق ذكره


وهذا الرأي يطرحه د . فهمي جدعان حيث يرى أن هذا النمط السلفى نمط مجدد أي
السلفية المجددة التى توافقت زمناً في العالم الاسلامى مع عصر النهضة وقد
بدأت تجديده منذ حكم محمد على لمصر والتى شهدت الاتصال بالغرب والتى اتسمت
بايفاد البعثات إلى أوربا – والتى أثمرت عن ظهور البناء الإصلاحي على يد
جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده .


ويتتبع الجابري تجليات السلفية من خلال سياقاتها في مقاله من الوهابية إلى
السلفية الإصلاحية ... إلى الجهادية ) فيتوقف عند السلفية الوهابية التى
تتبنى الفهم السلفى للعقيدة لمواجهة البدع التى تنحرف بها – ثم ينتقل إلى
ما يسميه بالسلفية الإصلاحية التى مثلها الأفغاني ومحمد عبده فيرى أنها
تواصلت مع سلفية محمد بن عبد الوهاب فيما يخص تصحيح العقيدة ثم قفزت بها
فيما يتعلق بمشروع التقدم والنهضة ويميز داخلها على مستوى الاستيراتيجية
بين سلفية الأفغاني التي تعتمد الثورات الجماهيرية وسلفية عبده التى تعتمد
الوسائل السلفية ونبذ سياسية العنف .واجتناب معاداة الحكام المسلمين
والانصراف بدلاً من ذلك إلى تكوين أجيال تحمل الدعوة وتنشر التربية
الإسلامية حتى لو اضطرها ذلك لمهادنة ومداهنة الاحتلال مادام ذلك يدرأ
المفاسد إذ إن سلفية محمد عبده كانت إصلاحية نهضوية ولم تكن تورية ولا
جهادية .


وفى هذا الإطار ينسب الجابرى إلى محمد عبده نوعاً من اعتماد نمط من الفصل
بين الدين والسياسة . قوامه تأجيل العمل السياسي إلى أن يتم تكوين ما يكفى
من الرجال تكويناً صحيحاً في الدين وغيره من علوم الوقت ,


ويرصد الجابرى عدداً من الحركات ذات الامتداد السلفى لجأت إلى خيار الثورة
المسلحة ( مثل حركة الأمير عبد القادر في الجزائر- المهدوية في السودان –
حركة عمر المختار في ليبيا –ثورة ابن عبد الكريم الخطابى في المغرب ) ولكنه
يؤكد على سمة فارقة غلبت على هذه الحركات هي أنها لم تكن تتحرك في أفق
عولمى بل كانت فطرية محلية الطابع


يؤكد الجابري أن هذا الملمح كان مما ميز الإسلام السياسى النهضوى – فهو نهض
لمقاومة الغزو الاستعمارى لبلاد الإسلام معتمداً العمل المباشر فطرياً –
ومقتصراً على التضامن المعنوى ( وأحياناً المالي ) عالمياً – كما لم يكن
يضع الغرب كله في سلة واحدة بل كان يركز مناهضته التى كانت فطرية الطابع –
على الدول التى مارست الاستعمار , وأكثر من ذلك استغلاله المنافسة والخلاف
بين الدول الاستعمارية ، سالكاً مسلكاً براغماتياً , قوامه عدو عدوى صديقى.


ويخلص الجابرى من قراءته لتطور الحركة السلفية والإسلام السياسى المرتبط
بها إلى أن الإسلام السياسي المعاصر الذي ينسب إليه ما يعرف اليوم بالإرهاب
ليس امتداداً للسلفية النهضوية التي حملت مشعل الإصلاح الدينى ورفعت راية
مقاومة الاستعمار . رغم أنه يقع على الخط والمسار نفسيهما


وينتهى الجابرى إلى أن سلفية الأفغاني وعبده النهضوية كانت نقلة نوعية
قياساً مع سلفية محمد بن عبد الوهاب أما السلفية التى تسمى نفسها اليوم
بالسلفية الجهادية فهى نقلة نوعية مغايرة : ترتبط بالوهابية على صعيد السلف
فهى من هذه الناحية تعد نكوصاً بالنسبة للسلفية النهضوية الإصلاحية ولكنها
من ناحية أخرى تجاوز لها من حيث قفزها على القطرية والوطنية – وتطلعها إلى
التحول إلى عولمة مضادة . تجسم ما يسميه بالنقض الخارجي للأمركة , للعولمة
/ الإمبريالية .


وفى مقالته " الإخوان المسلمون في مصر والسلفية في المغرب " يتتبع الجابري
مسار تطور سلفية محمد عبده فيلاحظ أنها أسست على صعيد الفكر والواقع معاً
لتيارين : الأول تيار فكرى سلفى إصلاحى يستعيد سلفية ابن عبد الوهاب
ويتجازوها على صعيد الانفتاح على العصر ، والنزوع نحو التجديد في الدين
والفكر واللغة وهو التيار الذى توطد وتطور في المغرب العربى , خاصة مع كل
من النعاليى ومدرسته في تونس وابن بأديس في الجزائر ومحمد بن العربى العلوى
وتلميذه علال الفاسى بالمغرب وهذا التيار الذى يصفه بالمنتفع . هو الذى
أسس لقيام أحزاب سياسية وطنية زاوجت بين السلفية والتحديث وبين الأصالة
والمعاصرة متخذة من الاستعمار الفرنسى خصمها الخارجى الأول ومن الطرق
الصوفيه وشيوخها المتعاملين مع الاستعمار المكرسين للبدع ومظاهر الانحطاط
خصمها الداخلى .


أما التيار الثاني – وهو المباشر والأساسي – فهو ذلك الذى استمر ينمو
وينتشر في المشرق العرى وفى مصر خاصة . عبر رشيد رضا وآخرين , ثم عبر جماعة
الإخوان المسلمين التى تأسست في النصف الثانى من عشرينيات القرن العشرين .


في رأى الجابري كان قيام جماعة الإخوان ظاهرياً تطبيقاً للإستراتيجية التي
انتهى إليها عبده من حيث فكرته فيما يسمي إستراتيجية التدرج من تكوين
مجموعة تليها مجموعات تتولى الدعوة للإصلاح والعمل له مع تربية الشعب تربية
دينية صحيحة ، لكنها خرجت فعليا على نهجة الذى لم يكن يقصد أن تتحول هذه
الجماعات إلى جماعات سرية وتتطور أحياناً لممارسة العنف وهو الاتجاه الذى
كان عبده قد قطع معه بعد الفشل الذى رآه بأم عينه سواء في مصر حركة عرابى
الثورية أو في متاهات الحركات السياسية والفكرية المتاحنة .


وفى رأى الجابرى أن أول الاختلافات كان في الرؤية السياسية فرغم أن السياسة
كانت حاضرة في إستراتيجية محمد عبده فإن الهدف السياسي الذي قصده منها كان
ينحصر في تكوين رأى عام وطنى يعرف ما للحكام من حق الطاعة وما للمحكومين
عليهم من حق العدالة وعلى أساسها يقومون بمراقبتهم وتوجيههم .


وعبده من هذه الناحية ينخرط في قضاء فقه السياسة ولكنه فقه لا يطرح ذلك
الشعار الذى طرحته جماعة الإخوان ومن بعدها معظم الجماعات الإسلامية ، شعار
إقامة الدولة الإسلامية فالدولة الإسلامية عنده كانت قائمة دائماً في بلاد
الإسلام ومهمة فقه السياسة وفقه النصيحة هي الدعوة إلى جعل الدولة أقرب ما
يمكن من المدينة الفاضلة الإسلامية التى يسودها العمل بالكتاب والسنة كما
كان الحال زمن الخلفاء الراشدين .




بتبع...



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رزان
مشرفة
مشرفة
رزان



 السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية    السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Emptyالسبت مارس 23, 2013 2:41 pm

والجابرى يرى إن جماعة الإخوان ظهرت كتعبير جذرى عن الجانب
المحافظ في فكر محمد عبده وبالتالى كانفصال عن سلفيته الإصلاحية
واستراتيجيتها إذ أنها نقلتها عن دعوة إصلاحية مفتوحة تخاطب المسلمين كافة
إلى حركة قوامها الدعوة والتنظيم معا وبالتالى إلى طرف ضد أطراف أخرى في
المجتمع وهو ما أدى بها إلى التطور في وضع غير حزبى . وضع لا يعترف
بالآخرين ولا يعترف به هؤلاء الآخرون .


وكانت النتيجة حدوث انفصال واصطدام بين هذه الجماعة والأحزاب الوطنية التى
تحدد هويتها الحزبية بغير الدين ( وان كانت لا تقصيه أو تستبعده بالضرورة )
والتى ترفع شعارات لا تتعارض مع الدين مثل : الحرية – الاستقلال – الجلاء –
الديمقراطية – العدالة الاجتماعية – التحديث الاجتماعى – محاربة الاستبداد
السياسى .


وفى كل الأحوال يرجع السلفيون إلى الأصول لإيجاد حلول أو اتخاذ مواقف تجاه
قضايا ذات أهمية نسبية في حينها . فلو تتبعنا السلفية التقليدية في القرن
الماضى التى واجهت مسألة الركود الداخلى والانحرافات التى تتم باسم الدين ,
ثم جاءت مسألة مواجهة الاستعمار كقوة مسلحة , ثم الاستعمار كحضارة والآن
تواجه السلفية المحدثة قضايا تنظيم المجتمع وتحقيق التقدم لذلك تحاور
السلفية المحدثة قضايا الديمقراطية والشريعة وحقوق المرأة وغيرها من
القضايا ( د حيدر إبراهيم على مرجع سبق ذكره) .


ويري المؤرخون أنه بالرغم من تعدد تنظيمات الحركات السلفية إلا أن هناك
تنظيمان هما الأهم في هذا الصدد وهما حركة الإخوان المسلمين والحركة
الوهابية .




أولاً : حركة الأخوان المسلمين


صورة للسلفية المجددة حيث كان ألبنا يعمل على بناء الأمة ووضعها على طريق
الإسلام وقواعده وقد بدأ نشاط الإخوان المسلمين في مصر كحركة جامعة شاملة
تعنى بالإصلاح الاجتماعي و السياسى. أسسها حسن ألبنا عام 1928 في مدينة
الإسماعيلية وما لبثت أن انتقلت إلى القاهرة وتم إنهاؤها عام 1931 وبعدها
زاد التفاعل الاجتماعي والسياسي للإخوان المسلمين و أصبحوا في عداد
التيارات المؤثرة سياسياً و اجتماعياً. وفى عام 1942 وخلال الحرب العالمية
الثانية عمل الإخوان على نشر فكرهم في كل من شرق الأردن وفلسطين وخلال حرب
فلسطين شارك الإخوان المسلمون في هذه الحرب واستشهد من قادتها الرائد أحمد
عبد العزيز وعقب الحرب في أعقاب عودة مقاتليها من حرب فلسطين حل محمود فهمى
النقراشى رئيس الوزراء المصرى آنذاك الجماعه بتهمة " التحريض و العمل ضد
أمن الدولة " وبسبب ذلك اغتيل محمود فهمى النقراشى . (أدان الإخوان قتل
النقراشى وتبرأوا من القتلة). وبعد اغتيال النقراشى بعدة أشهر, تم اغتيال
حسن ألبنا مساء السبت 12 فبراير 1949م وهو خارج من جمعية الشبان المسلمين
ويقول غسان المفلح في مقالة " الإخوان المسلمون والإرهاب والإسلام السياسي "
إن هذه الحركة تعامل معها الإنجليز بوصفها ظاهرة سياسية من الدرجة الأولي
أي يمكن تصنيفها إنجليزياً بكونها حزباً سياسياً لمواجهة فعالية شيوخ ورموز
النهضة العربية الأولي وكفتهم التي بدأت تشكل مرجعاً لتيارات سياسية ذات
طابع استقلالي أو التي كانت تطالب بخروج الاستعمار الإنجليزي هذا علي
المستوي الفكري إضافة إلي مواجهتها لأحزاب أخري كانت تكتسح الساحة السياسية
كحزب الوفد .


أهداف الجماعة :


طبقاً لمواثيق الجماعة فإن "الإخوان المسلمون" يهدفون إلى إصلاح سياسى
واجتماعي واقتصادي من منظور إسلامي شامل في مصروكذلك في الدول العربية التى
يتواجد فيها الإخوان المسلمون. والعمل علي دعم الحركات الجهادية التى
تعتبرها حركات مقاومة في العالمين العربى والإسلامي ضد كافة أنواع
الاستعمار أو التدخل الأجنبي, وتسعى الجماعة في سبييل الإصلاح الذي تنشده
إلى الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم, ثم الحكومة الإسلامية,
فالدولة تتسيد العالم وفقاً للأسس الحضارية للإسلام وفقاً لمنظورهم.
وشعارهم "الله غايتنا, والرسول قدوتنا, والقرآن دستورنا, والجهاد سبيلنا,
والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".


رؤى وأفكار الإخوان :


فهم الإخوان للإسلام في رسالته للمؤتمر الخامس تحت عنوان (إسلام الإخوان
المسلمين) قال ألبنا : " إن الإسلام عقيدة وعبادة, ووطن وجنسية, وروحانية
وعمل, ومصحف وسيف" ومضيفاً " إن فكرة الإخوان المسلمين نتيجة الفهم العام
الشامل للإسلام, قد شملت كل نواحى الإصلاح في الأمة, فهى دعوة سلفية,
وطريقة سنية, وحقيقة صوفية, وهيئة سياسية, وجماعة رياضية, ورابطة علمية
ثقافية, وشركة اقتصادية, وفكرة اجتماعية"


خصائص دعوة الإخوان التى تميزت بها عن غيرها من الدعوات :


- البعد عن مواطن الخلاف .


- البعد عن هيمنة الأعيان و الكبراء .


- البعد عن الأحزاب والهيئات .


- العناية بالتكوين والتدرج في الخطوات .


- إيثار الناحية العملية الإنتاجية على الدعاية وإلاعلانات .


- شدة الإقبال من الشباب .


- سرعة الانتشار في القرى و المدن .


كما وضع حسن ألبنا عشرة أركان للبيعة لدى الإخوان في رسالته الشهيرة رسالة
التعاليم وهى (الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات
والتجرد والأُخوة والثقة), وذكر ضمن ركن الفهم الأصول العشرين لفهم الإخوان
للإسلام والتى تعتبر الرؤية والأرضية التى تقوم عليها الجماعة في كل مكان,
وتشترط جماعة الإخوان المسلمين على التنظيمات الإخوانية في العالم فهم
الإسلام ضمن الأصول العشرين .


منهج الجماعة :


يقول حسن ألبنا عن منهج الإخوان في رسالته للمؤتمر الخامس أنها إصلاحية
شاملة تفهم الإسلام فهماً شاملاً وتشمل فكرتهم كل نواحى الإصلاح في الأمة
وأنها :


_ دعوة سلفية, إذ يدعون إلى العودة إلى الإسلام, إلى أصوله الصافية القرآن والسنة النبوية, وهى أيضاً


_ طريقة سنية لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء, وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً .


_ حقيقة صوفية, يعتقدون أن أساس الخير وطهارة النفس, ونقاء القلب, وسلامة
الصدر, تمكن في المواظبة على العمل, والإعراض عن الخلق, والحب في الله,
والأُخوة في الله.


_ هيئة سياسية, يطالبون بالإصلاح في الحكم, وتعديل النظر في صلة الأمة بغيرها من الأمم, وتربية الشعب على العزة و الكرامة.


_ جماعة رياضية, يعتنون بالصحة, ويعلمون أن المؤمن القوى هو خير من المؤمن
الضعيف, ويلتزمون قول النبى: "إن لبدنك عليك حقاً ", وأن تكاليف الإسلام
كلها لا يمكن إن تؤدى إلا بالجسم القوى, والقلب الزاخر بالإيمان, والذهن ذى
الفهم الصحيح .


_ رابطة علمية ثقافية, فالعلم في الإسلام فريضة يحض عليها, وعلى طلبها, ولو كان في الصين, والدولة تنهض على الإيمان, والعلم .


_ وشركة اقتصادية, فالإسلام في منظورهم يعنى بتدبير المال وكسبه, والنبى
يقول : "نعم المال الصالح للرجل الصالح" و(من أمسى كالاً من عمل يده أمسى
مغفوراً له).


_ كما أنها فكرة اجتماعية, يعنون بما يعانيه المجتمع, ويحاولون الوصول إلى
طرق علاجها وشفاء الأمة منها, أي أن فكر الإخوان مبنى على شمول معنى
الإسلام, الذى جاء شاملاً لكل أوجه ومناحى الحياة, ولكل أمور الدنيا
والدين.


على أنه ونحن نطرح لفكر السلفيين فمن الأهمية الإشارة إلى العلاقة بين
الإخوان المسلمين والدولة والتي تراوحت بين الوئام والخصام (الصدام ) منذ
بدء العلاقة بين الضباط الأحرار والإخوان والتي يرى البعض أنه كانت هناك
علاقة بين الإخوان وعملية الإعداد للثورة وأن علاقة الإخوان بالثورة مرت
على عدة مراحل /


- من عام 52 حتى 1954 حيث حدث الصدام الأول بين الإخوان والثورة في يناير
1954 والتى بلغت ذروتها في ليلة 24 أكتوبر من نفس العام عندما حاول أحد
كوادر الإخوان اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر والذى انتهى بالفشل وكانت
المحصلة لهذه الجولة إنهاءً كاملاً لحالة الهدوء البارد بين الثورة
والأخوان


- مرحلة الصدام الثاني بين الإخوان والثورة في أغسطس 1956 والذى اتهم فيها
الأخوان بتدبير مؤامرة ضد الثورة ولتصفية زعمائها والاستيلاء على الحكم
وانتهت هذه المرحلة بإعدام عدد من قيادات الإخوان كان على رأسهم سيد قطب
المرجع لفكر الإخوان القائم على فكرة العنف .


- المرحلة التالية وهى مرحلة السماح للإخوان بالعودة للساحة السياسية دون
منح الجماعة تصريحاً رسمياً بممارسة العمل السياسي وكان ذلك بعد وفاة عبد
الناصر واتجاه السادات إلى الموازنة بين التيار القومى الناصرى واليسارى
وبين القوي الإسلامية .


- المرحلة الرابعة وهى مرحلة دخول الإخوان المعترك السياسى والحصول على
عضوية مجلس الشعب تحت عباءة بعض الأحزاب أو الدخول مستقلين وحققوا نتائج
مبهرة خلال انتخابات 2005 وقد فشلوا في تحقيق أي نتائج في انتخابات 2010
التى أثبتت كل القوى الوطنية واتفقت على تزويرها لصالح الحزب الوطنى الذي
تم حله بعد سقوط نظام مبارك .


- المرحلة الخامسة هي المرحلة التى أعقبت ثورة 25 يناير والتى تمخضت عن
ظهور قوى للتيار الإخواني وإعادة تشكيل مكتب الإرشاد وقيام حزب يحمل اسم
حزب الحرية والعدالة دون أن تفقد الجماعة اسمها وعملها في الدعوة


وباختصار فإن الصراع بين الثورة والإخوان لم يكن أبداً صراعاً دينياً
يتناول الحلال والحرام وأحكام الشريعة الإسلامية بل كان جوهر الصراع (
سياسيا ) محضاً ونقاط التماس فيه كانت بهدف الاستيلاء على السلطة والدولة (
راجع د . رفعت سيد أحمد "الدين والدولة والثورة" – القاهرة – دار الهلال =
فبراير 1985 )


وتعد رؤية الإخوان المسلمين للدولة الدينية أهم الجوانب التى تبرز موقفهم
تجاه إشكالية العلاقة بين الدين والدولة ... ويقول د . رفعت سيد أحمد أن
أدب الإخوان في هذا الصدد دار حول مسألتين : -


• أنه ليست هناك طبقة دينية في الإسلام ومن ثم لا خوف من الحكم الدينى كما
هو الحال في أوربا المسيحية ... وعلى هذا فإن القطب الإخوانى عبد القادر
عودة قال " قيام الدولة على أساس ديني لا يقتضى أن يكون لرجال الدين أي
سلطان خاص ولا يقتضى حمل الناس على عقيدة معينة وأفضل مثل لذلك هو الإسلام
فالإسلام يوجب أن تقوم الدولة على أساس الدين الاسلامى ويوجب أن يكون الحكم
والسيادة والإدارة والتشريع وكل ما له أثر في إحياء الأمة مستمداً من
الدين الإسلامي وقائماً عليه دون أن يعطى علماء وفقهاء الإسلام أي سلطان .


• انحياز الإخوان إلى فكرة الخلافة باعتبارها رمز الوحدة الإسلامية ويظهر
الارتباط بين أمم الإسلام وأنها سفيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في
أمرها والاهتمام بها وقد جعل الإخوان فكرة الخلافة والعمل لإعادتها على
رأس منهاجهم .


• الإخوان المسلمون دائماً ما يعملون على دغدغة مشاعر الناس فها هو حسن ألبنا يحدد المقصود بكلمة الإخوان المسلمين فيقول أنها




( دعوة سلفية لأنهم يدعون للعودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله
وسنة رسوله وهى طريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة
علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية ) وهى كما يقول د . رفعت سيد
أحمد في كتابه " الدين والدولة والثورة " : إن دعوة الإخوان بهذا المعنى هي
تركيبة مفاهيمية تعمد مؤلفها ( حسن ألبنا ) أن يركبها بهذا الشكل لتتتوائم
والطبيعة الجماهيرية للحركة .


كان البنا يرى أن الأحزاب " سيئة الوطن وأساس الفساد الاجتماعي الذي يصطلي
المصريون بناره وهى ليست أحزاباً حقيقية بالمعنى الذى تعرف به الأحزاب في
أي بلد في الدنيا فهى ليست أكثر من سلسلة من الانشقاقات أحدثتها خلافات
شخصية بين نفر من أبناء هذه الأمة .... ولهذا كان ألبنا يرى ضرورة إلغاء
الأحزاب واستبدالها بحزب واحد ( لاحظ موقف الإخوان الحالي وقيامهم بتشكيل
حزب سياسي لأول مرة في تاريخ الحركة ) .


ويعد البعض سيد قطب أول من أحدث تحولاً في الحراك الإسلامي المعاصر عندما
تخلى عن المنهج الذى كان سائداً في فكر جماعة الإخوان المسلمين والتعلق
بمنهج جديد ليس هوالمنهج الذى وجه السلفية التاريخية ولا هو الذى تم الأخذ
به في الأطياف المختلفة للسلفية المجددة ، فقد أحدث تحولاً في الفكر السلفى
التقليدى المجدد حين رأى أن هناك فئة مختارة لها دور في إحداث عملية
التغيير وفى ضرورة إنفاذ مبد أ ( الحاكمية الإلهية ) التى رأى أن النظام
الإسلامي بأسره يستند إليها ، ولا يمكن لهذا أن يتحقق بمجرد اعتناق العقيدة
ومزاولة العبادة فحسب فى" الكيان العضوى للتجمع الحركى الجاهلي القائم
فعلاً ) وإنما ينبغى لتحقيقه قيام " وجود فعلى " للإسلام وهذا ليتأتى
بالأفراد " المسلمين نظرياً " وإنما بأن " تتمثل القاعدة النظرية للإسلام (
أي العقيدة ) فى تجمع عضوى حركى منذ اللحظة الأولى .. منفصل ومستقل عن
التجمع العضوى الحركى الجاهلي الذى يستهدف الإسلام إلغاءه . أما محور
التجمع الجديد فهو قيادة جديدة ترد الناس إلى ألوهية الله وحده وربوبيته
وقوامته وحاكميته وسلطانه وشريعته وتخلع كل ولاء للتجمع الحركي الجاهلي
وتحصر ولاءها في التجمع العضوي الحركي الإسلامي الجديد.


وفى قيادته المسلمة التى تهدف إلى وضع حد للمصالحة مع التصورات الجاهلية
السائدة فى الأرض والأوضاع الجاهلية فى كل مكان وإلى نقل الناس من التصورات
الجاهلية إلى الإسلام فإما الإسلام وإما الجاهلية وإما حكم الله وإما حكم
الجاهلية ... إن هذا النهج في النظر والفعل يختلف بكل تأكيد عما جرت عليه
السلفيات التاريخية من تشبث عظيم بوحدة الجماعه الإسلامية ومن إنكار الخروج
علي الجماعة و الأمر حتى يكون الجور دينهم ، ومن الاعتقاد القائل ، برغم
كل شأ " الدار دار إسلام والمسلمون على ظاهر العدالة " كما أنه يباين
السلفية المحدثة التي تذهب أبداً إلي القول أن المجتمعات الإسلامية الحالية
هي مجتمعات جاهلية أو مجتمعات كفر ومن ثم فإنه وفقاً للكاتب يمثل فكر قطب
وتلاميذه بالسلفية المتعالية المباشرة فهى متعالية بمعنى أنها على وجه
العموم تعلو على " الأصول الوسيطة " وعلى التراث والتجربة التاريخية للأمة
وتذهب إلى ( الأصول – النصوص ) مباشرة تستلهمها وتستنطقها بقدراتها الذاتية
الواثقة . وهى مباشرة بمعنى أنها تختار الفعل المباشر لتغيير الواقع دون
المرور بمؤسسات وقوى المجتمع والدولة التقليدية الوسيطة من غير اكتراث
بالنتائج العملية التى تترتب على هذا الفعل أياً كانت طبيعتها . ومن ثم فإن
هذه الجماعات الإسلامية المتمثلة فى ( السلفية المتعالية المباشرة ) توجه
فهمها إلى ضرورة الانفصال والثورة والخروج أو الوثوب على الحكام والمجتمع
بالجهاد والمواجهة والقتال و " الفعل المباشر " ذلك أن ( طواغيت هذه الأرض
لن تزول إلا بقوة السيف ) وإعادة " الخلافة على منهاج النبوة " لأيتم " إلا
بقتال الطواغيت وجهادهم إذ إنهم لا ينخلعون البتة عن سلطان الله ، فى حين
يرى د . يوسف القرضاوى أن الإصلاح يتم بحل إسلامي تقوم عليه حركة إسلامية
جماعية منظمة هدفها إنشاء جيل مسلم يحمل الدعوة إلى الناس لبناء " حكم
إسلامي راشد " غير أنه يحرص في الوقت ذاته على أن تتحلى هذه الحركة بالوعي
والمرونة وبالارتباط بكافة طبقات الشعب واعتبار المجتمعات والشعوب التى
تنشط فيها الدعوة مجتمعات وشعوباً إسلامية .


ويتأسس على ذلك أن المجتمعات الإسلامية المعاصرة ليست مجتمعات كفر ولا
مجتمعات " جاهلية " وأن الخروج عليها والانفصال عنها ومناصبتها العداء أو
مقاتلتها هى أمور غير شرعية .


الجديد فى العلاقة بين الإخوان وعبدالناصر الذى يكشفة كتاب مارك كيرتس "
العلاقات السرية " بين بريطانيا والجماعات الإسلامية المتشددة إن صحت
الوثائق التى اعتمد عليها المؤلف هو الإشارة إلى وجود صلات قوية بين
الإنجليز والجماعة منذ النصف الأول من القرن الماضى ، ويتحدث من خلال وثائق
بريطانية رفعت عنها السرية مؤخراً حول توطيد العلاقات من خلال التمويل
والتخطيط لإفشال الثورات فى المنطقة العربية والإسلامية .


وبحسب الكتاب فقد مولت بريطانيا حركة " الإخوان المسلمين " فى مصر سراً ،
من أجل إسقاط نظام حكم الرئيس السابق جمال عبد الناصر . التمويل الذى بدأ
عام 1942 استمر بعد وفاة عبد الناصر . رغم استخدام الرئيس الراحل أنور
السادات الجماعة لتدعيم حكمه وتقويض تواجد اليسار والناصريين في الشارع
المصري ، واستمرت بريطانيا فى اعتبار الجماعة " سلاحاً يمكن استخدامه " وفى
الخمسينيات – وفقاً للكتاب نفسه تآمرت بريطانيا مع الجماعة لاغتيال عبد
الناصر . وكذلك الإطاحة بالحكومات القومية فى سوريا


ونقل الكاتب عن تقرير بريطاني أنه : " سيتم دفع الإعانات لجماعة الإخوان
المسلمين سراً من جانب الحكومة ( المصرية ) وسيطلبون بعض المساعدات المالية
فى هذا الشأن من السفارة ( البريطانية ) وستقوم الحكومة المصرية بالزج
بعملاء موثوق بهم داخل جماعة الإخوان للإبقاء على مراقبة وثيقة لأنشطتها
ومن جانبنا بما جعل الحكومة مطلعة على هذه المعلومات ، التى تم الحصول
عليها من مصادر بريطانية " وكان الهدف من هذا التمويل هو إحداث الانقسام
داخل الإخوان مما يساعد على تفكيك الإخوان عن طريق دعم فصيل منها ضد الآخر .


كان هذا قبل وصول عبد الناصر إلى السلطة لكن فى عام 1952 اعتبرت بريطانيا
الجماعة بمثابة المعارضة لهذا النظام التى يمكن استخدامها لتقويضه وعقد
مسئولون اجتماعات مع قادة الجماعة كأداة ضد النظام الحاكم فى مفاوضات
الجلاء ، وخلال العدوان الثلاثى عام 1956 أجرت بريطانيا اتصالات سرية مع
الإخوان ، وعدد من الشخصيات الدينية كجزء من خططها للإطاحة بعبد الناصر أو
اغتياله وكان اعتقاد المسؤؤلين البريطانيين فى ذلك الوقت يركز على احتمالية
تشكيل الإخوان الحكومة الجديدة بعد الإطاحة بعبد الناصر على أيدى
البريطانيين وفى مارس 1957 كتب تريفور ايفانز المسئول فى السفارة
البريطانية الذى قاد اتصالات سابقة مع الأخوان قائلاً " إن اختفاء نظام عبد
الناصر ينبغى أن يكون هدفنا الرئيسي ."


وكان الهدف من وراء دعم المنظمات الإسلامية فى ذلك الوقت هو التصدى للتيار
القومى ، الذى اكتسب شعبية كبيرة ، والحفاظ على الانقسامات فى منطقة الشرق
الأوسط وجعلها تحت سيطرة سياسات منفصلة لضمان عدم وجود قوة فاعلة وحيدة فى
الشرق الأوسط تسيطر على المنطقة وهو ما كان يسعى عبد الناصر لتحقيقه ويدعمه
فيه المؤيدون للقومية العربية ، التى كانت التهديد الأبرز لمصالح بريطانيا
خاصة النفطية .


... ولكن لم تكن جماعة الإخوان المسلمون وحدها في الساحة السفلية فهناك تيارات سلفية علي الخريطة الدينية المصرية ...




عرفت مصر ظهور التوجهات والاتجاهات السلفية بالمعني العام مع بواكير ظاهرة
الصحوة الإسلامية في مفتتح القرن الفائت , غير أن خارطة الاتجاهات السلفية
شهدت مع توالي السنين حالة من التنوع في الأفكار والرأي , وبرغم التصاعد
السلفي في المجتمعات العربية والإسلامية بشكل عام ومن بينها مصر فقد ظلت
هذه الخارطة السلفية تتسم بتعقد وتداخل الخيوط إلي الحد الذي بات معه من
الصعوبة بمكان الإحاطة الدقيقة بمكونات الخارطة السلفية في الساحة المصرية
والوقوف علي أفكارها ورموزها واتجاهاتها وقواها من روابط الوصل ومحددات
الافتراق والتمايز هذه المحاولة والتي أتت كحصيلة مراكمة ومتابعة للملف
السلفي في الحالة المصرية علي أكثر من صعيد حاولت رسم ملامح الخريطة
السلفية تجلي غموضها وتكشف الكثير من تفاصيلها ,




جماعة أنصار السنة المحمدية




تأسست جماعة أنصار السنة المحمدية في مدينة القاهرة علي يد الشيخ محمد حامد
ألفقي الذي نشأ في بيئة أزهرية محافظة حتي بلغ سن الثامنة عشرة , فاستفزه
ما كانت تعج به البيئة المصرية وقتها , مما رآها شركيات وبدعيات وخرافات ,
وأرجعها هو إلي تسلط التصوف والصوفية علي المناحي الفكرية والمؤسسات
الدينية كان ألفقي من علماء الأزهر , كما كان من مرتادي ( الجمعية الشرعية )
ولكنه اختلف مع شيوخها حول قضية ( الأسماء والصفات ) وهي من قضايا العقيدة
التي تختلف حولها بعض الفرق الإسلامية ( كالمعتزلة والأشاعرة والجهمية
والشيعه وغيرهم ) مع أهل السنة والجماعة ,


بعد حصول ألفقي علي شهادة العالمية من الأزهر ( الدكتوراه ) انطلق ومجموعة
التفت حوله إلي الدعوة إلي التوحيد الخالص والدفاع عن السنة في المساجد
والمقاهي والمنتديات , فذاع صيته , وكثر أنصاره حتي حدثت احتكاكات ومضايقات
متبادلة بينه وبين الطرق الصوفية , فاتجه إلي العمل الجماعي المنظم من
خلال إنشاء جمعية تحمل منهجهم وتنشر مبادئهم ووضع لها قانوناً وكون لها
إدارات وبلغ إتباعه الآلاف ,


بعد وفاة الشيخ ألفقي تعاقب علي جماعة أنصار السنة عدد من الرؤساء حتي عام
1969 وهو العام الذي أدمجت فيه الحكومة المصرية جماعة أنصار السنة في
الجمعية الشرعية , واستمرت الجماعة علي هذا الحال حتي جاء عام 1972 فأعيد
إشهار الجماعة مرة أخري علي يد الشيخ رشاد الشافعي ( المؤسس الثاني ) ,
مستفيدة من أجواء حالة الانفتاح السياسي التي سمح بها الرئيس السادات ,


وينتشر أعضاء الجمعية في كل محافظات مصر , ولها في مصر قرابة مائة فرع وألف مسجد .


قامت هذه الجماعة علي دعوة الناس إلي التوحيد الخالص المطهر من جميع أنواع
الشرك والدعوة إلي صحيح السنة بفهم السلف الصالح وإرشاد الناس إلي نصوص
الكتاب والدعوة إلي مجانبة البدع والخرافات ومحدثات الأمور كما تدعو إلي أن
الإسلام دين ودولة وعبادة وحكم , وصالح لكل زمان ومكان ومن ثم يجب الدعوة
إلي إقامة المجتمع المسلم والحكم بما أنزل الله فكل شرع غيره في أي شأن من
شئون الحياه معند عليه سبحانه , منازع إياه في حقوقه , ويجب في ذلك إتباع
السياسة الحكيمة دون استعجال أو صدام لإقامة شرع الله تعالي في الأرض .


كما تعتقد الجماعة أن النظام الديمقراطي نظام كافر , لأنه يعطي الإنسان حق
التشريع الذي هو حق خالص لله , وأن نظام الإسلام له ذاتية خاصة فليس له
علاقة بالنظم الغربية الحديثة , ولكن الجماعة تري أن الانتخابات بالترشيح
وبالتصويت وسائل جائزة في حد ذاتها , لأن مزاحمة أهل الديمقراطية لتقليل
شرهم في الانتخابات العامة وغيرها أمر جائز , مع مراعاة الضوابط الشرعية
إذا ترجحت المصالح علي المفاسد وفي مجال أصول الدعوة , تري الجماعة شرعية
العمل الجماعي ولا تقر التحزب لغير السنة والجماعة , وتقر التنظيم بالضوابط
الشرعية .


وتري الجماعة أن إقامة الدولة الإسلامية (التمكين ) لا يتحقق إلا بنشر
التوحيد الخالص , فهو شرط لتحقيق وعد الله بالنصر وعودة الخلافة وترفض بشدة
العمل المسلح ضد الحكومات وتعتبره خروجاً لا ينتج عنه إلا اتساع دائرة
الفتن ,


يرى البعض أن الخطاب الرسمي لهذه الجماعة يغرق كثيراً في تفاصيل العقيدة ,
ويعطي اهتماماً لمحاربة البدع ولكنه لا يتطرق كثيراً لقضايا إشكالية في
البيئة المصرية مثل قضية الحاكمية كما يبتعد هذا الخطاب تماماً عن السياسة ,
إلا أن المنهج الكلي للجماعة يقر العمل الجماعي المنظم – بضوابط – تُحدث
وجوب إقامة شرع الله , بل الحكم بالكفر علي من لا يطبقه , جعل من هذه
التيارات السلفية في مصر تقريباً من علميين وحركيين ومداخلة وإن بقيت
السيطرة علي مفاصل الجماعة للتيار ألمدخلي المصري بحكم تماهيه مع الأجهزة
الأمنية التي تفرض رقابة صارمة علي الجماعة وتتدخل في كثير من تفاضيل
حركتها , كما أبعد سلفية الإسكندرية الذين بدءوا نشاطهم ضمن إطار الجمعية ,
وإلا أنهم ابتعدوا عنها لرغبتهم في العمل في مساحة واسعه وبعيدة عن مؤسسات
الدولة بالإضافة إلي بعض المآخذ الشرعية علي الجمعية .


( الدعوة السلفية )




النشأة :


في سبعينيات القرن الماضي بلغ النشاط الطلابي في الجامعات ذروته , وظهر ما
وصف بالصحوة الإسلامية علي يد ما كان يعرف بالجماعة الإسلامية التي ذهب
معظمها للانضمام إلي جماعة الإخوان المسلمين إلا أن نفراً من هؤلاء الطلبة
في جامعة الإسكندرية علي رأسهم محمد اسماعيل المقدم رفضوا الانضمام لجماعة
الإخوان المسلمين متأثرين حينها بالمنهج السلفي الوهابي وذهبوا ليكونوا
نواة لدعوة سلفية أخذت في النمو بعد انسحاب الطلاب المتأثرين بالمنهج
السلفي من الجماعة الإسلامية التي كان قد أحكم الإخوان قبضتهم عليها وبدأ
التنافس شديداً بين هؤلاء الشباب السلفيين والإخوان علي ضم الطلاب والسيطرة
علي المساجد , وبلغ ذروة الصدام عام 1980 علي إثره قرر هؤلاء السلفيون
العمل بطريقة منظمة , فكونوا ما يشبة باتحاد الدعاة , ثم أطلقوا علي أنفسهم
بعد ذلك اسم ( المدرسة السلفية ) , وأصبح محمد عبد الفتاح ( أبو إدريس )
قيمّ هذه المدرسة أسوة بالمدارس العلمية التي كانت قائمة في عصور الازدهار
في التاريخ الإسلامي , ورفضوا لفظ الأمير , لاعتبارهم أن يقتصر علي إمارة
الدولة .


وبعد عدة سنوات من العمل الحركي والجماهيري أطلقوا علي منظمتهم ( الدعوة
السلفية ) بعد انتشارهم في كل أنحاء مصر , وكثرة أتباعهم الذين يقدرون
بمئات الآلاف , ولكنهم يشتهرون بمسمي هو ( سلفيو الإسكندرية ) .


يؤمن أصحاب مدرسة الدعوة السلفية – كما يؤمن أنصار السنة المحمدية – بالعمل
الجماعي التنظيمي العلني , ولكن أصحاب الدعوة السلفية يرفضون العمل من
داخل مؤسسات الدولة الرسمية , ولذا فهم يرغبون في إنشاء تنظيم علني لكن لا
يخضع لإشراف الدولة لأنهم يعتبرون أن مؤسسات الدولة غير إسلامية والعمل تحت
لوائها يعد بمثابة دخول للعبة السياسة التي يرفضون المشاركة فيها كما أنهم
لا يودون الخضوع للرقابة الأمنية , أو للتوجيهات الحكومية في ممارستهم
لدعوتهم .






( السلفية المدخلية )


النشأة :


التيار السلفي ألمدخلي في مصر هو امتداد للتيار السلفي ألمدخلي في المملكة
العربية السعودية , والذي كان قد برز إبان حرب الخليج الثانية 1991 , وبدأ
هذا التيار في الظهور كتيار مضاد للتيارات المعارضة لدخول القوات الأجنبية
كالإخوان والسرورية فذهبت أبعد مما ذهبت إليه مؤسسات الدولة الرسمية مثل
هيئة كبار العلماء , والتي أفتت بجواز دخول القوات الأجنبية علي أساس أن
فيها مصلحة إلا أنهم لم يجرموا من حرم دخولها أو أنكر ذلك فجاء الجامية
وأعتزلوا كلا الطرفين وانشئوا فكراً خليطاً يقوم علي القول بمشروعية دخول
القوات الأجنبية , وفي المقابل يقف موقفاً معادياً لمن يحرم دخولها أو ينكر
علي الدولة ذلك وهذا علي أساس مرجعية سلفية تتمرس في أدلة من القرآن
والسنة ويعرفون بـ(الجامية ) نسبة لمحمد أمان إلجامي الإثيوبي الأصل , وهو
المؤسس الحقيقي لهذا التيار ويلقبون أيضا بـ( المدخلية ) نسبة إلي ربيع بن
هادي ألمدخلي وهو أحد رموز هذا التيار في المملكة العربية السعودية .




ولا يختلف المداخلة عن غيرهم من التيارات السلفية غير الجهادية الأخرى في
اعتقادهم بعدم الخروج علي الحاكم المسلم , وإن كان فاسقاً , إلا أن
المداخلة – خلافاً لكثير من التيارات السلفية – يعتبرون أنه لا يجوز معارضة
الحاكم مطلقاً , ولا حتي إبداء النصيحة له في العلن , وبعتبرون ذلك أصلاً
من أصول العقيدة عند أهل السنة والجماعة ومخالفة هذا الأصل يعتبر خروجاً
علي الحاكم المسلم , كما أن المدخلية تعتبر أن الاعتراف بالحاكم والولاء له
وحده لا يكفي إذا لم يتم الاعتراف بمؤسسات الدولة الأخري مثل منصب المفتي
مثلاً أو بمؤسسة الأزهر , كما أنه ليس لأحد أن يخرج عن فتوي علماء البلاد
الرسميين , فإذا حلل هؤلاء العلماء فوائد البنوك فإنه علي الرعية المسلمة
في هذا البلد الإذعان لتلك الفتوي وعدم مخالفتها ومن يخالف ذلك فإنه علي
طريق ( الخوارج ) .


كما تتمايز المدخلية عن غيرها من التيارات السلفية في أنها تعتبر أن
الجماعة المسلمة هي الدولة والسلطان ومن ثم فهي تشن هجوماً حاداً علي
الجماعات الإسلامية وتصفها بالحزبية , لأنها ضد مفهوم الجماعة في رأيهم ,
ومن ثم فهم ( خوارج ) علي النظام ومبتدعه في الدين , وهجومهم عليهم يهدف
إلي إنهاء الفرقة في الأمة , والتفافها حول سلطانها .


ويعتبر المداخلة أن الحكم بما أنزل الله أمر فرعي , وليس أصلاً من أصول
العقيدة وبذلك فإن من يحكم بغير ما أنزل الله ويشرع القوانين الوضعية لا
يكون قد ارتكب ناقضاَ من نواقض الإسلام بأي حال من الأحوال .




السلفية الحركية




النشأة :


في حي شبرا في القاهرة شكلت مجموعة من الشباب تياراً أطلق عليه فيما بعد : السلفية الحركية وكان أبرزهم الشيخ فوزي السعيد ,


يكاد يتطابق منهج السلفية الحركية مع منهج الدعوة السلفية ( مدرسة
الإسكندرية ) , إلا أن السلفيين الحركيين لا يكتفون بتكفير الحاكم حكماً
فقط , ولكن يذهبون إلي تكفيره عينياً إذا لم يحكم بما أنزل الله ويجهرون
بذلك في خطابهم الدعوي , كما يعتقدون أن مظاهر المجتمعات الإسلامية الآن من
تبرج وسفور ومعاص كلها من أمر الجاهلية لكن لا يكفر بها , وأي انحراف عن
الشريعه بزيادة أو نقصان فهو أمر الكفر , وما خالف الإسلام فهو جاهلية في
الكبيرة والصغيرة , وأن الكفر المراد في الآية الكريمة ( ومن لم يحكم بما
أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) , يقصد به الكفر الأكبر لا الأصغر , بل إن
الذي لا يرج ؟؟للكفر أياً كان فهو كافر , كما يعتقدون بحرمة المشاركة في
المجالس النيابية , لأنها تتحاكم إلي غير شرع الله وتجعل الدستور الذي
وضعته حاكماً لشريعة الله عز وجل وهذا ؟؟مفر , ودائماً ما يشن الحركيون
هجوماً عنيفاً علي التيارات السلفية التي يرون أنها تهون من مفهوم المعصية
ويحصرون مفهوم الكفر في دائرة تكذيب الدين أو الجحود ويصفونهم بـ ( مرجئة
العصر )




يتفق السلفيون الحركيون مع سلفية الإسكندرية ومع جماعة أنصار السنة في
مشروعية العمل الجماعي بضوابط وشروط منها : عدم التحزب أو التعصب لفكرة
بعينها – غير كلام الله ورسوله – يوالي أصحابها عليها ويعادون , كما لا
يضعون الجماعات الإسلامية العاملة علي الساحة ضمن الفرق النارية الثنتين
وسبعين , لأنهم يفرقون بين الجماعات والفرق , فالجماعات أصولها هي أصول أهل
السنة والجماعة لكنهم ينفون عن هذه الجماعات أن يكونوا هم الطائفة
المنصورة , بل هم الفرقة الناجية فقط , ومع ذلك فالسلفية الحركية ترفض
تكوين جماعة خاصة بهم , كي لا تزيد افتراق الأمة , لكن تشجع أتباعها علي
التعاون مع جميع الجماعات العاملة علي الساحة فيما اتفقوا عليه , وتعتزلهم
فيما تفرقوا فيه وفرقوا الأمة بسببه , ولذلك فلا يرفض هؤلاء السلفيون العمل
مع أي جماعة أو تنظيم أردا أن يقيم دولة الإسلام , أو أن يعيد دولة
الخلافة , ومن هنا تأتي تسمية هذا التيار بالحركي .




الجمعية الشرعية




النشأة :


أسس الشيخ محمود خطاب ألسبكي الجمعية الشرعية عام 1912 تحت اسم الجمعية
الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية وكان دافعه في ذلك رؤيته
للواقع المصري المضطرب في ظل الاستعمار الذي نتج عنه تنحية الشريعة
الإسلامية عن الحياة العامة , وتغيير مسار التعليم ومناهجه وبدايات حملة
التغريب التي ظهرت في تلك الفترة, وما صاحبها من دعوات تقلل من قيمة المرأة
ومكانة الشريعة الإسلامية في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
وظهور وتفشي البدع والخرافات .


وبرغم أن الهدف الأساسي الذي سعت إليه الجمعية عند إنشائها هو الوعظ
والإرشاد والدعوة إلي الالتزام بالسنة ومحاربة البدعة , فإن هدف تدعيم قيمة
التعاون والتكافل بين أبناء الشعب شغل بال ألسبكي منذ لحظة التأسيس الأولي
.


وتنتشر فروع الجمعية في جميع أنحاء جمهورية مصر وتعتبر من أقوي وأبرز
المنظمات العاملة في العمل الخيري , وليس فقط لأنها تمتلك أكثر من 350
فرعاً في مختلف أنحاء البلاد , بل لامتلاكها بيئة خدمية اجتماعية واقتصادية
تغطي أنحاء البلاد , ورئيسها حالياً هو الدكتور محمد المختار محمد المهدي ,
وهو من علماء الأزهر .


الأهداف :


إلي جانب أن هذه الجمعية نادت بالدين الإسلامي ككل لا يتجزأ , وإلي إحياء
السنة ومحاربة البدعة , فإنها حددت عدداً من الإغراض وراء إنشائها , منها :
نشر التعاليم الدينية الصحيحة والثقافة الإسلامية لإنقاذ المسلمين من
المعتقدات الفاسدة , وكذلك فتح الكتاتيب لتحفيظ القرآن , وإنشاء المساجد ,
والقيام بواجب الرعاية الاجتماعية من خلال إعانة المنكوبين , وإنشاء
المستشفيات لمعالجة الفقراء , وتحقيق مبدأ التضامن الاجتماعي من خلال رؤية
إسلامية .






السلفيون المستقلون




النشأة :


هذا التيار يعد امتداداً للتيار السلفي القديم في مصر منذ العصور الوسطي
وقد مثله العديد من المجموعات والجمعيات منذ بداية القرن العشرين مثل جمعية
الهداية التي قادها الشيخ محمد الخضر حسين , وكانت تقوم علي الدعوة إلي
الالتزام بالسنة ومحاربة البدع , وكان منتموها يهتمون بالهدي الظاهر في
المسائل المتعلقة بشكل الملابس واللحية وشعر الرأس والحجاب وغيرها من هذه
الأمور .


ثم أمتد هذا التيار إلي سبعينيات القرن الماضي متأثرين أيضاً بالتيارات
السلفية القادمة من المملكة السعودية , ولكنهم لم يجمعهم تنظيم معين ولا
يسعون لذلك ولا يجمعهم إلا شيخ يتتلمذون علي يدية , ويلتفون حوله حتي كونوا
عدداً من المجموعات تلتف حول عدد من المشايخ .


المنهج :


يؤمن هذا التيار بالتغيير القاعدي , فهم يفسرون قول الله تعالي : ( إن الله
لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ) بأن واقع الأمة الإسلامية لن
يتغير إلا إذا غير كل فرد من نفسه وأصلح من حالها وفق معايير الإسلام , ثم
يبدأ في تغيير من حوله من أهلة وجيرانه وزملائه في العمل فيغيرون هم أيضاً
بنفس الطريقة , وهكذا تنصلح الأمة , ثم إن شأنهم كشأن باقي الفصائل السلفية
يدعون إلي تنقية الدين من البدع , وبدأت تتطور وسائل هذا التيار في نشر
الدعوة من الخطابة وإلقاء الدروس إلي الدخول في الفضاء الالكتروني
والإعلامي .




إلي جانب هذه الحركات فإن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في دراستها
المنشورة تحت عنوان خريطة الحركات الإسلامية في مصر قد أوردت ضمن هذه
الحركات التي تعتبر أيضا حركات سلفية ... ما يلي /




جماعة شباب محمد ( ص )


والجماعة التالية الإخوان المسلمين من حيث تاريخ النشأة هي ( جماعة شباب
محمد ) التي أسسها مجموعة من قادة وشباب الإخوان الذين انشقوا عن جماعة
الإخوان المسلمين عام 1939 وعلى رأسهم محمود أبو زيد عثمان وحددوا خلافهم
مع الإخوان في عدة نقاط أبرزها عدم أخذ قيادة الإخوان بمبدأ الشوري في
اتخاذ القرار وذلك بالمخالفة لتعاليم السياسة الشرعية الإسلامية وكذلك
جماعة الإخوان المسلمين تحت لواء الحاكمين بغير ما أنزل الله علي حد تعبير
المجموعة المنشقة ويقصدون به رضا جماعة الإخوان بالعمل السياسي في اطار
القانون الوضعي السائد والذي يحكم العمل الحزبي والنقابي .


وقد طرحت جماعة ( شباب محمد ) في مسألتي ( الحكم بما أنزل الله ) وسيلة
تغيير الواقع وكانت جماعة شباب محمد تؤمن أنه لا سبيل لنهضة الأمة
الإسلامية والخلاص من مشاكلها إلا بإقامة الخلافة الإسلامية والعودة
للإسلام الصافي كما كان النبي ( ص ) , وهي في ذلك مثل سائر الجماعات
الإسلامية السابقة واللاحقة لكنها زادت عليهم شيئاً جديداً وهو أنها حددت
أنه لا سبيل لتنفيذ ذلك سوي بالتشدد والتعصب للإسلام بمعني عدم المهادنة أو
اللين وكذلك استخدام الجهاد المسلح , وقد أعلنت ( جماعة شباب محمد ) ذلك
في أدبياتها وعلي رأسها محلة النذير التي ألت لها ملكيتها من الإخوان
المسلمين بعدما انشق صاحب امتيازها ( وهو محمود أبو زيد عثمان نفسه ) مع من
انشق وشارك في تكوين جماعة شباب محمد .


وقد بلغت جماعة شباب محمد مبلغاً لا بأس به من الانتشار والقوة أيام حرب
فلسطين عام 1948 وبمرور السنوات تقلص وجود ( جماعة شباب محمد ) حتي لم يعد
منها شأ في نهاية السبعينات من القرن العشرين سوي بعض الكتيبات والمنشورات
التي تصدرها من حين لأخر بإشراف محمد عطية خميس المحامي رئيس ( جماعة شباب
محمد ) حينئذ وبوفاة محمد عطية خميس في أوائل الثمانييات انتهي أي ذكر
لجماعة شباب محمد في الشارع السياسي والإسلامي بمصر .




يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رزان
مشرفة
مشرفة
رزان



 السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية    السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Emptyالسبت مارس 23, 2013 2:42 pm

القطبيون



تكونت جماعة القطبيين في السجن بعد انتهاء محاكمات قضية الإخوان المسلمين
في عام 1965 والتي تعرف عند البعض بتنظيم سيد قطب و وقد تكونت من مجموعه
صغيرة من قادة وأعضاء الإخوان المسلمين وكان علي رأسهم محمد قطب شقيق السيد
قطب والإستراتيجية التي اعتمدها القطبيون للتغيير الإسلامي قد دونها
مؤخراً بشكل متكامل محمد قطب في كتابه ( واقعنا المعاصر ) وتتلخص في أنه
يتحتم تربية أغلبية الشعب علي العقيدة الإسلامية الصحيحة حتي إذ قامت
الدولة الإسلامية الحقيقية أيدها وتحمل الصعاب التي ستترتب علي قيامها من
قبل القوي الغربية التي ستقاوم أي نهضة إسلامية حقيقية في مصر وستضرب
حصاراً ظالماً ( حسب رأيه ) علي الدولة الإسلامية الناشئة يطال كل شأ من
أول منع استيراد القمح والمواد الغذائية إلي منع استيراد أي مواد صناعية ,
بل ومنع تدفق مياه النيل بطريقة أو أخري حتي لو وصل الأمر إلي ضرب السد
العالي بقنبلة نووية صغيرة , وانطلاقاً من هذه الرؤية الفاقطبيون يرون أنه
يتحتم بجانب تربية الشعب قبل إقامة الدولة الإسلامية فإنه يتحتكم أن يهتم
أبناء الحركة الإسلامية بالتفوق في تعلم العلوم والتكنولوجيا الغربية
الحديثة حتي تتوافر لهم فرص إيجاد الحلول العلمية والعملية الحديثة للتغلب
علي هذه الصعاب المترتبة علي إقامة الدولة الإسلامية في مصر .


وبصفة عامة بعد أن سمح لهم السادات باالعودة للدعوة فإن القطبيين عددهم
صغير , ومعدل التجنيد لديهم يعد بطيئا جداً وذلك كله يعكس الخلل في تكتيكات
جماعة القطبيين , ولذلك فرغم أنهم بدئوا مسيرتهم الدعوية في نفس الوقت
الذي بدأ فيه الإخوان في منتصف السبعينات فإن عدد القطبيين ألان لا يزيد عن
عشرين إلفا بينما ربما يزيد عن عدد الإخوان المسلمين ألان عن مليون .


ورغم ذلك كله فإن التيار القطبي مازال تياراً مؤثراً وموجود في معظم دول
العالم خاصة العالم العربي لكنهم في كل مكان لهم نفس الخصائص الموجودة فيهم
في مصر من حيث البطء وعدم الفاعلية , وقد أدي ذلك في بعض الحالات إلي
تململ عناصر فاعلة داخل الجماعة ومن ثم الانشقاق عليها مللاً من جمود
المنهج الحركي للجماعة .




جماعة الجهاد الإسلامي




نشأت أول مجموعة جهادية في مصر حوالي عام 1964 بالقاهرة . وكان أبرز
مؤسسيها ثلاثة هم علوي مصطفي وإسماعيل طنطاوي ونبيل البرعي وكانوا جميعاً
طلبة في الثانوية العامة وقتها , ولقد تخرج إسماعيل من كلية الهندسة بجامعة
الأزهر فيما بعد , كما تخرج علوي من كلية الهندسة أيضاً , بينما تأخر نبيل
البرعي دراسياً ثم التحق بكلية الآداب بجامعة بيروت .


أصبحت هذه ألمجموعه تنظيماً يضم عدداً من المجموعات في القاهرة والجيزة
والإسكندرية، وقليل من المحافظات الاخري . وكانوا جميعاً طلبة من ثانوي أو
الجامعة لكن التنظيم استمر.


وكان من بين أعضاء هذا التنظيم أيمن الظواهري في نهاية الستينيات . كما كان
من أعضاء هذا التنظيم يحيي هاشم ورفاعي سرور , وأيضا كان من أعضائه محمد
إسماعيل المقدم من الإسكندرية كما انضم لهذا التنظيم في نفس الفترة نهاية
الستينيات مجموعة الجيزة التي كان أبرز قادتها مصطفي يسري وحسن الأهلاوي
لكن هذه ألمجموعه سرعان ما انفصلت في أوائل السبعينيات عند أول بادرة خلاف
مع التنظيم .


ولقد اختار التنظيم مبدئياً أسلوب الانقلاب العسكري لتحقيق هذا التغيير ,
وتبني نهج الاعتماد في اختراق الجيش علي أشخاص تم تربيتهم مسبقاً في
التنظيم ثم دفعهم للالتحاق بالكليات العسكرية .


كان التنظيم يعتمد مناهج لتعليم الدراسات الشرعية . تقوم علي أساس المنهج
السلفي , كما ألزم الأعضاء بحضور دروس الشيخ محمد خليل هراس بمسجد ( قولة )
بعابدين وهو المقر العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر . كما تضمنت
المناهج الدراسية بجماعة الجهاد الأولي هذه كتابي ( في ظلال القرآن ) و(
معالم في الطريق) لسيد قطب


أما في مجال التدريبات العسكرية فإن هذه الجماعة لم تكن تتبني سوي
التدريبات البدنية الشاقة بجانب التدريب علي الألعاب القتالية كالمصارعة
والكاراتيه , ولاْنهم كانوا يتبنون فكرة التغيير عبر التغلغل في الجيش
واستخدامه للقيام بانقلاب عسكري , وذلك عبر توجيه الأعضاء من طلبة الثانوي
لدخول الكليات العسكرية وكذا توجيه الأعضاء من طلبة الجامعات للتحويل
للكليات العسكرية ,


ولهذا أيضا لم يكونوا مهتمين بشراء أو تخزين السلاح أو التدرب عليه خارج
الجيش اللهم إلا ما كان من تصرفات فردية لم يكن التنظيم يمانع فيها .


وكانت هذه الجماعة تعتمد في مجال التجنيد علي تجنيد الملتزمين بتعاليم
الإسلام أياً كان انتمائهم الفكري بإعتبار أن خلافهم الرئيسي مع غيرهم هو
مسألة ( طريقة التغيير ) فإقناع أي ملتزم بهذه الفكرة يحوله لشخص صالح
للانضمام لجماعة الجهاد , ولكن كان بالطبع لهم بعض الملاحظات والخلافات
القليلة والجوهرية مع كل من الجمعية الشرعية وجماعة أنصار السنة المحمدية
في بعض تفصيلات مسائل في العقيدة حتي أن علوي مصطفي كان قد كتب كتيباً في
هذه المسائل .


وقد ظل هذا هو منهج جماعات الجهاد المصرية في الدعوة والتجنيد حتي الآن ,
حيث كانت مساجد الجمعية الشرعية وأنصار السنة وحلقات الدرس فيهما هي ملتقي
أعضاء الجهاد , كما كانت الميدان الأبرز للدعوة والتجنيد لجماعة الجهاد في
ذلك الحين بسبب انحسار النشاط الإسلامي في ذلك الوقت في هذه المساجد ومنع
الأنشطة الإسلامية في سائر ساحات العمل السياسي الاخري كالجامعات والنقابات
.


هذا وقد شهد هذا التنظيم العديد من النشقاقات واستقلال بعض قادته وكان
الأبرز في هذا انشقاق د. صالح سربه الذي دبر المحاولة الانقلابية في الكلية
الفنية العسكرية .. ( لمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلي المصدر المشار
إليه ) ... وقد كان للتنظيم الدور الرئيسي في اغتيال السادات ... وهناك
حسبما ورد بالدراسة فرق بين جماعة الجهاد والجماعات الإسلامية الاْخري .


الفرق بين جماعة الجهاد والجماعات الإسلامية الاخري :


ولكن ماهي رؤية جماعة الجهاد الإسلامية المصرية لوسيلة التغيير وأولوياته وما الفرق بينها وبين الجماعات الإسلامية الاخري ؟


تتلخص رؤية جماعة الجهاد للواقع بصفة عامة في أن ضعف المسلمين وتخلفهم يرجع
للبعد عن الإسلام بالمفهوم الذي تراه الجماعات السابقة وهنا جماعة الجهاد
لا تختلف عن أي منها ولكن ياتي الخلاف في إستراتيجية التغيير التي تبنتها
جماعة الجهاد والوسائل التي اتبعتها في ذلك وذلك كله انطلاقاً من تصورها عن
الواقع السياسي الإسلامي المعاصر .


لقد تصورت جماعة الجهاد الواقع الأساسي الإسلامي في إطار الحديث الصحيح
المشهور والذي تفهم كل الحركات الإسلامية من خلاله ماضي الأمة الإسلامية
وحاضرها ومستقبلها والذي يقول فيه النبي ( صلي الله عليه واله وسلم ) تكون
النبوة فيكم ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء الله أن
يرفعها ثم تكون خلافة علي منهاج النبوة فتكون فيكم ما شاء الله لها أن تكون
ثم يرفعها الله إذا شاء الله أن يرفعها ثم يكوم ملكاً عضوضاً فيكون فيكم
ما شاء الله له أن يكون ثم يرفعه الله إذا شاء الله أن يرفعه ثم يكون ملكاً
جبرياً فيكون فيكم ما شاء الله له أن يكون ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه
ثم تكون خلافة علي منهاج النبوة ثم سكت , فجميع الحركات الإسلامية تري أن
النبوة المذكورة في الحديث هي عصر حكم النبي للمسلمين بينما الخلافة علي
منهاج النبوة تبدأ بعصر أبي بكر الصديق وتنتهي بيوم تنازل الحسن بن علي عن
الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان وانه من معاوية حتي بداية العصر العباسي
الثاني هو الملك العضوض أي الظالم وأما المرحلة الحالية فهي مرحلة الملك
الجبري , أي ما نسميه بلغة العصر أنظمة الحكم العسكرية التي تحصل علي الحكم
عبر الانقلاب العسكري .


إلي هنا تتفق كل فصائل الحركة الإسلامية الحديثة تقريباً علي هذا التوصيف
بل وتتفق معها كثير من فصائل الحركة الإسلامية التقليدية علي نفس التوصيف .
ولكن كل هذه الفصائل تنحصر خلافاتها وتمايزاتها في كيفية التعامل مع هذا
الواقع .


فالجهاد يري أنه مادامت حكومات العالم الإسلامي قد اغتصبت الحكم بالانقلاب
العسكري رغماً عن الشعوب وبمساندة ومباركة من الاستعمار الغربي فإنه يحق
للمسلمين أن يستردوا حقهم المغتصب بالقوة المسلحة , ورأي الجهاديون
المصريون أن الاستيلاء علي الحكم في العالم الإسلامي أولي من قتال الغرب
رغم كل الظلم الذي يظلمه الغرب للمسلمين وقد اعتمدوا في ذلك علي القول بان
أنظمة الحكم في العالم الإسلامي هي عدو قريب بينما الغرب فهو عدو بعيد
واستدلوا علي أولوية قتال العدو القريب بقولة تعالي ( يأيها الذين أمنوا
قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ) ومعني يلونكم أي الأقرب
لكم .




السماويون




كان الشيخ طه السماوي ( وشهرته عبد الله السماوي ) قد اعتقل عام 1965 ضمن
جماعة الإخوان المسلمين وكان مازال في سن متيغير نسبيا, وعندما خرج من
السجن نجح في تأسيس جماعة جديدة أصبح هو أميرها ليسعي إلي إعادة تأسيس دولة
الخلافة الإسلامية عبر تكوين جماعة كبيرة تعتزل المجتمع وتعيش في الصحراء .


ولا تقتصر أهمية السماوي علي ذلك بل ترجع أهميته لأن انتشاره هذا أدي
لتوسيع رقعة المنتمين للحركة الإسلامية في السبعينيات الأمر الذي جعل
كثيراً من رموز الجهاد والسلفية والجماعة الإسلامية تلاميذ لبعض الوقت لدي
السماوي حتي قيل بحق ( أن جميع الإسلاميين قد مروا عليه في وقت ما من
حياتهم . ومن أشهر من تتلمذ عليه الملازم أول خالد شوقي الاسلامبولي قاتل
الرئيس أنو السادات .


والشيخ طه السماوي, وكان قد نشط لبعض الوقت في أواخر الثمانينيات وحتي
أواخر التسعينات مع حزب العمل المصري ومازال ساعد السماوي الأيمن عبد
الرحمن لطفي ( أبن خالة خالد الاسلامبولي ) يعمل كقيادي لحزب العمل بالمنيا
في صعيد مصر .


وكانت أجهزة الأمن قد نسبت إلي جماعته تهمة حرق أندية الفيديو في عام 1986 م .


وتم إلقاء القبض عليه للمرة الأخيرة عام 2007 م عندما اتهمته أجهزة الأمن
بإحياء جماعة السماوي علي اثر تصريحات إعلامية انتقد فيها مراجعات الجهاد
التي أعلنها الدكتور سيد إمام ,


ولم يعد لجماعة السماوي وجود ألان . وقد توفي السماوي نفسه في يناير 2009 م .




الجماعة الإسلامية




كانت الجماعة الإسلامية قد تكونت كحركة طلابية في منتصف السبعينيات من
القرن الماضي داخل جامعة أسيوط مثلها مثل سائر الحركات الطلابية التي تكونت
في كل جامعات مصر في هذه الفترة علي أيدي مجموعة من الطلاب في جامعة أسيوط
كان أبرزهم أبو العلا ماضي ومحي الدين عيسي وصلاح هاشم ,


واشتهرت الجماعة الإسلامية باستعمال القوة في تغيير ما اعتبرته من المنكرات
المخالفة لتعاليم الإسلام في المجتمع , مثل منع اختلاط النساء بالرجال
وشرب خمر وحفلات الموسيقي والأفراح والمسرحيات أو عروض الأفلام ونحو ذلك ,
كما مارست نوعاً من السيطرة في المدن والريف كلما سنحت لها الفرصة فهاجمت
شقق الدعارة وتجار المخدرات كما أرغموا النصابين علي إرجاع الأموال
لأصحابها كلما سنحت الفرصة لهم , واثأر ذلك حنق الحكومة عليهم لأن الحكومة
شعرت أن هذا إلغاء لها ولسيطرتها علي المجتمع لصالح اتساع نفوذ الجماعة
الإسلامية , ووجهت للجماعة الإسلامية ضربات أمنية اجهادية متتابعة .




تيار التوقف والتبين


وأهم مجموعاته ( الناجون من النار )




ربما ترجع أول نشأة لفكرة التوقف في الحكم علي المسلمين بكفر أو إسلام إلي
نشأة جماعة القطبيين عام 1965م , حيث ظل القطبيون يتبنون هذه الفكرة منذ
نشأتهم وحتي 1981 عندما قرروا التخلي عنها كما أشرنا لذلك سابقاً والفكرة
كانت تقوم لدي القطبيين علي التوقف عن الحكم للمسلمين المعاصرين بكفر أو
إسلام إلي أن يتبينوا حقيقة معتقداتهم .


وكان القطبيون لا يشترطون في المسلم أن ينضم لجماعتهم ليحكموا له بالإسلام
إنما كانوا فقد يشترطون أن يدين بنفس معتقداتهم التي هي في أغلبها معتقدات
الإسلام الصحيحة عدا بعض الجزئيات التي تخالف أصول الإسلام أو اختلف فيها
العلماء كعدم العذر بالجهل في العقائد والتشدد في مسألة التحاكم للقوانين
الوضعية التي تخالف الإسلام أو لا تخالفة دون مراعاة العوارض والأعذار التي
قد تكره المسلم علي شأ من ذلك , ولكن في منتصف السبعينيات ظهرت مجموعات
كثيرة مختلفة تتبني فكرة التوقف لكن أدخلوا عليها التعديلات الجوهرية أهمها
أن الحد الادني للإسلام لم يعد هو عقيدة الإسلام حسب فهمهم كما عند
القطبيين لكنه صار هو ذلك بالإضافة للانضمام لجماعتهم والسمع والطاعة
لأميرها في كل صغيرة وكبيرة كما تبنت بعض هذه الجماعات فكرة الانقلاب
المسلح لإقامة دولة الإسلام وسعوا للتسلح والتدرب علي السلاح ولكن حتي
منتصف الثمانينيات لم يقوموا بأي عمل مسلح ضد الحكومة أو المجتمع .


وبسجن قادة المنظمة وأغلب قادتها تفككت وانتهي أمرها ولم يعد لها وجود رغم
استمرار هروب مجدي ألصفتي لست سنوات متصلة قبل أن يلقي القبض عليه عام 1993
و ويسجن مع رفاقه الذين تحول أغلبهم عن فكر التوقف إلي فكر السلفية
الحركية ,


ولكن علي كل حال فتيار التوقف والتبين مازال موجوداً في واقع الحركات
الإسلامية المعاصرة في مصر لكنه لا يتبني العمل المسلح كما كان حاله قبل
ظهور ( جماعة الناجون من النار ) بل ان هذا الفكر ظل موجوداً وقت ظهور (
جماعة الناجون من النار ) لأنه لم ينضم لها من حاملي هذا الفكر سوي العشرات
فقط بينما ظل الباقون علي حالتهم من تبني الفكر ألعقيدي المتشدد دون أن
يقرنوه بحمل السلاح .




الشوقيون




شوقي الشيخ شخصية عرفتها وسائل الإعلام فيما عرف بأحداث قرية كحك بمركز
أبشراي في محافظة الفيوم عام 1990م , ودخل الشيخ سجن استقبال طره , وفي
السجن تعرف علي بعض دعاة وأقطاب مجموعات التوقف والتبين ودار بينه وبينهم
نقاش متكرر نتج عنه شوقي الشيخ عن عقيدة تنظيم الجهاد وتبني عقيدة جديدة
اشتقها هو بنفسه من عقائد مجموعات التوقف والتبين , وهي عبارة عن عقيدتهم
كاملة لكنه أدخل عليها تعديلات مفادة أنه مادام أمر التوقف هذا بدعة فأنه
عليه ألا يتوقف بل يبادر بالحكم بكفر من خالف عقيدته دون توقف وبعدها لو
اعتنق عقيدته فانه يدخل الإسلام من جديد .


ولم تكمن خطورة شوقي الشيخ في شططه الفكري فقط بل أن خطورته تمثلت في قدرته
علي التأثير خاصة في مجال الحيز الجغرافي الذي كان يعيش وينشط فيه فى
محافظة الفيوم, ولقد كان شوقي الشيخ زعيماً حركياً ويتمتع بكاريزما حتي أنه
نجح في تجنيد عدد من الشباب فى المجموعات.




ثانيا:الحركة الوهابية


الوهابية مصطلح أطلق على حركة إسلامية سياسية – قامت فى منطقة نجد وسط شبه
الجزيرة العربية فى أواخر القرن الثامن عشر على يد محمد بن عبد الوهاب
(1703 -1792) ومحمد بن سعود لنشر الدعوة ألسلفية وقد كانت بدايتها فى
الدرعية التي اعتبرها الوهابية إقامة لدولة التوحيد والعقيدة الصحيحة
وتطهيرا لأمة الإسلام من الشرك ،


يرى الوهابيون أنهم هم أهل السنة الحقيقيون وهم الفرقة الناجية الوحيدة من
النار أما من خالفهم فإما كافر أو مبتدع ضال أو لديه أخطاء فى العقيدة وعلى
أسس الدعوة قامت الدولة السعودية الأولي وقد تمكنت من الوصول إلى دمشق
وعمان وفى عام 1818 حاصرت القوات المصرية بفيادة إبراهيم باشا الدرعيه
ودمرتها إلا أن الدولة السعودية تأسست من جديد فى أوائل القرن العشرين تحت
قيادة عبد العزيز بن سعود مؤسس المملكة العربية السعودية علي أسس المنهج
الوهابي .


جاءت الحركه الوهابية بالمنهج السلفى بما تعتبره تنقية لعقائد المسلمين
والتخلص من العادات والممارسات التعبدية التى انتشرت فى بلاد الإسلام
وتراها الوهابية مخالفة لجوهر الإسلام التوحيدى مثل التوسل ، والتبرك
بالقبور وبالأولياء ، والبدع بكافة أشكالها ، ويصفها إتباعها بأنها دعوة
إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والرجوع إلى الإسلام الصافى وهو طريقة
السلف الصالح فى إتباع القرآن والسنة – أي عمليا عدم الاعتماد الكلى على
المذاهب الفقهية السنية الأربعة والاعتماد المباشر على النص من القرآن
والسنة وأقوال السلف الصالح وإجماع العلماء مدللين على ذلك بأقوال اللائمة
الأربعة .


منهج الوهابية فى العقيدة :


يرى الوهابيون أن منهجهم هو المنهج الصحيح لأهل السنة والجماعة واعتمدت
أفكار ابن عبد الوهاب بشكل عام على إحياء فكر ابن تيمية وابن قيم الجوزية
فى نبذ العادات التى رآها الشيخان ملتبسة بالشرك والتى كانت منتشرة فى
الأوساط المسلمة وتنقية العقيدة الإسلامية المبنية على التوحيد الكامل لله
أما فى مجال الفقه فقد اتبعوا منهج ابن تيمية الذى سلك بشكل عام مذهب
الإمام أحمد بن حنبل فى الفقه – وإن كان قد خالفه فى بعض المسائل منها ما
يتعلق بباب الطلاق ومسألة التوسل .


الوهابية كنظام للحكم :


يتبنى إتباع الوهابية فكرة الدولة الدينية ويرون أن الدولة لابد أن تحكم
بالشريعة الإسلامية ويطبقون ذلك من خلال بعض الآليات منها : -


• الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .


• التطبيق الأمثل لنظام الحسبه .


وقد تعرضت الحركة الوهابية للعديد من أوجه النقد كما حددها بعض الباحثين فيما يلي /


• نقل مسائل الفروع إلى الأصول مثل مسائل البناء على القبور . والتوسل بالأنبياء والأولياء .


• الإفراط فى تكفير وتضليل كل من هو على أختلاف معهم وتكفير أئمة الشيعة الأمامية وأكثر الصوفية .


• تعرضهم لأئمة السنة بالتخطئة فى العقيدة والتبديع فى بعض الأحيان
والإخراج من دائرة السنة فى أحيان أخر – مثل ما قالوا عن الشاطبى وابن حجر
العسقلانى والنووى والسيوطى وابن الجوزى والرازى وأبو حامد الغزالي والذهبى
ومن المتأخرين الشعراوى ومحمد الغزالي .


• تزوير التراث وذلك بحذف وتغيير ما كان يخالف منهجهم من كتب التراث
الإسلامي مثل ما فعلوا فى كتاب الأذكار للنووى – وحذف الجزء العاشر فى بعض
النسخ من الفتاوى لابن نيمية وهو الخاص بالتصوف


• قتال من يقولون عنهم أنهم " معادون لأهل التوحيد وأخذ أموالهم وأمتعتهم بدعوى أنهم مشركون


• هدم الشواهد والآثار النبوية المتبقية مثل ما فعلوا بمكان ولادة الرسول
محمد (ص) ومكان عيشه في مكة وبستان الصحابى سلمان الفاسى وبيت الصحابى أبى
أيوب الأنصاري وردم بئر العين الزرقاء وبئر أريس ( بئر الخاتم ) وبئر حاء
وغيرها – وكذا هدم الأضرحة والقباب وقبور الصحابة والآ البيت التى يقام
عليهما نوع من أنواع العبادة لأنها حسب اعتقادهم تعتبر من وسائل الشرك
والغلو فى الأنبياء والصالحين مستندين إلى حديث أخرجه مسلم فى صحيحه يقول
بنهى الرسول عن تجصيص القبور والقعود والبناء عليها رغم أنها قد تحمل قيمة
تاريخية أ ثريه أو فنية أو حتى دينية لمن يزهامن المسلمين أو غير المسلمين
وتمثل ذلك فى هدم العديد من الشواهد فى السعودية – وكذلك هدم مرقد الزبير
بن العوام فى البصرة


• تحريمهم الاحتفال بالأعياد والمناسبات من ذكرى مولد ونحوه بإعتبار ذلك عبادة لمن يحتفل بمناسبته وتعظيم له .


والغريب والمريب أن الوهابيين ينطقون اسم رسول البشرية محمداً( ص) مجردا
فأنهم حينما يخاطبون الملك وأفراد أسرته فإنهم يسبقون الاْسم بسيدى أو سيدى
صاحب السمو ( أي تناقض هذا ؟ – فمن أحق بالتسييد صاحب الرسالة أم صاحب
السلطة ومالك المال ؟).


السلفية والأصولية :


جاء في الموسوعه الحرة ( ويكيبيديا ) أن الأصولية اصطلاح سياسي فكري يشير
إلي نظرة متكاملة للحياة بكافة جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية
والثقافية نابعه عن قناعه متأصلة نابعه عن إيمان بفكرة أو منظومة قناعات
تكون في الغالب تصوراً دينياً أو عقيده دينية ويرى البعض أن السلفية
والأصولية مصطلحان قريبان من بعضهما فالأصولية تعنى التمسك بأصول الدين
والعقيدة والاصولى على هذا هو كل من يتمسك بأساسيات الدين من عبادات
ومعاملات وهو ذات المعنى الذى يقصد من معنى السلفية فالسلفى هو الملتزم
بأمور الدين وسار على منهج السلف الصالح السابقين منذ صدر الإسلام ومن عصر
التابعين إلى تابعى التابعيين – وفى هذا فإنه ليس هناك من خلاف أو تباين
بين المعنيين إلا فى اتساع المعنى حيث ارتبطت السلفية بالمسلمين فى حين
اتسعت معانى الأصولية كى تعبر عن كل فكر يقوم أو يعود إلى منابع العقائد
وفى هذا يقوم د. خليل حسن فى دراسته ... ( منشأ الحركات الأصولية
وتداعياتها المنشورة على موقع أصدقاء المغرب ) .


ليس للأصولية منشأ واحد – كما أنها لم تقتصر على فترة محددة ولا يرتبط
عملها بفئة أو جماعة واحدة فمن أين نشأت وما هى أصولها وما هي أنواعها
وأسباب ظهورها ؟ وكيف يمكن مواجهتها وحل معضلاتها ؟


ويري الكاتب أن الأصولية مصطلح ترجعه الدراسات إلى القرون الوسطى . وتعتبره
مصطلحا يختزن تجارب ورموزا وإيحاءات لا علاقة لها بفئة قومية أو دينية أو
عرفية محددة بعينها بل ارتبط بتاريخ تنوعت فيه مظاهر التطرف والأصولية
بأوجه مختلفة منها المسيحية والإسلامية ومنها اليهودية – والهندوسية (
لمزيد من المعرفة يمكن الرجوع إلي المصدر المشار إليه )


أولا: الأصول التاريخية .


تمثلت نشأة الأصولية في التجربة الأوربية بتسلط الكنيسة على المجتمع
والدولة واستبدادها بالوهم والخرافة – أما المشكلة في التجربة العربية
الإسلامية فكانت في سعى الدولة للهيمنه على المجتمع بما يعنيه ذلك من سلطة
التعليم والتشريع والموروث الديني وصولا إلى هيمنتها شبه الكاملة مع نشوء
الدولة القطرية من مخاض أحلام قومية وتحديدا أيامنا هذه


وتعرف الدراسات الأصولية على أنها حركة تقوم على معتقد ديني أو سياسي مع
الشكل الثقافي أو المؤسسي الذي تمكنت من ارتدائه في عصر سابق من تاريخها
وهى تعتقد أنها تمتلك حقيقة مطلقة وأنها قادرة على فرضها – كذا يذكر مؤرخو
الأصولية وحركاتها أن ثمة أصوليين من العلمانيين والتكنوقراطيين الذين
يزعمون أن لديهم جوابا لكل شيء باسم تصور قديم وضعي للعلم – والذين يؤمنون
بهيمنة الغرب الخالدة .


ولم تظهر كلمة أصولية في اللغة والمعاجم إلا حديثا . في قاموس لاروس عام
1966 فيعرفها وفقاً للمصدر بكيفية عامة جدا بأنها موقف أولئك الذين يرفضون
تكييف عقيدة مع الظروف الجديدة وفي عام 1979 وضع تعريف جديد للأصولية بأنها
استعداد فكرى لدى بعض الكاثوليكيين الذين يكرهون التكيف مع ظروف الحياة
الحديثة ثم في عام 1984 ظهر قاموس لاروس الكبير وضعها داخل حركة دينية
فالأصولية موقف جمود وتصلب معارض لكل نمو أو لكل تطور " ثم يضيف جاعلا
الكلمة تتعدى نطاق المجال الديني " مذهب محافظ متصلب في موضوع المعتقد
السياسي ولا يذهب أبعد من ذلك ذلك القاموس في عام 1987 سوي أنه يشير إلي
موقف بعض الكاثوليكين الذين يرفضون كل تطور ، عندما يعلنون انتسابهم إلى
التراث ومن هذه التعريفات يمكن استخلاص المكونات الإسلامية للأصولية
الجمودية " رفض التكيف و جمود معارض لكل نمو ، لكل تطور - العودة إلى
الماضي والانتساب إلى التراث و" المحافظة " – عدم السماح ، الانغلاق ،
التحجر المذهبي : " تصلب " ، كفاح ، عناد – وبذلك يمكن للأصولية على هذا
النحو أن تضع نفسها كجمودية في مواجهة التطور كتراث في مواجهة الحداثة ،
كتحجر مذهبي في مواجهة الحياد ، بمعنى ، يمكن للأصولية أن تكون نقيض
العلمانية والحال يصبح مفهوما للتشديد في المعاجم الفرنسية على الأصولية
الكاثوليكية ، المرتبطة في بلاد الغرب ، بالصراعات بين الكنيسة والدولة .




أصولية العصر الحديث :




يرجع الدارسون أصولية العصر الحديث إلي مطلع القرن العشرين ويسيرون إلي أن
بدايتها كانت في الولايات المتحدة الأمريكية ورغم أنها لم ترتبط بشخص معين
إلا أن اليهود قادوا هذه الحركة بمواجهة المسيحية الكاثوليكية , وعلاقة
المسيحية بالكاثوليكية قديمة قدم المسيحية نفسها , ولقد ظهر السيد المسيح
واليهودية يتجاذبها تياران كبيران : التيار الفريسي وهو تيار الكهنة
الرجعيين الذين تمسكو بطاهر الكهنة الرجعيين الذين تمسكوا بالنص التوراتي
لا بروحه والتيار الثاني وهو تيار الصدقيين وهم طبقة الأغنياء المتعصبين
للثقافة الهلينية وثمة طائفة ثالثة من المتنسكين الذين كرهوا الزواج وعاشوا
متقشفين , فكان منهم يوحنا المعمدان . وليس دليل علي أن المسيح أيد اياً
من هؤلاء , إنما كان سلوكه المعادي للفريسيين , المطري بالزهد والعفة يوحي
أنه مال إلي اليهودية والتوراة وأصولها , وحزب روماني كان مقدراً له فيما
بعد أن يصبح حاكماً في الإمبراطورية , علي استحياء أولاً في القرن الثالث
الميلادي , ثم علناً في أوائل القرن الرابع في عهد الإمبراطور قسطنطين
الأول .


كان لانتصار المسيحية في الإمبراطورية الرومانية , هزيمة تاريخية للمسيحية
اليهودية , التي تراجعت وخبت فيما كانت بيزنطة تشن حرباً ضروساً علي أحزاب
مسيحية مشرقية أخري , منها الأريوسية والنسطورية واليعقوبية لكن ضمور
المسيحية اليهودية كان إلي حين فما أن أخذ المسيحيون الأوربيون يتململون
تحت وطأة السلطة البابوية من تأثير حركة النهضة الأوربية وظهور النوازع
القومية في انكلترا وألمانيا , علي الأخص , حني سارعت المسيحية اليهودية
وربما اليهودية نفسها , إلي تأييد هذه الحركات القومية وساندت التمرد
الانكليكاني علي الكثلكة ونصرت حركة لوثر الألمانية وكالفن غانسينوس ,
وكانت هذه الفرصة التاريخية المنفذ الذي تسللت منه النزاعات التوراتية إلي
المذاهب الجديدة في أوربا .


وقد صدف في الوقت ذاته أن الأوربيين اكتشفوا القارة الأمريكية واستعمروها
وكانوا بحاجة إلي عقيدة تضفي علي هذا الاستعمار الصفة الشرعية , فكانت
نظرية أرض الميعاد , هي العقيدة المنشودة التي أباحت لجحافل الاْنجلوساكسون
والجرمانيين أن يستوطنوا أمريكا ويبيدوا شعبها وحضارتها وضميرهم مطمئن إلي
صواب فعلهم فأي شرعية يمكن أن تسمو علي شرعية وعد صريح من الله , أن يهب
شعبه المختار تلك الأرض الجديدة .


أما الأصولية الإسلامية فتشير الدراسات إلي أنه في عصر النهضة الأوربية
وسقوط الـ800 عام للحكم الإسلامي في إسبانيا أواخر القرن الخامس عشر بدأت
فترة الانحطاط الطويل في معظم العالم الإسلامي , بسبب عوامل تاريخية
واجتماعية متعددة وبدأت الحركة الإسلامية المضادة للمجتمع العبودي بالركود ,
ما أدي إلي استعمار أغلب العالم الإسلامي من قبل الغرب الصاعد , كما وضعت
الثورة الصناعية في أوربا القاعدة الاقتصادية والعسكرية لهذا الاستعمار
وكانت النظم الإقطاعية في البلدان الإسلامية قد أصبحت عائقاً أمام التنمية
الاجتماعية وكانت ثمة عدة حركات مستندة إلي الإحياء الإسلامي ضد هذه
الحكومات الملكية الإقطاعية وضد الحكام .


بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت الأصولية الإسلامية ظاهرة رجعية ومضادة
كلياً للثورة , واستغلت من قبل الغرب لضرب الحركات اليسارية والتقدمية في
البلدان الإسلامية وكان التيار الرئيسي للأصولية الحديثة مستنداً إلي
الإخوان المسلمين في مصر وبلدان أخري من الشرق الأوسط والجماعة الإسلامية
في باكستان .


ويري بعض الكتاب أن الأصولية الدينية ( المتعصبة ) تشترك في عدد من الملامح /


- ادعاء الإيمان النقي علي أساس من احتكار المقدس أو احتكار الحقيقة , إذ
تلجأ الحركات الأصولية واليمينية إلي تكفير ورفض المخالف لادعائها , سواء
كان المقدس دينياً أم مذهبياً , وسواء كانت الحقيقة أيديولوجية أم ثقافية .


- تمتاز القوي المتطرفة بالتعصب لفكرة الأنا الدينية أو القومية وجعلها
المركز والباقي أطراف و كمفاهيم شعب الله المختار , والفرقة الناجية ,
والعرق الأنقي , والثقافة الأنموذج ... مما يقود للشعور بالأفضلية وخلق
التفوق وترسيخ الاستعلاء.


- ترفض حركات التطرف استحقاق التعايش والتمازج الإنساني استناداً إلي
التعددية الدينية والعرقية والمذهبية والثقافية التي تميز الجنس البشري.
فالحركات المتطرفة وإن كانت تعترف بالتعددية كحقيقة إنسانية لكنها تقول
بالحفاظ علي خصوصية كل دين وعرق وثقافة فتؤصل لاستحالة التعايش وترفض إيجاد
مساحات اللقاء علي أساس من المشترك الإنساني والتمازج الثقافي بين الأمم
حفاظاً علي الخصوصية المدعاة .


- تركيز القوي المتطرفة علي الهوية الجمعية المتمركزة حول فكرة الأمة أو
الجماعة قبل الهوية الفردية للإنسان وخصوصيته وحقوقه وحرياته وهو تركيز علي
مستوي الفكرة وعلي مستوي الاشتغال , فلا أهمية ولا إرادة للفرد ضمن نطاق
الأمة .


- التمحور حول الاختلافات البيولوجية أو الأيدولوجية أو الثقافية لخلق
الخلاف وتعميقه بين الأعراق والأديان والمذاهب والثقافات فحركات التطرف
تشتغل علي التناشز المؤدي إلي التعنصر والتعصب ولا تشتغل علي التناغم
والتكامل الإنساني كما أنها تشتغل علي إنعاش الذاكرة الخلافية وتنشيط
الغرائز الانتقامية .


- توظف حركات التطرف الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لزعزعة فكرة
الدولة الديمقراطية لصالح الدولة الثيوقراطية أو الشوفينية , وهذا هو أهم
جهد تشتغل عليه لإعادة إنتاج منظومات الدولة المفاهيمية والتشريعية
والسياسية .


- استخدام العنف والإرهاب كأدوات تعمق الاختلاف بين المكونات الدينية
والعرقية والإثنية لضرب وحدة المجتمعات والدول . أو لخلق الجبهات الدينية
والقومية وتعبئتها ضد الجبهات الدينية والقومية الأخري . إن العنف والعنف
المضاد خير وسيلة لخلق التعصب والتمحور والتحفز ضد الأخر , إنه أقصر طريق
لمصادرة العقلانية لصالح العواطف الواهمة التي تستثيرها مجموعات التطرف .


- اعتماد أنساق دائمة من التوتر السياسي والمجتمعي والأمني لنشر الفوضى ,
إن الفوضى ( الخلاقة ) سلاح القوي المتطرفة لزعزعة سياق المجتمعات وأنظمة
الدول لإعادة إنتاجهما وفق معاييرها وسياساتها .




أسباب تصاعد الحركات الأصولية في الشرق الأوسط


يذكر الكاتب في أسباب تصاعد الحركات الأصولية في الشرق الأوسط العديد من
الأسباب الذاتية والموضوعية التي ساعدت في تصاعد قوة الأحزاب والحركات
الأصولية في المنطقة العربية ومن بينها :


1. أن وصول الجمهوريين وبالتحديد فئة " المحافظين الجدد إلى السلطة في
الولايات المتحدة شكل تحولاً دراماتيكياً في السياسات الخارجية الأمريكية
وبخاصة تجاه الشرق الأوسط والذي أدى إلى تشكيل بيئة مواجهة وصلت إلى حدود
استعمال القوة العسكرية في مواجهتها فاجتياح إسرائيل على سبيل المثال
للبنان في العام 1982 وبدعم أمريكي واضح نقل منطقة الشرق الأوسط من ضفة إلى
أخرى تميزت بمواجهات دامية وأسست لبيئات سياسية واجتماعية متطرفة نظرت إلى
الولايات المتحدة نظرة عداء بكونها تشكل الداعم الاستيراتيجى لإسرائيل في
المنطقة وسرعان ما ترسخ هذا الاتجاه في عقد الثمانينيات من القرن الماضي
وما تلاه .


2. إن الوضع المشار إليه ساعد بشكل مباشر على إحياء أيديولوجيات ذات طابع
أمنى عسكري ، مرد ذلك الاحتلالات التي ظهرت في غير منطقة في الشرق الأوسط
بدءاً من لبنان وصولاً إلى أفغانستان ، الأمر الذي أوجد غطاءً شرعياً
اجتماعياً حاضناً للأحزاب والحركات التي واجهت الوضع القائم آنذاك.


3. إن فشل الأحزاب القومية العربية والشيوعية في تحقيق الآمال التي وعدت
بها شعوبها ، أدى إلى واقع اجتماعي سياسي تعبوى مختلف سرعان ما تحولت
الجماهير العربية والإسلامية عن أحزابها ومضت باتجاه الأحزاب الراديكالية
التصورات والتي تمثلت بالأحزاب ذات التوجه الديني وحتى المذهبي


4. إن قدرة هذه الأحزاب التعبوية الهائلة بحكم الأدوات والوسائل التي
تستعملها وبخاصة الدينية منها جعلها بحراً كبيراً لاستيعاب جماهيرى في
الوقت الذي تميزت بحسن تقديماتها وحل مشاكل جماهيرها ، الأمر الذي رسخ فكرة
نجاحها في الذاكرة الجماعية لمناصريها ، وبالتالي تأييدها والاندماج في
صفوفها بصرف النظر عن دقه وصولية طروحاتها تجاه الأزمات التي ينبغي اتخاذ
مواقف فيها .


5. إن فشل الأنظمة الحاكمة في تقديم أي أمر وعدت به أدى إلى تهميش دورها
ورعايتها المفترضة لناسها ومواطنيها مما سهل للأحزاب البديلة الحلول مكانها
وقيادتها للسياسات الداخلية والخارجية للدولة حتى باتت سلطات الأنظمة
هيكلاً فارغاً دون مضمون ، الأمر الذي سهل عملياً تآكلها من الداخل تمهيداً
لانهيارها .


6. إن فشل مشاريع السلام المقترحة أميريكيا أدى بشكل أو بأخر إلى تقوية
مواقف الأحزاب الدينية التي توصف عادة بالراديكالية أو بالأصولية مما عقد
الأوضاع القائمة دون ظهور محاولات جديدة قابلة للحياة .


السلفية والتصوف :


جاء في كتاب تاريخ الفلسفة العربية أن الصوفية تعد حلاً وسطاً تلجأ إليه
العقول المتدينة الحريصة على التوفيق بين الدين ومستلزماته الخلقية من جهة
ومعطيات العلم الناجمة عن الاختبار الحسي من جهة أخرى وكلمة التصوف مشتقة
من الصوف " والصوفي هو من يرتدى غليظ الصوف ... ووفقاً للمصدر فإن التصوف
الإسلامى له مصادر عديدة منها ما هي إسلامية ومنها ما هي غريبة عن الإسلام
ذات أصول هندية وفارسية ومسيحية وإغريقية إلا أن التصوف الإسلامى نشأ عن
الزهد وقد وضع الصوفيون لهم طريقاً سموه طريق الحق بمعنى الطرق المؤدية إلى
الله الذي هو الحق المطلق والفناء به وقد اتخذ التصوف الإسلامى أشكالاً
مختلفة فهناك تصوف حلولى وهناك تصوف فلسفى وهناك تصوف سني ( للمزيد من
المعرفة يمكن الرجوع إلى كتاب تاريخ الفلسفة العربية تأليف حنا الفاخورى
ود. خليل الجر – منشورات دار الجبل – بيروت )




ويرى السلفيون أن هناك تطوراً لحق بالتصوف جعله يبتعد عن الإسلام الصحيح
وقامت فئات من المسلمين تحاربه وتناصبه العداء وكان في طليعة ذلك الخوارج
ثم الزيديين والإثنا عشر الدهرية ولحق بهم غلاة الشيعة في القرن الثالث
الهجري حيث شجبوا كل دعوة إلى حياة التصوف لأنها تدخل بين المؤمنين أموراً
لا عهد لهم بها كلبس الصوف واللجوء إلى الخنقة وتحل من الطاعة للأمة – في
حين لحق السنيون برفضهم للصوفية حيث رأى الإمام ابن حنبل عدم جواز تقديم
التأمل على حساب الصلاة واعتقادهم بأن النفس تصل إلى شيء من الخُلٌة مع
الله تحررهم من الشريعة وتحملهم على الإباحة ثم إن المعتزلة والظاهرية
انتقدوا مذهب العشق الذي يصل بين الملامسة والاتصال والحلول .... وقد رفض
السنة كثيراً من التأويلات التي قام بها المتصوفة واعتبروها كفراً وهناك من
قال " كان التصوف حالاً فصار كاراً وكان احتساباً فصار اكتسابا وكان
استئثارا استهتاراً وكان إتباعاً للسلف فصار إتباعاً للخلف وكان عمارة
للصدور فصار عمارة للغرور وكان تعففاً فصار تكلفاً وكان تخلقاً فصار تملقاً
وكان سقماً فصار لقماً وكان قناعة فصار فجاعة وكان تجريداً فصار شريداً.


وهكذا امتد ذلك الخلاف حتى وقتنا الحاضر حيث ينكر السلفيون العادات
والمسالك الخاصة بالصوفيين ويرون فيها بدعاً منكرة لم يثبت ايتاؤها من
الرسول (صلى الله عليه و سلم) أو أصحابه مثل /


• إقامة المساجد علي قبور الصالحين وتعظيمها .


• شيوع الأحاديث الضعيفة والموضوعة بينهم .


• جواز التبرك بالجماد من أحجار وأشجار وما شابه.


• نشر رغبة الاحتفال بمولد الرسول (ص) وينهون عنه وعن إقامته.


• القول بإسقاط الترميز .


• قبولهم كل ما يرد علي القلب مما يسمي كشفاً ومكاشفة .


السلفيون والدولة والمجتمع :


يقول د . حسين فوزي النجار " لقد شهداً المجتمع الاسلامى عند بدايته في
المدينة قيام نوع من التنظيم السياسي للجماعة الإسلامية يستهدى القواعد
الأساسية للحياة العليا التي سنها الإسلام للمسلمين وفقاً للأصول التي قامت
عليها العقيدة الإسلامية والقواعد العامة التي وسعت شئون الحياة
الإجتماعية والاقتصادية والأخلاقية للمسلمين إلا أنه كما يشير الكاتب أن
التنظيم السياسي لم يعرض أي تفصيل للأساس الذي تقوم عليه الدولة ولا
لطبيعتها ( بمعنى أن الإسلام لم يضع نظرية للدولة ) ويشير الكاتب أن
المجتمع الإسلامي قام على عناصر أربعة : -


الوحدانية – الإخاء – المساواة – المسئولية – الواجب.... ويضيف الكاتب بما
يقطع الشك باليقين بأن الشريعة الإسلامية لم تنص على إقامة دولة أو قيام
سلطة 0 وكانت فقط تنص على قيام ( أمة إسلامية ) وهى وفقاً للكاتب كما يراها
في اللفظ القرآني هي الحشد الكبير من الناس الذي يضم الشعب والقوم
والقبيلة .


ومن الواضح أن الشريعة الإسلامية لم تضع نظاماً للحكم ولكنها وضعت نظرية
للحكم وأساساً للفكر السياسي في الإسلام أو ما يسمى بالنظرية السياسية في
الإسلام وهى النظرية التي يمكن أن تقوم عليها الدولة وتحكم السلطة
فالمسلمون أمة واحدة مهما تعددت أجناسهم ومهما تعددت أماكنهم والأمة مصدر
السلطة فيها ولا ترتبط بشخص معين – كما ترتبط بالفكرة العليا للجماعة
وبصالحها العام – والعقيدة الإسلامية هي مصدر الفكرة العليا في الأمة
الإسلامية ولا يعنى هذا قيام سلطة لاهوتية تطبع الدولة بطابع ثيوقراطى تعلو
فيها سلطة رجل الدين على سلطة المجموع فالإسلام لا يعرف الكهانة ولا طبقة
رجال الدين .


وقد قام المجتمع الإسلامي متكاملاً منذ البداية وعلى نظام دنيوي خالص لم
يكن وحياً من عند الله ولم تنص على قاعدة دينية حتى لا يكون إلزاماً للناس
من بعد أو أساساً لدولة دينية يجمد فيها نظام الحكم أو دستور الدولة أو تقف
بالفكر عند حدود ملزمة تقعد بالجامدين عن التطور وفصل بذلك بين الدين
والدولة منذ البداية – ولا يعنى هذا الفصل إنكار المجتمع أو أي نظام سياسي
يقوم لصفة الدولة فهي دولة إسلامية ولكنها ليست دينية يستمد الحاكم منها
سلطانه من الله كما يستمد منه العصمة ... وليست دولة علمانية لا ترى للدين
سلطاناً على العلم وتفصل ما بين الدين والعلم كما تنكر الدين كأي دولة لا
دينية ... وسنعرض فيما يلي لعدد من النظريات التي تؤسس للدولة الدينية ثم
عرض مفهوم الدولة المدنية ورأي السلفيين بشأنها /


يمكن تلخيص النظريات التي تبني عليها الدولة الدينية ( الثيوقراطية ) عموماً إلي ثلاث نظريات :


- نظرية الطبيعة الإلهية للحاكم: هذه النظرية تقول ( أن الله موجود علي
الأرض يعيش وسط البشر ويحكمهم ويجب علي الأفراد تقديس الحاكم وعدم إبداء أي
اعتراض ) وهذه النظرية كانت سائدة في الممالك الفرعونية والإمبراطوريات
القديمة وبعض مراحل الدولة الفاطمية,


- نظرية الحق الإلهي المباشر: وهذه النظرية تقول ( إن الحاكم يُختار وبشكل
مباشر من الله ) أي أن الاختيار بعيداً عن إرادة الأفراد وأنه أمر إلهي
خارج عن إرادتهم وتمتاز بالآتي :


o لا تجعل الحاكم إلها يعبد .


o الحكام يستمدون سلطانهم من الله مباشرة .


o لا يجوز للأفراد مس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رزان
مشرفة
مشرفة
رزان



 السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية    السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Emptyالسبت مارس 23, 2013 2:43 pm

الدولة المدنية ورأي السلفيين بشأنها /

تعرف الدولة المدنية بأنها الدولة التي تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض
النظر عن القومية والدين والفكر وتقوم علي عدة مبادئ أهمها أن تقوم تلك
الدولة علي السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات ,
وبما يضمن حقوق جميع المواطنين وألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل
فرد آخر أو طرف آخر ... فضلاً عن الثقة في عمليات التعاقد والتبادل
المختلفة وإقرار مبدأ المواطنة , وهي دولة لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة
ولا تعادي الدين أو ترفضه مع الالتزام بالنهج الديمقراطي والتعددية والقبول
بمبدأ تداول السلطة بما يحول واغتصاب السلطة من خلال فرد أو نخبة أو عائلة
أو عرق ... ومصطلح الدولة المدنية وفقاً لدراسة أبو فهر السلفي ( الدولة
المدنية ... المفاهيم والأحكام تتكون من ركنين /


1. الدولة : في العربية ترجع مادتها لدوران الحال وانتقاله وتختص الدُولة-
بضم الدال - بالانتقال والتعاقب في أمور الدنيا كالمال والجاه , والدََولة –
بالفتح 0 بالانتقال في الحرب كأن ينتقل النصر من فئة إلي فئة ... والدولة
في الاصطلاح السياسي مجموع كبير من الأفراد, يقطن بصفة دائمة إقليماً
معيناً, يتمتع بالشخصية المعنوية, بنظام حكومي, واستقلال سياسي... وتستخدم
كلمة دولة للإشارة إلي مدلولين /


أ‌. كل الأشخاص والمؤسسات الذين ينتظمهم الإطار السياسي للمجتمع .


ب‌. مؤسسة الحكومة فيستعمل المصطلح هنا في مقابل الشعب .


ولم تستعمل هذه الكلمة للدلالة علي هذا المعني إلا في مراحل متأخرة سواء
اللغات الغربية أو اللغة العربية وكانت بدائلها في العربية ألفاظاً, مثل (
الدار – الخلافة – السلطنة – المملكة – البلاد ) .


2. المدنية / نسبة إلي المدينة وتدل علي نمط الحياة في المدينة , معبرة –
في رأي بعضهم – عن العناصر الظاهرة الفعالة المحركة بين عناصر حضارة
المدينة , وهي مرادفة للحضارة عند الأكثر , وتستعمل هذه اللفظة في كثير من
الأوساط الثقافية في مقابل عدة كلمات , تتضح دلالتها بيانها , وهي :


أ‌. المدنية: كمقابل للبداوة, فهي هنا بمعني ( الحضارة والعمران )


ب‌. المدنية: كمقابل للعسكرية, فيقال ( لباس مدني, ولباس عسكري )


ت‌. المدنية: كمقابل للدينية, فيقال ( العلوم المدنية مقابل العلوم الدينية).


ث‌. ويعبر في الفلسفة اليونانية عن إدارة أمور المدينة بالسياسة المدنية
ويعرفونها بأنها ( علم بمصالح جماعة متشاركة في المدينة , ليتعانوا علي
مصالح الأبدان , وبقاء نوع الإنسان )


والواقع أن هناك خلاف بين علماء السلف حول مفهوم الدولة المدنية وهم ينكرون
رأي العلمانيين بضرورة (فصل الدين عن الدولة ) وإنما وافقوا على أن الدولة
الإسلامية ليست دوله دينية على النموذج الغربي حيث البابا هو إله ودولة .
وهذا مرفوض في الإسلام تماماً ... لأن نظام الحكم الإسلامى ، الشريعة فيه
حاكمة على كل أحد ، وحق التشريع في الإسلام حق خالص لله – عز وجل - ، ( أن
الحكم إلا لله ) , والرسول – صلى الله عليه وسلم – مبلغ عن ربه والمجتهدون
يستنبطون الأحكام والمبادئ فيما لم يرد فيه نص والقضاة مثلهم مثل القضاة في
أي نظام ،يطبقون التشريع الذي يأتيهم من المشرع,


والسلفيون يرون أنه لا يجوز بحال من الأحوال تخفيض سقف آمال المسلمين
والمطالب العادلة لهم في أن يعيشوا الإسلام كما شرعه الله ... ولكن أمام
إصرار السلفيين علي إقامة دولة دينيه يثور الجدل وتتباين الرؤى فهناك الرفض
التام لهذا التصور وهناك النقض ( عدم الرفض المطلق ) ,


ويقع كثير من الناس في خلط شديد بين مفهومي الدين والدولة الدينية وقد أدى
هذا الخلط والذي يبدو لنا أنه متعمد يقصد منه استخدام الدين لتبرير
الاستبداد والطغيان والظلم من خلال سلطة ترتدي وشاح الدين والدين منها براء
وهنا يثور التساؤل عن الفرق بين الدين والدولة الدينية ؟ ... وكيف تحكم
الشعوب من خلال دولة مدنية..الدين أحد مرجعياتها وثوابتها ؟ ولعل طرح ماهية
الدين ومفهومه يَعد نقطة البدء في الولوج داخل هذه الإشكالية التي شغلت
وستظل تشغل فكر قطاع واسع من رجال الفكر والثقافة وعلماء الاجتماع
والمنشغلين بقضايا الأديان.


أولاً : في مفهوم الدين أو تعريفه:-


يرى د. أحمد بن سيف الدين تركستاني أن الدين يعني الطاعة والانقياد وتأسيس
منهج الحياة على مثل عليا يلتزم بها الإنسان في حين أن الموسوعة الحرة
ويكيبديا تشير إلى أن مصطلح الدين مثير للجدل ولا يوجد تعريف واضح وثابت له
يرضي كل الناس وكل تعريف يخضع لإيمان ورؤية واضحة فهناك من يعرفه من منطق
إيماني أو إلحادي فضلاً عن ذلك فإن نظرة العلماء إلى الدين تختلف عادة
باختلاف تخصصاتهم وكما جاء بالموسوعة فإن علماء الاجتماع يرون في الدين
مجموعة من القيم والمثل والخبرات لا يمكن اختصارها في مجموعة من المظاهر
الاجتماعية والثقافية والتي لا تخرج عن كونها مظاهر ناتجة عن الدين وليست
الدين أساساً ... وعليه فإنهم يرون في الدين الوعي والإدراك للمقدس وهو
الإحساس بأن الوجود والعالم تم إيجاده بشكل غير طبيعي عن طريق ذات تعلو فوق
الطبيعة (الإله الخالق) ... ويشير أحمد بن سيف الدين تركستاني إلى التعريف
الذي وضعه الأستاذ / محمد فريد وجدي " الدين اسم لجميع ما يعبد به الله
والملة ومثله الديانة) ... في حين أن من المسلمين من يرون أن الدين يعني
الاستسلام لأمر الله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك
وإتباع الرسول المعصوم وأن يكون الاستسلام والإتباع عقيدة وشريعة ومنهاج
حياة شامل


وفي دراسة نشرت بمجلة العلوم الاجتماعية الكويتية تحت عنوان ( مفهوم الدين
ونظريته وأنواعه ) أنه يتعثر العثور على تعريف اصطلاحي موحد لكلمة دين إلا
أن الدراسة طرحت عدة تعريفات لعلماء مسلمين أوردت منها ثلاث تعريفات /


-إن الدين وضع إلهي يدعو أصحاب العقول إلى قبول ما هو عند الرسول .


-أنه القيام لله بما أمر به .


-أنه أمر يضاف إلى الله تعالى... هو وضع إلهي يسوق ذوي العقول باختيارهم
المحمود إلى الخير بالذات وهو ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم فإن الوضع
الإلهي هو الإحكام التي جاء بها نبي من الأنبياء .


... ومن ثم فإن ذلك يعني أن الدين إيمان وفعل فأما الإيمان فيقضي التسليم
والاعتقاد الجازم بوجود قوة هائلة جبارة أعلى من طبيعة الإنسان العقلية
وهذه القوة هي التي تؤثر في تصرفاته وسلوكياته أما الفعل فهو الالتزام بكل
الفرائض التي طرحتها الأديان أياً كانت (سماوية / وضعية أرضية من وضع
البشر) .


... وتختلف رؤية فلاسفة الغرب حول مفهوم الدين فإن كان المسلمون يحددون
الدين فيما تضمنته تعاليم الأديان السماوية فإن الغربيين دمجوا بين ما هو
منزل من السماء وما هو موضوع من قبل البشر (الدين الأرضي) وفي هذه الرؤية
فإن المسلمين يرون أن كل دين لم ينزل من السماء دين باطل وفاسد زائف وعلى
الرغم من ذلك فإننا نرى من بعض الفلاسفة الغربيين تعريفاً للدين أقرب ما
يكون للرؤية الإسلامية فهذا هربرت سبنسر الفيلسوف الإنجليزي يقول إن "الدين
هو الإيمان بقوة لا يمكن تصور ماهيتها الزمانية والمكانية" ... ولكن لم
يكن مفكرو الغرب على وفاق تام مع الدين فمنهم الكثير ممن هاجموا الدين وأرى
أن مونتيسيكو وفولتير كانا من أشد المناهضين للدين وأكثرهم نقداً وكانت
الأحداث التي عرفاها وعاصرا بعضها ذات تأثيرات على فكرهما حيث كانت هناك كل
صور العنف والتدمير وإزهاق أرواح الناس وذلك خلال القرن السادس عشر وتحت
أعين وبمباركة رجال الدين وأمراء الكنيسة وكانت المذبحة الشهيرة (سان
بارتلمي) التي نفذها كاثوليك فرنسا ضد البروتستانت عام 1572 بأوامر من شارل
التاسع وبمباركة والدته كاترين من أهم الأسباب التي دفعت بعض المفكرين
ومنهم مونتيسيكو لمعارضة ومهاجمة الدين .


يرى مونتيسيكو (1689-1755) في الدين مجرد تزيين جميل وكابح اجتماعي وكان
يتصدى للكهنوت (من المعروف أن الكهنوت يعني الوساطة بين الله وخلقه من خلال
الكهنة ) .


أما فولتير (1694-1778) فقد كان الدين بالنسبة له تخريف وتعصب وكان لا يطيق
مجرد ذكر اسم الدين أمامه وقد كان إحساسه بالضيق الشديد راجعاً تحديداً
إلى ذكرياته الأليمة عن مذبحة بارتلمي كان عندما يتذكر تلك المذبحة وفقاً
لقوله يحس بأعراض الحمى التي تضطره إلى الذهاب إلى الفراش لقد عارض فولتير
بكل شدة وحماس الكهنوتية وأكد على ضرورة الفصل بين الكهنة والدين فهم في
تصوره صورة مشينة للدين ويقول في ذلك (يجب أن يكون لنا دين وألا نؤمن
بالكهنة) .


قال "اسحقوا الكريه (قاصداً الدين) وأدين الدين باعتباره خيالاً ولا
معقولاً أو أسطورة أو وهماً أو أفيونا أو معرفة تجاوزها العلم فقد تكون
الظروف التي عاصرها والتي شهدت صراعاً محتدماً بين الكنيسة والدولة حيث
كانت الكنيسة تشرف على السلطة السياسية وتتحكم فيها وتقوم بتنصيب الملوك
ومنحهم مشروعية الحكم أحد أهم أسباب التحول في حياته الفكرية كانت الكنيسة
من خلال رجال الدين تستغل الناس وحتى تظل الأوضاع على جمودها عمل رجال
الدين على بذر الأحقاد والضغائن مما أثر سلباً على نسيج المجتمع ومن هذا
ربط بين المسألة السياسية والمسألة الدينية وهما في نظره مظهران لمشكلة
واحدة تستلزم أبعاد الخوف والحقد مقابل إقرار العقل وتقديمه على كل القيم
الأخرى من خلال تخليص الدين من معجزاته والسماح بحرية الاعتقاد بغير النصوص
الجامدة .


أما سبينوزا فقد انطلق من خلال فكرة نقد منهجي للدين تمثل في نقده النصوص
التي تضمنها الكتاب المقدس فيما يتعلق بالمعجزات والنبوءات التي يشير إليها
فيرى أن الكتاب المقدس عمل إنساني يحمل كثيراً من التناقضات ويؤكد على
الطلاق المطلق بين اللاهوت والفلسفة وبين الإيمان والعقل ويرى أن الفلسفة
غاية وهي الحقيقة في حين أن غاية الإيمان تكمن في الطاعة والتقوى لا غير
فللدين مجاله وللعقل مجاله وهو بذلك حرر الفلسفة من تبعية اللاهوت الذي كان
مسيطراً عليها وبشكل أعمى .


رأى أن رجال الدين يلعبون على المشاعر الإنسانية لتشجيع أتباعهم من خلال
حكايات غير علمية وكان على يقين تام أن قصص المعجزات تؤثر على مخيلة الناس
العاديين وتجبرهم على الطاعة ، وظل على قناعة تامة بأن الاعتقاد في
الخرافات هو العدو اللدود لمعرفة الحقيقة ويعود إلى جهل الإنسان للأسباب
الحقيقية للظاهرة ومن ثم في تشكيل رأيه.... وإذا ألقينا الضوء على الدين
عند كارل ماركس لرأينا أنه كان يرى في الدين نقيضاً للتنوير ويشكل غشاوة
على حواس الإنسان فهو كالمخدرات ومن هذا التصور قال الماركسيون إن الدين
أفيون الشعوب فالدين يحقق للإنسان سعادة وهمية وهذا الاعتقاد جازم لدى
ماركس لأنه رأى في استخدام الدين كأيديولوجية هدفاً لإحداث حالة من الرضاء
من جانب الفقراء على أن الرغم مما يواجهونه من أهوال وأعباء وإن كان في ذات
الوقت يؤكد على العيب يكمن فيما يفعله الناس باسم الدين وليس في الدين
نفسه يقول ماركس إن الدين آفة أم آهة ؟ الخليقة المضطهدة هو قلب عالم لا
قلب له مثلما هو روح وضع بلا روح إنه مخدر الشعوب ... لماذا ؟ لأنه يخلق
وهمية الأوهام لدى الفقراء ... الدين مخدر تم تصنيعه من خلال الطبقة
الحاكمة للإبقاء على حالة السعادة عند الجماهير من خلال /


-العزاء الوهمي والسعادة المزيفة التي يوفرها الدين لطبقة ما بما يعني أنه سبب ظهور الوعي الزائف ووقوع الناس في الاغتراب.


-تعويض خيالي وجزاء معنوي عن شقاء واقعي أنه مجرد إذعان وسبب للركوع
والخنوع وتعبير عن العجز وتبرير للبؤس والشقاء... ويصرف الناس عن تغيير
واقعهم .


إن الدين في معظمه أيديولوجيا تخفي مطالب ومصالح ورغبات قوى اجتماعية
أنتجته في عقل وكينونة البشر بأن هناك تعويضاً سوف ينالوه فيما بعد ويرى
ماركس أهمية خلع السحر (الدين) عن البشر كي يفكروا ويبدعوا عندما يخلعون عن
أنفسهم قداسة وتأثير الدين ... قد نختلف كثيراً مع رؤية ماركس عن الدين
ولكن من الإنصاف أن نشير إلى أن ماركس عندما نظر إلى الدين هذه النظرة
السلبية فإنما كانت من وجهة نظر البعض تمثل نقداً للدين كأيديولوجيا
وكوسيلة اتخذتها فئة من الناس لتبرر فرض سيطرتها ورؤيتها على الطبقات
الأخرى في المجتمع .


... وفي ذات السياق فإن ماركس رأى أن الدين من جانب آخر محفزاً للثورات
وفاعل إيجابي ومحفز ودافع قوي للثورة ورفضها للأوضاع الظالمة .


ماركس لم يكن كافراً بالمطلق ولكن كان يريد الارتقاء بالوعي وتطهير الأفكار
من الوهم والخرافات والغيبيات التي صاغها رجال الدين في أوربا لصالح إحلال
الوعي العلمي والاهتمام بالنزعة الدنيوية وترسيخها في ثقافة الإنسان
وحياته اليومية ولم يكن اعتراض ماركس على الدين إنكاراً له ولكن كان
اعتراضاً على التوظيف السيئ له ... نعم التوظيف السيئ له الناتج عن تدخل
رجال الدين ومؤسساته في مجمل الحياة الاجتماعية من خلال أفكار استغلالية
يبشرون بها ويعملون على إقرار ويضفون عليها ثوب القداسة.


أما فيورباخ (1804-1872) فمن المعروف أنه كان يهدف إلى تحرير الإنسان مما
سماه الوعي الديني .. ويرى أن أصل تطور الأديان في الماهية البشرية ينبع مع
ماهيته اللانهائية ... ويرى فيورباخ أن للدين نتائج سلبية /


-الإيمان بالإله يؤدي إلى نفي عالم البشرية الأرضي ويقود إلى عدم الاهتمام بالحياة والتطور .


-الإيمان بالإله يعرقل العلم والتقدم والحرية وهذا يعني أنه يعارض التقدم والعمل من أجل حياة أفضل .


-الإيمان بالإله يؤدي إلى عدم التسامح مع الذين لا يؤمنون بالإله ذاته وهذا يعني أن عدم التسامح نتيجة حتمية.


... والحقيقة المؤكدة أن الدين قوة إيجابية تدعو إلى الفضيلة والعدل
والإنصاف وعدم الظلم ونبذ الاستبداد وكراهية الطغيان والدين فطره خلق عليها
الإنسان تقوم على أساس رغبة الإنسان في معرفة خالقه والتقرب إليه والخشية
منه وكما يقول د. حسن حنفي" مازال الدين في مجتمعاتنا الإسلامية محركاً
للشعب يساهم في التقدم والنهضة لمجابها التحديات الرئيسية للأوطان في
الاحتلال والقهر والتخلف والتجزئة والتغريب والاستكانة والاستسلام" .


إن إزدراء بعض الشعوب أو نفر من الناس للدين ليس لعيب في الدين ولكن العيب
فيمن يستخدمونه استخداماً سيئاً يبررون من خلاله أفعالهم التي تتعارض مع
حقيقة وسمو أهدافه


... كانت أفعال الكنيسة في أوروبا وسيطرة رجال الكهنوت على مقدرات الناس
وشيوع المظالم (محاكم التفتيش مثلاً) تحت اسم الدين سبباً رئيسياً في ظهور
الأفكار المناوئة للدين ولم يخل الإسلام من هذه الظاهرة فتحت عباءة الدين
استبد بعض الحكام حتى أنه وفقاً لرؤية د. إمام عبد الفتاح (الطاغيةـ دراسة
فلسفية لصور من الاستبداد السياسي) أن بني أمية استقروا على النظرية التي
حكموا على أساسها ودعموا بها ملكهم الاستبدادي وهي أن الله اختارهم للخلافة
وأتاهم الملك وهم يحكمون بإرادته ويتصرفون بمشيئته وأحاطوا خلافتهم بهالة
من القداسة وأسبغوا على أنفسهم كثيراً من الألقاب الدينية ... وكانوا
يؤكدون على أنهم وصلوا إلى السلطة من خلال الله وليس للناس فيها رأي أو
مشورة ... حكموا وفقاً لنظرية التفويض الإلهي ... وهي النظرية التي تأكدت
بوضوح تام عند العباسيين فيما بعد (المصدر ذاته) ... هنا نرى أن المستبدين
كانوا يجدون في الدين الغاية والمبرر الذي يبقون على أساسه على سدة السلطة
وبالدين يبررون أفعالهم حتى إن هناك من رأى أنه لا يجوز الخروج على الحاكم
ولو كان ظالماً فهو ظل الله على الأرض وهذه الرؤية لإستخدام الدين وصولاً
للدولة الدينية كانت مظهراً للحكم منذ فجر البشرية وشهدتها مصر الفرعونية
وبلاد بابل وفارس والصين (الطاغية ـ مصدر سبق ذكره) واستمر الوضع ...
الحكام يحكمون باسم الدين وتحت مبدأ التفويض الإلهي وإضفاء القداسة على
الحكام .. ويبقى السؤال لماذا نرفض الدولة الدينية ؟


... ابتداءً فإن التاريخ يذكر أن اليهود هم أول من حاول إقامة الدولة
الدينية بالنسبة للديانات السماوية وهم أول من صاغ مصطلح الثيوقراطية وذلك
لأسباب خاصة بهم منها اعتقادهم بأنهم شعب الله المختار المميز عن الأمم
الأخرى ... وقد كانت محاولات الملوك خلال العصور الوسطى ارتداء عباءة الدين
أو الادعاء بأنهم يستمدون سلطاتهم من الله تبريراً لسلطتهم المطلقة إنما
هي في الواقع محاولة إحياء الدولة اليهودية .. وقد استمر هذا الاتجاه في
العهد المسيحي حيث استغل بعض الملوك الدين "كل سلطة فهي مستمدة من الله"
وذلك تبريراً للطاعة المطلقة والاستسلام الكامل للطاغية أينما وجد ( لمزيد
من المعرفة يمكن الرجوع إلى المصدر السابق ذكره ) ... ما المقصود بالدولة
الثيوقراطية (الدينية) ؟


كان أول من صاغ مصطلح ثيوقراطية جوزيفوس فلافيوس في القرن الأول الميلادي
لوصف الحكومة القائمة عند اليهود والثيوقراطية كلمة أصلها يوناني وتعني
حكومة الكهنة أو الحكومة الدينية وتتكون كلمة ثيوقراطية من كلمتين ثية
وتعني الدين وقراط وتعني الحكم ومن ثم فإن الثيوقراطية تعني نظام حكم يستمد
الحاكم فيه سلطته مباشرة من الإله حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو
رجال الدين الذين لا يجوز مراجعتهم أو محاسبتهم "فالثيوقراطية" هي ذلك
النظام من الحكم الذي يجعل من الدين والتفويض الإلهي مصدراً للسلطة
السياسية ويدعى القائمون عليها أنهم مفوضون من الله ،وأنهم ناطقون باسم
السماء ويجب الإذعان لجميع قراراتهم والرضا بها دون مراجعة أو اعتراض لأن
الاعتراض عليها يكون اعتراضاً على الله الذي يتحدثون باسمه ، وهم وكلاؤه
على الناس.


أي أن الدولة الثيوقراطية دولة قائمة على نظرية الحق الإلهي ، يقدس فيها
الملوك والحكام باعتبارهم نواياً عن الله وممثلين له في الأرض فآراؤهم
مقدسة وأقوالهم وأفعالهم معصومة وقد عرفت أوروبا هذا اللون من الحكم في
عصورها الوسطى بناء على ما يدعون أنه مأثور عن السيد المسيح عليه السلام (
ما تحلونه في الأرض يكون محلولاً في السماء وما تربطونه في الأرض يكون
مربوطاً في السماء ) فمارس الحكام الاستبداد والقهر على شعوبهم باسم الدين
واحتكرت الكنيسة المعرفة.


ويرى د. يوسف القرضاوي أن الدولة الدينية الثيوقراطية التي عرفها الغرب في
العصور الوسطى والتي يحكمها رجال الدين الذين يتحكمون في رقاب الناس ـ
وضمائرهم أيضاً ـ باسم ( الحق الإلهي فما حلوه في الأرض فهو محلول في
السماء وما ربطوه في الأرض فهو مربوط في السماء ) فهي مرفوضة في الإسلام
وليس في الإسلام رجال دين بالمعنى الكهنوتي إنما فيه علماء دين يستطيع كل
واحد منهم أن يقوم بالتعليم والدراسة وليس لهم سلطان على ضمائر الناس
ودخائل قلوبهم ، وهم لا يزيدون عن غيرهم من الناس في الحقوق بل كثيراً ما
يهضمون ويظلمون ويقول د. القرضاوي نعم للدولة الإسلامية ، ولا ثم لا للدولة
الدينية الثيوقراطية ويضيف د. القرضاوي أن الدولة في الإسلام هي كما جاء
بها الإسلام وكما عرفها تاريخ المسلمين دولة مدنية تقوم السلطة بها علي
البيعة والاختيار والشورى والحاكم فيها وكيل عن الأمة أو أجير لها ومن حق
الأمة ـ ممثلة في أهل الحل والعقد فيها ـ أن تحاسبه وتراقبه وتأمره وتنهاه
وتقومه إن اعوج وإلا عزلته ومن حق كل مسلم بل كل مواطن أن ينكر على رئيس
الدولة نفسه إذا رآه اقترف منكراً أو ضيع معروفاً بل على الشعب أن يعلن
الثورة عليه إذا رأى كفراً بواحاً عنده من الله برهان"


إن تاريخ الدولة الإسلامية يشهد بأنها لم تكن دولة ثيوقراطية دينية بالمعنى
الذي عرفته أوروبا وهو حكم رجال الدين وسلطتهم المطلقة في الأمور المدنية
والدينية فالدين الإسلامي ليس فيه كهنوت ولا رجال دين وإنما فيه علماء
وهؤلاء العلماء ليسوا أوصياء من الله على خلقه كما لم يكن هناك احتكار
للمعرفة ولكن هذا لا ينفي أن الدولة في الإسلام تقوم على حراسة الدين
وتصطبغ بهويته ، وتعمل على إقامة أحكامه والدعوة إليه ... وهذا يختلف
جذرياً مع الحكم بالتفويض الإلهي كما كان يحدث في أوروبا خلال عصور الظلام
والتي ما زالت ملامحها بادية في بعض أنظمة الحكم في بعض الدول العربية
والإسلامية على الرغم من الإسلام حدد مهام الحاكم في تنفيذ ما يوكل إليه من
تكليفات من خلال سلطات محددة لا يمكن تجاوزها منها الدفاع عن الدين وحدود
البلاد وجمع الضرائب وتوزيعها واختبار حكام الأقاليم (الولاة) ... الخ
وهكذا يؤكد على أن الحاكم في الإسلام لا يحكم بتفويض إلهي ولكن يخضع كغيره
من الناس لما يقرره الله ووفقاً لمصلحة الرعية ... وهكذا يتضح أن الدولة في
الإسلام دولة مدنية أحد ثوابتها الدين يقوم على أساس البيعة والاختيار
(أرى أن ذلك يعني حق المواطنين في اختيار من يحكمهم بحرية وبدون تزوير أو
تدخل من جانب الحكومات) والشورى أي الأخذ بما يراه الناس من صحيح في إدارة
الحكم (رؤية د. القرضاوي وقد سبق الإشارة إليه) .


... نعم لا خلاف على أهمية الدين كمرتكز لكل مقومات إقامة الدولة ولا مناص
عن دوره ولكن أن يصبح مطية في أيدي حكام مستبدين يحاربون الديمقراطية باسمه
ويحاصرون الحريات الشخصية أيضاً بإسمه وذلك من خلال دولة دينية أمر يتنافى
وحقوق الإنسان ..... نعم للدين الذي يجعل الناس سواسية ولا يعظم بعضاً على
بعض من خلال قداسة أو استعلاء ... ولا للدولة الدينية التي تبغي وتتحيز
باسم الدين والدين منها براء ونعم للدولة المدنية القائمة على التعددية
والنابذة للتعصب المذهبي تلك الدولة التي لا توظف ولا تسخر الدين لغايات
سياسية... نعم للدولة المدنية التي تحترم حقوق الإنسان بغض النظر عن دينه
وجنسه بعيداً عن العقول المتزمتة غير المتجاوبة مع قيم العصر ومع التسليم
الكامل بأن الدين لا يتناقض مع مفاهيم العدل والمساواة ونبذ الظلم
والاستبداد فإن استخدامه من قبل النظم الحاكمة جعل منه قيداً على الحرية
والفكر نتيجة جمود بعض التفسيرات التي لم يستطع بعض علماء الدين من وضعها
في سياقها الزماني ومما لا شك فيه أن هناك من الأحكام التي اختلفت باختلاف
الزمان نتيجة لتغير العرف ولو أن هذه الأحكام ظلت باقية لأ حدثت في الناس
مشقة وضرر وهي بذلك تكون مخالفة لقواعد الشريعة الإسلامية التي تؤكد على
ضرورة التخفيف ورفع الضرر ومن الملاحظ أن المرجعية في الدولة الدينية تعود
إلى أحكام وقواعد بعضها خارج عن النطاق البشري والتي يتم تفسيرها حسب أمزجة
وإرادة الحكام أما المرجعية في الدولة المدنية فهي تقوم على أساس ومصالح
الناس وتتوافق مع التطور التاريخي للمجتمعات وهي على النقيض من الدولة
الدينية تعلي من مبدأ المواطنة بعيداً عن التميز العرقي والطائفي ولدينا
مثال على ذلك يما يتعلق بالدولة الدينية فهناك اليهود يعلون من وضع الإنسان
اليهودي على كل الملل والنحل باعتبارهم شعب الله المختار انطلاقاً من
مفهوم الدين لديهم ... والتاريخ يشير إلى أن الدولة الإسلامية خاصة في
الفترة التي أعقبت وفاة الرسول (ص) وفترتي حكم الخليفتين وأبو بكر وعمر
شهدت كثير من الأحداث التي سببت صدعاً في بنيان. الدولة الإسلامية فكان كما
سبق ونوهنا عنه يتم تصفية المعارضين تحت شعار الدين وكم من رموز الفكر
سقطوا صرعى رؤية دينية متحجرة متبلدة فقتل الإمام الحسين لأنه عارض استبداد
بني أمية ومثله عبدالله بن الزبير .. وقتل المنصور ابن المقفع بمجرد أن
عارضه في سياساته المبنية على مرجعية دينية محرفة لا تستند أساساً على صحيح
الدين ولعلنا لا ننسي الدور الذي لعبه الفقهاء ضد الفيلسوف العقلاني ابن
رشد عندما دسوا عليه لدي الخليفة المنصور الذي نفاه وضيق عليه لمجرد أنه
كان ضد الأفكار الجامدة واستخدام الدين في تبرير ما كان سائداً من رؤيً لا
تتناسب مع حقائق العلم ولا ثوابت الدين والتي كان يروج لها هؤلاء الفقهاء
وبذلك خسر الفكر الإنساني كثيراً بما حدث لهذا الفيلسوف المفكر .


إن من مثالب الدولة الدينية أن من الحكام من يرى في الفكر والثقافة شروراً
يجب القضاء عليها وأذكر فيما تفعله الطالبان في أفغانستان عندما دكوا
بالمدافع تماثيل بوذا وحرموا على النساء العمل والتعليم ومنعوا الإرسال
التليفزيوني وما تقوم به ما تسمي بجماعات المجاهدين في الصومال من قتل ونهب
وتدمير للبني الأساسية للدولة تحت اسم الدين في حين أن الدوافع الأساسية
هي الاستئثار بالسلطة وإقصاء الآخرين .


وغالباً تقوم الدولة الدينية على عدد من التجاوزات التي يبررها رجال الدين
وهي تناقض في الأصل ثوابت الأديان فلم تكن الشرائع السماوية بالمؤيدة
للطغاة والمستبدين ويبقى توظيف الدين لصالح السياسة سبباً في انتشار الفساد
واستخدامه في تدعيم الشرعية السياسية غير المقبولة شعبياً واستخدامه أيضاً
في تبرير الخطاب السياسي للنخب الحاكمة ودعم سياساتها الاجتماعية وما
تتخذه من قرارات في مجال السياسة الاقتصادية تتعارض مع مصالح الشعوب .


الدولة الدينية تستخدم الدين في حشد الجماهير وكسب ود وتعاطف الرأي العام
من خلال استغلال الظاهرة الفطرية لدى الناس والمتمثلة في احترامهم للدين ـ
بل ويبرز من خطورة الأمر أن القوى الدينية كثيراً أما تطلق شعارات تلهب
مشاعر الناس فالأخوان المسلمون في مصر وهم من خلال كبار قادتهم لا يخفون
رغبتهم في إقامة دولة دينية يرددون شعارات (الإسلام هو الحل ) أو ( القرآن
دستورنا ) دون أن يقدموا برنامج علمي للتنفيذ وهم لا يخفون معارضتهم لتولي
مسيحي سدة الحكم في البلاد العربية ولهم آراؤهم في دور المرأة المجتمعي ،
أيضاً لهم رؤيتهم في المشكلات الاقتصادية وهي غالباً تتعارض ومقتضيات العصر
ـ والمرجعية الدينية المسيحية ليست أكثر مرونة من جماعة الإخوان ويشير أ.
نبيل عبد الفتاح في مقاله المنشور بالأهرام في 17/6/2010 تحت عنوان ما وراء
حالة التضاغط السياسي في مصر الأمة إلى رفض الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
تطبيق الأحكام القضائية فيما يتعلق بالزواج الثاني ... يقول نبيل عبد
الفتاح في موقف الكنيسة (السلطة الدينية) موقف ديني / لاهوتي وتأويلي ، يتم
تعبئة الجمهور المسيحي الأرثوذكسي وراء السلطة / الكنيسة وذلك لرفض صريح
للقانون الساري الذي يتم تغييره منذ فترة وتطبقه المحاكم في كافة الأقضية
التي ترفع لها طالبة التطليق ويضيف الكاتب"هنا نحن إزاء سلطة دينية" ـ مع
كل الاحترام لها تقف رافضة لقانون الدولة بغض النظر عن الرأي فيما جاء به
من قواعد قانونية ومدى اتفاقها أو تناقضها مع موقف البطريرك والمجمع المقدس
منذ 1971 وحتى اللحظة الراهنة السلطة القضائية والمحاكم تطبق القوانين
المعمول بها على المنازعات التي ترفع إليها ولا تعمل القواعد أو المبادئ أو
العقائد التي يراها أطراف الخصومة القضائية ولهذا السبب ألغت المحاكم
الاستئنافية ـ الجنح المستأنفة ـ بعض الأحكام التي أصدرها بعض القضاة في
عقد الثمانينيات من القرن الماضي بتطبيق أحكام الحدود (في بعض جرائم السرقة
وتناول الخمور إعمالا لنص المادة الثانية من الدستور ) ... ويستطرد . نبيل
عبد الفتاح إلى إلغاء الأحكام السابقة الذكر لأن نص المادة سالفة الذكر لا
يتوجه به المشرع الدستوري إلى القاضي أو المواطنين وإنما إلى السلطة
الشارعة كي تأخذ بالمبادئ العامة والكلية للشريعة أثناء وضع التشريعات وهو
الأمر الذي حفظ للنظام القانوني المصري الحديث استمرارية أصوله ومبادئه
المؤسسة ومرجعياته على اختلافها ومن ثم تبدو أحكام القضاء بالتطليق واجبة
النفاذ إلى حين تغيير القانون والأخذ بما يراه البطريرك والمجمع المقدس
والمواطنون الأقباط وينتهي نبيل عبد الفتاح إلى القول أن الخوف الذي سيطر
على بعض أبناء النخبة المصرية تمثل في إظهار بعضهم أن بعض أطراف وفواعل
رئيسة في المجال الديني بمقدورها تعطيل سلطة من سلطات الدولة كالقضاء
والقانون الرسمي وفق موقفها الرافض لهذا القانون ودون اللجوء إلى الطرق
المقررة دستورياً وهو طرح مشروع قانون بديل من خلال بعض أعضاء البرلمان بما
فيه مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد للمسيحيين المصريين أياً كان رأي
بعض العلمانيين الأرثوذكس ، والإنجيليين، من ضرورة وضع نظام للزواج المدني
إلى جانب القانون الكنسي يلجأ إليه من يشاء خارج الزواج الديني.


البعض يرى أن المشكلة هنا تتمثل في مسألة شرعية وتقاليد الدولة الحديثة
وسلطاتها ومؤسساتها وقانونها واجب الاحترام من الجميع والذي يمكن تغييره
وتعديله وفق القواعد والإجراءات المنصوص عليها دستورياً بعضهم يرى أننا
إزاء ظاهرة سياسية اجتماعية ودينية بالغة الخطورة تتمثل في رفض تنفيذ
الأحكام القضائية النهائية التي تصدر من قبل جهات المحاكم ودرجاتها على
اختلافها بكل تبعات ذلك الخطيرة .


يسأل بعض المتابعين للظاهرة ما دلالة عدم تنفيذ الأحكام طالما ظلت سارية
ولم يوقف تنفيذها أمر يراه البعض بالغ الخطورة ألا وهو تعطيل إحدى سلطات
الدولة الحديثة والتشكيك في النظم القانونية للدولة أي تعطيل فعلي للسلطتين
التشريعية والقضائية ومن ثم يمكن لبعض رجال الدين وجماعاته وذوي السلطة
والنفوذ والقوة والثروة أن يعطلوا الدولة سلطاتها وأجهزتها عن العمل في
تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ومن ثم وقف إشاعة الأمن في
العلاقات بين المواطنين وبعضهم بعضاً وفي حماية الحقوق والحريات الشخصية
والعامة والأخطر الخلل في علاقة المواطن بالدولة وبين السلطات والأجهزة
وبعضها بعض ... الخ.


يقول د. جابر عصفور في دراسته "مخاطر الدولة الدينية" الدولة الدينية دولة
بشرية لو أمكن قيامها تحكمها مجموعة من البشر تتحدث باسم الدين وتنوب عنه ،
وتحتكر تأويله وتفسيره وإدعاء معرفته ، ومن ثم تقيم تطابقاً تخيلياً بينها
وبينه فتصبح هي إياه أو يصبح هو إياها على سبيل التخيل لا التحقيق أقصد
إلى أن شرع الله ليس هو الذي يحكم في حالة الدولة الدينية ، وإنما مجموعة
البشر التي تدعى الإنابة عنه واحتكار المعرفة به رافضة أن يشاركها غيرها في
الإنابة أو الحكم أو المعرفة , ولذلك فهي المصدر الوحيد لتفسير النصوص
المقدسة للدين والناطق الأوحد لمقاصدها وقولها أو حكمها هو الحق وما عداه
الباطل ما ظلت محافظة على هذا التطابق التخيلي بينها وبين نصوص الدين التي
تدعي احتكار الفهم لها ، ولذلك ينبني خطابها على نوع من الوثوقية والجزم
والحسم في اقترانه بأنواع الأمر والنهي والتحريم أو الإباحة التي يؤديها
هذا الخطاب الذي لا يخلو من عناصر القمع الخاصة به ، خصوصاً حين يتوعد
المخالفين بعذاب الدنيا والآخرة ويسم خطابهم المضاد بالبدعة المقترنة
بالضلالة المفضية إلى النار ويضيف د. جابر عصفور أن الاختلاف مع خطاب هذه
المجموعة يعنى الكفر والخروج على الثابت المعلوم من أمر الدين الذي تحدده
هي ولا يحدده غيرها والذي تغدو إياه في علاقتها بالآخرين الذين لها عليهم
حق السمع والطاعة والتصديق وعدم المساءلة ومن ثم الإذعان والاستجابة إلى كل
ما يقال مهما كان هذا الذي يقال وبقدر ما تتحول العلاقة بين هذه المجموعة
وغيرها إلى علاقة أعلى بأدنى قامع بمقموع آمر بمأمور ينتفي حضور حق
الاختلاف الذي يغدو معصية ولا مجال لاجتهاد المغاوير الذي يغدو خطيئة ، ولا
سبيل إلى المجادلة بالتي هي أحسن ما بين هذه المجموعة (الأعلى على نحو
مطلق ) وغيرها ( الأدنى على نحو مطلق) فالمجادلة بالتي هي أقمع هي الأصل
الملازم لاحتكار المعرفة الدينية والناتج عن التطابق التخيلي بين الدين
والمجموعة التي توهم الآخرين أنها تنوب عنه أو تتحد معه كأنها إياه ولا
ينفصل عن نتائج ذلك إلغاء الاجتهاد الذي يحل محله الإتباع وإحلال النقل محل
العقل ، والتقليد محل الابتكار ، وسيطرة التراتب (البطريركية) بدلاً من
المساواة ، التعصب بدلاً من التسامح فيحل التمييز محل التكافؤ ، ونخبوية
المعرفة الدينية بدلاً من تعميمها الذي يؤكد حق الجميع فيها أو الوصول
إليها بطرائق مغايرة فتتحول المعرفة بوجه عام إلى معرفة مضنون بها على غير
القلة التي تحتكرها أو النخبة التي بيدها مفاتيح المعرفة المحرمة على غيرها
، ولا يؤدي ذلك إلى التضاد بين علم القلة بوجه عام وجهالة الكثرة فحسب بل
يضيف إليه انحطاط معارف الكثرة (بإطلاقها) بالقياس إلى علو مقام معارف
القلة المضنون بها على غير أهلها في كل الأحوال والنتيجة هي كثرة المحرمات
المعرفية الموازية لشيوع التراتب ومنطق الاحتكار وإلغاء المغايرة ...
ويستطرد الكاتب قائلاً وإذا نقلنا هذا المبدأ من المعرفة بوجه عام والدينية
بوجه خاص إلى الممارسة السياسية كانت النتيجة متماثلة فإلغاء حق الاختلاف
يبدأ من المعرفة وينتهي بالسياسة التي لن تعرف في حالة الدولة الدينية
تعددية الأحزاب أو تنوع قوى المعارضة وحريتها بل تعرف الصوت الواحد الأحد
الذي لا يطلب سوى الإجماع ويحارب التنوع والتعدد وحق الاختلاف من حيث هي
نقائض لحتمية الإجماع الذي يقترن بالطاعة الواجبة (دون مساءلة) لقمة الهرم
المتراتب دينياً ومعرفياً وسياسياً واجتماعياً حيث تهبط الأوامر المنزلة
(كأنها الوحي ) من إمام المجموعة إلى النخبة المحيطة به بوصفها أدنى
بالضرورة كي تنقلها إلى غيرها الأدنى منها وهكذا إلى سفح الهرم السياسي
الاجتماعي المعرفي مستعينة على ذلك بعمليات تخيل أيديولوجي يبرر احتكار
النخبة ورأسها الأعلى لكل شيء من ناحية ويشيع أفكارها ومبادئها بما يقنع
بسلامتها من ناحية موازية وذلك في حجاج أيديولوجي يقسم المجتمع إلى فرق
متعددة كلها في النار ما عدا فرقة واحدة ناجية لها الجنة والسعادة في
الدارين هي فرقة النخبة الحاكمة التي يخلع عليها رأسها ما تخلعه هي على
غيرها من صكوك الإيمان والرضوان والبركة والغفران في أحوال الإيجاب أو صكوك
الكفران أو اللعنة الأبدية في أحوال السلب فالفرق الضالة مضلة هالكة
مواعدة بعذاب الدارين واستئصال أفرادها واجب وجوب استئصال الزوان من الحنطة
فيما يقول متطرفو الحنابلة المتأخرون .


ويري د.جابر عصفور أن النتيجة هي شيوع العنف مقروناً بالقمع في المجتمع
وتغدو الأجهزة الأيديولوجية الدينية ودعاتها في علاقتها بالمواطنين الذين
يتحولون إلى رعايا ، أدوات إرسال ذات بعد واحد يتجه من الأعلى إلى الأدنى
دائماً أو من المركز القامع إلى الهوامش المقموعة فارضاً السمع والطاعة
والتصديق والإذعان في كل الأحوال هادفاً إلى تحقيق الإجماع الذي يتم
استئصال الخارج عليه أو النظر إليه بوصفه الشاه الضالة التي خطفها الشيطان
وسكنها وعندما يصل القمع إلى ذروة ممارساته يتحول إلى عدوى تحيل المقموعين
إلى قامعين بدورهم أو مقتولين قتلة أعني أن المقموعين الواقع عليهم القمع
يعكسونه كما تعكس المرايا ما يقع عليها وتسقطه على غيرها الذي يسقطه على
غيره بدوره وذلك في دورة جهنمية لا يكف فيها القمع عن توليد القمع ويتبادل
فيها المقموع والقامع الوضع والمكان خصوصاً حين يتحول المقموع إلى قامع
يمارس فعل القمع على غيره الذي يمكن أن يقع تحت سطوته فيتحول المجتمع كله
إلى قامعين مقموعين في زمن لا يمضي إلى الإمام بل يعود إلى الخلف وجماعة لا
تتطلع إلى مستقبل واعد بل إلى ماض تخيلي تسجنها أوهامه ... ويلقي د.جابر
عصفور في دراسته الضوء علي الخطر الجسيم للدولة الدينية حيث يري أن مخاطر
الدولة الدينية لا تقتصر على إلغاء الحريات بكل لوازمها فحسب وإنما يمتد
الخطر إلى إلغاء معنى المواطنة ، وتحويل الانتماء من الوطن إلى المعتقد ومن
ثم الانتقال من روح التسامح ومبدأ المساواة الذي يمايز بين الطوائف
الدينية والفئات الاجتماعية والتيارات السياسية في معنى المواطنة المقترن
بحق الاختلاف وطبيعته الحتمية إلى مبدأ التعصب الذي يؤكد التمايز والانقسام
الحدي وعندئذ لن يصبح الدين لله والوطن للجميع بل يصبح الوطن من حق فئة
بعينها بالدرجة الأولى تغدو هي الفئة الأعلى والأرقى وغيرها الأدنى والأقل
في حقوق مواطنته الأمر الذي يؤدي إلى الاحتقان في العلاقة بين أبناء
الديانات المتعددة في الوطن الواحد وتحل العصبية البغيضة محل التسامح الرحب
فيتحول الاحتقان إلى صراع وتنافر ومن ثم إلى فتنة طائفية لا تبقى ولا تذر .


أما تأثيرات الدولة الدينية ومخاطرها من المنظور السياسي وحده لم نجدها
قرينة الاستبداد والتسلط فحسب بل قرينة عدم وجود أسلوب واضح أو محدد لوصول
الحاكم إلى الحكم ولا يوجد في هذه الدولة مؤسسات متمايزة مستقلة وهو الأمر
الذي يتيح المجال واسعاً لاستبداد الحاكم وإلغاء الديمقراطية بلوازمها من
دستور وقوانين أو وضعها في مؤخرة الاهتمام بشرط أن تكون على أساس من مرجعية
دينية هي مرجعية فئوية أو طائفية في الأغلب الأعم ولن يوجد مفهوم للمواطنة
بمعناه القائم على المساواة في الحقوق والواجبات ( لمزيد من الاطلاع
الرجوع إلي الدراسة المنشورة تحت عنوان مخاطر الدولة الدينية – منتديات
معراج القلم – شبكة الإنترنت ) .


نعود إلى الوضع من خلال رؤية الأوضاع بعد وفاة الرسول (ص) وانتهاء حكم
الخلفاء الراشدين مع بداية حكم الأمويين تزايد دور الخليفة وأجهزة الدولة
فوق الدين وتهميشه من الجانب الروحاني لحساب الجانب الدنيوي الذي تمثل في
استخدام كل الأدوات لصالح النظم الحاكمة ـ ويقول سالم المساهلي في مقالته
"في تاريخ العلاقة بنية الدين والسلطة " شبكة الإعلام العربية .




يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رزان
مشرفة
مشرفة
رزان



 السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية    السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Emptyالسبت مارس 23, 2013 2:44 pm

إن أبرز الأبعاد المستخلصة من الفتنة الكبرى ـ كنموذج
للمعارك السياسية ـ هي أن السياسة مسألة مفوضة لنظر العقل والاجتهاد ومن
أجل ذلك برز العامل السياسي وتفوق في مواقف معاوية وعمرو بن العاص وفي
أدائهما أثناء المعركة مع جيش على بن أبي طالب تلك الحرب الأهلية بين
المسلمين كان لابد منها لتوضيح الخط الفاصل بين نهجين مختلفين ورؤيتين
متناقضتين : توظيف الدين لخدمة السياسة أو توظيف السياسة لخدمة الدين
ولاغرو أن معاوية عند مطالبته بدم عثمان ورفعه للمصاحف على أسنة الرماح
ودعوته للتحكيم والتفاوض كان يوظف الدين لمصلحة خطة سياسية تقوده للانفراد
بالخلافة ومنذ تلك الفترة بل وما قبلها كان الفكر الإسلامي بحاجة إلى تركيز
رؤية عقلية وواقعية للممارسة السياسية باعتبارها الآلة الضرورية لتنظيم
المجتمع واستقراره وإنهاء حالة الاقتتال التاريخي والخلط المنهجي بين الدين
والسياسة أي بين الوحي والتاريخ وبسبب غياب هذا التنظيم المفهومي والفكري
بقي الموضوع ذا حساسية وحرج وقلق دائم كل ذلك رغم أن السياسة أو الأمانة
وشروطها وما يتعلق بها لا يوجب شيء منه التكفير على حد تعبير الغزالي ، بل
إنها ليست من أركان الإسلام الخمسة ولا من أركان الإحسان الستة برأي ابن
تيمية ولكنها كما يرى ابن خلدون من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الخلق .


ومما هو جدير بالذكر أن تاريخ الدولة الدينية هو تاريخ حكم الشعوب تحت
وصاية الدين من خلال أوضاع (كهنة ، رؤساء /طوائف دينية / فقهاء) وإنما ما
يجعلون من أنفسهم وكلاء على الناس وفي أطر محددة بعضها يمكن تجاوزه وهذه
الأطر تستند إلى عقيدة شمولية أحد مصادرها الذي يساعد تفسيره وتأويله هذه
العقيدة تأبى التعددية وهي في غالب الأحيان منغلقة تسهم في خلق التعصب
والجمود ...


ولدينا كما سبق ونوهنا في تجربة أفغانستان والصومال واليمن والسودان أمثلة
حية على دور الأنظمة الحاكمة باسم الدين في شل حركة المجتمع وتصاعد وتيرة
الصراعات والثورة على الأوضاع الظالمة ... هل يعقل أم يقبل المواطن العاقل
برؤية بعض المنادين بالدولة الدينية بأن الإمام الظلوم الغشوم خير من فتنة
تدوم ... ولا شك أن المؤيدين للدولة الدينية يرجعون ذلك إلى أن الدولة
المدنية نتاج بشري لا يقدر على وضع نظام أمثل للبشرية .. هذا مردود عليه
فيما ورد على لسان النبي (ص) بأن المسلمين أدرى بشئون دنياهم .. أعود
للتأكيد على أن الدين سيظل باقياً ما بقي الإنسان مصدر وأساس التسامي
الروحي والأخلاقي وهو لا يحارب المعرفة والتعدية فالدين عندما شرعه الله
إنما هو لخدمة البشرية وتحريرها من نظم الوصاية والقمع ... وعندما يستعيد
دوره الطليعي في المجتمع لتعزيز المطالب المشروعة للناس والوقوف في وجه
البؤس والفاقة والبطالة ويعبىء الطاقات ضد استغلال الاحتكار يكون وسيلة
لإعلاء قيم السلام الاجتماعي والإنساني فإنما يؤكد على أن الخيار الأمثل
دولة مدنية .. تسودها قيم الدين .. لا دولة دينية تستخدم الدين في توظيف
طموحات الحكام وأتباعهم من رجال المؤسسة الدينية التي جاءت وريث في ظل
الجمود التعاقدي ومن خلال مناخ استبدادي يحكم في ظله الطغاة باسم الدين.


نعود إلي رؤية السلفيين حول الدولة المدنية فهم /


يرون أن النظام الإسلامى له خصائص محددة لو غابت عنه ينتفى وصفه بأنه
إسلامي وهى كما حددها حسن البنا – العدالة ، الشورى أو الحرية والجهاد .
وهذه القيم هي التي تجعل من النظام الإسلامى دولة دعوة أو دولة رسالة ذات
طابع عالمي وهذا ما يفسر صدام السلفيين عموماً مع الدولة الحديثة ذات
الحدود المعينة والوظائف المحددة ، أما موقف السلفيين من الديمقراطية
كأسلوب حكم غربي المصدر وتعرضهم لاتهامات مستمرة بأنهم ضد الديمقراطية –
داخل تنظيماتهم وكفلسفة حكم فإن هناك من التيارات السلفية من هم ضد
الديمقراطية بسبب اختلافها حول فكرة مصدر السلطات . فالقول بأن الأمة أو
الشعب مصدر سلطات يدخل حسب بعض السلفيين تحت العبودية لغير الله فالحاكمية
لله وحده ويرى السلفيون أن سلطة الأمة أو الشعب في الإسلام مقيدة بالشريعة
بينما هي مطلقة في الديمقراطية التي يسمونها دائماً غربية ، كذلك تتحدث
الديمقراطية عن أمة أو شعب بعينه ، بينما الإسلام عالمي وإنساني
والديمقراطية ذات أهداف دنيوية ولاتهتم بالآخرة أي أن الإسلام دين
والديمقراطية نظرية سياسية تسعى لتقنين العلاقة بين الحكام والمحكومين
فالمقارنة غير دقيقة ومن ثم يستخدم السلفيون الشورى كبديل إسلامي يحمل نفس
معاني الديمقراطية وتفوقها على الديمقراطية الغربية . ويركز اتجاه سلفى آخر
على رفض الديمقراطية تماماً والاقتصار على الشورى فقط لأن الديمقراطية
تذهب بعيداً في مسألة الحريات الشخصية وقد تحلل حراماً أو تتساهل في منع
المحرمات احتراماًٌ للحريات بينما يحاول آخرون تقريب الشورى من الديمقراطية
ويسمونها الديمقراطية الإسلامية ، وهناك اتجاه ثالث يحاول أن يوفق بين
أحسن ما في الاثنين لذلك صك مصطلح الشوراقراطية ( أري أن ذلك سفسطه غير
مجدية ) ..


وتحت عنوان متى كان للديمقراطية مكان في الحكومات إسلامية ؟ ... جاء ما
يعنى إن الإسلاميين يخشون من الديمقراطية لأنها تحقق للإنسان حريته وبالأخص
حرية التفكير... والدعوة إلى الديمقراطية في الحكومات الإسلامية دعوة
مرفوضة .... ومن ثم فإن كافة السلطات الدينية في العالم لا يمكنها
الاستمرار في الحكم مع انفتاح رياح الحرية واشراع باب الديمقراطية التي
ستسقط مسلسل الحاكمية الإرثية كما ستسقط الوالي ( الحاكم ) من مرتبة
الألوهية والى مجرد مواطن له ذات الحقوق والواجبات ما للمواطن العادي ولن
تبقى هناك عائلات مباركة وإلى درجة التقديس وأخرى في الدون .... لأن الجميع
في سلم الديمقراطية من درجة ومرتبة واحدة في الوطن الواحد والانتماء للوطن
وليس لدين أو عرق أو قومية ولا عرق أسمى ولا قومية رائدة . هناك إنسان
رائد وفق عمله وما يقدمه المجتمع والبشرية من خدمة وابتكار لصالح الإنسان
في كل زمان ومكان وما يطرح فإن هناك انقسام بين السلفيين في هذه القضية ما
بين معارضين ومؤيدين. المعارضون يرون أن الشورى تختلف عن الديمقراطية وأن
الديمقراطية تسمح بوصول الضالين فكرياً أو العلمانيين للسلطة ويرون أن
الديمقراطية تجعل البشر يصدون عن أحكام الله ويرون أن نظام الحكم يجب أن
يكون بالشورى الذين هم أهل العلم والأذكياء والباحثون وجموعهم فقالوا أهل
العقد والحل ,


في الطرف الآخر ( وهم الجمع الأكثر من السلفية المعاصريين ) يرون في
الديمقراطية نظام قابل للتطور ودمجه ليصبح إسلامي بل ذهب بعضهم إلى أن نظام
الخلافة الراشدة لو استمرت لكان المسلمون اكتشفوا الديمقراطية قبل الغرب ,
ومعظم السلفيين المعاصرين رفعوا الديمقراطية المؤسلمة كحل لقيام الأمة وهى
ديمقراطية تعتمد على الدستور الإسلامى بكل أشكاله الشرعية والسياسية ويمنع
التصويت في أحكام الله ويقود الأمة أهل الشورى بدون تحزب أو تجمهر فكل أهل
الشورى يجب أن يكونوا تحت خدمة الإسلام والمسلمين ويرى المؤيدون أيضاً أن
حقوق الأقليات يجب أن تؤخذ من الدستور الإسلامي الذي يعطيهم حقهم كاملاً في
بناء معابدهم واحتكامهم إلى أنفسهم حسب ما يعتقدون إلا إذا اختلفوا
فيرجعون للإسلام .


وذهب المؤيدون للديمقراطية إلى أن اختيار أهل الشورى يكون انتخابياً وليس
عن طريق الحاكم لأن الحاكم ( سيختار أهل الشورى حسب أهوائه ) ولذلك فقد
ذهبوا إلى أن أهل الشورى يختارهم الشعب ليصحبوا قادته وقالوا أيضاً إن
العلماء قديماً وحديثاً لم يكن أن يكونوا بهذه المكانة لولا وجود الناس
حولهم وحبهم لهم . واستشهدوا بكل العلماء كابن تميمة وابن عبد الوهاب وحسن
البنا وغيرهم وأن المحبة للعلماء والباحثين الفكريين هبة من الله . يلقى في
قلوب الناس حباً لهذا العالم أو المفكر وهناك (أي أناس أهل علم ) لا
يتقبلهم الناس ويرفضوهم ... ولا يعارض السلفية الانتخابات كآلية للوصول إلى
بعض المناصب ولكنهم يعترضون على بعض تفاصيلها مثل تزكية المرشحين لأنفسهم
وتساوى كافة أفراد المجتمع في أصواتهم أياً كانت درجة علمهم وانضباطهم
السلوكي والأخلاقي . كما يعترضون على الأطر الأيديولوجية التي تتم فيها
عمليات الانتخابات في سائر الدول الإسلامية. فلذلك يعزف السلفيون عن
المشاركة في أغلب عمليات الانتخابات في الدول العربية والإسلامية.


السلفيون والمواطنة:


يعتمد مبدأ المواطنة في الإسلام على حماية غير المسلمين والحفاظ على
ممتلكاتهم ودور عباداتهم وقد ثبت ذلك في عهد محمد صلى الله عليه وسلم)
تعامله مع اليهود كان خلاله يكفل لهم حق العبادة وحق ممارسة شعائرهم
الدينية,


يري الأستاذ منير العلمي في دراسته ( المواطنة مفهومها ومقوماتها ) أن كلمة
المواطنة في اللغة العربية اشتقت من كلمة ( الوطن ) – والوطن كما يشير
لسان العرب لابن منظور يعرف بأنه المنزل الذي يقيم فيه الإنسان وتترجم كلمة
المواطنة ... بأنها الاسم الذي يطلق على حقوق وواجبات المواطن وكلمة مواطن
وفقاً للفهم الذي اشتق منه هو الفرد الذي ينتمي لدولة معينة ويقيم فيها
بشكل معتاد ولو لم يولد بها كحالة اكتساب الجنسية


أما دائرة المعارف البريطانية فتعرف المواطنة بأنها علاقة بين فرد ودولة
يحددها قانون الدولة وما تشمله تلك العلاقة بين واجبات وحقوق داخلها وتعطى
للفرد حقوقاً سياسية مثل حق الانتخاب وتولى المناصب العامة – ويرى الكاتب
للمواطنة مقومات وهى بإيجاز:


• المساواة وتكافؤ الفرص بين كافة المواطنين والمواطنات في الحقوق
والواجبات والتي تحدث عندما يكون هناك تمييز بين المواطنين نوعاً من التصدع
وتهدد الاستقرار – فمن تغلق في وجهه أبواب الإنصاف يصبح متمرداً على قيم
المواطنة – وأي مجتمع متعدد الأعراق والعقائد والاختلاف الفكري لا يمكن
ضمان استقراره ووحدته إلا على أساس مبدأ المواطنة .


• المشاركة في الحياة العامة بمعنى إمكانية ولوج جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون أي تميز .


• الولاء للوطن بمعنى سمو علاقة الإنسان بالوطن عن كافة علاقاته القبلية
والعشائرية والحزبية .- ويكون الخضوع في كل شيء لسيادة القانون والعمل على
خدمة الوطن والعمل على تنمية ورفع شأنه.... إلخ


• والتربية على المواطنة فلابد من تأهيل المواطن للتعلق عاطفياً بالوطن
وتنمية أحاسيسه بالمسئولية والالتزام بواجباته قبل وطنه وهذا يكون من خلال
الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والثقافة . وهذه كلها يجب أن تتكامل في
إشباع الأجيال بقيم المواطنة


..... وكان لابد من هذه التقدمة لنصل إلى رؤية السلفيين حول المواطنة وهى
بالتأكيد رؤية قاصرة تتسم بالجمود والتطرف فإن بعض كبار السلفييين يحصرون
المواطنة في المسلمين دون غيرهم حتى البعض منهم عندما يتحدث عن المواطنة
يضع شروطاً كي يتمتع غير المسلمين بأنهم مواطنون لهم حقوقهم وعليهم واجبات
والواقع أن هذا الفكر نذير خطر على نسيج الأمة المصرية التي اختلطت دماء
أبنائها مسلمين ومسيحين في الدفاع عن الوطن خلال العدوان الصهيونى وفى
النضال ضد الاستبداد كما حدث في التلاحم الشعبي في ثورة 25 يناير المجيدة .


السلفيون والعدالة الاجتماعية: -


ترتبط قضية العدالة الاجتماعية بالأساس بجوهر الدين الإسلامى الذي يحارب
الظلم والإجحاف حتى إن البعض يطلق عليها العدالة الحقوقية ويعتبرون أن
العدالة الاقتصادية جزءاً من العدالة الاجتماعية أو الحقوقية حيث يرون أن
تعميم حق ثابت واجب للفقراء في أموال الأغنياء إنما يسهم بشكل فعال في
إعادة توزيع الثروة الاجتماعية التي خلقها من البداية التفاضل التكويني أو
الاجتماعى بين الأفراد .... والإسلام تعامل مع صميم المشكلة الاجتماعية
بهدف إزالة أسباب الفقر والحرمان واقتلاع جذور الفساد الاقتصادى الذي عانت
منه البشرية طويلاً ومازلت .


ومن ثم فإن العدالة الاجتماعية هي واحدة من مكونات العدل في الإسلام وهى
الطريق والوسيلة لتعزيز استقرار النظام الإجتماعى من خلال التوازن بين
مصلحة الفرد والمجتمع ، وتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي
يقوم على عدة ركائز هي عدد من الفرائض ( المالية والزكاة والصدقات وعلى
أساس منهج يؤكد على حق الفقراء الثابت في أموال الأغنياء باعتباره الوسيلة
الواقعية لتحقيق المساواة .


والعدالة الاجتماعية ليست قصرا على العدالة في توزيع الثروات ولكن هناك
العدالة في مجالات الرعاية الصحية وفى مجال حقوق الإنسان وفى مجال
التعليم... إلخ ومع مراجعة فكر السلفيين فلن نجد أي أو مجرد أشارت لرؤيتهم
حول العدالة الاجتماعية... ذلك أنهم يركزون على قضايا فكرية جوفاء لا تخدم
قضايا التقدم في المجتمع .


السلفيون والنظام الاقتصادي:-


يعرف علم الاقتصاد بأنه العلم الذي يقوم على دراسة السلوك الإنساني كعلاقة
بين الأهداف والوسائل النادرة ذات الاستعمالات البديلة والاختيار بينهما في
صدد تحقيق هذه الأهداف ( الموسوعة الاقتصادية د . حسين عمر )


وهو أيضا ذلك العلم الذي يحكم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تنشأ
بين أفراد المجتمع من خلال إنتاج السلع وتوزيعها وتقديم الخدمات إشباعاً
لحاجات الإنسان (الإسلام والاقتصاد د . عبد الهادي النجار )


.... وعلى الرغم من أن هناك من المفكرين الذين يرون بوجود اقتصاد إسلامي
ينفرد عن غيره من الاقتصاد وفقاً للتقسيم التاريخي (اقتصاد رأسمالي أو
إقتصادى اشتراكي) إلا أن السلفيين لم يوضحوا على المطلق وجهة نظرهم أو
رؤيتهم في النظام الإقتصادى في مصر سواء كان هذا متعلقاً بالسياسة النقدية
أم السياسية المالية ولم يوجد ما يوحى باهتمام السلفيين بكيفية إحداث
التنمية الاقتصادية وتوزيع الدخل ... كما أنهم لم يعالجوا أو يطرحوا رؤيتهم
حول المشكلات المتعلقة بالزيادة السكانية (الغالب أن السلفيين ضد أي طرح
يتناول الحد من الزيادة السكانية ) – كما لم ينظروا إلى مشكلة البطالة رغم
خطورتها على المستوى الاجتماعى كما لم يتناولوا مشكلة الأجور والضرائب
والنفقات العامة ولم يبد أي تيار سلفي رأيه في عملية الخصخصة وتداعياتها
على الاقتصاد المصري – كما لم يطرح السلفيون رأياً قاطعاً في سعر الفائدة
في ضوء تعقد العلاقات الاقتصادية – ثم إن السلفيين لم يقدموا بعد حلاً
لمشكلة الفقر التي تضرب غالبية سكان الوطن – والواقع أن السلفيين يؤمنون
بدور فاعل للقطاع الخاص على حساب دور القطاع العام وهم من أنصار نظام آليات
السوق .


السلفيون وقضايا المرأة


على الرغم من أن الإسلام يرى أن المرأة كاملة الأهلية ولها كافة الحقوق
والاستقلال كما للذكر وأنها كاملة الإنسانية ولها من الكرامة ما يصونها
وأنها جديرة بتحمل المسئولية كالرجل تماماً وقد أكد الرسول ( ص ) على ذلك
في خطبة الوداع حيث أكد على مساواة النساء للرجال في الحقوق والواجبات
وأوصى بهن خيراً بل وبدأ بذكر حقهن على الرجال إلا أن السلفيين لم ينظروا
إلى قضية المرأة بل أن الجناح المنظم للتيارات السلفية وهم الإخوان
المسلمون لم تتضمن برامج الجماعة أي دور للمرأة وخلت تماماً من مساهمة
المرأة في داخل التيار الإخوانى وحتى حزب الحرية والعدالة انطلاقاً من رؤية
مبدئية للإخوان يتمسكون بعدم أهلية المرأة لرئاسة الدولة أو رئاسة الوزراء
.


رؤية السلفيين حول أسباب التخلف.. وعوامل النهوض


يتفق عدد من السلفيين حول سبب التخلف وهو أن المسلمين تخلوا بطريقة أو أخرى
عن تعاليم دينهم وأصبحوا غير قادرين على إحياء القيم التي شيدت عليها
الدولة الأولى في حين يرى الإمام محمد عبده أن أسباب التخلف ليست بسبب
الابتعاد عن الدين بل إلى الجمود في فهم الدين والدفاع عن هذا الجمود فلما
وقف الدين موقف الجمود أثر على التطور الذاتي للغة والنظام والاجتماع
والعقيدة والشريعة .ويرد الإمام هذا الجمود إلى السياسة التي نقلت إلى
المسلمين عقائد أخرى سكنت قلوبهم ( للمزيد يمكن الرجوع إلى كتاب الإسلام
دين العلم والمدنية للإمام محمد عبده إصدار دار الهلال العدد 385 يناير
1983 ) وأخيراً يصل إلى نظريته " أن الإسلام لن يقف حجر عثرة في سبيل
المدنية أبداٌ لكنه سيهذبها وينقيها من أوضارها وستكون المدنية من أقوى
أنصاره متى عرفته وعرفها أهله . وهذا الجمود سيزول وأقوى دليل لك على زواله
بقاء الكتاب شاهداً عليه بسوء حاله ولطف الله بتقييض أناس للكتاب ينصرونه
ويدعون إليه ويؤيدونه " أيضاً يتفق السلفيون حول البعد عن أصل الدين كسبب
للانحطاط والتخلف ولكنهم يختلفون حول العوامل التي نتجت عن هذا الابتعاد أي
أنه تسبب في سلبيات طالت نظم الحكم والأخلاق والعلاقات الاجتماعية ومستوى
العلم واستخدام العقل ...وفى هذا الصدد يرى محمد عبده أن الوهابيين عملوا
على ترك البدع والاهتداء بالسنة وتقديم الأثر على آراء البشر ولكن يأخذ
عليهم ضيق الفطن دون ما ارتدت إليه النصوص من علوم الأكوان ومقدمات المدنية
والعمران التي تعتز بها الأمة وتعلو كلمة الله فكانوا أضيق فطناً وأحرج
صدراً من المقلدين ... وهناك من يعدد عوامل تأخر المسلمين بعد أن ذكر بعدهم
عن الدين ويجملها في : الجهل والعلم الناقص وفساد الأخلاق والجبن والهلع
واليأس والقنوط من رحمة الله كما أن هناك من يعود بها إلى تحريفات الحياة
الإسلامية وتتمثل في : فصل الدين عن السياسة ، والنزاعات الجاهلية في رجال
الحكومة وسوء تمثيلهم للإسلام وعدم اهتمامهم بالعلوم المفيدة ، الضلالات
والبدع ، إنكار تجدد الدين وهنا يرى السلفية أن هناك أسباب وعوامل اجتماعية
وسياسية وثقافية ملموسة ويبدأ مسعى التوفيق بين المثال والواقع ويحاولون
الوصول إلى أيديولوجيات ونظريات تسمح لهم بإحياء الماضي وقبول الحديث ,


كيف ينهض المسلمون ؟


بعض السلفيين توصل إلى اتفاق حول أسباب النهضة في هذا العصر تتمثل في ضرورة
الأخذ بالتكنولوجيا والعلم والتنظيم والإدارة ، تحديث المجتمعات الإسلامية
والذي يختلف عن التغريب ، فالتحديث رغم أن منشأه الغرب إلا أن ذلك لا يعنى
وجود نموذج واحد للتحديث . وينطلق السلفيون من قبول التحديث ورفض الثقافة
الغربية . وكثيراً ما يتحدثون عن تقدم الغرب المادي وتخلفه الروحي
والأخلاقي والمطلوب هو إبقاء العقيدة بعيداً عن الذوبان والتأثر بالآخر
ولكن هذا لا يحول دون الإفادة من منتجات الغرب العلمية التقنية أي في
أخلاقهم العلمية وضرورة البعد عن التقليد العقدى والثقافي والأيدولوجى
والمثل والقيم والأخلاق . والأهم من ذلك عدم التأثر بالنظرة الفلسفية
للإنسان : أصولاً ونشأة ومصيراً ونهايةً .




الانتقادات الموجهة للسلفية


من أشد ما يوجه للسلفيين من انتقادات اختزال السلف في نفسه أو جماعته أو
فكره فالسلف أنفسهم لم يتفقوا على منهج واحد بعينه منذ زمن الصحابة ويرون
أن تسمية جماعة ما بالسلفية بدعة لم يأت بها الرسول ولا الصحابة ولا السلف
وأن إتباع السلف واجب – أما استغلال التسمية للترويج للأفكار هو أمر غير
مقبول – كما يعيبون عليها كونها تعتبر نفسها وحدها الفرقة الناجية وتنظر
إلى غيرها من اتجاهات على أنها إما خارج الملة أو أنها منحرفة مستندين في
ذلك إلى آليه حرفيه النصوص واستخدام التأويل أو استنباط روح النص وهذا
الأمر جعلهم دائماً محل تباين حتى داخل إطار أهل اسنة والجماعة – كما أن
معارضيهم يعانون من عدم موضوعية بعض السلفية عندما تقدم لمن يخالفهم الرأي
.( ويكيديا الموسوعة الحرة )


.... وعلى الصعيد السياسي فإن السلفيين باختلاف مشاربهم فان د. عامر صالح
في دراسته الديمقراطية وقدرات الإسلام السياسي في التكيف والتوافق
السيكوسياسى لظروف العصر المنشورة على الانترنت فيرى أن أي من الحركات
السلفية المتمثلة في الأحزاب والحركات الإسلامية تفتقد إلى مستلزمات بقائها
في ظروف العصر من خلال توجهاتها لبناء دولة الخلافة الإسلامية أو لدولة
ولاية الفقيه سواء كان على المدى القريب أو البعيد ولا يعنيها معالجة الفقر
أو الشروع بالنهضة الاقتصادية والاجتماعية بقدر ما يعنيها العمل على تمثيل
أو النيابة عن سلطة الإله في الأرض برؤيتها الخاصة وتقوم بشرعنة الفقر
والتخلف وإعادة توليده على خلفية الفهم السىء للنصوص المقدسة وتشكل حاضنة
آمنة للفساد الإدارى والمالى من خلال حماية رموزه لاعتبارات ولائهم المذهبي
والطائفي والديني ، في ظروف يضعف فيه الانتماء للوطن والمواطنة وتشتد فيه
الاستعانة بالحليف الخارجي المطابق لها ليتدخل مستميتاً وبشروطه لإشاعة
الفرقة والعبث بالوحدة الوطنية وفرض أجندته ، ويشتد الخطاب المتأسلم غير
المتسامح بطبيعته والذي لا يستند إلى تعاليم الدين السمحاء بل مشبع بعوامل
الفرقة والانتقاء والتحيز العصبي " وهو ليس الدين " ليشيع مزيداً من الفرقة
المبنية على مبدأ إقصاء الآخر وتكفيره " ونفيه بل وقتله – ومن هنا ننتقل
العداوة من عداوة للفقر والجهل والظلم والحرمان إلى عداوة مع من يختلف في
الاجتهاد والرأي والفكر – ومن هذا يكون الفشل في ترتيب سلم الأولويات في
معالجة المعضلات الاجتماعية والاقتصادية والحضارية وبين إدارة الخلافات
المذهبية والطائفية والدينية على أسس مشروعية الاختلاف في الرأي.


الخ. الكاتب في إمكانية حدوث تغيير في سلوك السلفيين ومؤشرات ذلك في رأيه
كثيرة فالاققتال بين الإخوة في الدين وطوائفه على أشده وتكفير الآخر الديني
وإقصائه تجرى على مسامع وأبصار العالم في مجازر يندى لها الجبين وسلوكيات
التربص والاستحواذ والخلط الأعمى بين السياسة والدين وادعاء الأفضلية على
الآخر تجرى على قدم وساق والحروب الأهلية والإقليمية تساهم في عدم
الاستقرار في المنطقة وفى العالم متلبسة بلباس الدين ... الخ .


... وفي دراسة منشورة علي صفحة الإنترنت ( الحركات السلفية الواقع
والتحديات ... حصر الباحث عدداً يسميه مساوئ منهجية لهذه الحركات جاء منها /


- تحول مفهوم السلفية عند البعض في العصر الحديث من منهج سليم في المعتقد
مبني علي التسليم والتفويض وعدم التكلف, إلي مذهبية أمور الفقه والحياة
المتغيرة تقيد الفكر والعمل أحياناً.


- تحول بعض الجماعات السلفية المعاصرة إلي ما يشبه المدرسة الكلامية التي
تطنب في الحديث عن دقائق العقائد دون داع شرعي وهو ما لا ينسجم مع منهج
السلف القائم علي البساطة , وتجنب الخوض في تلك المباحث إلا للضرورة .


- جفاء بعض السلفيين في إنكارهم علي إخوانهم المسلمين المتلبسين ببعض
البدع, دون لطف أو ترفق أو اعتبار للمال والثمرات وكأن مجرد إدانة واقع
البدع والخرافات كاف للقضاء عليها.


- عدم التمييز بين كليات العقيدة التي لا اجتهاد فيها , لقطعية الأدلة فيها
ثبوتاً ودلالة وبين جزئياتها التي جاءت النصوص فيها محتملة , فللخلاف فيها
متسع والانشغال بها لا يؤدي إلي الحسم فيها عملياً , ولا تترتب عليه ثمرة
عملياً .


- خلط بعض السلفيين – ضمناً – بين الوحي والتاريخ في المرجعية جراء نقص في
الوعي بالتاريخ لا يميز بين صورته ومعناه , وتقصير في دراسة حياة السلف
دراسة استقصائية تلم بكل جوانبها المضيئة والقاتمة ولا تقف عند سرد المناقب
فقط .


- الانفعال في الدفاع عن السلف بشكل يهدر قدسية المبادئ , حرصاً علي مكانة
الأشخاص ويرد الغلو بغلو , مع تعميم وتهويل يساوي في دفاعه بين عثمان
وكاتبة مروان وبين عمار وقاتله أبي الغادية .


- انفصال العلم الشرعي عن الوقع المعيش ,.مما يعيق تهميش الدين في الحياة
العامة ويسهل توظيف حملة العلم الشرعي توظيفاً سياسياً لا يخدم الدين ,
إضافة إلي ما يؤدي إليه ذلك من أخطاء فكرية وفقهية جسيمة .


- نقص في النظر الأصولي أنتج خلطاً بين ( فعل العادة ) وفعل العبادة في سنة
النبي صلي الله علية وسلم وسير السلف الصالح. وقد ترتب علي ذلك إلزام
الناس بما لا يلزم , والتشديد عليهم فيما فيه متسع أحياناً .


- زهد بعض السلفيين في الثقافة المعاصرة, وتشبثهم بالموقف التقليدي المتوجس
من الغزو الفكري والثقافي جعلهم بعيدين عن مقتضيات الدين في العصر الحاضر,
فضاعت جهودهم في محاربة بدع الماضي وانحرافاته.




يبقى السؤال ؟


هل تستطيع السلفية أو الأصولية أو الإسلام السياسي التفاعل مع الحداثة دون
أن يفقد مضمونه الأصيل ؟ هل تستطيع السلفية أن تكون ذاتها وتعيش العصر معاً
؟ الواقع أن السلفية تعيش الآن صراعات حادة بين محاولة الحفاظ على قوة
النص على التفسير وتكوين وعى وبين واقع يتغير سريعاً ويصعب اللحاق به
وإخضاعه فقد حاولت السلفية التقليدية إحياء التراث من خلال إدخال الواقع
فيه ، ودمجه في عناصر الماضي أو التراث وفهمه في هذا السياق الماضوى ولكن
السلفية المحدثة حين تقوم بما تسميه تجديد الفكر الديني أو التدين وفى هذه
الحالة تحاول أن تكيف التراث / النصوص الدينية مع الواقع المتغير .


وفى الحالتين تظل السلفية لا تاريخية إما بسوء فهم الواقع أو بعدم الالتزام
بالنص لذلك نجد من يقول بأن الدين أو التراث لا يعد نفسه حين نصلحه أو
نعدله لأن عملية الإصلاح أو التعديل أو التجديد تفقده جوهره المتعالي وهذه
بؤرة التوتر في علاقة السلفية بمرحلة العولمة التي يمر بها العالم مما يعنى
ازدياد النسبية في التعامل بين الثقافات والنسبية تناقض السلفية بمطلقها
الكاسح المتجاوز للجغرافيا والتاريخ فالعولمة لا يقصد بها وجود نموذج عالمي
واحد ولكن هي سقوط للحدود وتهديد لخصوصية الانغلاق وإبعاد الآخر ، يرى أحد
المفكرين أن الأصولية أو السلفية تعيش وعيين في آن واحد ويقدم تشبيهاً
معبراً عن حالة المجتمعات الإسلامية في العصر الحاضر يسمى عملية التوفيق
بين النص الآتى من الماضي والواقع الحي " التصفيح أو الفصام المعرفي " حيث
تعمل معرفتان مختلفتان جذرياً في آن واحد داخل الشخص الواحد حيث تكون
الأفكار من الحاضر والمواقف من الماضي وهنا تظهر كل أنواع الاختلالات .


بعض الباحثين يعتبرون أن الفكر السلفي وصل إلى طريق مسدود لأنه توقف عن
إلقاء الأسئلة والشك بقصد الوصول إلى معرفة اكتشافيه تعمل على مستوى النص
والواقع ولم يذهب بعيداً في عقلانيته وفضل أن يكون النص مرجعيته النهائية
وأعطاه الألوية على الواقع ومن ثم تغرق السلفية نفسها في فكر ميتا فيزيقى
وتكتفي بإطلاق معاني وتسميات معينة على الأشياء وتظن أن ذلك يعنى انتقال
الصفات مع إطلاق التسمية أو إطلاق عبارات مبهمة كشعار الحل الإسلامى أو
شعار الإسلام هو الحل الذي تطلقه جماعة الإخوان المسلمين – وهناك من يري أن
السلفيين لم يدخلوا أي تغييرات أومضامين حديثة تحمل تطويراً في الرؤى
والمنهج على مسمياتهم – وتبقى فقط المضامين غريبة المنهج والفكر بما ينقل
بطريقة خفية أو سحرية مضامين ومعاني إسلامية إلى المسمى فنحن نواجه بمعرفة
غربية في مناهجها وتصوراتها ونشأتها :


فنضفي مثلاً علي بعض العلوم المعروف أنها نشأت في الغرب كعلم الاقتصاد
والحق به وصف إسلام علي الرغم من أن هذا العلم بكل نظرياته وكل ما يطرحه من
قضايا هو في الأصل غربي له صفة عالمية ... وكل المدارس الاقتصادية حني
الاشتراكية تعتمد في الأصل علي المفهوم الذي أرساه الفكر الرأسمالي بكل
آلياته... وهذا يعني عجز السلفيين عن التغيير الجذري للمناهج العلمية...
والاكتفاء بإضافة عناوين وأسماء وكأنها محال بقالة تغير اسمها من دكان إلي
سوبر ماركت مع بقاء السلع وأسلوب البيع علي حالها ,


ويبقي التساؤل هل بإمكان السلفيين القيام بثورة ثقافية بعيداً عن تأويل
النصوص الدينية وحالة الجمود التي مازالت تعترى الحركة الفكرية الإسلامية
وتعمل على ظهور خطاب إسلامى لا يتسم بالديجماطيقية .... ولا بالديموجوجيه .


المراجع


- الإمام محمد عبده : الإسلام بين العلم – كتاب الهلال العدد 385 يناير 1983.


- د. رفعت سيد أحمد: الدين والدولة والثورة – كتاب الهلال العدد 410 فبراير 1985.


- جاك توشار واخرون – تاريخ الفكر السياسي .


- د. حسين فوزي النجار: الدين والحكم في الإسلام – كتاب الحرية – العدد الرابع.


- د.إمام عبد الفتاح – الطاغية دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي .


- د. خليل الجر / حنا الفاخوري – تاريخ الفلسفة العربية .


- مارك كيرتس : العلاقات السرية بين بريطانيا والجماعات الإسلامية دراسة منشورة علي موقع منتديات الوحدة العربية شبكة الانترنت.


- منير عبد القادر العلمي : المواطنة بمفهومها ومقوماتها - ديوان أصدقاء المغرب .


- د. صبري محمد خليل: دراسات في المنهج السلفي.


- د. فهمي جدعان : السلفية حدودها وتحولاتها – عالم الفكر العدد الثالث والرابع يناير/يونيو1998 )


- د. حيدر إبراهيم علي : الاتجاه السلفي – عالم الفكر العدد الثالث والرابع يناير / يونيو 1998 )


- محمد عبد الله الخطيب : السلفية حقيقتها ومكانتها في الشريعة الإسلامية المعاصرة ( الشبكة الدعوية )


- د. محمد عمارة: السلفية: واحده ؟ ... أم سلفيات ( ساحة القضايا المعاصرة)


- د.عامر صالح – الديمقراطية وقدرات الاسلام السياسي في التكييف والتوافق السيكوسياسي لظروف العصر .


- د. محمد عابد الجابري : عدة مقالات ( السلفية أم التجربة التاريخية للأمة ) ( من الوهابية إلي السلفية الإصلاحية إلي الجهادية )


- د. خليل حسين : منشأ الحركات الأصولية وتداعياتها ( جماعة أصدقاء المغرب )


- أ.سالم المساهلي - في تاريخ العلاقة بين الدين والسلطة " شبكة الإعلام العربية .


- د.جابر عصفور – مخاطر الدولة الدينية – منتديات معراج القلم .


- أ. نبيل عبد الفتاح – ما وراء حالة التضاغط السياسي في مصر جريدة الاهرام .


- السلفية والأصولية في ميزان المهاجمين والمراقبين - ويكيبيديا الموسوعة الحرة


- د. يوسف القرضاوي – الدولة المدنية والدولة الدينية : تجديد مفاهيم موقع القرضاوي


- د. حسين عمر – الموسوعة الاقتصادية .


- مجلة العلوم الاجتماعية الكويتية تحت عنوان - مفهوم الدين ونظريته وأنواعه


- حسن درويش العادلي – الاصوليات الايديولوجية تصنع التاريخ جماعة أصدقاء المغرب .


- د. محمد عابد الجابري – الاخوان المسلمون في مصر والسلفية في المغرب


- د. محمد عابد الجابري – السلفية في طريق النهضة مشكلة ام حل .


- د. احمد فريد – السلفية قواعد واصول موقع واحة العقيدة .


- أ. محمد نبيل الشيمي - نعم للدين لا للدولة الدينية الحوار المتمدن .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رزان
مشرفة
مشرفة
رزان



 السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية    السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Emptyالسبت مارس 23, 2013 2:45 pm

الديمقراطية وقدرات الإسلام السياسي في التكيف والتوافق السيكوسياسي لظروف العصر !!!!



عامر صالح




استطاعت الانتفاضات العربية أن تسقط الكثير من المفاهيم الشائعة وحتى
الكثير من النظريات الاجتماعية ـ السياسية والنفسية التي كانت ترى أن
الشعوب تخلق الدكتاتور, وهناك دورة مغلقة غير قابلة للاختراق بين الحاكم
وشعبه, متناسين هؤلاء بأن عجلة التاريخ تدور ولا يمكن أن تتوقف, كما تنبأ
بها كارل ماركس وغيره من المفكرين. وأن التغير والتكيف يشمل الحياة بدون
انقطاع, على مستوى العضوية الفردية والمجتمعية, وخاصة عندما تجري التغيرات
اليوم في عالم افتراضي يتخطى كل الحدود, يعيش فيه الفرد تواصلا فكريا
وحضاريا وثقافيا مع الحضارة العالمية ونماذجها المتقدمة في زمن متسارع, لا
مكان له لزمن الحزب الواحد, ولا لقائد الضرورة,ولا لقائد الأمة, الديني منه
والسياسي !!!!.




وكما يعرف الجميع أن هذه الانتفاضات الشعبية هي انتفاضات مطلبيه في مسحتها
العامة, لتحسين ظروف العيش والتخلص من الفقر والحرمان والجهل والطغيان الذي
طال أمده, ولم تنشأ هذه الانتفاضات بفعل عوامل الاختمار الذاتي والذي
يفترض أن تؤسس له أحزابا مؤمنة بالديمقراطية وتقطف ثماره الآن, فهذه الحالة
غائبة في الساحة العربية, وخاصة بعد الإضعاف المستمر للقوى التقدمية
والديمقراطية, الحاملة للمشروع النهضوي, إلى جانب غياب الفكر النقدي الذي
يؤسس لمزاج التغيرات الايجابية وقبولها على نطاق شعبي واسع, وهو الضامن
الوحيد لخيارات الشعوب المستقبلية. ومن هنا ينشأ الخوف المشروع على
الانتفاضات العربية, إلى جانب الحرص الشديد لإنجاز أهدافها المشروعة, حيث
لا خبز ولا حرية بدون ديمقراطية حقيقية وقوى مؤمنة بها, وهي صمام الأمان
المانع للعودة إلى مربع الدكتاتوريات الأول, سواء السياسية منها أو القوى
المتأسلمة المتلبسة بلباس الدين, التي تحاول استغلال الفراغ السياسي الكبير
الناتج من غياب قوى التغير الفعلية والمنظمة وصعوباتها الموضوعية !!!.




ولعل هذه المقدمة تسوقنا إلى تصور مفاده أن الحركات السياسية المتأسلمة
والتي تتخذ من المقاعد الخلفية لانتفاضات الشباب مكانا لها تتهيأ لملئ
الفراغ السياسي بأجندتها الظاهرة والآنية المتوائمة مع الديمقراطية شكلا
والمستجيبة لزخم ظروف التغير الذي يحصل على الأرض الآن, دون التخلي عن
أجندتها الإستراتيجية بعيدة المدى لبناء دولة " الإسلام والمسلمين ", سواء
إن كانت هذه الدولة " أخوانيه " أم " طلبانية " أم " خمينية ", مثلما قامت
به الحركات المتأسلمة العراقية بملئ الفراغ السياسي مستندة إلى الدستور ذو
المثالب الكثيرة, والى الهبات والحشود الانفعالية في الانتخابات. هذا
الحديث ينقلنا إلى مشروعية المسائلة ماذا بعد شعار " الشعب يريد إسقاط
النظام " إلى مشروعية التوجه إلى طرح البدائل وبالتالي الوسائل التي من
شأنها توفير الأطر لضبط مسارات الانجاز وامتلاك بوصلة واضحة قادرة على
استيعاب التباينات القائمة داخل مخاض التفاعلات الثورية الجارية, ومن ثم
تحديد الأولويات المباشرة لانجاز الأهداف المشتركة, أم نحن أمام صور طبق
الأصل للحالة العراقية !!!!.




قد لا يثير الغرابة الدعم الغربي والأمريكي بشكل خاص للقوى المتأسلمة,
انطلاقا من افتراضين أساسيين, أولهما أن صناديق الاقتراع بتقديرهم هي التي
تقرر خيارات الشعب استنادا إلى التجارب الغربية المستقرة, وهو قياس خاطئ لا
يستند إلى معرفة دقيقة بطبيعة هذه المجتمعات والعوامل الثقافية والدينية
التي تتحكم بها, ودون وعي بأهمية وضرورة المرحلة الانتقالية السابقة
للانتخابات, وثانيهما هو ان هذه القوى المتأسلمة هي الضامن الوحيد للحروب
الداخلية المذهبية والطائفية والاثنية وتفكيك النسيج الاجتماعي الوطني, بما
يضمن مصالح الغرب وأمريكا بشكل خاص وتدخلهما القوي في أوضاع تلك البلدان
بما يضمن مصالح وامن إسرائيل, عبر الإضعاف المتواصل لقدرات هذه البلدان
وعرقلة وحدتها الداخلية اللازمة لأي نهضة حقيقية " مع كرهي الشديد والمقيت
لنظرية المؤامرة ", إلا ان الأفعال تقاس بنتائجها, كما هو الحال في
البراغماتية السياسية, والحالة العراقية هنا قابلة للقياس والتعميم, حيث
أتت صناديق الاقتراع بمزيد من التدهور في الحياة الاجتماعية والاقتصادية
والفساد الإداري والمالي وسرقة المال العام وبمزيد من التخندق المذهبي
والطائفي والاثني, ومسببة أيضا بمزيد من تدخل دول الجوار في الشأن العراقي
وارتهانه لأجندتها الخارجية الطائفية والمذهبية والسياسية !!!!!.




ولا نستغرب تماما من تصريحات المعلقين السياسيين الغربيين بإشادتهم
بالسهولة التي تكيفت من خلالها الحركات الدينية في العراق مع الديمقراطية
السياسية الخاصة بالتعددية الحزبية, وإشادتهم بحملة الأخوان المسلمين في
مصر للتصويت على التعديلات في الدستور بنعم, مؤكدين أن جماعة الأخوان
المسلمين لديهم فهم أفضل للطريقة التي تعمل بها الديمقراطية كما هي الحال
في العراق, كما أوقعوا في اللوم على الليبراليين والعلمانيين بأنهم
منقسمين, دون فهم أو تعقل للأسباب التاريخية التي تقف وراء ذلك, واتهموهم
بالهواة في السياسة ولا يفهمون طريقة عمل الديمقراطية !!!!!.




أذن كيف تفهم استجابة الإسلام السياسي لظروف التغير وما هي دوافعه, فهل هو
تكيف منعا للانقراض أم هو توافق ناتج من تفهم واستجابة لظروف العصر
المتغير. في السيكولوجية المعاصرة هناك فرق بين التكيف والتوافق, كما هو
الحال في المعنى اللغوي. فالتكيف في اللغة كما في علم النفس هو تغير في
سلوك الكائن الحي يجعله أكثر ملائمة للبيئة التي يحيا فيها والتي ترتبط
ببقاء جنسه, أما التوافق فهو علاقة تناغم بين الكائن الحي وبيئته تقوم على
إرضاء اغلب حاجاته ومطالبه على اختلافها, فالتوافق وسيلة لجعل حياة الفرد
أفضل بتلبية رغباته وتوفير حياة يستمتع بها بعيدا عن المنغصات. إذا التكيف
كخطوة أولى يبقي على الكائن حيا والتوافق كخطوة ثانية يرقى به الى الحياة
التي يرغبها.




ولمزيد من الوضوح في استخدام المصطلحات فأن الكائنات الحية تميل إلى تغيير
سلوكها استجابة لتغيرات البيئة, فعندما يطرأ تغير على البيئة التي يعيش
قيها الكائن, فأنه يعدل سلوكه وفق لهذا التغير, مثال ذلك: " تغير الإنسان
لباسه ليناسب الفصل والمناخ " ويبحث عن وسائل جديدة لإشباع حاجاته, وإذا لم
يجد إشباعا لهذه الحاجات في بيئته, فأما يعمل على تعديلها أو تعديل
حاجاته, وهذا السلوك أو الإجراء يسمى بالتكيف. أن مفهوم التكيف أصلا هو
مفهوم بيولوجي, وكان حجر الزاوية في نظرية داروين عن الانتخاب الطبيعي
وبقاء الأصلح, فالحيوانات التي استطاعت التلاؤم مع بيئتها الطبيعية استمرت
في البقاء كالحرباء التي تغير لونها ليتناسب مع البيئة الطبيعية, وهجرة
اسماك السلمون, ونوم الدببة في الشتاء. أن الإنسان يعمل باستمرار على
التكيف مع بيئته الطبيعية عن طريق ارتداء اللباس المناسب وشكل البناء ونوع
الطعام. وقد استعار علم النفس المفهوم البيولوجي للتكيف والذي أطلق عليه
علماء البيولوجيا مصطلح تلاؤم أو توافق, واستخدم في مجال علم النفس تحت
مصطلح التكيف, وحيث أن الإنسان يتلاءم مع بيئته والاجتماعية مثلما يتلاءم
مع بيئته الطبيعية, من هنا شدد علماء النفس على ما يسمى البقاء السيكولوجي
والاجتماعي, مثلما شدد علماء البيولوجيا على البقاء الطبيعي البيولوجي
!!!!.




واستنادا إلى المزواجة بين هذه المفاهيم وسلوك الأحزاب والحركات الاسلاموية
التي تفتقد إلى مستلزمات بقائها في ظروف العصر من خلال توجهاتها لبناء
دولة الخلافة الإسلامية أو لدولة ولاية الفقيه سواء إن كان على المدى
القريب أو البعيد, ولا يعنيها معالجة الفقر أو الشروع بالنهضة الاقتصادية
والاجتماعية, بقدر ما يعنيها العمل على تمثيل أو النيابة عن سلطة الإله في
الأرض برؤيتها الخاصة, وتقوم بشرعنة الفقر والتخلف وإعادة توليده على خلفية
الفهم السيئ للنصوص المقدسة, وتشكل حاضنة آمنة للفساد الإداري والمالي من
خلال حماية رموزه لاعتبارات ولائهم المذهبي والطائفي والديني, في ظروف يضعف
فيه الانتماء للوطن والمواطنة وتشتد فيه الاستعانة بالحليف الخارجي
المطابق لها ليتدخل مستميتا وبشروطه لإشاعة الفرقة والعبث بالوحدة الوطنية
وفرض أجندته, ويشتد الخطاب المتأسلم الغير المتسامح بطبيعته والذي لا يستند
إلى تعاليم الدين السمحاء بل مشبع بعوامل الفرقة والانتقاء والتحيز
التعصبي " وهو ليست الدين " ليشيع مزيدا من الفرقة المبنية على مبدأ إقصاء
الآخر وتكفيره ونفيه بل وقتله. ومن هنا تنتقل العداوة, من عداوة للفقر
والجهل والظلم والحرمان, إلى عداوة مع من يختلف معي في الاجتهاد والرأي
والفكر, ومن هنا نفتقد إلى ترتيب سلم الأولويات في معالجة المعضلات
الاجتماعية والاقتصادية والحضارية, وبين إدارة الخلافات المذهبية والطائفية
والدينية على أسس مشروعية الاختلاف في الرأي !!!!.




وإذا كانت الحركات الاسلاموية اليوم تتشدق بقوة " المثل التاريخي " المتمثل
في الإمبراطورية الإسلامية سابقا, فيكفي لهذا المثل أن يكون ضعيفا اليوم
على خلفية ما أريقت فيها من دماء وسبي للأطفال والنساء والممتلكات طيلة عهد
الإمبراطورية, والناتجة من الصراعات السياسية على الحكم والتي تحولت إلى
صراعات دينية. يشير الدكتور السيد القمني في مقال له بعنوان: " لكي لا
يخدعنا بعضهم: هل كان تاريخنا ماضيا سعيد ", واكتفي هنا بذكر بعض من
المعلومات الإحصائية الواردة في المقال المذكور وبتصرف ـ ويمكن للقارئ
العودة إلى التفاصيل في ذلك ـ يقول القمني بعد أن يشرح بداية الصراعات
السياسية ـ الدينية في زمن أبو بكر إلى الحديث عن التفاصيل فيما بعده,
بقوله: "..... تم قتل عثمان ابن عفان بيد صحابة وأبناء صحابة. ومن بعدها
خرجت الفرق الإسلامية تحارب بعضها, حتى مات حول جمل عائشة خمسة عشر ألف
مسلم, ومن بعدهم مائة ألف وعشرة من المسلمين في صفين .... أما عن زمن
معاوية وولده يزيد فحدث ولا حرج عما جرى لآل بيت الرسول, وكيف تم جز رأس
الحسين ليرسل إلى العاصمة, وكيف تم غرس رأس زيد بن علي في رمح ثم غرسه
بدوره فوق قبر جده رسول الله !..... وفي وقعة الحرة التي هي من كبرى
مخازينا التاريخية, إذ استباح الجيش نساء المدينة أياما ثلاث حبلت فيها ألف
عذراء من سفاح واغتصاب علني وهن المسلمات الصحابيات وبنات الصحابة
والصحابيات. أما زياد بن أبيه, والي الأمويين على العراق على إقليم العراق,
فقد شرع القتل بالظن والشبهة ...... أما نائبه الصحابي " سمرة بن جندب "
فأن يديه قد تلوثتا فقط بدماء ثمانية آلاف من أهل العراق على الظن والشبهة
....... وقد سار الحجاج بن يوسف الثقفي على سنة سلفه زياد بن أبيه في إعدام
النساء والقبض على أهل المطلوب حتى يسلم نفسه, ومنع التجمهر, وإنزال
الجنود في بيوت الناس ووسط العائلات يلغون في الشرف كيفما شاءوا إذلالا
للناس وكسرا لإنسانيتهم, حتى انه اعدم من العراقيين في عشرين سنة هي مدة
ولايته مائة وعشرين ألفا من الناس بقطع الرأس بالسيف أو الذبح من القفا أو
الرقبة ..... وعندما وصل العباسيون إلى السلطة بدأوا حملة تطهير واسعة شملت
من مواطني دمشق خمسين ألفا تم ذبحهم, وجعلوا من المسجد الأموي إسطبلا
لخيولهم. ولما استقام لهم الأمر استمروا على النهج الأموي في ظلم العباد
وقهر آدمية الإنسان.... " . ثم يختتم القمي مقاله ببعض التساؤلات المهمة,
حيث يقول: " إذا قيل هنا أن ذلك كان منطق العصر, فلا خلاف أبدا حول قول
القائل. وإذا قيل انه لا يصح محاكمة ذلك الزمان بذوق زماننا الأخلاقي, أيضا
ليست ثمة خلاف. لكن الخلاف ينشأ فور القول باستعادة هذا الشكل من الحكم
والأنظمة بحسبانها الأمل والمرتجى. هنا لابد أن نحاكمها بذوق أيامنا
.......".




أن قراءة السيد القمي المتخصصة للتاريخ واستنتاجاته وأسئلته تدور أيضا هي
الأخرى في ذهن المواطن العربي العادي, ولكن بعموميات الحرص والقلق الشديد
على مستقبل الثورات الشبابية وبدائلها المستقبلية, خاصة عندما تحصل الثورات
في عالم نوعي آخر يختلف جذريا عن عالم المئات من القرون الغابرة, واقل ما
يقال أنها تجري في ظروف التقدم التقني والتكنولوجي والمعلوماتية وفي عصر
التواصل الاجتماعي العابر للقارات من خلال شبكات التواصل الاجتماعي,
متجاوزة فيه الحدود والقوميات والجنسيات, مما أسهم بشكل كبير في تغير
الصورة النمطية والسلبية للشعوب العربية وعجل في إنضاج الخيارات صوب
الديمقراطية من خلال التأثر بقوة المثل في المجتمعات المتقدمة, وأسهم بشكل
كبير في رفع سقف مطالب الشباب الثائر في الحرية والديمقراطية الحقيقية
وتحسين ظروف الوجود !!!!.




وجميعها عوامل تثير من حدة التساؤل المشروع, هل يستطيع الإسلام السياسي
والذي يتمتع بزخم خلف الثورات أن يحتوي هذه التغيرات ضمن مساراتها الطبيعية
ويحولها إلى مشروع نهضة قادمة في الفكر والحرية والديمقراطية والسياسة
والاقتصاد والمجتمع, أي أن يتحول الإسلام السياسي من طبيعته " البيولوجية "
التكيفية منعا لانقراضه من الوجود الشكلي في زحمة الأحداث الجارية إلى
طبيعة تكيفية ـ توافقية على نسق ما يجري في التكيف النفسي والاجتماعي
التوافقي للوحدة الإنسانية, من خلال الإشباع المتواصل والمتصاعد للحاجات
الإنسانية وإرضائها تبادليا بين الأفراد والمجتمع بمختلف مكوناته الفكرية
والسياسية والدينية والمذهبية !!!!.




إلى وقتنا هذا كما هو الحال في التاريخ الغابر لا توجد أدلة تؤكد صحة هذا
التحول, ومؤشراته كثيرة ولا حصر لها, فالاقتتال بين الأخوة في الدين
وطوائفه على أشده, وتكفير الآخر الديني وإقصائه تجري على مسامع وأبصار
العالم في مجازر يندى لها الجبين, وسلوكيات التربص والاستحواذ والخلط
الأعمى بين السياسة والدين وإدعاء الأفضلية على الآخر تجري على قدم وساق,
والحروب الأهلية والإقليمية تأخذ مأخذها في عدم الاستقرار في المنطقة وفي
العالم متلبسة بلباس الدين..... الخ.


وغدا بالتأكيد سوف تفتح صناديق الانتخابات الحرة في معظم الدول العربية على
خلفية نتائج الثورات الشبابية والشعبية, ومن الأولى والاهم والأجدر أن
يكون التصويت لصالح البرامج ومشروعات النهضة الاقتصادية والاجتماعية, وإذا
كان التصويت للدين الخالص فيفترض أن تذهب نتائجه إلى رب العالمين خالق
الدين, وليست للمتلبسين به, أما عدا ذلك فالخير فيما اختاره الله, فالدين
لله والوطن للجميع !!!!!.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رزان
مشرفة
مشرفة
رزان



 السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية    السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Emptyالسبت مارس 23, 2013 2:46 pm

لكي لا يخدعنا بعضهم: هل كان تاريخنا ماضيا سعيدا؟

الكاتب : سيد القمني


الناشر : روزاليوسف






معاوية بن أي سفيان وولده يزيد لم يمنعهما اسلامهما


من قتال آل بيت الرسول وجز رأس الحسين


الحجاج بن يوسف الثقفي اعدم من العراقيين مئة وعشرين ألفا واستباح نساء المسلمين


العباسيون قتلوا خمسين ألفا من أهل دمشق وجعلوا من المسجد الأموي إسطبلاً لخيولهم




هل كان ممكنا أن ترتج أجهزة الدولة كلها مستجيبة لاستغاثة مواطن يعاني
القهر والظلم في بلاد المسلمين على يد المسلمين، في الإمبراطورية الإسلامية
العظمى الغابرة، كما ارتجت وتحركت بعدّتها وجيوشها في القصة الأسطورية
إستجابةً لصرخة امرأة مجهولة منكورة لا نعرف من هي، وهي تنادي الخليفة من
على الحدود عندما اعتدى عليها بعض الروم... " وامعتصماه"؟!.




إن هذا النموذج من القص يريد أن يعلن مدى اهتمام الدولة جميعا بمواطنٍ فردٍ
يعاني أزمة، وهو ما يستثير الخيال العربي المقموع ويدفعه إلى محاولة
استعادة هذه الدولة الأبية التي كانت تردع الأعادي بكل فخر ومجد كما كانت
تنشغل بالمواطن الفرد كل الانشغال، حتى بات عزيزا كريما مرهوب الجانب أينما
كان. لكن بين القص الأسطوري وبين ما كان يحدث في الواقع مفارقات لا تلتئم
أبدا، ولا تلتقي أبدا. والنماذج على ذلك أكثر من أن تحصيها مقالة كتلك، بل
تحتاج إلى مجلدات من الكتب. لكن يكفينا هنا اليسير منها لنكتشف هل كانت
ثقافة "وامعتصماه" أمرا حقيقيا فاعلا في الواقع أم أنها مجرد قصة لرفع
الشعارات دون الفعل وليس أكثر، كالعادة العربية المعلومة! خاصة أن هذه
الدولة العزيزة بمواطنها الكريم هي الدولة النموذج التي يطلبها اليوم
المتأسلمون على كافة فصائلهم وأطيافهم، ويزينونها للناظرين بقصٍّ كهذا عادة
ما يبدأ بمسئولية الخليفة الراشد وهو في يثرب عن دابة لو عثرت بالعراق.




وينتهي بالحفل البانورامي حول احتلال "عمّورية" انتقاما للفرد العربي الأبي
حتى لو كان امرأة! مع علمنا بحال المرأة قياسا على الرجل في تراثنا.




لقد صرخت القبائل العربية في الجزيرة منذ فجر الخلافة "واسلاماه" تستغيث
بالمسلمين لردع جيوش الدولة عن ذبحها وسبي حريمها وأطفالها لبيعهم في أسواق
النخاسة، تلك القبائل التي تمسكت بحقها الذي أعطاه لها ربها بالقرآن في
الشورى والمشاركة الفاعلة في العمل السياسي. فرفضت خلافة أبي بكر" الفلتة"
بتعبير عمر بن الخطاب لأنها تمت بدون مشورتهم ولا ترشيح احد منهم ولا اخذ
رأيهم، فامتنعوا عن أداء ضريبة المال للعاصمة تعبيرا عن موقفهم ، لكنهم
عملوا برأي الإسلام فجمعوا الزكاة ووزعوها على فقرائهم في مضاربهم التزاما
بهذا الركن الإسلامي بجوار صلاتهم وصيامهم وقيامهم بقية الأركان المطلوبة.
فلم يعفها ذلك من جز الرقاب والحصد بالسيف. والصراع هنا لم يكن حول الإيمان
والكفر، بل كان الشأن شان سياسة دنيوية لا علاقة لها بالدين.




ورغم الجميع فقد تواطأ السدنة مع السلطان ضد تلك القبائل ليؤسسوا في
التاريخ المذهب السنّي الذي وجد فرصته في مكان سيادي بجوار الحاكم، فقام
بتحويل الخلاف السياسي إلى خلاف ديني، واعتبر أن محاربة هؤلاء واجب ديني
لأنهم قد كفروا وارتدوا عن الإسلام لا لشيء، إلا لأ،ن هكذا كان قرار
الخليفة؛ ولأن هذا الخليفة كان "الصدّيق" صاحب رسول الله- صلى الله عليه
وسلم- وصهره ووزيره الأول. فالبسوا الخليفة أولا ثوب القدسية ولو ضد منطق
الإسلام الذي لا يقدس بشرا، ثم البسوا القرار قدسية الخليفة، ثم أصدروا
قرارهم بتكفير هذه القبائل بتهمة الردة عن الإسلام لأنها حسب القرار البكري
قد "فرّقت بين الصلاة وبين الزكاة"، وهو أمر فيه نظر من وجهة نظر الشرع لا
تبيح قتالهم ولا قتلهم. لذلك تم تدعيم القرار بان تلك القبائل قد خرجت على
رأي الجماعة وخالفته وهو اختراع آخر كان كفيلا بوصمها بالارتداد منذ ذلك
التاريخ وحتى اليوم.




وهكذا، ومنذ فجر الخلافة جلس الفقيه في معية السلطان يصوغان لنا إسلامنا،
إسلام يؤسلم ويكفّر حسب مدى التزام المواطن بالمذهب السيد الذي هو مذهب
السدنة والسلطان وأولي الأمر، وطاعتهم أمر رباني وفرض سماوي. ومنذ خرجت
جيوش أبي بكر تحارب تاركي الزكاة تحت اسم الدين والصواب الديني، أصبح معنى
أن تخرج جيوش المسلمين لتحارب الكفار "غير حروب الفتوحات". إنها خارجة
للقضاء على المعترضين أو المخالفين في الرأي السياسي الذي تتم إحالته إلى
الدين، حتى يتم الذبح والحرق والسبي بإسم الدين وليس لخلاف سياسي.




ونظرة عجلى على تاريخ العرب المسلمين ستكتشف أن مقابل "وامعتصماه"
الأسطورية، ألف "واسلاماه" كان جوابها مختلفا. وبلغ الأمر غاية وضوحه في
زمن عثمان بن عفان الذي فتق بطن عمّار بن ياسر ضربا وركلا، وكسر أضلاع ابن
مسعود حب رسول الله، ونفى أبا ذر إلى الربذة، فقتل المسلمون خليفتهم، وتم
قتله بيد صحابة وأبناء صحابة. ومن بعدها خرجت الفرق الإسلامية تحارب بعضها
بعضا وتكفّر بعضها بعضا، حتى مات حول جمل عائشة خمسة عشر ألف مسلم، ومن
بعدهم مائة ألف وعشرة من المسلمين في صفّين، لا تعلم من فيهم من يمكن أن
نصفه بالشهيد ومن فيهم من يمكن أن نصفه بالظالم المفتري!




أما عن زمن معاوية وولده يزيد فحدث ولا حرج عما جرى لآل بيت الرسول، وكيف
تم جز رأس الحسين لترسل إلى العاصمة، وكيف تم غرس رأس زيد بن علي في رمح ثم
غرسه بدوره فوق قبر جده رسول الله!. وإن ينسى المسلمون السنّة، فان بقية
الفرق لا تنسى هذه الأحداث الجسام التي فرقت المسلمين فرقا وشيعا، كلها
تمسحت بالدين وكان الشأن شأن سياسة ودنيا وسلطان.




وإن ينسى المسلمون أو يتناسوا فان التاريخ يقرع أسماعنا بجملة مسلم بن عقبة
المري لتأديب مدينة رسول الله "يثرب" ومن فيها من الصحابة والتابعين بأمر
الخليفة القرشي يزيد بن معاوية. فقتل من قتل في وقعة الحرة التي هي من كبرى
مخازينا التاريخية، إذ استباح الجيش نساء المدينة أياما ثلاثة حبلت فيها
ألف عذراء من سفاح واغتصاب علني وهن المسلمات الصحابيات وبنات الصحابة
والصحابيات.




أما زياد بن أبيه، والي الأمويين على إقليم العراق، فقد شرّع القتل بالظن
والشبهة حتى لو مات الأبرياء إخافة للمذنب، وشرّع قتل النساء. أما نائبه
الصحابي "سمرة بن جندب" فان يديه قد تلوثتا فقط بدماء ثمانية آلاف من أهل
العراق على الظن والشبهة، بل اتخذ تطبيق الحدود الإسلامية شكلا ساخرا يعبر
عن تحكم القوة لا حكم الدين، كما في حال "المسود بن مخرمة" الذي ندد بشرب
الخليفة للخمر، فأمر الخليفة بإقامة الحد إحقاقاً للشرع لكن على المسود بن
مخرمة.




ثم لا تندهش لأفاعيل السلطة وشهوتها في التقوى والأتقياء. فهذا الملقب
بـ"حمامة المسجد" عبد الملك بن مروان لكثرة مكوثه في المسجد وطول قراءاته
للقران وتهجده ليل نهار، يأتيه خبر انه قد أصبح الخليفة فيغلق القران ويقول
له: "هذا آخر العهد بك"، ثم يقف في الناس خطيبا فيقول:"والله لا يأمرني
أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا وإلا ضربت عنقه".




ولابد أن يجد الحجاج بن يوسف الثقفي هنا ولو إشارة؛ لأنه كان المشير على
الخليفة؛ ولأنه من قام على إصدار النسخة الأخيرة من القرآن بعد أن عكف مع
علماء الأمة على تصويب الإصدار العثماني وتشكيله وتنقيطه بإشراف شخصي دائم
منه، ولم يثبت عليه حب الخمر أو اللهو. لكنه كان أيضا هو الرجل الذي ولغ في
دماء المسلمين، وكانت مخالفته في أهون الشئون تعني قص الرقبة، فهو الذي
قال:" والله لا آمر أحدا أن يخرج من باب من أبواب المسجد فيخرج من الذي
يليه إلا ضربت عنقه". وهو أحد خمسة ذكرهم عمر بن عبد العزيز قبل خلافته في
قوله: "الحجاج بالعراق والوليد بالشام وقرة بمصر وعثمان بالمدينة وخالد
بمكة، اللهم قد امتلأت الدنيا ظلما وجورا".




وقد سار الحجاج على سنّة سلفه زياد في إعدام النساء والقبض على أهل المطلوب
حتى يسلم نفسه، ومنع التجمهر، وإنزال الجنود في بيوت الناس ووسط العائلات
يلغون في الشرف كيفما شاءوا إذلالاً للناس وكسرا لإنسانيتهم، حتى انه أعدم
من العراقيين في عشرين سنة هي مدة ولايته مائة وعشرين ألفا من الناس بقطع
الرأس بالسيف أو الذبح من القفا أو الرقبة، دون أن نعرف من هم هؤلاء الناس
ولماذا ذبحوا اللهم إلا على الاحتجاج على ضياع كرامة الإنسان، أو لمجرد
الشبهة والظن.




وقد وجد هؤلاء السادة في الذبح والحرق لذة وسعادة، بل فكاهة دموية. ففي
فتوح جرجان سال أهل مدينة طمسية قائد المسلمين سعيد بن العاص بن عم الخليفة
القائم عثمان بن عفان الأمان، مقابل استسلامهم على ألا يقتل منهم رجلا
واحدا، ووافق القائد سعيد ففتحوا له حصونهم فقرر الرجل أن يمزح ويلهو
ويضحك، فقتلهم جميعا إلا رجل واحد!




وعندما وصل العباسيون إلى السلطة بدأوا حملة تطهير واسعة شملت من مواطني
دمشق خمسين ألفا تم ذبحهم، وجعلوا من المسجد الأموي إسطبلاً لخيولهم. ولما
استقام لهم الأمر استمروا على النهج الأموي في ظلم العباد وقهر آدمية
الإنسان، وهو ما كان يدفع إلى ثورات، تنتهي بشي الثوار على نيران هادئة، أو
بمواجهتهم للضواري في احتفالات رومانية الطابع.




وهكذا كان الإنسان سواء مواطنا عاديا كان، أم كان في جيوش السلطان، في
مقتطفات سريعة موجزة مكثفة من تاريخنا السعيد وزماننا الذهبي الذي يريد
الدكتور محمد عمارة استعادته، لماذا؟ يقول لنا تحت عنوان "مميزات الدولة
الإسلامية"، إن الشريعة الإسلامية فيها "تفوقت على غيرها من كل الشرائع
والحضارات والقوانين الدولية، في أنها جعلت القتال والحرب استثناء مكروها
لا يلجا إليه المسلمون إلا للضرورة القصوى". لذلك يرى الدكتور عمارة: "أن
الدولة الإسلامية لم تخرج عن هذا المنهاج السلمي، حتى تضمن الدولة للمؤمنين
حرية العيش الآمن في الأوطان التي يعيشون فيها"- مقالاته الحروب الدينية
والأديان السماوية 7،8".




لكن ماذا عند سيادة الدكتور ليقوله بشان تلك الجسام الجلل في تاريخ ما يسميه الدولة الإسلامية؟!.




هذه دولتهم الإسلامية التي يريدون استعادتها لإقامة الخلافة مرة أخرى
لتحرير فلسطين والعراق وإعادة الإمبراطورية القوية مرة أخرى. لقد كان زمنا
ذهبيا بكل المعاني الذهبية بالنسبة للسادة الفاتحين الغزاة الحاكمين
وحواشيهم من سدنة الدين وتجار البشرية، لكنه كان زمانا تعسا بائسا دمويا
بالنسبة للمحكومين المغزوين المفتوحين.




وإذا قيل هنا أن ذلك كان منطق ذلك العصر، فلا خلاف أبدا حول قول القائل.
وإذا قيل انه لا يصح محاكمة ذلك الزمان بذوق زماننا الأخلاقي، أيضا ليس ثمة
خلاف. لكن الخلاف ينشأ فور القول باستعادة هذا الشكل من الحكم والأنظمة
بحسبانها الأمل والمرتجى. هنا لابد أن نحاكمها بذوق أيامنا، لنرى إن كانت
هي الحلم المنشود والأمل المفقود، أم ستكون هي الختام لخير أمة أخرجت
للأنام!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رزان
مشرفة
مشرفة
رزان



 السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية    السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Emptyالسبت مارس 23, 2013 2:47 pm

عذرا... من عادتي البحث والتقصي عن كل خبر، فعندما تمت
الإشارة إلى هذه الأحداث في المقالين السابقين، تملكني حب الاستطلاع
للإلمام بكل ملابساتها حسبما هو مذكور في كتب التراث وهل ما ذكر صحيح أم
لا...




ولا مشكلة على الإطلاق من أن يتعرف الناس على مرحلة من مراحل تاريخنا
الإسلامي مهما كانت، ولا شك أن دراسة التاريخ لها فوائد كثيرة ولا خير في
أمة تجهل تاريخها، فهناك صفحات بيضاء وأخرى سوداء، وفي رأيي لا يجب تحاشي
ذكرها مهما كان لونها وقتامتها في تاريخ الأمة والذي قد يعتبر خيانة
للأمانة التاريخية وخيانة للأجيال المستقبلية والتغرير بها. والعلم بكل شيء
لا يؤثر على مدى تمسكنا بالدين ولا يزعزع إيماننا، كما أننا لسنا مسئولين
عن أي سلوكيات سلبية وقعت قديما، والإسلام غير مسئول عن ممارسات الأفراد في
استغلالهم السيئ للدين والسلطة... وسواء أزلنا عنها الرماد أم تركناها
غائبة عن علم الناس فهذا لن يزيلها من دفات الكتب ومن الذاكرة.




ومعرفة التاريخ على الأقل تحذرنا من بطانة السوء وأثرهم المدمر في كل زمان
ومكان، ولنعرف كيف نتجنب مثل هذه الأخطاء في الحاضر والمستقبل...




جاكس...




--------------------




نبدة تاريخية عن موقعة الحرة




موقعة الحرة:




و هي الموقعة العظيمة التي دارت بين جيش الأمويين بقيادة مسلم بن عقبة (و
سمي بعد ذلك مسرف بن عقبة لكثرة اسرافه في سفك الدماء ) و بين أهل المدينة
المنورة الذين تمردوا على الخليفة الأموي يزيد بن معاوية و خلعوه , و فيها
استباح جنود يزيد المدينة و قاموا بارتكاب أفظع الجرائم، فقتلوا الآلاف من
السكان ونهبوا الأموال، وأحرقوا البيوت، واعتدوا على الأعراض.


وجه الخليفة الأموي يزيد بن معاوية جيشا بقيادة مسلم بن عقبة , و قد قام
يزيد بن معاوية بتكليف مسلم بتلك المهمة بناءا على وصية أبيه معاوية بن أبي
سفيان حيث أوصاه قائلا:


((إن لك من أهل المدينة يوماً، فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة، فإنه رجل
قد عرفت نصيحته )) راجع مثلا الكامل في التاريخ لابن الأثير ,أحداث
سنة63,ذكر موقعة الحرة


أما الخليفة يزيد بن معاوية فقد أوصى قائد الجيش مسلم بن عقبة بأن يدعوا
أهل المدينة المنورة ثلاثة أيام بالحسنة لمبايعته من جديد و ان رفضوا
فليستبح المدينة و ينهبها ثلاثة أيام ,حيث قال :


((ادع القوم ثلاثاً، فإن أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليهم فانهبها
ثلاثاً، فكل ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند))(نفس
المرجع السابق )


و قد حدث ما أوصى به يزيد ,حيث قام الجيش الاموي و بعد رفض سكان المدينة
المنورة مبايعة يزيد بن معاوية من جديد باستباحة المدينة و نهبها و قتل
الآلاف من السكان و هتك أعراض النساء حيث أن ألف عذراء تقريبا قد تعرضت
للاغتصاب , ناهيك عن قتل الكثير من الصحابة , و أجبر الناس على مبايعة يزيد
على أنهم عبيد له .




جاء في


البداية والنهاية لابن كثير


أحداث سنه 63


ثم أباح مسلم بن عقبة، الذي يقول فيه السلف‏:‏ مسرف بن عقبة - قبحه الله من
شيخ سوء ما أجهله - المدينة ثلاثة أيام كما أمره يزيد، لا جزاه الله
خيراً، وقتل خيراً خلقاً من أشرافها وقرائها، وانتهب أموالاً كثيرة منها،
ووقع شرُّ عظيم وفساد عريض على ما ذكره غير واحد‏.‏


قال المدائني‏:‏ وأباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثة أيام، يقتلون من وجدوا من الناس، ويأخذون الأموال‏.‏


قال المدائني‏:‏ عن أبي قرة قال‏:‏ قال هشام بن حسان‏:‏ ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج‏


قال المدائني‏:‏ عن شيخ من أهل المدينة‏.‏


قال‏:‏ سألت الزهري‏:‏ كم كان القتلى يوم الحرة‏؟‏


قال‏:‏ سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار، ووجوه الموالي، وممن
لا أعرف من حر وعبد وغيرهم عشرة آلاف‏.‏ قال‏:‏ وكانت الوقعة لثلاث بقين من
ذي الحجة سنة ثلاث وستين، وانتهبوا المدينة ثلاثة أيام‏




تاريخ الخلفاء للسيوطي


باب يزيد بن معاوية


وفي سنة ثلاث وستين بلغه أن أهل المدينة خرجوا عليه وخلعوه فأرسل إليهم
جيشاً كثيفاً وأمرهم بقتالهم ثم المسير إلى مكة لقتال ابن الزبير فجاءوا
وكانت وقعة الحرة على باب طيبة وما أدراك ما وقعة الحرة ذكرها الحسن مرة
فقال والله ما كاد ينجو منهم أحد قتل فيها خلق من الصحابة رضي الله عنهم
ومن غيرهم ونهيت المدينة وافتض فيها ألف عذراء فإنا لله وإنا إليه راجعون
قال صلى الله عليه وسلم "من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله
والملائكة والناس أجمعين" رواه مسلم.




تاريخ الطبري


أحداث سنة 63


وأباح مسلم المدينة ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون الأموال؛


وقعة الحرة


ولما انتهى الجيش من المدينة إلى الموضع المعروف بالحرَّة وعليهم مُسرف خرج
إلى حربه أهلُها عليهم عبد اللّه بن مطيع العدويَ وعبد اللهّ بن حنظلة
الغسيل الأنصاري، وكانت وقعة عظيمة قتل فيها خلق كثير من الناس من بني هاشم
وسائر قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس؟ فممن قتل من آل أبي طالب
اثنان: عبد اللهّ بن جعفر بن أبي طالب، وجعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب،
ومن بني هاشم من غيرآل أبي طالب: الفَضْلُ بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن
عبد المطلب، وحمزة بن عبد اللّه بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، والعباس
بن عُتْبة بن أبي لهب بن عبد المطلب، وبضع وتسعون رجلاً من سائر قريش،
ومثلهم من الأنصار، وأربعة آلاف من سائر الناس ممن أدركه الإحصاء دون من لم
يعرف.


وبايع الناس على أنهم عبيدٌ ليزيد، ومَنْ أبى ذلك أمره مُسْرف على السيف،




المختصر في تاريخ البشرلأبي الفداء


باب مقتل الحسين


ثم دخلت سنة اثنتين وستين وسنة ثلاث وستين، فيها اتفق أهل المدينة على خلع
يزيد بن معاوية، وأخرجوا نائبه عثمان بن محمد بن أبي سفيان منها، فجهز يزيد
جيشاً مع مسلم بن عقبة، وأمره يزيد أن يقاتل أهل المدينة، فإِذا ظفر بهم،
أباحها للجند ثلاثة أيام، يسفكون فيها الدماء، ويأخذون ما يجدون من
الأموال، وأن يبايعهم على أنهم خوّل وعبيد ليزيد، وإذا فرغ من المدينة،
يسير إِلى مكة.


فسار مسلم المذكور في عشرة آلاف فارس من أهل الشام، حتى نزل على المدينة من
جهة الحرة، وأصر أهل المدينة من المهاجرين والأنصار وغيرهم على قتاله
وعملوا خندقاً واقتتلوا، فقتل الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد
المطلب، بعد أن قاتل قتالاً عظيماً، وكذلك قتل جماعة من الأشراف والأنصار،
ودام قتالهم، ثم انهزم أهل المدينة، وأباح مسلم مدينة النبي صلى الله عليه
وسلم ثلاثة أيام، يقتلون فيها الناس ويأخذون ما بها من الأموال، ويفسقون
بالنساء.وعن الزهري أنّ قتلى الحرة، كانوا سبعمائة من وجوه الناس، من قريش
والمهاجرين والأنصار، وعشرة آلاف من وجوه الموالي، وممن لا يعرف، وكانت
الوقعة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين، ثم إِنّ مسلماً بايع من بقي
من الناس على أنهم خوّل وعبيد ليزيد بن معاوية، ولما فرغ مسلم بن عقبة من
المدينة سار بالجيش إلى مكة.




الكامل في التاريخ لابن الأثير


أحداث سنة ثلاث وستين


ذكر وقعة الحرة


وقيل: إن معاوية قال ليزيد: إن لك من أهل المدينة يوماً، فإن فعلوا فارمهم
بمسلم بن عقبة، فإنه رجل قد عرفت نصيحته. فلما خلع أهل المدينة أمر مسلماً
بالمسير إليهم،


وسار الجيش وعليهم مسلم، فقال له يزيد: إن حدث بك حدثٌ فاستخلف الحصين بن
نمير السكوني، وقال له: ادع القوم ثلاثاً، فإن أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا
ظهرت عليهم فانهبها ثلاثاً، فكل ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام
فهو للجند،


وأباح مسلم المدينة ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال .




و جاء في كتاب (الفخري في الآداب السلطانية و الدول الاسلامية ) لصاحبه
المؤرخ محمد بن علي بن طباطبا المعروف باين الطقطقا ,و هو يتحدث عن اغتصاب
فتيات المدينة على يد جيش بني أمية بقيادة مسلم بن عقبة (بعد أن ذكر
استباحة المدينة وقتل سكانها) ,في الفصل الثاني و تحت عنوان <شرح كيفية
وقعة الحرة>:




فقيل ان الرجل من أهل المدينة بعد ذلك كان اذا زوج ابنته لا يضمن بكارتها و يقول :لعلها


افتضت في وقعة الحرة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رزان
مشرفة
مشرفة
رزان



 السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية    السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Emptyالسبت مارس 23, 2013 2:50 pm

الحَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ فِي مِيزانِ أهلِ السنةِ والجماعةِ



قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةً في " الفتاوي " (3/278) : وَأَهْلُ
السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَتَّبِعُونَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ
وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَيَتَّبِعُونَ الْحَقَّ وَيَرْحَمُونَ
الْخَلْقَ .ا.هـ.




الحمدُ للهِ وبعدُ ؛




الحَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ اسمٌ معروفٌ في تاريخِ الأمةِ
الإسلاميةِ ، اسمٌ اقترنَ بسفكِ الدمِ والبطشِ والجبروتِ ، اسمٌ لا يكادُ
كتابٌ من كتبِ التاريخِ إلا ولهُ فيه ذكرٌ ، ولكن هل للرجلِ حسناتٌ تذكرُ
في بحرِ ذنوبهِ ؟




يجيبُ الإمامُ الذهبي في " السير " (4/344) فيقولُ في ترجمتهِ : وَكَانَ
ظَلُوْماً ، جَبَّاراً ، نَاصِبِيّاً ، خَبِيْثاً ، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ ،
وَكَانَ ذَا شَجَاعَةٍ ، وَإِقْدَامٍ ، وَمَكْرٍ ، وَدَهَاءٍ ،
وَفَصَاحَةٍ ، وَبَلاَغَةٍ ، وَتعَظِيْمٍ لِلْقُرَآنِ ... وَلَهُ حَسَنَاتٌ
مَغْمُوْرَةٌ فِي بَحْرِ ذُنُوْبِهِ ، وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ، وَلَهُ
تَوْحِيْدٌ فِي الجُمْلَةِ ، وَنُظَرَاءُ مِنْ ظَلَمَةِ الجَبَابِرَةِ
وَالأُمَرَاءِ .ا.هـ.




فانظروا كيف ينصفُ أهلُ السنةِ أمثالَ الحجاجِ ؟ ويكلون أمرهُ إلى اللهِ ؟




للهِ درك أيها الإمامُ الذهبي .




وقد كثرُ الكلامُ في هذهِ الأيامِ المباركةِ من شهرِ رمضان عن الحجاجِ ،
فمن مسلسلٍ يبثُ في بعضِ القنواتِ الفضائيةِ عن سيرتهِ ، ويقومُ بالتمثيلِ
للمسلسلِ سقطُ المتاعِ من أهلِ الفسقِ والمجونِ ، ويقومون بتشويهٍ لصورةِ
التاريخِ الإسلامي لدولةِ بني أميةَ من خلالِ سيرةِ الحجاجِ بن يوسف ، إلى
جانبِ تمثيلِ الصحابةِ مثل عبد الله بن الزبير وأسماء بنت أبي بكر ، وهذا -
واللهِ - منتهى السخف ، وكما يعلمُ الجميعُ أن العلماءَ قد منعوا من
تمثيلِ أدوار الصحابةِ في هذه المسلسلات التي يقومُ بها الفسقةُ والماجنين ،
وحتى لو قام بهذه ألأدوار أهلُ الصلاحِ والاستقامةِ فإنه لا يقبلُ منهم
لأمور عدةٍ لا مجال لذكرها هنا .




وتقومُ أيضاً " قناةُ المستقلةِ " بإلقاءِ الضوءِ على سيرةِ الحجاجِ من
خلالِ استضافةِ الرافضي والعلماني والبعثي والزيدي ، وهذه مهزلةٌ لم يسبق
لها نظيرٌ ، فكيف يعرفُ تاريخُ الحجاجِ من هؤلاءِ الزنادقةِ ؟!




ولماذا يركزُ على الحجاجِ ؟




فقد وجد في تاريخِ الأممِ من هو أشدُ من الحجاجِ .




أين أنتم من هولاكو ؟ أين أنتم من ستالين ؟ أين أنتم من هتلر ؟ وأين أنتم ... ؟ وأين أنتم .... ؟ وسلسلة لا تنتهي .




وفي مقالي هذا أريدُ أن ألقي الضوءَ على سيرةِ الحجاجِ بنِ يوسف من خلالِ
منظارِ أهل السنةِ والجماعةِ ، لا من خلالِ التاريخِ الذي دخل فيه التشيعُ ،
ولا من خلالِ النظرةِ الحاقدةِ على تاريخِ بني أميةَ من قبل الرافضةِ
والزيديةِ .




وأسألُ اللهَ ان يجعلَ في مقالي هذا النفعَ والفائدةَ ، ومن كان لهُ تعقيبٌ
أو إضافةٌ فلا يبخل بها علينا هنا ، وله مني الشكرُ ، ومن اللهِ الأجرُ .




من هو " المُبِيرٌُ " الذي ورد ذكرهُ في الحديثِ ؟


‏عَنْ ‏‏أَبِي نَوْفَلٍ :‏ ‏رَأَيْتُ ‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ
‏عَلَى عَقَبَةِ ‏الْمَدِينَةِ ‏‏قَالَ : فَجَعَلَتْ ‏‏قُرَيْشٌ ‏‏تَمُرُّ
عَلَيْهِ وَالنَّاسُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
‏‏فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ ‏‏أَبَا خُبَيْبٍ ،
‏‏السَّلَامُ عَلَيْكَ ‏‏أَبَا خُبَيْبٍ ،‏ ‏السَّلَامُ عَلَيْكَ ‏‏أَبَا
خُبَيْبٍ ‏، ‏أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ ‏‏أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا ،
أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ ‏‏أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا ، أَمَا وَاللَّهِ
لَقَدْ كُنْتُ ‏‏أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا ، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ مَا
عَلِمْتُ صَوَّامًا ،‏ ‏قَوَّامًا ،‏ ‏وَصُولًا لِلرَّحِمِ ، أَمَا
وَاللَّهِ لَأُمَّةٌ أَنْتَ أَشَرُّهَا لَأُمَّةٌ خَيْرٌ ، ثُمَّ نَفَذَ
‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ،‏ ‏فَبَلَغَ ‏‏الْحَجَّاجَ ‏ ‏مَوْقِفُ
‏عَبْدِ اللَّهِ ،‏ ‏وَقَوْلُهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأُنْزِلَ عَنْ
جِذْعِهِ فَأُلْقِيَ فِي قُبُورِ ‏ ‏الْيَهُودِ ‏، ‏ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى
أُمِّهِ ‏‏أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ‏؛ ‏فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ ؛
فَأَعَادَ عَلَيْهَاالرَّسُولَ : لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لَأَبْعَثَنَّ
إِلَيْكِ مَنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ ، قَالَ : فَأَبَتْ ؛ وَقَالَتْ :
وَاللَّهِ لَا آتِيكَ حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ مَنْ يَسْحَبُنِي بِقُرُونِي
، قَالَ ، فَقَالَ : أَرُونِي سِبْتَيَّ فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ ، ثُمَّ
انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ : كَيْفَ
رَأَيْتِنِي صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ ، قَالَتْ : رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ
عَلَيْهِ دُنْيَاهُ ، وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ ، بَلَغَنِي أَنَّكَ
تَقُولُ لَهُ : يَا ابْنَ ‏ ‏ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ ‏، ‏أَنَا وَاللَّهِ
ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ .‏ ‏أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ
طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏،
‏وَطَعَامَ ‏أَبِي بَكْرٍ ‏ ‏مِنْ الدَّوَابِّ ، وَأَمَّا الْآخَرُ
فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا ‏تَسْتَغْنِي عَنْهُ أَمَا إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏‏أَنَّ
فِي ‏ ‏ثَقِيفٍ ‏ ‏كَذَّابًا وَمُبِيرًا ؛ فَأَمَّا الْكَذَّابُ
فَرَأَيْنَاهُ ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا ‏‏إِخَالُكَ ‏‏إِلَّا إِيَّاهُ
قَالَ : فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا . رواهُ مسلمٌ .




" وَمُبِيرٌ " ‏: ‏أَيْ مُهْلِكٌ يُسْرِفُ فِي إِهْلَاكِ النَّاسِ يُقَالُ :
بَارَ الرَّجُلُ يَبُورُ بَوْرًا . فَهُوَ بَائِرٌ , وَأَبَارَ غَيْرَهُ ,
فَهُوَ مُبِيرٌ وَهُوَ الْحَجَّاجُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي الْإِهْلَاكِ
مِثْلَهُ .




فوائدُ من القصةِ :


سأنقلُ بعضَ تعليقاتِ الإمامِ النووي على القصةِ من " شرح مسلم " .




1- قولُ ابنِ عمرَ : ‏أَبَا خُبَيْبٍ . قال الإمامُ النووي في " شرح مسلم "
: ‏بِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة كُنْيَة اِبْن الزُّبَيْر , كُنِّيَ
بِابْنِهِ خُبَيْب , وَكَانَ أَكْبَر أَوْلَاده , وَلَهُ ثَلَاث كُنًى
ذَكَرَهَا الْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَآخَرُونَ : أَبُو خُبَيْب ,
وَأَبُو بَكْر , وَأَبُو بُكَيْرٍ .ا.هـ.




2- فِيهِ اِسْتِحْبَاب السَّلَام عَلَى الْمَيِّت فِي قَبْره وَغَيْره ,
تَكْرِير السَّلَام ثَلَاثًا كَمَا كَرَّرَ اِبْن عُمَر .ا.هـ.




3- وَفِيهِ الثَّنَاء عَلَى الْمَوْتَى بِجَمِيلِ صِفَاتهمْ الْمَعْرُوفَة .ا.هـ.




4- وَفِيهِ مَنْقَبَة لِابْنِ عُمَر لِقَوْلِهِ بِالْحَقِّ فِي الْمَلَأ ,
وَعَدَم اِكْتِرَاثه بِالْحَجَّاجِ ; لِأَنَّهُ يَعْلَم أَنَّهُ يَبْلُغهُ
مَقَامه عَلَيْهِ , وَقَوْله , وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ , فَلَمْ يَمْنَعهُ
ذَلِكَ أَنْ يَقُول الْحَقّ , يَشْهَد لِابْنِ الزُّبَيْر بِمَا يَعْلَمهُ
فِيهِ مِنْ الْخَيْر , وَبُطْلَان مَا أَشَاعَ عَنْهُ الْحَجَّاج مِنْ
قَوْله : إِنَّهُ عَدُوّ اللَّه , وَظَالِم , وَنَحْوه , فَأَرَادَ اِبْن
عُمَر بَرَاءَة اِبْن الزُّبَيْر مِنْ ذَلِكَ الَّذِي نَسَبَهُ إِلَيْهِ
الْحَجَّاج , وَأَعْلَم النَّاس بِمَحَاسِنِهِ , وَأَنَّهُ ضِدّ مَا
قَالَهُ الْحَجَّاج .ا.هـ.




5- وَصُولًا لِلرَّحِمِ : وَهُوَ الْمَعْرُوف مِنْ أَحْوَاله .ا.هـ.




6- وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْكَذَّابِ هُنَا
الْمُخْتَار بْن أَبِي عُبَيْد , وَبِالْمُبِيرِ الْحَجَّاج بْن يُوسُف .
وَاَللَّه أَعْلَم .ا.هـ.




الحَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ عذابُ اللهِ :


قال عنه الحسن البصري : إن الحجاجَ عذابُ اللهِ ، فلا تدفعوا عذابَ اللهِ
بأيديكم ، و لكن عليكم بالاستكانةِ والتضرعِ ، فإنه تعالى يقول : "
وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا
يَتَضَرَّعُونَ " [ المؤمنون :76] .




الطبقات لابن سعد (7/164) بإسناد صحيح .




وبعد هذه النصوصِ في بيانِ بطشِ الحجاجِ وجبروتهِ ، سؤالٌ يطرحُ :




هل كلُ ما قيل عن الحجاجِ صحيحٌ ؟ أم أن فيهِ بعضُ التحاملِ على الرجلِ مما بالغت فيه بعضُ الطوائفِ والفرقِ ؟




يجيبُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ - وهو من هو في التاريخِ ؟؟ ويكفيك كتاب "
البدايةِ والنهايةِ " لتعلمَ مدى معرفة الرجلِ بالتاريخِ - فيقول : وقد
تقدم الحديث : " إن في ثقيف كذاباً ومبيراً " وكان المختار هو الكذاب
المذكور في هذا الحديث ، وقد كان يظهر الرفض أولاً ويبطن الكفر المحض ،
وأما المبير فهو الحجاج بن يوسف هذا ، وقد كان ناصبياً يبغض علياً وشيعته
في هوى آل مروان بني أمية ، وكان جباراً عنيداً ، مقداماً على سفك الدماء
بأدنى شبهة .




وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر كما قدمنا ، فإن كان قد تاب
منها وأقلع عنها ، وإلا فهو باق في عهدتها ، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه
بنوع من زيادة عليه ، فإن الشيعة كانوا يبغضونه جداً لوجوه ، وربما حرفوا
عليه بعض الكلم ، وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات .




وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر ، وكان يكثر تلاوة القرآن ،
ويتجنب المحارم ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج ، وإن كان متسرعاً في
سفك الدماء ، فالله تعالى أعلم بالصواب وحقائق الأمور وساترها ، وخفيات
الصدور وضمائرها .




قلت : الحجاج أعظم ما نقم عليه وصح من أفعاله سفك الدماء ، وكفى به عقوبة
عند الله عز وجل ، وقد كان حريصاً على الجهاد وفتح البلاد ، وكان فيه سماحة
بإعطاء المال لأهل القرآن ، فكان يعطي على القرآن كثيراً ، ولما مات لم
يترك فيما قيل إلا ثلثمائة درهم ، والله أعلم .ا.هـ.




وأترككم مع كلامٍ كتبهُ الأخ الفاضلُ أبو عبد الله الذهبي عن الحجاجِ بنِ يوسف في جوابٍ عن الحجاجِ :




إن من أكثر الشخصيات التي لم تنل حقها في البحث والدراسة شخصية الحجاج بن
يوسف الثقفي .. لقد كان لهذه الشخصية المكان والمرتع الخصب لأصحاب الشهوات و
أهل الأهواء للطعن في العصر الأموي بوصفه عصر سفك للدماء و تسلط للأمراء
..




و لقد كان لشخص الحجاج النصيب الأوفر من هذه التهم ..




فالحجاج كان ضحية المؤرخين الذين افتروا عليه شتى المفتريات تمشياً مع روح
العصر الذي يكتبون فيه ؛ ونرى أننا كلما بعدنا عن عصر الحجاج كثرت
المفتريات والأباطيل ..




و من الإنصاف أن يسجل المؤرخ لمن يؤرخ له ما أصاب فيه بمثل ما يسجل عليه ما
أخطأ فيه .. واضعاً قول الله تعالى { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا
، اعدلوا هو أقرب للتقوى } نصب عينيه .




فإن الحجاج قد شوهت صورته و نسجت حولها الخرافات بشكل يجعلها أقرب إلى الأسطورة من الحقيقة ..




نعم كان الحجاج كما قال عنه الحسن البصري : إن الحجاج عذاب الله ، فلا
تدفعوا عذاب الله بأيديكم ، و لكن عليكم بالاستكانة والتضرع ، فإنه تعالى
يقول { ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون }[المؤمنون
/76] . الطبقات لابن سعد (7/164) بإسناد صحيح .




فالحجاج كان من الولاة الذين اشتهروا بالظلم والقسوة في المعاملة ، و هي
شدة كان للظروف التي تولى فيها هي السبب الرئيسي في أن يكون بهذه الصفة ..




فثورات الخوارج المتتالية والتي أنهكت الدولة الأموية .. و الفتن الداخلية
.. كان للحجاج الفضل بعد الله في القضاء عليها ، و هذه لا ينكرها أحد حتى
الأعداء .. و لا ننسى ثورة ابن الأشعث التي كادت أن تلغي و تقضي على
الخلافة الإسلامية ..




و مع هذا نقول : ليس كل ما يشاع عن شخص قد ثبت فعلاً .. و ليس كل ما هو
مشهور معروف .. فكم سمعنا و قرأنا أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت
تنصح الخارجين بالثورة على عثمان و قتله !! فهل نصدق هذا ، و كم سمعنا أن
عثمان رضي الله عنه قد استحدث أموراً خرج بسببها من الإسلام !! فهل نصدق
هذه أيضاً .. و كذلك ما اشتهر من أن عمر رضي الله عنه أمر بقتل الستة الذين
اختارهم ليكون أحدهم خليفة من بعده إن تخلف أحدهم تضرب عنقه !! و هكذا ..




فليس كل ما هو مشهور صحيح ..




و إني لأستغرب من قولك بأن المناظرة التي حدثت بين طالب العلم و ذلك الشيخ ،
لم تنتهي على اتفاق بل و قولك بأن طالب العلم يصر على أنه إذا جمع أخبث
الخبثاء .. الخ . و استدلاله به على صحة ما أشيع عن الحجاج ..




أقول :




هل ثبت كفر الحجاج حتى نقارن بينه و بين الخبثاء من الأمم السابقة ؟!




و الله تعالى يقول { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } !! و المؤمن خير من ملئ
الأرض من الكافر فكيف تكون هناك مقارنة .. وعلى فرض ثبوت صحة ما أشيع حول
الحجاج - ولا ننكر بعضها - فهل يعني هذا أنه قد خرج بموجبها من دائرة
الإيمان ؟؟!!




لقد ثبتت للحجاج سيئات كثيرة جعلته في نظر الناس من الذين لا يمكن أن يغفر
الله لهم .. سبحان الله !! هل جعلنا الله موكلين بتصنيف الناس هذا مغفور له
و هذا مغضوب عليه ؟!




فهل نسي هذا الطالب أن فتح بلاد السند و ما وراء النهر قد تم بعد فضل الله
تعالى على يد أبطال قد أرسلهم الحجاج من أجل نشر الإسلام في تلك المناطق ..
و ما يدريك لعل الله أراد أن يجعل له باباً آخر للأجر و تكون أعمال أولئك
القوم الذين دخلوا في الإسلام في ميزان حسنات الحجاج .. إن الله على كل شيء
قدير فلا نحجر واسعاً ..




واسمع إلى ما ورد عن الحجاج حول موته .. وكما يستدلون بالصورة السيئة حول شخصه .. فإنه قد ثبتت كذلك صورة حسنة أيضاً ..




أن الحجاج عندما اشتدت عليه العلة عمل على تدبير شؤون العراق من بعده بما
يحفظه من الاضطراب والفتن ، و يبقيه جزءً من الدولة الأموية ، حتى إذا
اطمأن إلى ذلك كتب وصيته ليبرئ فيها نفسه و ذمته تجاه خالقه وخليفته
المسؤول أمامه في الدنيا حتى آخر لحظة من حياته ، فكتب يقول :




بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصى به الحجاج بن يوسف : أوصى بأنه يشهد
أن لا إليه إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده و رسوله ، وأنه
لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك ، عليها يحيا و عليها يموت و عليها
يبعث .. الخ . تهذيب تاريخ دمشق (4/68 ) .




و يروى أنه قيل له قبل وفاته : ألا تتوب ؟ فقال : إن كنت مسيئاً فليست هذه
ساعة التوبة ، وإن كنت محسناً فليست ساعة الفزع . محاضرات الأدباء (4/495 )
.




و قد ورد أيضاً أنه دعا فقال : اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل . تاريخ دمشق (4/82) . والبداية والنهاية (9/138) .




ونقول للذين يطعنون في نيات الناس اسمعوا إلى قول الحسن رحمه الله حينما
سمع أحد جلاسه يسب الحجاج بعد وفاته ، فأقبل مغضباً و قال : يا ابن أخي فقد
مضى الحجاج إلى ربه ، و إنك حين تقدم على الله ستجد إن أحقر ذنبٍ ارتكبته
في الدنيا أشد على نفسك من أعظم ذنبٍ اجترحه الحجاج ، و لكل منكما يومئذٍ
شأن يغنيه ، و اعلم يا ابن أخي أن الله عز وجل سوف يقتص من الحجاج لمن
ظلمهم ، كما سيقتص للحجاج ممن ظلموه فلا تشغلن نفسك بعد اليوم بسب أحد .
ذكره أبو نعيم في الحلية (2/271) .




والله أعلم ..




أما عن الدراسات التي كتبت عن الحجاج فقد قدمت عدد من الرسائل الجامعية في
دراسة شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي و منجزاته الحضارية و أعماله .. و ذلك
من أجل إظهار الصورة الأخرى التي كادت أن تنمحي من الوجود بسبب ما اشتهر
عنه من أباطيل ..




فمن الدراسات كتاب بعنوان : ( الحجاج بن يوسف الثقفي المفترى عليه ) للدكتور : محمود زيادة .




و كذلك كتاب آخر بنفس العنوان تقريباً للدكتور إحسان صدقي العمد ..




و هما من أفضل ما كتب عن الحجاج ..




و أيضاً هناك رسائل أخرى صغيرة تتحدث كذلك عن بعض ما أشيع حول الحجاج ..




أخوكم : أبو عبد الله الذهبي ..




قصةٌ منكرةٌ :


عُرف الحجاجُ كما ذكرنا سابقاً بأنهُ سفاكٌ للدماءِ ، ومن أشهرِ من قُتل
بين يديهِ العالمُ النحريرُ سعيدُ بنُ حبير ، وقد وردت قصةٌ منكرةٌ في
طريقةِ قتلِ الحجاجِ لسعيدِ بنِ جبير ، تذكرُ في ترجمةِ الحجاجِ ، وهذا لا
يعني أن الحجاجَ لم يقتل سعيدَ بنَ جبير ، وإنما إيرادُ القصةِ بهذا
السياقِ هو الذي ينكرُ فيها ، وإليكم القصة كما ذكرها الحافظُ الذهبي في "
السير " (4/329 - 332) :




حَامِدُ بنُ يَحْيَى البَلْخِيُّ : حَدَّثَنَا حَفْصٌ أَبُو مُقَاتِلٍ
السَّمَرْقَنْدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بنُ أَبِي شَدَّادٍ : بَلَغَنِي
أَنَّ الحَجَّاجَ لَمَّا ذُكِرَ لَهُ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ ، أَرْسَلَ
إِلَيْهِ قَائِداً يُسَمَّى المُتَلَمِّسَ بنَ أَحْوَصَ فِي عِشْرِيْنَ
مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَطْلُبُوْنَهُ ، إِذَا هُمْ
برَاهِبٍ فِي صَوْمَعَتِهِ ، فَسَأَلُوْهُ عَنْهُ ؟ فَقَالَ: صِفُوْهُ لِي .
فَوَصَفُوْهُ ، فَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ ، فَانْطَلقُوا ، فَوَجَدُوْهُ
سَاجِداً يُنَاجِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ ، فَدَنَوْا ، وَسَلَّمُوا ،
فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَأَتَمَّ بَقِيَّةَ صَلاَتِهِ ، ثُمَّ رَدَّ
عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ ، فَقَالُوا : إِنَّا رُسُلُ الحَجَّاجِ إِلَيْكَ ،
فَأَجِبْهُ . قَالَ : وَلاَ بُدَّ مِنَ الإِجَابَةِ ؟ قَالُوا : لاَ بُدَّ .
فَحَمِدَ اللهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَقَامَ مَعَهُم ، حَتَّى انْتَهَى
إِلَى دَيْرِ الرَّاهِبِ ، فَقَالَ الرَّاهِبُ : يَا مَعْشَرَ الفُرْسَانِ
أَصَبْتُمْ صَاحِبَكُم ؟ قَالُوا : نَعَمْ . فَقَالَ : اصْعَدُوا ،
فَإِنَّ اللَّبْوَةَ وَالأَسَدَ يَأْوِيَانِ حَوْلَ الدَّيْرِ . فَفَعَلُوا
، وَأَبَى سَعِيْدٌ أَنْ يَدْخُلَ ، فَقَالُوا : مَا نَرَاكَ إِلاَّ
وَأَنْتَ تُرِيْدُ الهَرَبَ مِنَّا . قَالَ: لاَ ، وَلَكِنْ لاَ أَدْخُلُ
مَنْزِلَ مُشْرِكٍ أَبَداً . قَالُوا : فَإِنَّا لاَ نَدَعُكَ ، فَإِنَّ
السِّبَاعَ تَقْتُلُكَ . قَالَ : لاَ ضَيْرَ، إِنَّ مَعِيَ رَبِّي
يَصْرِفُهَا عَنِّي ، وَيَجْعَلُهَا حَرَساً تَحْرُسُنِي . قَالُوا :
فَأَنْتَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ،
وَلَكِنْ عَبْدٌ مِنْ عَبِيْدِ اللهِ مُذْنِبٌ . قَالَ الرَّاهِبُ :
فَلْيُعْطِنِي مَا أَثِقُ بِهِ عَلَى طُمَأْنِيْنَةٍ . فَعَرَضُوا عَلَى
سَعِيْدٍ أَنْ يُعْطِيَ الرَّاهِبَ مَا يُرِيْدُ . قَالَ : إِنِّي أُعْطِي
العَظِيْمَ الَّذِي لاَ شَرِيْكَ لَهُ ، لاَ أَبْرَحُ مَكَانِي حَتَّى
أُصْبِحَ - إِنْ شَاءَ اللهُ - . فَرَضِيَ الرَّاهِبُ بِذَلِكَ ، فَقَالَ
لَهُم : اصْعَدُوا ، وَأَوْتِرُوا القِسِّيَّ ، لِتُنَفِّرُوا السِّبَاعَ
عَنْ هَذَا العَبْدِ الصَّالِحِ ، فَإِنَّهُ كَرِهَ الدُّخُوْلَ فِي
الصَّوْمَعَةِ لِمَكَانِكُمْ . فَلَمَّا صَعِدُوا ، وَأَوْتَرُوا
القِسِّيَّ ، إِذَا هُمْ بِلَبْوَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ ، فَلَمَّا دَنَتْ
مِنْ سَعِيْدٍ ، تَحَكَّكَتْ بِهِ ، وَتَمَسَّحَتْ بِهِ ، ثُمَّ رَبَضَتْ
قَرِيْباً مِنْهُ ، وَأَقْبَلَ الأَسَدُ يَصْنَعُ كَذَلِكَ . فَلَمَّا
رَأَى الرَّاهِبُ ذَلِكَ ، وَأَصْبَحُوا ، نَزَلَ إِلَيْهِ ، فَسَأَلَهُ
عَنْ شَرَائِعِ دِيْنِهِ ، وَسُنَنِ رَسُوْلِهِ ، فَفَسَّرَ لَهُ سَعِيْدٌ
ذَلِكَ كُلَّهُ ، فَأَسْلَمَ ، وَأَقْبَلَ القَوْمُ عَلَى سَعِيْدٍ
يَعْتَذِرُوْنَ إِلَيْهِ ، وَيُقَبِّلُوْنَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ،
وَيَأْخُذُوْنَ التُّرَابَ الَّذِي وَطِئَهُ ، فَيَقُوْلُوْنَ : يَا
سَعِيْدُ ، حَلَّفَنَا الحَجَّاجُ بِالطَّلاَقِ وَالعَتَاقِ ، إِنْ نَحْنُ
رَأَيْنَاكَ لاَ نَدَعُكَ حَتَّى نُشْخِصَكَ إِلَيْهِ ، فَمُرْنَا بِمَا
شِئْتَ . قَالَ : امْضُوا لأَمْرِكُم ، فَإِنِّي لاَئِذٌ بِخَالِقِي ،
وَلاَ رَادَّ لِقَضَائِهِ . فَسَارُوا حَتَّى بَلَغُوا وَاسِطَ ، فَقَالَ
سَعِيْدٌ : قَدْ تَحَرَّمْتُ بِكُم وَصَحِبْتُكُم ، وَلَسْتُ أَشُكُّ أَنَّ
أَجَلِي قَدْ حَضَرَ ، فَدَعُوْنِي اللَّيْلَةَ آخُذْ أُهْبَةَ المَوْتِ ،
وَأَسْتَعِدَّ لِمُنْكَرٍ وَنَكِيْرٍ ، وَأَذْكُرْ عَذَابَ القَبْرِ ،
فَإِذَا أَصْبَحْتُم ، فَالمِيْعَادُ بَيْنَنَا المَكَانُ الَّذِي
تُرِيْدُوْنَ . فَقَالَ بَعْضُهُم : لاَ تُرِيْدُوْنَ أَثَراً بَعْد عَيْنٍ
.وَقَالَ بَعْضُهُم : قَدْ بَلَغْتُم أَمْنَكُم ، وَاسْتَوْجَبْتُم
جَوَائِزَ الأَمِيْرِ ، فَلاَ تَعْجَزُوا عَنْهُ . وَقَالَ بَعْضُهُم :
يُعْطِيْكُم مَا أَعْطَى الرَّاهِبَ ، وَيْلَكُم ! أَمَا لَكُم عِبْرَةٌ
بِالأَسَدِ . وَنَظَرُوا إِلَى سَعِيْدٍ قَدْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ ،
وَشَعِثَ رَأْسُهُ ، وَاغْبَرَّ لَوْنُهُ ، وَلَمْ يَأْكُلْ ، وَلَمْ
يَشْرَبْ ، وَلَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ يَوْمِ لَقُوْهُ وَصَحِبُوْهُ ،
فَقَالُوا : يَا خَيْرَ أَهْلِ الأَرْضِ ، لَيْتَنَا لَمْ نَعْرِفْكَ ،
وَلَمْ نُسَرَّحْ إِلَيْكَ ، الوَيْلُ لَنَا وَيْلاً طَوِيْلاً ، كَيْفَ
ابْتُلِيْنَا بِكَ ! اعْذُرْنَا عِنْدَ خَالِقِنَا يَوْمَ الحَشْرِ
الأَكْبَرِ ، فَإِنَّهُ القَاضِي الأَكْبَرُ ، وَالعَدْلُ الَّذِي لاَ
يَجُوْرُ . قَالَ : مَا أَعْذَرَنِي لَكُم وَأَرْضَانِي لِمَا سَبَقَ مِنْ
عِلْمِ اللهِ فِيَّ . فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ البُكَاءِ وَالمُجَاوَبَةِ ،
قَالَ كَفِيْلُهُ : أَسْأَلُكَ بِاللهِ لَمَا زَوَّدْتَنَا مِنْ دُعَائِكَ
وَكَلاَمِكَ ، فَإِنَّا لَنْ نَلْقَى مِثْلَكَ أَبَداً . فَفَعَلَ ذَلِكَ ،
فَخَلَّوْا سَبِيْلَهُ ، فَغَسَلَ رَأْسَهُ وَمِدْرَعَتَهُ وَكِسَاءهُ ،
وَهُم مُحْتَفُوْنَ اللَّيْلَ كُلَّهُ ، يُنَادُوْنَ بِالوَيْلِ
وَاللَّهْفِ . فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُوْدُ الصُّبْحِ ، جَاءهُم سَعِيْدٌ ،
فَقَرَعَ البَابَ ، فَنَزَلُوا ، وَبَكَوْا مَعَهُ ، وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى
الحَجَّاجِ ، وَآخَرَ مَعَهُ ، فَدَخَلاَ ، فَقَالَ الحَجَّاجُ :
أَتَيْتُمُوْنِي بِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، وَعَايَنَّا
مِنَّا العَجَبَ . فَصَرَفَ بِوَجْهِهِ عَنْهُم ، فَقَالَ : أَدْخِلُوْهُ
عَلَيَّ . فَخَرَجَ المُتَلَمِّسُ ، فَقَالَ لِسَعِيْدٍ : أَسْتَوْدِعُكَ
اللهَ ، وَأَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ . فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ:
مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ: سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ . قَالَ : أَنْتَ شَقِيُّ بنُ
كُسَيْرٍ . قَالَ : بَلْ أُمِّي كَانَتْ أَعْلَمَ بِاسْمِي مِنْكَ . قَالَ :
شَقِيْتَ أَنْتَ ، وَشَقِيَتْ أُمُّكَ . قَالَ : الغَيْبُ يَعْلَمُهُ
غَيْرُكَ . قَالَ : لأُبْدِلَنَّكَ بِالدُّنْيَا نَاراً تَلَظَّى . قَالَ :
لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِكَ لاتَّخَذْتُكَ إِلَهاً . قَالَ :
فَمَا قَوْلُكَ فِي مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ قَالَ
: نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ، إِمَامُ الهُدَى . قَالَ : فَمَا قَوْلُكَ فِي
عَلِيٍّ ، فِي الجَنَّةِ هُوَ أَمْ فِي النَّارِ ؟ قَالَ : لَوْ
دَخَلْتُهَا ، فَرَأَيْتُ أَهْلَهَا ، عَرَفْتُ . قَالَ : فَمَا قَوْلُكَ
فِي الخُلَفَاءِ ؟ قَالَ: لَسْتُ عَلَيْهِم بِوَكِيْلٍ . قَالَ :
فَأَيُّهُم أَعْجَبُ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : أَرْضَاهُم لِخَالِقِي . قَالَ:
فَأَيُّهُم أَرْضَى لِلْخَالِقِ ؟ قَالَ: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَهُ . قَالَ :
أَبَيْتَ أَنْ تَصْدُقَنِي . قَالَ : إِنِّي لَمْ أُحِبَّ أَنْ أَكْذِبَكَ
. قَالَ : فَمَا بَالُكَ لَمْ تَضْحَكْ ؟ قَالَ : لَمْ تَسْتَوِ
القُلُوْبُ . قَالَ : ثُمَّ أَمَرَ الحَجَّاجُ بِاللُّؤْلُؤِ وَاليَاقُوْتِ
وَالزَّبَرْجَدِ، فَجَمَعَهُ بنُ يَدَيْ سَعِيْدٍ ، فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ
جَمَعْتَهُ لِتَفْتَدِيَ بِهِ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ القِيَامَةِ فَصَالِحٌ ،
وَإِلاَّ فَفَزْعَةٌ وَاحِدَةٌ تُذْهِلُ كُلَّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا
أَرْضَعَتْ ، وَلاَ خَيْرَ فِي شَيْءٍ جُمِعَ لِلدُّنْيَا إِلاَّ مَا طَابَ
وَزَكَا . ثُمَّ دَعَا الحَجَّاجُ بِالعُوْدِ وَالنَّايِ ، فَلَمَّا
ضُرِبَ بِالعُوْدِ وَنُفِخَ فِي النَّايِ ، بَكَى ، فَقَالَ الحَجَّاجُ :
مَا يُبْكِيْكَ ؟ هُوَ اللَّهْوُ . قَالَ : بَلْ هُوَ الحُزْنُ ، أَمَّا
النَّفْخُ فَذَكَّرَنِي يَوْمَ نَفْخِ الصُّوْرِ ، وَأَمَّا العُوْدُ
فَشَجَرَةٌ قُطِعَتْ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ ، وَأَمَّا الأَوْتَارُ فَأَمْعَاءُ
شَاةٍ يُبْعَثُ بِهَا مَعَكَ يَوْمَ القِيَامَةِ . فَقَالَ الحَجَّاجُ :
وَيْلَكَ يَا سَعِيْدُ ! قَالَ : الوَيْلُ لِمَنْ زُحْزِحَ عَنِ الجَنَّةِ ،
وَأُدْخِلَ النَّارُ . قَالَ : اخْتَرْ أَيَّ قِتْلَةٍ تُرِيْدُ أَنْ
أَقْتُلَكَ ؟ قَالَ : اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا حَجَّاجُ ، فَوَاللهِ مَا
تَقْتُلُنِي قِتْلَةً ، إِلاَّ قَتَلْتُكَ قَتْلَةً فِي الآخِرَةِ . قَالَ :
فَتُرِيْدُ أَنْ أَعْفُوَ عَنْكَ ؟ قَالَ : إِنْ كَانَ العَفْوُ ، فَمِنَ
اللهِ ، وَأَمَّا أَنْتَ فَلاَ بَرَاءةَ لَكَ وَلاَ عُذْرَ . قَالَ :
اذْهبُوا بِهِ ، فَاقْتُلُوْهُ . فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ البَابِ ، ضَحِكَ ،
فَأُخْبِرَ الحَجَّاجُ بِذَلِكَ ، فَأَمَرَ بِرَدِّهِ ، فَقَالَ : مَا
أَضْحَكَكَ ؟ قَالَ : عَجِبْتُ مِنْ جُرْأَتِكَ عَلَى اللهِ ، وَحِلْمِهِ
عَنْكَ ! فَأَمَرَ بِالنِّطْعِ، فَبُسِطَ ، فَقَالَ : اقْتُلُوْهُ .
فَقَالَ : " وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ "
. قَالَ : شُدُّوا بِهِ لِغَيْرِ القِبْلَةِ . قَالَ : " فَأَيْنَمَا
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ " . قَالَ : كُبُّوْهُ لِوَجْهِهِ . قَالَ :
" مِنْهَا خَلَقْنَاكُم، وَفِيْهَا نُعِيْدُكُم " . قَالَ: اذْبَحُوْهُ .
قَالَ : إِنِّي أَشْهَدُ وَأُحَاجُّ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ،
وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ،
خُذْهَا مِنِّي حَتَّى تَلْقَانِي يَوْمَ القِيَامَةِ . ثُمَّ دَعَا اللهَ
سَعِيْدٌ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ لاَ تُسَلِّطْهُ عَلَى أَحَدٍ يَقْتُلُهُ
بَعْدِي . فَذُبِحَ عَلَى النِّطْعِ .




وَبَلَغَنَا : أَنَّ الحَجَّاجَ عَاشَ بَعْدَهُ خَمْسَ عَشَرةَ لَيْلَةً ،
وَقَعَتْ فِي بَطْنِهِ الأَكِلَةُ ، فَدَعَا بِالطَّبِيْبِ لِيَنْظُرَ
إِلَيْهِ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ، ثُمَّ دَعَا بِلَحْمٍ مُنْتِنٍ ،
فَعَلَّقَهُ فِي خَيْطٍ ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي حَلْقِهِ ، فَتَرَكَهُ
سَاعَةً ، ثُمَّ اسْتَخْرَجَهُ ، وَقَدْ لَزِقَ بِهِ مِنَ الدَّمِ ،
فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَاجٍ .ا.هـ.




قال الإمامُ الذهبي بعد ذكر الروايةِ : هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ ، غَيْرُ صَحِيْحَةٍ .ا.هـ.




والقصةُ في سندها حَفْصُ بنُ سليم أَبُو مُقَاتِلٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ .




قال الذهبي في " الميزان " (1/557) : وهاه قتيبة شديداً ، وكذبهُ ابنُ مهدي
لكونهِ روى عن عبيدِ الله عن نافع عن ابنِ عمر مرفوعاً : من زار قبرَ أمهِ
كان كعمرةٍ . وسئل عنه إبراهيمُ بنُ طهمان فقال : خذوا عنهُ عبادتهِ
وحسبكم . وذكر بعضاً من رواياتهِ .ا.هـ.




وقال الحافظُ ابنُ حجر في " اللسان " (2/393) : قلتُ : ووهاهُ الدارقطني
أيضاً . وقال الخليلي : مشهورٌ بالصدقِ ، غيرُ مخرجٌ في الصحيحِ ، وكان
يفتي ، ولهُ في الفقهِ محلٌ ، وتعنى بجمع حديثهُ .




ولهُ ذكرٌ في العللِ التي في آخرِ الترمذي ، وأغفلهُ المزي .




قال الترمذي : حدثنا موسى بنُ حزام ، سمعتُ صالحَ بنُ عبدِ اللهِ قال : كنا
عند أبي مقاتل السمرقندي ، فجعل يروي عن عونِ بنِ شداد الأحاديثَ الطوال
التي كانت تروى في وصيةِ لقمان ، وقتلِ سعيدِ بنِ جبير ، وما أشبه ذلك ،
فقال له ابنُ أخيه : يا عمُ لا تقل حدثنا عون ، فإنك لم تسمع هذه الأشياء ،
فقال : بلى ؛ هو كلامٌ حسنٌ .ا.هـ.




وقال الإمامُ ابنُ كثيرِ في " البداية والنهاية " (9/117) : وقال أبو نعيم
في كتابه الحلية ، ثنا أبو حامد بن جبلة ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا محمد بن
أحمد ابن أبي خلف ، ثنا شعبان ، عن سالم بن أبي حفصة ، قال : لما أتى
بسعيد بن جبير إلى الحجاج قال له : أنت الشقي بن كسير؟ قال : لا ! إنما أنا
سعيد بن جبير ، قال: لأقتلنك ، قال : أنا إذا كما سمتني أمي سعيداً ! قال :
شقيت وشقيت أمك ، قال : الأمر ليس إليك ، ثم قال : اضربوا عنقه ، فقال :
دعوني أصلي ركعتين ، قال : وجهوه إلى قبلة النصارى ، قال: " فَأَيْنَمَا
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ " [ البقرة : 115 ] قال : إني أستعيذ منك
بما استعاذت به مريم ، قال : وما عاذت به ؟ قال : قالت : " إِنِّي أَعُوذُ
بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً " [ مريم : 17 ] قال سفيان :
لم يقتل بعده إلا واحداً .




وفي رواية أنه قال له : لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى ، قال : لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهاً.




وفي رواية : أنه لما أراد قتله قال : وجهوه إلى قبلة النصارى ، فقال : "
فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ " فقال : اجلدوا به الأرض ،
فقال : " مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا
نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى " [ طه : 55 ] فقال : اذبح فما أنزعه لآيات
الله منذ اليوم . فقال : اللهم لا تسلطه على أحد بعدي.




وقد ذكر أبو نعيم هنا كلاماً كثيراً في مقتل سعيد ابن جبير أحسنه هذا ، والله أعلم .




وقد ذكرنا صفة مقتله إياه ، وقد رويت آثار غريبة في صفة مقتله ، أكثرها لا يصح .ا.هـ.




والنكارةُ في القصةِ واضحةٌ جداً ، ومن أوجهِ النكارةِ فيها :




1- قولِ عَوْنِ بنِ أَبِي شَدَّادٍ : بَلَغَنِي . فمن الذي أبلغهُ ؟ فالواسطةُ مجهولةٌ .




2- قصةٌ اللَّبْوَةِ وَالأَسَدِ ، فأين الأخذُ بالأسبابِ ؟




وقد جاء في ترجمةِ سعيدِ بنِ جبير أنهُ تنقل بين البلادِ فراراً من بطشِ
الحجاجِ حتى قال : وَاللهِ لَقَدْ فَرَرْتُ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنَ
اللهِ .




قال الإمامُ الذهبي في " السير " (4/338) معلقاً على كلامِ سعيدِ بنِ جبير :
" قُلْتُ : طَالَ اخْتِفَاؤُهُ ، فَإِنَّ قِيَامَ القُرَّاءِ عَلَى
الحَجَّاجِ كَانَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ ، وَمَا ظَفِرُوا
بِسَعِيْدٍ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ ؛ السَّنَةِ الَّتِي قَلَعَ
اللهُ فِيْهَا الحَجَّاجَ .ا.هـ.




فهل يُعقلُ أن يفرَ سعيدُ بنُ جبير ثلاثَ سنواتٍ من الحجاجِ ويأخذُ
بالأسبابِ ثم يأتي على أمرٍ ذكر في القصةِ ولا يفعلهُ ؟ هذا أمرٌ مستبعدٌ
جداً .




3- سؤالُ الحجاجِ لسعيدِ بن جبير عن الخليفةِ الرابعِ على بنِ أبي طالب رضي
اللهُ عنه عندما قال له : فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ ، فِي الجَنَّةِ
هُوَ أَمْ فِي النَّارِ ؟ قَالَ : لَوْ دَخَلْتُهَا ، فَرَأَيْتُ أَهْلَهَا
، عَرَفْتُ .




يلتمسُ منهُ إثباتُ تهمةِ الحجاجِ بأنهُ ناصبي ، وهذا أمرٌ قد يكونُ من
فعلِ الرافضةِ ، وقد رد الإمامُ ابنُ كثيرٍ هذه الفريةِ عن الحجاجِ في "
البداية والنهاية " كما تقدم في عنوان : " الحجاجُ عذابُ اللهِ " . فليرجع
إليهِ.




4- تقديمُ العودِ والناي بين يدي سعيدِ بنِ جبير .




وأكنفي بهذه الأوجه .




يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رزان
مشرفة
مشرفة
رزان



 السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية    السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Emptyالسبت مارس 23, 2013 2:51 pm

هل يُلعنُ الحجاج بن يوسف :

قد يقومُ بعضُ الناسِ بلعنِ الحجاجِ بنِ يوسف كلما ورد اسمهُ عليه ، فهل هذا الفعلُ من الشرعِ في شيءٍ ؟




قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : فَلِهَذَا كَانَ أَهْل الْعِلْمِ
يَخْتَارُونَ فِيمَنْ عُرِفَ بِالظُّلْمِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ
لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ فِي الظَّاهِرِ - كَالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ
وَأَمْثَالِهِ - أَنَّهُمْ لَا يَلْعَنُونَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ ؛
بَلْ يَقُولُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : " أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ
عَلَى الظَّالِمِينَ " فَيَلْعَنُونَ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
عَامًّا . كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَعَنَ اللَّهُ
الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيهَا
وَسَاقِيَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَآكِلَ
ثَمَنِهَا " وَلَا يَلْعَنُونَ الْمُعَيَّنَ .




كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ : " أَنَّ رَجُلًا
كَانَ يُدْعَى حِمَارًا وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ . وَكَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِدُهُ . فَأُتِيَ بِهِ مَرَّةً .
فَلَعَنَهُ رَجُلٌ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَا تَلْعَنْهُ . فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " .




وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّعْنَةَ مِنْ بَابِ الْوَعِيدِ وَالْوَعِيدُ
الْعَامُّ لَا يُقْطَعُ بِهِ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ لِأَحَدِ
الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ : مِنْ تَوْبَةٍ أَوْ حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ
أَوْ مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ أَوْ شَفَاعَةٍ مَقْبُولَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ
.ا.هـ.




فتاوى أهلِ العلمِ في الحجاجِ بنِ يوسف :




الســؤال


بعض الناس عندما يتعرض لسيرة الحجاج يسبة ويلعنه، فهل ذلك يصح، علما بأنه
كانت له بعض فتوحات إسلامية لأراضٍ غير إسلامية، وهل هو يعتبر من الفئة
الباغية؟




الفتــوى


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد :




فأما لعن الحجاج بن يوسف فينبغي تركه بناء على أن الفاسق المعين لا يلعن
بخصوصه إما تحريماً أو تنزيها، وإذا قال قائل ألم يك ظالماً ؟ ألم يقتل
الصحابة فلماذا لا نلعنه ؟ نجيبه بما قال شيخ الإسلام ابن تيمية قال : نحن
إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله نقول كما قال الله في القرآن
"ألا لعنة الله على الظالمين" ولا نحب أن نلعن أحداً بعينه وقد لعنه-أي
يزيد بن معاوية - قوم من العلماء، وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد، لكن ذلك
القول أحب إلينا وأحسن... انتهى .




وأما ذكر مثالبه وظلمه وفجوره، فلا مانع من ذكر ذلك وإن كانت له حسنات
وفتوحات، وقد ترجم له الذهبي فقال: الحجاج أهلكه الله في رمضان سنة 95
كهلاً، كان ظلوماً جباراً ناصبياً خبيثاً سفاكاً للدماء.... فنسبُّه ولا
نحبه بل نبغضه في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان، وله حسنات مغمورة في
بحر ذنوبه وأمره إلى الله.... انتهى.




والحجاج لم يك من الفئة الباغية، بل كان حاكماً على العراق والمشرق كله من قبل أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان.




والله أعلم.


المفتـــي : مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه




السؤال:


أرجو أن تجيب على هذا السؤال فهو مهم بالنسبة لي ، فقد كنت أقرأ في صفحة
معادية للإسلام على الإنترنت حيث قال أحد النصارى بأن الشيخ السجستاني قال
في كتابه " المصاحف " بأن الحجاج قد غيَّر في حروف المصحف وغيَّر على الأقل
عشر كلمات ، يدَّعي بأن السجستاني قد ألَّف كتاب اسمه " ما غيَّره الحجاج
في مصحف عثمان " وقد ادَّعى هذا النصراني بأنَّه جمع الكلمات العشر التي تم
تغييرها باللغة العربية . حاولتُ الحصول على نسخةٍ من هذا الكتاب دون جدوى
فأرجو التوضيح ، فأنا لا أتخيَّل أنَّ جميع العلماء والحفَّاظ يسمحون
لشخصٍ بأن يغيِّر القرآن ولا يقولوا شيئاً ، حتى ولو أن السجستاني روى هذا .
هذا الأمر لا يُعقل أبداً لأننا لسنا كاليهود والنصارى لا نحفظ كتابنا
ونتركه لرجال الدين ، فالمسلمون يحفظ كثير منهم القرآن وكلهم يتلوه فلا
يعقل أن لا يلاحظ أحد الفروق والاختلافات .




الجواب:


الحمد لله




أولاً :


لا يمكن أن يتطرق الشك بالنسبة للمسلم في ثبوت القرآن ، فقد تكفَّل الله
تعالى بحفظ القرآن فقال تعالى : " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " [ الحجر : 9 ] ، وقد كان القرآن محفوظاً في
صدور الحفاظ من الصحابة وعلى جذوع الأشجار واللخاف ( الخزف ) إلى زمان
الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وفي حروب الردة قتل كثير من حفاظ
الصحابة فخشي أبو بكر- رضي الله عنه -أن يذهب القرآن ويضيع في صدور الصحابة
، فاستشار كبار الصحابة لجمع القرآن كاملا في كتابٍ واحدٍ حتى يبقى
محفوظاً من الضياع ، وأوكل المهمة إلى جبل الحفظ زيد بن ثابت وغيره من كتاب
الوحي فأخرج البخاري في " صحيحه " ( 4986 ) عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى
عنه قال : " أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده
قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم
اليمامة بقراء القرآن ، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب
كثير من القرآن ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر : كيف تفعل شيئا
لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! قال عمر : هذا والله خير فلم يزل
عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر قال زيد :
قال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله
صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فو الله لو كلفوني نقل جبل من
الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت : كيف تفعلون شيئا
لم يفعله رسول الله قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله
صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فتتبعت القرآن
أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي
خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه
ما عنتم } حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند
عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله تعالى عنهما ".




ثانياً :


وأما الحجاج فلم يباشر بنفسه كتابة المصحف ، بل أمره بعض الحاذقين بذلك ، وإليك القصة كاملة :




قال الزرقاني :


والمعروف أن المصحف العثماني لم يكن منقوطاً … وسواء أكان هذا أم ذاك فإن
إعجام – أي : تنقيط - المصاحف لم يحدث على المشهور إلا في عهد عبد الملك بن
مروان ، إذ رأى أن رقعة الإسلام قد اتسعت واختلط العرب بالعجم وكادت
العجمة تمس سلامة اللغة وبدأ اللبس والإشكال في قراءة المصاحف يلح بالناس
حتى ليشق على السواد منهم أن يهتدوا إلى التمييز بين حروف المصحف وكلماته
وهي غير معجمة ، هنالك رأى بثاقب نظره أن يتقدم للإنقاذ فأمر الحجاج أن
يُعنى بهذا الأمر الجلل ، وندب " الحجاج " طاعة لأمير المؤمنين رجلين
يعالجان هذا المشكل هما : نصر بن عاصم الليثي ، ويحيى بن يعمر العدواني ،
وكلاهما كفء قدير على ما ندب له ، إذ جمعا بين العلم والعمل والصلاح والورع
والخبرة بأصول اللغة ووجوه قراءة القرآن ، وقد اشتركا أيضاً في التلمذة
والأخذ عن أبي الأسود الدؤلي ، ويرحم الله هذين الشيخين فقد نجحا في هذه
المحاولة وأعجما المصحف الشريف لأول مرة ونقطا جميع حروفه المتشابهة ،
والتزما ألا تزيد النقط في أي حرف على ثلاث ، وشاع ذلك في الناس بعدُ فكان
له أثره العظيم في إزالة الإشكال واللبس عن المصحف الشريف .




وقيل : إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي ، وإن ابن سيرين كان له
مصحف منقوط نقطه يحيى بن يعمر ، ويمكن التوفيق بين هذه الأقوال بأن أبا
الأسود أول من نقط المصحف ولكن بصفة فردية ، ثم تبعه ابن سيرين ، وأن عبد
الملك أول من نقط المصحف ، ولكن بصفة رسميَّة عامَّة ذاعت وشاعت بين الناس
دفعاً للبس ، والإشكال عنهم في قراءة القرآن . " مناهل العرفان " ( 1 / 280
، 281 ) .




ثالثاً :


وأما ما جاء في السؤال نقلاً عن كتاب " المصاحف " لابن أبي داود : فإليك الرواية فيه والحكم عليها :


عن عبَّاد بن صهيب عن عوف بن أبي جميلة أن الحجاج بن يوسف غيّر في مصحف
عثمان أحد عشر حرفاً ، قال : كانت في البقرة : 259 { لم يتسن وانظر } بغير
هاء ، فغيرها " لَم يَتَسَنه " .




وكانت في المائدة : 48 { شريعة ومنهاجاً } ، فغيّرها " شِرعَةً وَمِنهاجَاً ".


وكانت في يونس : 22 { هو الذي ينشركم } ، فغيَّرها " يُسَيّرُكُم " .


وكانت في يوسف : 45 { أنا آتيكم بتأويله } ، فغيَّرها " أنا أُنَبِئُكُم بِتَأوِيلِهِ " .


وكانت في الزخرف : 32 { نحن قسمنا بينهم معايشهم } ، فغيّرها " مَعِيشَتَهُم " .


وكانت في التكوير : 24 { وما هو على الغيب بظنين } ، فغيّرها { بِضَنينٍ }… الخ ..


كتاب " المصاحف " للسجستاني ( ص 49 ) .




وهذه الرواية ضعيفة جدّاً أو موضوعة ؛ إذ فيها " عبَّاد بن صهيب " وهو متروك الحديث .




قال علي بن المديني : ذهب حديثه ، وقال البخاري والنسائي وغيرهما : متروك ،
وقال ابن حبان : كان قدريّاً داعيةً ، ومع ذلك يروي أشياء إذا سمعها
المبتدئ في هذه الصناعة شهد لها بالوضع ، وقال الذهبي : أحد المتروكين .
انظر " ميزان الاعتدال " للذهبي ( 4 / 28 ) .




ومتن الرواية منكر باطل ، إذ لا يعقل أن يغيِّر شيئاً من القرآن فيمشي هذا
التغيير على نسخ العالم كله ، بل إن بعض من يرى أن القرآن ناقص غير كامل من
غير المسلمين كالرافضة - الشيعة – أنكرها ونقد متنها :




قال الخوئي – وهو من الرافضة - : هذه الدعوى تشبه هذيان المحمومين وخرافات
المجانين والأطفال ، فإنّ الحجّاج واحدٌ من ولاة بني أُمية ، وهو أقصر
باعاً وأصغر قدراً من أن ينال القرآن بشيءٍ ، بل هو أعجز من أن يغيّر شيئاً
من الفروع الإسلامية ، فكيف يغير ما هو أساس الدين وقوام الشريعة ؟! ومن
أين له القدرة والنفوذ في جميع ممالك الإسلام وغيرها مع انتشار القرآن فيها
؟ وكيف لم يذكر هذا الخطب العظيم مؤرخ في تاريخه ، ولا ناقد في نقده مع ما
فيه من الأهمية ، وكثرة الدواعي إلى نقله ؟ وكيف لم يتعرض لنقله واحد من
المسلمين في وقته ؟ وكيف أغضى المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج
وانتهاء سلطته ؟ وهب أنّه تمكّن من جمع نسخ المصاحف جميعها ، ولم تشذّ عن
قدرته نسخةٌ واحدةٌ من أقطار المسلمين المتباعدة ، فهل تمكّن من إزالته عن
صدور المسلمين وقلوب حفظة القرآن وعددهم في ذلك الوقت لا يحصيه إلاّ الله .
" البيان في تفسير القرآن " ( ص 219 ) .




وما نقله السائل عن الإمام السجستاني من أنه ألَّف كتاباً اسمه " ما غيَّره
الحجاج في مصحف عثمان " : غير صحيح بل كذب ظاهر ، وكل ما هنالك أن الإمام
السجستاني ترجم للرواية سالفة الذكر عن الحجاج بقوله : ( باب ما كتب
الحجَّاج بن يوسف في المصحف ) .




وعلى هذا فإنه لا يمكن أن يعتمد على هذا الرواية بحال من الأحوال ، ويكفي
في تكذيبها أنه لم يثبت حتى الآن أن أحداً نجح في محاولة لتغيير حرف واحد ،
فلو كان ما روي صحيحاً لأمكن تكراره خاصة في عصور ضعف المسلمين وشدة الكيد
من أعدائهم ، بل مثل هذه الشبهات التي تثار هي أحد الأدلة على بطلان هذه
الدعاوى ، وأن الأعداء قد عجزوا عن مقارعة حجج القرآن وبيانه فلجؤوا للطعن
فيه .




والله أعلم




الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)




أسألُ اللهَ أن يكونَ في هذا البيانِ كفايةٌ في موضوعِ الحجاجِ بنِ يوسف الثقفي ، وإذا وجدتُ إضافةً سأضعها .




كتبهُ


عبدُ الله زُقَيْل




الحمدُ للهِ وبعدُ ؛




إن من القضايا المهمةِ حال النقاشِ العلمي البعدُ عن العواطفِ ، ولا شك أن
ما قام به الحجاجُ من سفكٍ للدماءِ ، وهدمٍ للكعبة بالمنجينق ، لا يخرجهُ
عن دائرةِ الإسلامِ ، ولو حصل ذلك لكفرهُ الصحابةُ رضي اللهُ عنهم ، وقد
نقل بعضُ الإخوة ممن عقبوا على المقالِ هنا بعضَ النقولِ تثبتُ تكفير بعضِ
السلفِ للحجاجِ بنِ يوسف الثقفي .




فنقولُ لهم : هل تقبلون النقاش العلمي البعيد عن العاطفةِ والتشنج ؟




إن قلتم : نعم ، فإليكم الرد .




إن مما قرره أهلُ السنةِ والجماعةِ في بابِ التكفيرِ عدمَ تكفيرِ صاحبِ
الكبيرةِ بحالٍ ، وهذا الأمرُ أصلٌ من الأصولِ ، ولستُ في مقامِ التفصيلِ
لهذه المسألةِ لأنها أشهرُ من أن تقررَ .




نأتي على الظالمِ الجبارِ سفاكِ الدماءِ - عاملهُ اللهُ بما يستحق - وننظرُ
في النصوصِ التي وردت في حقهِ من كلامِ السلفِ ، فقد وردت نصوصٌ بلعنهِ ،
ونصوصٌ أخرى بتكفيرهِ وعدم تكفيرهِ ، وننقلُ جميعَ النصوص الواردةِ
للفريقين ، ثم بعد ذلك يتبين الصوابُ في المسألةِ .




مسألةُ لعنِ الحَجَّاجِ بنِ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ :




نقلتُ في المقال السابقِ كلامَ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ في مسألةِ اللعنِ وأنقلهُ مرة أخرى لأهميته .




قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : فَلِهَذَا كَانَ أَهْل الْعِلْمِ
يَخْتَارُونَ فِيمَنْ عُرِفَ بِالظُّلْمِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ
لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ فِي الظَّاهِرِ - كَالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ
وَأَمْثَالِهِ - أَنَّهُمْ لَا يَلْعَنُونَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ ؛
بَلْ يَقُولُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : " أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ
عَلَى الظَّالِمِينَ " فَيَلْعَنُونَ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
عَامًّا . كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَعَنَ اللَّهُ
الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيهَا
وَسَاقِيَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَآكِلَ
ثَمَنِهَا " وَلَا يَلْعَنُونَ الْمُعَيَّنَ .




كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ : " أَنَّ رَجُلًا
كَانَ يُدْعَى حِمَارًا وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ . وَكَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِدُهُ . فَأُتِيَ بِهِ مَرَّةً .
فَلَعَنَهُ رَجُلٌ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَا تَلْعَنْهُ . فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " .




وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّعْنَةَ مِنْ بَابِ الْوَعِيدِ وَالْوَعِيدُ
الْعَامُّ لَا يُقْطَعُ بِهِ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ لِأَحَدِ
الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ : مِنْ تَوْبَةٍ أَوْ حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ
أَوْ مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ أَوْ شَفَاعَةٍ مَقْبُولَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ
.ا.هـ.




وممن امتنع عن لعنهِ الإمام أحمدُ رحمهُ اللهُ .




- روى الخلالُ في " السنة " (851) بإسنادهِ فقال : وأخبرني محمدُ بنُ علي
قال : ثنا صالح أنه قال لأبيه : الرجلُ يُذكرُ عنده الحجاجُ أو غيرهُ
فيلعنهُ ؟ قال : لا يعجبني لو عبر فقال : ألا لعنةُ اللهِ على الظالمين ،
وروى عن ابنِ سيرين أنهُ قال : المسكينُ أبو محمد .




قال المحققُ لـ " السنة " : إسناده صحيحٌ . وقال عن المقصودِ بأبي محمد : لعله يقصدُ الحجاجَ فكنيته أبو محمد .




- وروى أيضاً (853) فقال : وأخبرني زكريا بنُ يحيى أن أبا طالب حدثهم قال : قال أبو عبد اللهِ : كان الحجاجُ بن يوسف رجلُ سوءٍ .




قال المحققُ : إسنادهُ صحيحٌ .




وكذلك الواجبُ على المسلمِ أن يجتنبَ اللعن ، وأن لا يعود لسانه عليه .




ولاشك أن في الأمةِ من أمثالِ الحجاجِ كثر ، بل أشد منه .




- روى الخلالُ في " السنة " (858) فقال : أخبرنا الدوري قال : ثنا شاذان
قال : ثنا سفيان الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال : يأتي على
الناسِ زمانٌ يصلون فيه على الحجاجِ .




قال المحققُ : إسناده صحيحٌ ، وهذا صحيحٌ على معنى : " لا يأتي زمانٌ إلا
والذي بعده أشر منه " كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكم من حجاجٍ
تولى على المسلمين من بعد الحجاجِ فكان شره مستطيراً وعمل أكثرَ مما عمل
الحجاجُ .ا.هـ.




مسألةُ تكفيرِ الحَجَّاجِ بنِ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ :




أما المسألةُ الثانيةُ في هذا المبحثِ مسألةُ تكفير الحجاجِ بنِ يوسف ، وهي
مسألةُ وردت فيها نصوصٌ عن السلفِ حكموا بكفرهِ ، وفي المقابلِ جاءت
أفعالُ الصحابةِ على النقيضِ من ذلك ، فقد صلوا وراءهُ ، وحجوا معهُ ،
وسأذكرُ النصوصَ الواردةَ لكلا الفريقين .




القولُ الأول : القائلون بعدمِ كفرهِ :


أدرك بعضُ الصحابةِ زمن إمارةَ الحجاجِ ومنهم ابنُ عمر ، وأنسُ بنُ مالك ،
وعبدُ الله بن الزبير وكانوا يعرفون ما عند الرجلِ من ظلمٍ وجورٍ وسفكٍ
للدماءِ ومع هذا لم يقولوا بكفرِ الحجاجِ ، وهذه بعض النصوصِ في هذا المقام
:




إمارةُ الحَجَّاجِ بنِ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ للحُجَّاجِ وفيهم ابنُ عمر :


عَنْ ‏‏سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏‏قَالَ ‏: ‏كُنْتُ مَعَ ‏‏ابْنِ عُمَرَ
‏حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ ؛ فَلَزِقَتْ
قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ ؛ فَنَزَلْتُ فَنَزَعْتُهَا وَذَلِكَ ‏‏بِمِنًى ،‏
‏فَبَلَغَ ‏‏الْحَجَّاجَ ،‏ ‏فَجَعَلَ يَعُودُهُ فَقَالَ ‏‏الْحَجَّاجُ :‏
‏لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ ؟ فَقَالَ ‏‏ابْنُ عُمَرَ ‏ : ‏أَنْتَ
أَصَبْتَنِي ، قَالَ : وَكَيْفَ ؟ قَالَ : حَمَلْتَ السِّلَاحَ فِي يَوْمٍ
لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ ، وَأَدْخَلْتَ السِّلَاحَ ‏‏الْحَرَمَ
‏‏وَلَمْ يَكُنْ السِّلَاحُ يُدْخَلُ ‏الْحَرَمَ . رواهُ البخاري (966)
.




عَنْ ‏إِسْحَاق بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ،‏
‏عَنْ ‏‏أَبِيهِ ‏‏قَالَ ‏: ‏دَخَلَ ‏‏الْحَجَّاجُ ‏عَلَى ‏‏ابْنِ عُمَرَ
،‏ ‏وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ : كَيْفَ هُوَ ؟ فَقَالَ : صَالِحٌ فَقَالَ :
مَنْ أَصَابَكَ قَالَ ‏: ‏أَصَابَنِي مَنْ أَمَرَ بِحَمْلِ السِّلَاحِ فِي
يَوْمٍ لَا يَحِلُّ فِيهِ حَمْلُهُ ‏. ‏يَعْنِي ‏‏الْحَجَّاجَ ‏. رواه
البخاري (967) .




يتبينُ من هذين الحديثين أن ما فعلهُ الحجاجُ مع ابنِ عمر كان في الحجِ في
منى ، وسببُ هذا الفعلِ من الحجاجِ ما جاء في الحديثِ الآخر .




‏عَنْ ‏سَالِمٍ ‏قَالَ ‏: ‏كَتَبَ ‏‏عَبْدُ الْمَلِكِ ‏‏إِلَى
‏‏الْحَجَّاجِ ‏‏أَنْ لَا يُخَالِفَ ‏‏ابْنَ عُمَرَ ‏‏فِي الْحَجِّ فَجَاءَ
‏‏ابْنُ عُمَرَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَ
‏‏عَرَفَةَ ‏حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَاحَ عِنْدَ ‏‏سُرَادِقِ
‏الْحَجَّاجِ ،‏ ‏فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ ‏ ‏مُعَصْفَرَةٌ
‏‏فَقَالَ : مَا لَكَ يَا ‏ ‏أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟‏ ‏فَقَالَ ‏:
‏الرَّوَاحَ ‏‏إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ ، قَالَ : هَذِهِ السَّاعَةَ
؟ قَالَ : نَعَمْ ؛ قَالَ : فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَى رَأْسِي
ثُمَّ أَخْرُجُ ، فَنَزَلَ حَتَّى خَرَجَ ‏‏الْحَجَّاجُ ‏ ‏فَسَارَ بَيْنِي
وَبَيْنَ أَبِي فَقُلْتُ :‏ ‏إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَاقْصُرْ
الْخُطْبَةَ ، وَعَجِّلْ الْوُقُوفَ ؛ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى ‏‏عَبْدِ
اللَّهِ ‏، ‏فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ‏‏عَبْدُ اللَّهِ ‏‏قَالَ : صَدَقَ .
رواهُ البخاري .




قال الحافظُ ابنُ حجر في " الفتح " (2/528) : ‏فِيهِ نِسْبَةُ الْفِعْلِ
إِلَى الْآمِرِ بِشَيْءٍ يَتَسَبَّبُ مِنْهُ ذَلِكَ الْفِعْلُ وَإِنْ لَمْ
يَعْنِ الْآمِرَ ذَلِكَ , لَكِنْ حَكَى الزُّبَيْرُ فِي الْأَنْسَابِ أَنَّ
عَبْدَ الْمَلِكِ لَمَّا كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ لَا يُخَالِفَ
اِبْنَ عُمَرَ شَقَّ عَلَيْهِ فَأَمَرَ رَجُلًا مَعَهُ حَرْبَةٌ يُقَالُ
إِنَّهَا كَانَتْ مَسْمُومَةً فَلَصِقَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِهِ فَأَمَرَّ
الْحَرْبَةَ عَلَى قَدَمِهِ فَمَرِضَ مِنْهَا أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ ,
وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ .ا.هـ.




وفي فعلِ ابنِ عمر مع الحجاجِ فيما سبق أيضاً من الفوائد صلاةُ ابنِ عمر خلف الحجاجِ ، وقد جاء مصرحاً به .




عن عمير بن هانىء قال : " شهدتُ ابنَ عمر والحجاجُ محاصرٌ ابنَ الزبير ،
فكان منزلُ ابنِ عمر بينهما فكان ربما حضر الصلاةَ مع هؤلاءِ ، وربما حضر
الصلاة مع هؤلاءِ .




قال العلامة الألباني في " الإرواء " (2/303) : وهذا سند صحيح على شرطِ الستةِ .




أنسُ بنُ مالك يصبرُ الناس على أذى الحَجَّاجِ :


عَنْ ‏‏الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ ‏‏قَالَ : أَتَيْنَا ‏‏أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ ‏فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ ‏‏الْحَجَّاجِ ‏فَقَالَ
‏‏: اصْبِرُوا ؛ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي
بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ
نَبِيِّكُمْ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواهُ البخاري (7068)




وكان أنسُ بنُ مالك رضي الله عنه يجيبُ على أسئلةِ الحجاجِ ولا يكتمُ شيئاً
من العلم ، على ما في الرجل من شدةٍ ، وظلمٍ ، وتعلقهِ بأدنى شبهةٍ في
العقوبةِ ، ويدل لذلك ما جاء في الحديثِ :




‏عَنْ ‏‏أَنَسٍ ‏أَنَّ نَاسًا كَانَ بِهِمْ سَقَمٌ قَالُوا : يَا رَسُولَ
اللَّهِ ؛ آوِنَا وَأَطْعِمْنَا فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا : إِنَّ ‏
‏الْمَدِينَةَ ‏وَخِمَةٌ ،‏ ‏فَأَنْزَلَهُمْ ‏‏الْحَرَّةَ ‏‏فِي ‏‏ذَوْدٍ‏
‏لَهُ فَقَالَ :‏ ‏اشْرَبُوا أَلْبَانَهَا ، فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا
‏‏رَاعِيَ‏ ‏النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏
‏وَاسْتَاقُوا ذَوْدَهُ ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ
وَأَرْجُلَهُمْ ،‏ ‏وَسَمَرَ ‏ ‏أَعْيُنَهُمْ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ
مِنْهُمْ ‏يَكْدِمُ ‏الْأَرْضَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَمُوتَ . قَالَ
‏‏سَلَّامٌ :‏ ‏فَبَلَغَنِي أَنَّ ‏‏الْحَجَّاجَ ‏‏قَالَ ‏‏لِأَنَسٍ :‏
‏حَدِّثْنِي بِأَشَدِّ عُقُوبَةٍ عَاقَبَهُ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَحَدَّثَهُ بِهَذَا ،‏ ‏فَبَلَغَ ‏‏الْحَسَنَ :‏
‏فَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ بِهَذَا . رواه البخاري
(5685) .




قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " (10/149) : وَسَاقَ الْإِسْمَاعِيلِيّ
مِنْ وَجْه آخَر عَنْ ثَابِت " حَدَّثَنِي أَنَس قَالَ : مَا نَدِمْت عَلَى
شَيْء مَا نَدِمْت عَلَى حَدِيث حَدَّثْت بِهِ الْحَجَّاج " فَذَكَرَهُ ,
وَإِنَّمَا نَدِمَ أَنَس عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَجَّاج كَانَ مُسْرِفًا
فِي الْعُقُوبَة , وَكَانَ يَتَعَلَّق بِأَدْنَى شُبْهَة .ا.هـ.




تأخيرُ الحجاجِ للصلاةِ عن وقتها :


عُرف عن الحجاجِ تأخيرهُ للصلاةِ ، وجاءت الأحاديثُ المصرحة بذلك .




‏عَنْ ‏‏مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ‏قَالَ :
قَدِمَ ‏‏الْحَجَّاجُ ‏‏فَسَأَلْنَا ‏‏جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
‏‏فَقَالَ ‏ : ‏كَانَ النَّبِيُّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
‏يُصَلِّي الظُّهْرَ ‏‏بِالْهَاجِرَةِ ،‏ ‏وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ
نَقِيَّةٌ ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا
وَأَحْيَانًا إِذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ ، وَإِذَا رَآهُمْ
أَبْطَوْا أَخَّرَ ، وَالصُّبْحَ كَانُوا ‏ ‏أَوْ كَانَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏يُصَلِّيهَا‏ ‏بِغَلَسٍ . رواه البخاري
(560) ، ومسلم (646) .




وجاء في روايةِ مسلم : " ‏كَانَ ‏‏ الْحَجَّاجُ ‏‏ يُؤَخِّرُ الصَّلَوَاتِ " .




قال الحافظُ ابنُ حجر في " الفتح " (2/50) : وَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي
عَوَانَةَ فِي صَحِيحه مِنْ طُرُق أَبِي النَّضْرِ عَنْ شُعْبَةَ :
سَأَلْنَا جَابِر بْن عَبْد اللَّه فِي زَمَن الْحَجَّاجِ وَكَانَ
يُؤَخِّرُ الصَّلَاة عَنْ وَقْت الصَّلَاة .ا.هـ.




الحجاجُ مع سلمةَ بنِ الأكوع :


عَنْ ‏‏سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ‏ ‏أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ‏‏الْحَجَّاجِ
‏‏فَقَالَ : يَا ‏‏ابْنَ الْأَكْوَعِ ؛‏ ‏ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ‏
‏تَعَرَّبْتَ قَالَ : لَا ؛‏ ‏وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ . ‏وَعَنْ ‏يَزِيدَ بْنِ
أَبِي عُبَيْدٍ ‏‏قَالَ :‏ ‏لَمَّا قُتِلَ ‏‏عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ
‏‏خَرَجَ ‏‏سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ إِلَى ‏الرَّبَذَةِ ‏، ‏وَتَزَوَّجَ
هُنَاكَ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا
حَتَّى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِلَيَالٍ فَنَزَلَ ‏‏الْمَدِينَةَ . رواهُ
البخاري (7087) ، ومسلم (1862) .




قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " : قَالَ اِبْن الْأَثِير فِي
النِّهَايَة : كَانَ مَنْ رَجَعَ بَعْدَ هِجْرَته إِلَى مَوْضِعه مِنْ
غَيْر عُذْر يَعُدُّونَهُ كَالْمُرْتَدِّ , وَقَالَ غَيْره : كَانَ ذَلِكَ
مِنْ جَفَاء الْحَجَّاج حَيْثُ خَاطَبَ هَذَا الصَّحَابِيّ الْجَلِيل
بِهَذَا الْخِطَاب الْقَبِيح مِنْ قَبْل أَنْ يَسْتَكْشِفَ عَنْ عُذْره ,
وَيُقَال إِنَّهُ أَرَادَ قَتْله فَبَيَّنَ الْجِهَة الَّتِي يُرِيد أَنْ
يَجْعَلهُ مُسْتَحِقًّا لِلْقَتْلِ بِهَا .ا.هـ.




إنكارُ الحجاجِ لليلة القدرِ :


عَبْد اللَّه بْن شَرِيك قَالَ : ذَكَرَ الْحَجَّاج لَيْلَة الْقَدْر
فَكَأَنَّهُ أَنْكَرَهَا , فَأَرَادَ زَرّ بْن حُبَيْشٍ أَنْ يُحَصِّبَهُ
فَمَنَعَهُ قَوْمه . رواه عبد الرزاق في " المصنف " (4/253) .




وقال الحافظُ ابنُ حجر في " الفتح " (4/309) : وَقَدْ اِخْتَلَفَ
الْعُلَمَاء فِي لَيْلَة الْقَدْر اِخْتِلَافًا كَثِيرًا . وَتَحَصَّلَ
لَنَا مِنْ مَذَاهِبهمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَر مِنْ أَرْبَعِينَ قَوْلًا كَمَا
وَقَعَ لَنَا نَظِير ذَلِكَ فِي سَاعَة الْجُمْعَة , وَقَدْ اِشْتَرَكَتَا
فِي إِخْفَاء كُلّ مِنْهُمَا لِيَقَع الْجِدُّ فِي طَلَبهمَا : الْقَوْل
الْأَوَّل : أَنَّهَا رُفِعَتْ أَصْلًا وَرَأْسًا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي
فِي التَّتِمَّة عَنْ الرَّوَافِض وَالْفَاكِهَانِيّ فِي شَرْح الْعُمْدَة
عَنْ الْحَنَفِيَّة وَكَأَنَّهُ خَطَأ مِنْهُ . وَاَلَّذِي حَكَاهُ
السُّرُوجِيّ أَنَّهُ قَوْل الشِّيعَة , وَقَدْ رَوَى عَبْد الرَّزَّاق
مِنْ طَرِيق دَاوُد بْن أَبِي عَاصِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَحْنَس "
قُلْت لِأَبِي هُرَيْرَة : زَعَمُوا أَنَّ لَيْلَة الْقَدْر رُفِعَتْ ,
قَالَ : كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ " وَمِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن شَرِيك
قَالَ : ذَكَرَ الْحَجَّاج لَيْلَة الْقَدْر فَكَأَنَّهُ أَنْكَرَهَا ,
فَأَرَادَ زَرّ بْن حُبَيْشٍ أَنْ يُحَصِّبَهُ فَمَنَعَهُ قَوْمه .ا.هـ.




وبعد ذكرِ هذه النصوص عن الصحابةِ ، وما وجدوهُ من الحجاجِ ، فلم نجد من
أحدهم أنهُ كفرهُ ، أو ألمح حتى إلى تكفيره ، فلو ظهر لهم أدنى أمرٍ مكفرٍ
من الحجاجِ لما ترددوا في تكفيره ، لأن الصحابةَ لا يعهدُ عنهم كتمان الحقِ
وبيانهِ .




وهذا سفيان الثوري حينما سُئل عن الحجاج ماذا قال ؟


روى اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " (6/1150) بسنده فقال :




أنا عيسى بن علي ، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي ، قال : نا أبو سعيد
الأشج قال : أبو أسامة : قال رجلٌ لسفيان : أتشهدُ على الحجاجِ وأبي مسلم
أنهما في النار ؟ قال " لا ؛ إذا أقرا بالتوحيد " .




وللموضوع بقيةٌ إن شاءَ اللهُ تعالى ....


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رزان
مشرفة
مشرفة
رزان



 السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية    السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Emptyالسبت مارس 23, 2013 2:52 pm

الحمدُ للهِ وبعدُ ؛



بعد الانتهاءِ من ذكرِ القولِ الأولِ نأتي على القولِ الثاني ، وقبل ذلك
أشكرُ كلَ من شارك في التعليقِ المفيدِ المبني على علمٍ وليس على الكلامِ
العاطفي الذي يتقنهُ كلُ واحدٍ ، وقد آثرتُ التأخرَ في نقلِ القول الثاني
في المسألةِ للإطلاعِ على أكبرِ عددٍ من المصادرِ المتعلقةِ بالحجاجِ .




القولُ الثاني :


قبل أن نشرعَ في ذكرِ القولِ الثاني نقفُ مع أمرٍ مهمٍ له علاقةٌ مهمةٌ بهِ
، وهي فتنةٌ حصلت في تلك الفترةِ من تاريخِ بني أميةَ ألا وهي فتنةُ ابنِ
الأشعثِ ، وبدون التطرقِ لهذه الفتنةِ قد لا يستوعبُ القولُ الثاني .




جرت بين ابنِ الأشعثِ والحجاجِ موقعةٌ في مكانٍ يقالُ لهُ : " ديرُ
الجماجمِ " انتهت بانتصارِ الحجاجِ على ابنِ الأشعثِ ، ولستُ بصددِ
التفصيلِ فيما جرى بين ابن الأشعثِ والحجاجِ من حروبٍ وقتالٍ ، ولكن تباينت
آراءُ العلماءِ ، واختلفت مواقفهم اختلافاً كبيراً في مسألةِ الخروجِ على
بني أميةَ ، والدوافعِ التي أدت إلى هذا الخروجِ على بني أميةَ .




لقد كانت من أهمِ الدوافعِ التي دفعت ابنَ الأشعثِ ومن معه من العلماءِ في الخروجِ على بني أميةَ أمران هما :




أولاً : الجرأةُ العجيبةُ التي كان يملكها الحجاجُ لبعضِ حدودِ الدينِ
وانتهاكهِ لحرماتهِ ، وقد كان ممن كتب في هذا الأمر طرفانِ ووسط ، طرفٌ
أخفى هذا الجانب ، وهذا ليس من الإنصافِ في شيءٍ ، وطرفٌ بالغ في ذكرِ
انتهاكات الحجاجِ لحرماتِ الدين ، وأكثرها لا يصحُ ، هذا إلى جانبِ دخولِ
الدسِ من أعداءِ الحجاجِ وبني أميةَ في صياغةِ كثير من هذه المبالغات ،
وخاصة كتب الأدب كـ " العقدِ الفريد " لا بن عبد ربهِِ الذي امتلأ بكثيرٍ
من الدسِ على التاريخِ ، وكذلك كتابُ " الأغاني " للأصفهاني والذي تتسم
رواياتهُ بسمةٍ شيعيةٍ واضحةٍ ، ولهذا يقولُ ابنُ العربي في " العواصم من
القواصمِ " ( ص 260 ) عن النقلِ من هذه الكتب : : وأغلبُ من كتب في
المسائلِ التاريخيةِ منهم كانوا من أهلِ الأهواءِ والبدعِ . وفي هذه الكتب
كثيرٌ من أحاديثِ استحقارِ الصحابةِ والسلفِ والاستخفافِ بهم ، واختراعِ
الاسترسالِ في الأقوالِ والأفعالِ عنهم ، وخروج مقاصدهم عن الدينِ إلى
الدنيا ، وعن الحقِ إلى الهوى .ا.هـ.




وقد تحرز الإمامُ ابنُ كثيرٍ فيما نقل عن سيرة الحجاجِ كما ذكرتُ في
المقالِ الأولِ ، وأعيدهُ هنا لأهميتهِ : وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة
ظاهرها الكفر كما قدمنا ، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها ، وإلا فهو باق
في عهدتها ، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه ، فإن الشيعة
كانوا يبغضونه جداً لوجوه ، وربما حرفوا عليه بعض الكلم ، وزادوا فيما
يحكونه عنه بشاعات وشناعات .ا.هـ.




وأهلُ الوسطِ حقق ومحص في النقلِ ، واعتمد على ما ثبت بصحيحِ السندِ من
خلالِ كتب السنةِ المشهورةِ ، والكتبِ التي اشتهر أصحابها التحري والدقة .




وفي مقدمةِ تجاوزاتِ الحجاجِ الشرعيةِ إسرافهُ في القتلِ ، وهو المُبِيرٌ
الذي أخبر عنه النبي صلى اللهُ عليه وسلم ، وقدمنا الحديث في ذلك من صحيحِ
مسلم . وهذا الأمرُ بناءً على رؤيتهِ في وجوبِ الطاعةِ العمياءِ من الرعيةِ
له ، وأن مخالفةَ أمرهِ في أي شأنٍ كبر أو صغر تبرر له القتل .




‏عَنْ ‏عَاصِمٍ ‏‏قَالَ سَمِعْتُ ‏‏الْحَجَّاجَ ،‏ ‏وَهُوَ عَلَى
الْمِنْبَرِ ،‏ ‏يَقُولُ :‏ اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ لَيْسَ
فِيهَا ‏‏ مَثْنَوِيَّةٌ ‏، ‏وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا لَيْسَ فِيهَا ‏‏
مَثْنَوِيَّةٌ ‏ ‏لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ‏‏عَبْدِ الْمَلِكِ ،‏
‏وَاللَّهِ لَوْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ بَابٍ مِنْ
أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَخَرَجُوا مِنْ بَابٍ آخَرَ لَحَلَّتْ لِي
دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ ، وَاللَّهِ لَوْ ‏ ‏أَخَذْتُ ‏‏رَبِيعَةَ
‏‏بِمُضَرَ ‏‏لَكَانَ ذَلِكَ لِي مِنْ اللَّهِ حَلَالًا ، وَيَا عَذِيرِي
مِنْ عَبْدِ ‏‏هُذَيْلٍ ‏يَزْعُمُ أَنَّ قِرَاءَتَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ،
وَاللَّهِ مَا هِيَ إِلَّا ‏رَجَزٌ ‏‏مِنْ ‏‏رَجَزِ ‏‏الْأَعْرَابِ ‏‏مَا
أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ‏‏عَلَيْهِ السَّلَام ،‏ ‏وَعَذِيرِي
مِنْ هَذِهِ الْحَمْرَاءِ يَزْعُمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَرْمِي بِالْحَجَرِ
فَيَقُولُ : إِلَى أَنْ يَقَعَ الْحَجَرُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ فَوَاللَّهِ
لَأَدَعَنَّهُمْ كَالْأَمْسِ ‏‏الدَّابِرِ ‏‏قَالَ : فَذَكَرْتُهُ ‏
‏لِلْأَعْمَشِ ‏‏فَقَالَ : أَنَا وَاللَّهِ سَمِعْتُهُ مِنْهُ .




رواهُ أبو داود (4643) ، وصححه العلامةُ الألباني في " صحيح سنن أبي داود "
(3879) ، ووردت آثارٌ بنفس المعنى في سنن أبي داود (4644 ، 4645) ، وصححها
العلامةُ الألباني أيضاً (3880 ، 3881) .




قال ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " (9/131) عن استهانةِ الحجاجِ
بالقتلِ : فإن الحجاجَ كان عثمانياً أموياً ، يميلُ إليهم ميلاً عظيماً ،
ويرى أن خلافَهم كفرٌ ، يستحلُ بذلك الدماءَ ، ولا تأخذه في ذلك لومةُ
لائمٍ .ا.هـ.




وبناءً على رؤيتهِ في وجوب الطاعةِ لبني أمية رُوي عنهُ أنهُ جعل مقامَ
الخلافةِ فوق مقامِ النبوةِ فما صحةُ الخبرِ بخصوص هذا الأمر ؟




‏عَنْ ‏‏الرَّبِيعِ بْنِ خَالِدٍ الضَّبِّيِّ ‏‏قَالَ : سَمِعْتُ
‏‏الْحَجَّاجَ‏ ‏يَخْطُبُ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ ‏ ‏: رَسُولُ أَحَدِكُمْ
فِي حَاجَتِهِ أَكْرَمُ عَلَيْهِ أَمْ خَلِيفَتُهُ فِي أَهْلِهِ ؟ فَقُلْتُ
فِي نَفْسِي :‏ ‏لِلَّهِ عَلَيَّ أَلَّا أُصَلِّيَ خَلْفَكَ صَلَاةً
أَبَدًا ، وَإِنْ وَجَدْتُ قَوْمًا يُجَاهِدُونَكَ لَأُجَاهِدَنَّكَ
مَعَهُمْ ‏ . ‏زَادَ ‏‏إِسْحَقُ‏ ‏فِي حَدِيثِهِ قَالَ : فَقَاتَلَ فِي
الْجَمَاجِمِ حَتَّى قُتِلَ .




رواهُ أبو داود (4642) ، وقال العلامة الألباني في " ضعيف سنن أبي داود " (1007) : ضعيف مقطوع .ا.هـ.




ولذلك الحافظُ ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " (9/137) احترز عندما نقل
عنه هذا الكلام فقال : فإن صح هذا عنه فظاهرهُ كفرٌ إن أراد تفضيلَ منصبِ
الخلافةِ على الرسالةِ ، أو أراد أن الخليفةَ من بني أميةَ أفضلُ من
الرسولِ .ا.هـ.




والأثر قد حكم عليه العلامةُ الألباني بالضعفِ كما مر .




ثانياً : الجرأةُ التي كان عليها الحجاجُ تطاولهُ على الصحابةِ ، وسوءُ
نظرتهِ للعلماءِ ، وتعاملهِ معهم ، ونقلنا جملةً من ذلك في المواضيعِ
الماضيةِ ، وكذلك ما قالهُ في حقِ قراءةِ ابنِ مسعودٍ عندما قال : " وَيَا
عَذِيرِي مِنْ عَبْدِ ‏‏هُذَيْلٍ ‏يَزْعُمُ أَنَّ قِرَاءَتَهُ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ ، وَاللَّهِ مَا هِيَ إِلَّا ‏رَجَزٌ ‏‏مِنْ ‏‏رَجَزِ
‏‏الْأَعْرَابِ ‏‏مَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ‏‏عَلَيْهِ
السَّلَام ... " .




علق الإمامُ ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " (9/135) : وهذا من جراءة
الحجاج قبحه الله ، وإقدامه على الكلام السيئ ، والدماء الحرام . وإنما نقم
على قراءة ابن مسعود رضي الله عنه لكونه خالف القراءة على المصحف الإمام
الذي جمع الناس عليه عثمان ، والظاهر أن ابن مسعود رجع إلى قول عثمان
وموافقيه ، والله أعلم .ا.هـ.




ورويت كلماتٌ شديدةٌ قالها الحجاجُ في حقِ الصحابي الجليلِ عبدِ اللهِ بنِ
مسعودٍ رضي الله عنها أوردها الإمامُ ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية "
(9/135) فمن ذلك :




1 - عن عاصم بن أبي النجود والأعمش ، أنهما سمعا الحجاج - قبحه الله - يقول
ذلك ، وفيه : والله لو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا الباب
لحلت لي دماؤكم ، ولا أجد أحداً يقرأ على قراءة ابن أم عبد إلا ضربت عنقه ،
ولأحكنها من المصحف ولو بضلع خنزير .




وفي سندِ هذه الروايةِ أبو هشام الرفاعي محمدُ بنُ يزيد . قال البخاري :
رأيتهم مجمعين على ضعفه . وقال النسائي : ضعيف . وقال الترمذي : رأيتُ
محمداً أبا هشام الرفاعي . وقال ابنُ حجر : ليس بالقوي .




2 – عن الأعمش يقول : والله لقد سمعت الحجاج بن يوسف يقول : يا عجبا من عبد
هذيل ، يزعم أنه يقرأ قرآنا من عند الله، واللهِ ما هو إلا رجز من رجز
الأعراب ، والله لو أدركت عبد هذيل لضربت عنقه .




رواه الحاكمُ في " المستدرك " (3/556) ، وأورده ابنُ كثيرٍ في " البداية
والنهاية " (9/135) ، ولم يعزه ابنُ كثيرٍ إلى الحاكمِ وإنما قال : " وفي
بعض الروايات: والله لو أدركت عبد هذيل لأضربن عنقه .ا.هـ.




وفي سندها أحمد بن عبد الجبار العُطَارِدي . قال أبو حاتم : ليس بالقوي .
وقال مُطَّين : كان يكذب . وقال ابنُ عدي : رأيتُ أهلَ العراقِ مُجمعين على
ضعفه . وقال الذهبي : ضعفه غيرُ واحدٍ .




3 - عن مسلم بن إبراهيم ، ثنا الصلت بن دينار ، سمعتُ الحجاجَ على منبرِ
واسط يقولُ : عبدُ الله بنُ مسعود رأسُ المنافقين لو أدركته لأسقيتُ الأرضَ
من دمهِ .




رواه الخلالُ في " السنة " (855) ، وأورده ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " (9/135) .




وفي سنده الصلتُ بنُ دينار الأزدي . قال الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل : متروكُ
الحديث ، ترك الناسُ حديثه . وقال الحافظُ ابنُ حجر : متروكٌ ناصبي .




4 - قال – أي الصلت بن دينار - وسمعته على منبر واسط وتلا هذه الآية : "
وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي " قال : والله إن
كان سليمان لحسوداً .




أورده ابنُ كثيرٍ أيضا ، وفي سندهِ من عرفت آنفاً .




قال ابنُ كثيرٍ معلقاً على هذه الآثار : وهذه جراءة عظيمة تفضي به إلى الكفر قبحه الله وأخزاه وأبعده وأقصاه .ا.هـ.




وقال الذهبي في " تاريخ الإسلام " (6/320) : قاتل اللهُ الحجاج ما أجرأه
على الله ، كيف يقولُ هذا في العبدِ الصالحِ عبد الله بن مسعود .ا.هـ.




هذا على فرض ثبوت ما نقل عنه ، وبعد التحققِ من أسانيدها لا يثبت منها شيء خلا كلامهِ على قراءةِ ابنِ مسعود رضي الله عنه .




وبعد إيرادِ ما سبق قد يردُ سؤالٌ : ألم تكن تجاوزتُ الحجاجِ موجودةً قبل فتنةِ ابنِ الأشعث ؟




الجوابُ : بلى ، ولكن بلغت ذروتها وكانت من نتائجها فتنةُ ابنِ الأشعثِ ،
والكلامُ عن تلك التجاوزت قد يطولُ جداً ، وفيما ذكر كفايةٌ . وفتنةٌ ابنِ
الأشعثِ تدلُ على أن من العلماءِ من كان يرى إزالةَ الحجاجِ هو إزالة
لظلمهِ وجورهِ ، وأنه من منطلقِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ ،
وخاصةً ممن قاتل الحجاج ، وانضم إلى ابنِ الأشعثِ . ولذا اختلف العلماءُ في
مسألةِ المشاركةِ في فتنةِ ابنِ الأشعثِ فمنهم من شارك فيها ، وقاتل ،
وقتل ، وبعضهم كانت مشاركتهُ بطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ ، وإنما بالتحريضِ فقط ،
وشارك فيها عددٌ كبيرٌ من العلماءِ ولم ينجو منها إلا عدد قليل قال
الإمامُ الذهبي في " السير " (4/321) : وَقَالَ العِجْلِيُّ : ... لَمْ
يَنْجُ بِالبَصْرَةِ مِنْ فِتْنَةِ ابْنِ الأَشْعَثِ إِلاَّ هُوَ – يعني
مُطَرِّف بن عَبْدِ اللهِ - وَابْنُ سِيْرِيْنَ . وَلَمْ يَنْجُ مِنْهَا
بِالكُوْفَةِ إِلاَّ خَيْثَمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَإِبْرَاهِيْمُ
النَّخَعِيُّ .ا.هـ. ، ولولا خشية الإطالةِ لذكرتُ قائمةً بأسماء من شارك
فيها .




وفي المقابل وجد من العلماءِ من امتنع عن المشاركةِ في الفتنة واعتزلها
بالكليةِ ، بل بعضهم عارض المشاركةَ فيها ، ولكن السؤال الذي يطرحُ نفسهُ .




بعد هذا العرضِ السريعِ لبعض مجرياتِ فتنة ابنِ الأشعث نأخذُ أقوالَ من رأى
بكفرِ الحجاجِ ، فقد وردت آثارٌ عن بعضِ أئمةِ السلفِ مصرحةً بتكفيرهِ ،
ولأخرى غيرُ مصرحةٍ ، ولنقف عليها .




1 - عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ ، عَنْ أَبِيْه ِ، قَالَ : عَجِبْتُ لإِخْوَتِنَا
مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ ، يُسَمُّوْنَ الحَجَّاجَ مُؤْمِناً .




رواهُ ابنُ أبي شيبةَ في " الإيمان " (95) ، وابنُ سعدٍ في " الطبقات "
(5/540) ، وعبدُ الله بن أحمد في " السنة " (671) ، والخلالُ في " السنة "
(1165 ، 1531) وفي سنده رجلٌ مجهول ، وابنُ عساكر في " تاريخ دمشق "
(12/188) .




وصحح العلامةُ الألباني في تحقيقه لكتاب " الإيمانِ " لابنِ أبي شيبة الطريق التي عند ابن أبي شيبةَ .




وعلق الإمامُ الذهبي في " السير " (5/44) بقوله : " قُلْتُ : يُشِيْرُ
إِلَى المُرْجِئَةِ مِنْهُم ، الَّذِيْنَ يَقُوْلُوْنَ : هُوَ مُؤْمِنٌ
كَامِلُ الإِيْمَانِ مَعَ عَسْفِهِ ، وَسَفْكِهِ الدِّمَاءَ ، وَسَبِّهِ
الصَّحَابَةَ .ا.هـ.




فالإمامُ الذهبي لم يفهم من هذه العبارةِ الكفرَ .




2 – عن إبراهيمَ : " أنه كان إذا ذكر الحجاجَ قال : " أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " [ هود : 18 ] .




رواه ابن أبي شيبة في " الإيمان " (96) ، والخلال في " السنة " (1165 ،
1531) ، وعبد الله بن أحمد في " السنة " (671) ، وابنُ سعدٍ في " الطبقات "
(6/279) ، وابن بطة في " الكبرى " (1211) .




وصحح العلامةُ الألباني سنده في " الإيمان " لابن أبي شيبة .




3 – وعن إبراهيمَ قال : كفى بمن يشكُ في أمرِ الحجاج لحاهُ الله .




رواه ابنُ أبي شيبةَ (98) ، وهو في نفسِ المصادرِ السابقةِ .




ومعنى قولهِ : لَحَاهُ الله ، أي : قبحه ولعنه .




4 – عن الشعبي قال : أشهدُ أنه مؤمنٌ بالطاغوتِ ، كافرٌ باللهِ – يعني الحجاج - .




رواهُ ابنُ أبي شيبةَ في " الإيمان (97) ، واللالكائي في " الاعتقاد " (1823) ، وابن عساكر في " التاريخ " (12/ 187) .




ولفظه عند اللالكائي : عن الأجلح قال : قلتُ للشعبي : إن الناس يزعمون أن
الحجاجَ مؤمنٌ ؟ قال : صدقوا بالجبتِ والطاغوتِ كافرٌ بالله .




وصححه أيضاً العلامة الألباني في " الإيمان " لابن أبي شيبة .




ولكن الشعبي قد تاب عن هذا القول كما ذكر ذلك الإمامُ الذهبي في " السير "
(4/304 – 306) فقال : يُوْسُفُ بنُ بَهْلُوْلٍ الحَافِظُ : حَدَّثَنَا
جَابِرُ بنُ نُوْحٍ ، حَدَّثَنِي مُجَالِدٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ :
لَمَّا قَدِمَ الحَجَّاجُ ، سَأَلنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ العِلْمِ ،
فَوَجَدَنِي بِهَا عَارِفاً ، فَجَعَلَنِي عَرِيْفاً عَلَى قَوْمِي
الشَّعْبِيِّيْنَ ، وَمَنْكِباً عَلَى جَمِيْعِ هَمْدَانَ ، وَفَرَضَ لِي ،
فَلَمْ أَزَلْ عِنْدَهُ بِأَحْسَنِ مَنْزِلَةٍ حَتَّى كَانَ شَأْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ الأَشْعَثِ ، فَأَتَانِي قُرَّاءُ أَهْلِ الكُوْفَةِ ،
فَقَالُوا : يَا أَبَا عَمْرٍو ، إِنَّكَ زَعِيْمُ القُرَّاءِ . فَلَمْ
يَزَالُوا حَتَّى خَرَجْتُ مَعَهُم ، فَقُمْتُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ
أَذْكُرُ الحَجَّاجَ ، وَأَعِيْبُهُ بِأَشْيَاءَ ، فَبَلَغَنِي أَنَّهُ
قَالَ : أَلاَ تَعْجَبُوْنَ مِنْ هَذَا الخَبِيْثِ ؟! أَمَا لَئِنْ
أَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ ، لأَجْعَلَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْهِ أَضْيَقَ
مِنْ مَسْكِ جَمَلٍ . قَالَ : فَمَا لَبِثْنَا أَنْ هُزِمْنَا، فَجِئْتُ
إِلَى بَيْتِي ، وَأَغْلَقْتُ عَلَيَّ ، فَمَكَثْتُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ،
فَنَدَبَ النَّاسَ لِخُرَاسَانَ ، فَقَامَ قُتَيْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ ،
فَقَالَ : أَنَا لَهَا . فَعَقَدَ لَهُ عَلَى خُرَاسَانَ ، فَنَادَى
مُنَادِيْه ِ: مَنْ لَحِقَ بِعَسْكَرِ قُتَيْبَةَ ، فَهُوَ آمِنٌ .
فَاشْتَرَى مَوْلَىً لِي حِمَاراً ، وَزَوَّدَنِي ، ثُمَّ خَرَجْتُ ،
فَكُنْتُ فِي العَسْكَرِ ، فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا
فَرْغَانَةَ . فَجَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ بَرِقَ ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ ،
فَقُلْتُ : أَيُّهَا الأَمِيْرُ ، عِنْدِي عِلْمُ مَا تُرِيْدُ . فَقَالَ :
وَمَنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : أُعِيْذُكَ أَلاَّ تَسْأَلَ عَنْ ذَاكَ .
فَعَرَفَ أَنِّي مِمَّنْ يُخْفِي نَفْسَهُ ، فَدَعَا بِكِتَابٍ ، فَقَالَ :
اكْتُبْ نُسْخَة ً .قُلْتُ : لاَ تَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ . فَجَعَلْتُ
أُمِلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَنْظُرُ ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ كِتَابِ الفَتْحِ .
قَالَ : فَحَمَلَنِي عَلَى بَغْلَةٍ ، وَأَرْسَلَ إِلَيَّ بِسَرَقٍ مِنْ
حَرِيْرٍ ، وَكُنْتُ عِنْدَهُ فِي أَحْسَنِ مَنْزِلَةٍ ، فَإِنِّي لَيْلَةً
أَتَعَشَّى مَعَهُ ، إِذَا أَنَا بِرَسُوْلِ الحَجَّاجِ بِكِتَابٍ فِيْهِ :
إِذَا نَظَرْتَ فِي كِتَابِي هَذَا ، فَإِنَّ صَاحِبَ كِتَابِكَ عَامِرٌ
الشَّعْبِيُّ ، فَإِنْ فَاتَكَ ، قَطَعْتُ يَدَكَ عَلَى رِجْلِكَ ،
وَعَزَلْتُكَ . قَالَ : فَالْتَفَتَ إِلَيَّ ، وَقَالَ : مَا عَرَفْتُكَ
قَبْلَ السَّاعَةِ ، فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الأَرْضِ ، فَوَاللهِ
لأَحْلِفَنَّ لَهُ بِكُلِّ يَمِيْنٍ . فَقُلْتُ : أَيُّهَا الأَمِيْر ،
إِنَّ مِثْلِي لاَ يَخْفَى . فَقَالَ : أَنْتَ أَعْلَمُ . قَالَ :
فَبَعَثَنِي إِلَيْهِ ، وَقَالَ : إِذَا وَصَلْتُمْ إِلَى خَضْرَاءِ
وَاسِطَ ، فَقَيِّدُوْهُ ، ثُمَّ أَدْخِلُوْهُ عَلَى الحَجَّاجِ . فَلَمَّا
دَنَوْتُ مِنْ وَاسِطٍ ، اسْتَقْبَلَنِي ابْنُ أَبِي مُسْلِمٍ ، فَقَالَ :
يَا أَبَا عَمْرٍو ، إِنِّي لأَضِنُّ بِكَ عَنِ القَتْلِ ، إِذَا دَخَلْتَ
عَلَى الأَمِيْرِ ، فَقُلْ كَذَا ، وَقُلْ كَذَا . فَلَمَّا أُدْخِلْتُ
عَلَيْهِ ، وَرَآنِي ، قَالَ : لاَ مَرْحَباً وَلاَ أَهْلاً ، جِئْتَنِي
وَلَسْتَ فِي الشَّرَفِ مِنْ قَوْمِكَ ، وَلاَ عرِيْفاً ، فَفَعَلْتَ
وَفَعَلْتَ ، ثُمَّ خَرَجْتَ عَلَيَّ . وَأَنَا سَاكِتٌ ، فَقَالَ :
تَكَلَّمْ . فَقُلْتُ : أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ ، كُلُّ مَا قُلْتَهُ
حَقٌّ ، وَلَكِنَّا قَدِ اكْتَحَلْنَا بَعْدَكَ السَّهَرَ ، وَتَحَلَّسْنَا
الخَوْفَ ، وَلَمْ نَكُنْ مَعَ ذَلِكَ بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ ، وَلاَ
فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ ، فَهَذَا أَوَانُ حَقَنْتَ لِي دَمِي ،
وَاسْتَقْبَلْتَ بِيَ التَّوْبَةَ . قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ .




وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ : لَمَّا أُدْخِلَ الشَّعْبِيُّ عَلَى الحَجَّاجِ ،
قَالَ : هِيْه يَا شَعْبِيُّ ! فَقَالَ : أَحْزَنَ بِنَا المَنْزِلُ ،
وَاسْتَحْلَسْنَا الخَوْفَ ، فَلَمْ نَكُنْ فِيْمَا فَعَلْنَا بَرَرَةً
أَتْقِيَاءَ ، وَلاَ فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ . فَقَالَ : للهِ دَرُّكَ .




قَالَ ابْنُ سَعْدٍ : قَالَ أَصْحَابُنَا : كَانَ الشَّعْبِيُّ فِيْمَنْ
خَرَجَ مَعَ القُرَّاءِ عَلَى الحَجَّاجِ ، ثُمَّ اخْتَفَى زَمَاناً ،
وَكَانَ يَكْتُبُ إِلَى يَزِيْدَ بنِ أَبِي مُسْلِمٍ أَنْ يُكَلِّمَ فِيْهِ
الحَجَّاجَ .




قُلْتُ ( الذهبي ) : خَرَجَ القُرَّاءُ وَهُمْ أَهْلُ القُرْآنِ
وَالصَّلاَحِ بِالعِرَاقِ عَلَى الحَجَّاجِ ؛ لِظُلْمِهِ وَتَأْخِيْرِهِ
الصَّلاَةَ وَالجَمْعِ فِي الحَضَرِ ، وَكَانَ ذَلِكَ مَذْهَباً وَاهِياً
لِبَنِي أُمَيَّةَ ، كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - : " يَكُوْنُ عَلَيْكُم أُمَرَاءُ يُمِيْتُوْنَ الصَّلاَةَ " .
فَخَرَجَ عَلَى الحَجَّاجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ
الكِنْدِيُّ ، وَكَانَ شَرِيْفاً ، مُطَاعاً ، وَجَدَّتُهُ أُخْتُ
الصِّدِّيْقِ ، فَالْتَفَّ عَلَى مائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيْدُوْنَ ،
وَضَاقَتْ عَلَى الحَجَّاجِ الدُّنْيَا ، وَكَادَ أَنْ يَزُوْلَ مُلْكُهُ ،
وَهَزَمُوْهُ مَرَّاتٍ ، وَعَايَنَ التَّلَفَ ، وَهُوَ ثَابِتٌ مِقْدَامٌ ،
إِلَى أَنِ انْتَصَرَ ، وَتَمَزَّقَ جَمْعُ ابْنِ الأَشْعَثِ ، وَقُتِلَ
خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ ، فَكَانَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ
الحَجَّاجُ مِنْهُم ، قَتَلَهُ، إِلاَّ مَنْ بَاءَ مِنْهُم بِالكُفْرِ
عَلَى نَفْسِهِ ، فَيَدَعُهُ .ا.هـ.




فالشعبي من خلال القصةِ رجع عن قولهِ وتاب وقبل الحجاج توبتهُ .




وبعد هذه النقولِ وبيان الأقوالِ يظهرُ أن الحجاجَ لم يكفرهُ أحدٌ من أهل
العلمِ ، وإنما هي أقوالٌ وردت عن بعضِ السلف لا يفهمُ منها التكفيرُ ، ومن
جاء عنه التكفير فقد تراجع عنه ، وتاب من ذلك ، وتبقى مسألةُ مهمة نختمُ
بها .




هل كانت فتنةُ ابنِ الأشعثِ من أجل أنهم رأو كفراً بواحاً منه أم أنه من أجل إزالةِ ظلمِ وبطشِ الحجاجِ ؟


الذي يظهرُ – واللهُ أعلم – أنهم أرادوا إزالةَ ظلمِ وتسلطِ الحجاجِ عليهم ،
ولم يريدوا بفعلهم أنه كافرٌ ، ولذلك ذكر العلماءُ مسألةَ الخروجِ على
الإمامِ الظالمِ الفاسق ، واختلف العلماءُ فيها على قولين ، قال الحافظُ
ابنُ حجرٍ في " تهذيب التهذيب " (2/288) عند ترجمةِ الحسنِ بنِ صالح :
قولهم : كان يرى السيفَ . يعني الخروجَ بالسيف على أئمةِ الجورِ ... وهذا
مذهبٌ للسلفِ قديمٌ ، لكن استقر الأمرُ على تركِ ذلك لما رأوه قد أفضى إلى
ما هو أشدُ منه .ا.هـ.




كتبهُ


عبد الله زُقَيْل




الحمدُ للهِ وبعدُ ؛




عجباً !!! أين المعلقون على المقالِ بعد أن انتهيتُ منه ؟؟؟ هل جفت أقلامهم ؟




ولذلك قلتُ منذ البدايةِ في ردي رقم : " 15 " ما نصهُ :




من القضايا المهمةِ حال النقاشِ العلمي البعدُ عن العواطفِ ، ولا شك أن ما
قام به الحجاجُ من سفكٍ للدماءِ ، وهدمٍ للكعبة بالمنجينق ، لا يخرجهُ عن
دائرةِ الإسلامِ ، ولو حصل ذلك لكفرهُ الصحابةُ رضي اللهُ عنهم ، وقد نقل
بعضُ الإخوة ممن عقبوا على المقالِ هنا بعضَ النقولِ تثبتُ تكفير بعضِ
السلفِ للحجاجِ بنِ يوسف الثقفي .




فنقولُ لهم : هل تقبلون النقاش العلمي البعيد عن العاطفةِ والتشنج ؟




إن قلتم : نعم ، فإليكم الرد .ا.هـ.




في أثناءِ البحثِ في سيرةِ الحجاجِ وجدتُ أموراً ومواقفاً للحجاجِ مع
الرعيةِ والعلماءِ نتممُ بها البحث ، ومنها ما يصحُ ومنها دون ذلك .




فريةً على الحجاجِ تتعلقُ بكتابِ اللهِ :




من الأمورِ التي نُقلت عن الحجاجِ أنه غير في مصحفِ عثمانَ أحد عشر حرفاً ، فما صحةُ الخبرِ الواردِ في ذلك ؟




عن عوفِ بنِ أبي جميلةَ أن ‏الحجاجَ بنَ يوسف غيرَ في مصحفِ عثمانَ أحد عشر
حرفاً . قال : كانت في البقرةِ : " لَمْ يَتَسَنَّ وَانْظُرْ " [ 259 ]
بغيرِ هاءٍ ، فغيرها " لَمْ يَتَسَنَّهْ " بالهاء . وكانت في المائدةِ : "
شَرِيْعَةً وَمِنْهَاجًا " [ 48 ] ، فغيرها " شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا " .
وكانت في يونس : " هُوَ الَّذِي يَنْشُرُكُمْ " [ 22 ] ، فغيرهُ "
يُسَيِّرُكُمْ " . وكانت في يوسف : " أَنَا آتِيْكُم بِتَأْوِيلِهِ " [ 45 ]
، فغيرها " أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ " ، وكانت ‏في المؤمنين : "
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ لِلَّهِ لِلَّهِ " [ 85 ، 87 ، 89 ] ثلاثتهن ، فجعل
الأخيرين " اللّه اللّه " . وكانت في الشعراء ، في ‏قصة نوح : " مِنْ
الْمُخْرَجِينَ " [ 116 ] ، وفي قصةِ لوط : " مِنْ الْمَرْجُومِينَ " [ 167
] ، فغير قصةِ نوح " مِنْ الْمَرْجُومِينَ " وقصة‏ لوط " مِنْ
الْمُخْرَجِينَ " . وكانت في الزخرف : " نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ
مَعَايشَهُمْ " [ 32 ] فغيرها " مَعِيشَتَهُمْ " . وكانت في الذين ‏كفروا "
مِنْ مَاءٍ غَيْرِ يَاسِنٍ " [ محمد : 15 ] ، فغيرها " مِنْ مَاءٍ غَيْرِ
آسِنٍ " . وكانت في الحديد : " فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَاتّقَوْا
لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ " [ 7 ] فغيرها " وَأَنْفَقُوا " ، وكانت في إذا
الشمس كورت " وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ " [ التكوير : 24 ] ،
فغيرها " بِضَنِينٍ " .




أخرجهُ ابنُ أبي داود في " المصاحف " (142 ، 348) .




وفي سندِ الروايةِ عبادُ بنُ صهيب البصري ، ذكره الذهبي في " الميزان "
(2/367 رقم 4122) وقال : أحدُ المتروكين ... قال ابن المديني : ذهب حديثه .
وقال البخاري والنسائي وغيرهما : متروك . وقال ابنُ حبان : كان قدرياً
داعيةً ، ومع ذلك يروي أشياءَ إذا سمعها المبتدىء في هذه الصناعةِ شهد له
بالوضعِ .ا.هـ.




وقال الشيخُ عبدُ اللهِ الجديع في " المقدمات الأساسية في علوم القرآن " (
ص161 حاشية ) عن الخبر : هذا خبرٌ كذبٌ ، فإن مُصحف عثمانَ زمن الحجاجِ قد
طبق ديارَ الإسلامِ ، وما كان الحجاجُ ليُغيِّرَ حرفاً من كتابِ اللهِ
والمصاحفُ العثمانيةُ قد وقعت لكلِ الأمصارِ ، وانتسخ الناسُ منها مصاحفهم ،
والقراءُ يومئذٍ من الذين يرجعُ إليهم الناسُ في القراءةِ موجودون ، فإن
كان الحجاجُ غيرَ حرفاً في مصحفٍ فوالله ما كان ليقدرَ أن يفعلهُ في جميعِ
تلك المصاحفِ ، وإن كان أرهب كثيراً من الناسِ يومئذٍ بظلمهِ وطغيانهِ ،
فما كان ليقدر أن يصمِّتَ جميعَ أمةِ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم فيُحرف
القرآنَ على مرأى من جميع المسلمين ، ثم هب أن ذلك قد وقع من الحجاجِ ،
فأين النقلةَ لم يجمعوا على نقلهِ ، ولماذا لم يأتِ إلا من طريقِ عبادِ بنِ
صهيبٍ رجلٍ من المتروكين الهلكى ؟ كيف وقد ثبتت الأسانيدُ الدالةُ على
بطلانِ هذه الحكايةِ بخصوص كتابةِ تلك الأحرفِ ؟ ومثل هذا لا يستحقُ
الإطالةَ الإطالةَ بأكثرَ مما ذكرتُ لظهورِ فسادهِ .ا.هـ.




ما نسب إليهِ من غلوٍ في عثمانَ رضي اللهُ عنه :


ورد خبرٌ أن الحجاجَ كان عثمانياً غالياً فيه فلننظر فيه .




‏عَنْ ‏عَوْفٍ ‏‏قَالَ : سَمِعْتُ ‏‏الْحَجَّاجَ ‏‏يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ
: ‏‏إِنَّ مَثَلَ ‏‏عُثْمَانَ ‏عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ‏عِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ ،‏ ‏ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ يَقْرَؤُهَا وَيُفَسِّرُهَا : "
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ
وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا " [ آل عمران : 55 ] يُشِيرُ
إِلَيْنَا بِيَدِهِ وَإِلَى أَهْلِ ‏ ‏الشَّامِ ‏.




أخرجه أبو داود (4641) ، وقال عنه العلامة الألباني في " ضعيف سنن أبي داود " (1006) : ضعيف مقطوع .




قال صاحبُ " عون المعبود " تعليقا على الحديث : ‏وَمَقْصُود الْحَجَّاج
مِنْ تَمْثِيل عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام
إِظْهَار عَظَمَة الشَّأْن لِعُثْمَان وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أُمَرَاء بَنِي
أُمَيَّة وَمَنْ تَبِعَهُمْ الَّذِينَ كَانُوا فِي الشَّام وَالْعِرَاق
وَتَنْقِيص غَيْرهمْ , يَعْنِي مَثَل عُثْمَان كَمَثَلِ عِيسَى عَلَيْهِ
السَّلَام وَمَثَل مُتَّبِعِيهِ كَمَثَلِ مُتَّبِعِيهِ , فَكَمَا أَنَّ
اللَّه تَعَالَى جَعَلَ مُتَّبِعِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَوْق
الَّذِينَ كَفَرُوا كَذَلِكَ حَمْل مُتَّبِعِي عُثْمَان رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ مِنْ أَهْل الشَّام وَأَهْل الْعِرَاق فَوْق غَيْرهمْ , بِحَيْثُ
جَعَلَ فِيهِمْ الْخِلَافَة وَرَفَعَهَا عَنْ غَيْرهمْ فَصَارُوا
غَالِبِينَ عَلَى غَيْرهمْ . ‏ ‏قَالَ السِّنْدِيُّ : لَعَلَّهُ أَشَارَ
بِهَذِهِ الْإِشَارَة عِنْد قَوْله تَعَالَى " وَجَاعِل الَّذِينَ
اِتَّبَعُوك " وَأَرَادَ بِهَذَا أَنَّ أَهْل الشَّام تَبِعُوا عُثْمَان
فَرَفَعَهُمْ وَوَضَعَ فِيهِمْ الْخِلَافَة , وَغَيْرهمْ اِتَّبَعُوا
عَلِيًّا فَأَذَلَّهُمْ اللَّه وَرَفَعَ عَنْهُمْ الْخِلَافَة اِنْتَهَى
.ا.هـ.




فراسةُ والدِ الحجاجِ في ابنهِ :


تفرس والدُ الحجاجِ في ابنه من خلالِ قصة نقلها الحافظُ ابن كثير في "
البداية والنهاية " (9/119) نقلها عن ابنِ عساكر صاحبِ " تاريخ دمشق " فقال
: وقد ذكر ابنُ عساكر في ترجمةِ سليم بن عنز قاضي مصر ، وكان من كبار
التابعين ، وكان ممن شهد خطبة عمر بن الخطاب بالجابية ، وكان من الزهادةِ
والعبادةِ على جانب عظيم ، وكان يختم القرآن في كل ليلة ثلاث ختمات في
الصلاة وغيرها . والمقصود أن الحجاج كان مع أبيه بمصر في جامعها فاجتاز
بهما سليم بن عنز هذا فنهض إليه أبو الحجاج فسلم عليه ، وقال له : إني ذاهب
إلى أمير المؤمنين ، فهل من حاجة لك عنده ؟ قال : نعم ! تسأله أن يعزلني
عن القضاء . فقال : سبحان الله !! والله لا أعلم قاضياً اليوم خيراً منك .
ثم رجع إلى ابنه الحجاج فقال له ابنه : يا أبت أتقوم إلى رجل من تجيب وأنت
ثقفي ؟ فقال له : يا بني ، والله إني لأحسب أن الناس يرحمون بهذا وأمثاله .
فقال : والله ما على أمير المؤمنين أضر من هذا وأمثاله ، فقال : ولم يا
بني ؟ قال : لأن هذا وأمثاله يجتمع الناس إليهم ، فيحدثونهم عن سيرة أبي
بكر وعمر ، فيحقر الناس سيرة أمير المؤمنين ، ولا يرونها شيئاً عند سيرتهما
، فيخلعونه ويخرجون عليه ويبغضونه ، ولا يرون طاعته ، والله لو خلص لي من
الأمر شيء لأضربن عنق هذا وأمثاله . فقال له أبوه : يا بني والله إني لأظن
أن الله عزَّ و جلَّ خلقك شقياً .




علق ابنُ كثير على القصة فقال : وهذا يدل على أن أباه كان ذا وجاهة عند
الخليفة ، وأنه كان ذا فراسة صحيحة ، فإنه تفرس في ابنه ما آل إليه أمره
بعد ذلك .ا.هـ.




وللموضوعِ بقيةٌ إن شاءَ اللهُ تعالى ....




كتبهُ


عبد الله زُقَيْل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رزان
مشرفة
مشرفة
رزان



 السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية    السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Emptyالسبت مارس 23, 2013 2:53 pm

فتح عمورية

الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد




إن الحمد لله...


سبب قصة فتح عمورية، قصة مشهورة، عندما صرخت المرأة الهاشمية ونادت:
وامعتصماه. وذلك عندما أغار إمبراطور الروم على بعض الثغور الإسلامية
فخربها وأحرقها وأسر أهلها وسبى من النساء المسلمات أكثر من ألف امرأة،
ومثّل بمن صار في يده من المسلمين، وسمّل أعينهم وقطع آذانهم وأنوفهم، فكان
الرد الحاسم فتح عمورية، عندما علم المعتصم بصيحة المرأة الهاشمية التي
نادت: وامعتصماه.


فمن هو المعتصم؟.


إنه المعتصم بالله، أبو إسحاق، محمد بن الرشيد، ثامن الخلفاء العباسيين
الخليفة الفارس، والمقاتل الشجاع، ذي الهمة والنخوة. أمُّه أم ولد تركية
اسمها ماردة بنت شبيب، كانت من أحظى الناس عند الرشيد.


بويع له في اليوم الذي كانت فيه وفاة أخيه المأمون، وهو يومئذ ابن ثمان
وثلاثين سنة وشهرين. وقد اشتهر المعتصم بالشجاعة والقوة والهمة، فقوته
خارقة هائلة، كان يحمل أرطالاً تعجز عنها الرجال ويمشي بها خطوات، ويثني
الحديد مرات بعد عجز الأبطال عنه، وهو فارس مقاتل من الطراز الأول، ففرسان
قريش ابتدأت بحمزة بن عبد المطلب، وانتهت بالمعتصم.


وكان المعتصم مع هذا كله إنساناً شفوقاً.


ذكر المسعودي في تاريخه: أن المعتصم كان يسير في طريق وذلك في يوم مطير،
وقد تبع ذلك ليلة مطيرة وانفرد من أصحابه، وإذا حمار قد زلق ورمى بما عليه
من الشوك، وهو الشوك الذي توقد به التنانير بالعراق، وصاحبه شيخ ضعيف واقف
ينتظر إنساناً يمرّ فيعينه على حمله، فوقف عليه، وقال: مالك يا شيخ؟ قال:
فديتك، حماري وقع عنه هذا الحِمْل، وقد بقيت أنتظر إنساناً يعينني على
حمله. قال: فذهب المعتصم ليخرج الحمار من الطين، فقال الشيخ: جعلت فداك!
تفسد ثيابك هذه وطيبك الذي أشمّه من أجل حماري هذا؟ قال: لا عليك، فنـزل
واحتمل الحمار بيد واحدة وأخرجه من الطين، فبُهت الشيخ وجعل ينظر إليه
ويتعجب منه، ويترك الشغل بحماره، ثم شدَّ عنان فرسه من وسطه، وأهوى إلى
الشوك وهو حُزْمتان فحملهما فوضعهما على الحمار، ثم دنا من غدير فغسل يديه
واستوى على فرسه. فقال الشيخ: رضي الله عنك، فديتك يا شاب، وأقبلت الخيول،
فقال لبعض خاصته: أعْطِ هذا الشيخ أربعة آلاف درهم، وكن معه حتى تجاوز به
أصحاب المسالح، وتبلغ به قريته.


ويقال للمعتصم: "المُثَمَّن" وذلك لأن أموره كلها جرت على ثمانية، فهو ثامن
الخلفاء العباسين، والثامن من ولد العباس، وثامن أولاد الرشيد ومَلَكَ سنة
ثماني عشرة ومئتين، ودامت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام،
ومولده سنة ثمان وسبعين ومئة، وعاش ثمانية فتوح، وقَتل ثمانية أعداء،
وخلَّف ثمانية أولاد، ومن الإناث كذلك، وتوفي لثمان بقين من ربيع الأول.


كان المعتصم يكتب كتابة ضعيفة، ويقرأ قراءة ضعيفة، وإن ورد في مصادر أخرى
أنه كان أميّاً لا يقرأ ولا يكتب. ويقال إن سبب ذلك أنه رأى جنازة بعض
الخدم يوماً فقال: ليتني مثل هذا حتى أتخلَّص من الكُتَّاب، فقال له أبوه
الرشيد: والله لا عذبتك بشيء تختار عليه الموت، ومنعه من الكُتَّاب منذ
يومئذ.


انصبَّت جهود المعتصم، وأموال الخلافة، على قضية الدولة الأولى، ألا وهي
قطع مخلب بَابَك الخُرَّمي، وبترِ يده، فكان يخشى أن تطول فتنته لتعمّ بلاد
فارس.


بدأت حركة بَابَك الخُرَّمي أيام خلافة المأمون، والخُرَّمية: فرقة متطورة
عن المزدكية، تؤمن بصراع إله الخير وإله الشر. ولم يكن بَابَك رجلاً
عادياً، فقد وصف بأنه من أبطال زمانه وشجعانهم، عاث في البلاد وأفسد، وأخاف
الإسلام وأهله، وغلب على أذربيجان وغيرها، وأراد أن يقيم ملة المجوس، ومع
ادعائه الألوهية، أراد تحويل الْمُلْك من العرب المسلمين إلى الفرس، فأثار
ومن تبعه حرباً شعواء على الإسلام والمسلمين قال عنه الحافظ ابن كثير رحمه
الله: وكان زنديقاً كبيراً وشيطاناً رجيماً.


سيَّر المعتصم أبا سعيد محمد بن يوسف إلى أردبيل، وأمره أن يبني الحصون
التي خربها بَابَك في المنطقة، فأعاد بناءها، وشحنها بالرجال والأقوات لحفظ
الطريق لمن يحمل الميرة إلى المنطقة، وتنبّه بَابَك إلى سلامة خطوة
المعتصم هذه، فوجَّه سريَّة أغارت على بعض النواحي، ولكن أبا سعيد اعترضها،
وقتل من الخُرَّمية جماعة، وأسر منها جماعة، فهذه أول هزيمة كانت على
أصحاب بَابَك.


وفي سنة 220 هـ سيَّر المعتصم أحد قواد الدولة العباسية اشتهر بـ "الأفشين"
واسمه: حيدر بن كاوس. أرسله المعتصم لقتال بَابَك، وجهَّزه بالرجال والمال
الوفير. وجرت موقعة بين الأفشين وبَابَك بجبل "أرْشَق"، قَتَلَ فيها
الأفشين من أصحاب بَابَك خلقاً كثيراً، وهرب بَابَك إلى مُوقان ثم إلى
حاضرته البَذّ وتحصن فيها.


وضعت الخلافة العباسية تحت إمرة الأفشين وهو خير قوادها كامل إمكاناتها
المادية، وحشدت لبَابَك كل طاقاتها، ومع ذلك تأخر القضاء عليه وتأخر فتح
البذّ لأمران:


الأمر الأول: وعورة المنطقة، ومنعة حصونها، وطبيعة الأرض التي تساعد على
إقامة الكمائن، وكان بَابَك إذا أحسَّ بمجيئهم وجَّه جمعاً من أصحابه
فيكمنون في الوادي، وكان يفرِّق عساكره، ولا يبق إلاّ في نفر يسير.


الأمر الثاني: المناخ البارد المطير، فلم يكن للناس عليها صبر لشدة البرد
وشدة الريح. لذلك كانت الحرب تنشب بعد انقضاء فصل الشتاء، فالثلوج كانت
تمنع المشاة من التقدم.


ورأى الأفشين أن الحل تضييق الحصار على بَابَك، وقطع المؤونة والمدد عنه.
سار الأفشين محترساً، ورتب أموره أدقّ ترتيب، وأخذ يدنو من البَذِّ ببطء
وحذر شديدين. وتابع خطته، السير قليلاً قليلاً كلما جاءته عيونه بخبر سارٍّ
تقدَّم، أو توقف وانتظر الفرصة المناسبة في خنادق كان يأمر بحفرها،
واستطاع بعد أيام إرسال كتائبه ليلاً لتحيط بالبذّ من كل ناحية، وجعل لها
شارات وأعلاماً وأمرهم ألا يعلم بهم أحد، وأن يكمنوا حتى إذا رأوا أعلامه
وتقدمه ضربوا الطبول وانحدروا إلى البذّ ورموا بالنشّاب والصّخر على
الخرّمية، وإن هم لم يروا الأعلام لم يتحركوا حتى يأتيهم خبره، وبدأت
المعركة الفاصلة بأمر الأفشين على أبواب البذّ وأسوارها. لقد حقق الأفشين
مراده، عندما أحدق ببَابَك وضيَّق عليه من كل الجهات، وأدهش بَابَك إحكام
الحصار عليه، فخرج من البَذِّ من باب يقع قُبالة مقر قيادة الأفشين، وأقبل
عليه في جماعة معه، يسألون عن الأفشين، فركب الأفشين إليه، ودنا منه حتى
صار في موضع يسمع كلامه، فوافقه وبينهما نهر، والحرب مشتبكة في أطراف
البَذِّ، فقال بَابَك: أريد الأمان من أمير المؤمنين المعتصم.


فقال الأفشين: قد عرضت عليك هذا، وهو لك مبذول متى شئت.


فقال بَابَك: قد شئت الآن، على أن تؤجلني أجلاً أحمل فيه عيالي وأتجهَّز


فقال الأفشين: قد والله نصحتك غير مرة، فلم تقبل نصيحتي، وأنا أنصحك الساعة، خروجك اليوم في الأمان خير من غد.


فقال بَابَك: قد قبلت أيها الأمير، وأنا على ذلك.


فقال الأفشين: فابعث بالرهائن الذين كنت سألتك.


قال بَابَك: نعم، أمَّا فلان وفلان فهم على ذلك التل، فمر أصحابك بالتوقف.


وفي هذه اللحظة جاء من المسلمين من قال للأفشين: دخلت أعلامنا البَذّ ورفعت
فوق قصور بَابَك، وإن الخرميَّة تقاتل قتالاً شديداً، فأُحضر
النَّفَّاطون، فجعلوا يهدمون القصور، حتى قتلو الخُرَّميَّة عن آخرهم. وأخذ
الأفشين أولاد بَابَك ومن كان معهم في البَذِّ من عيالهم، ولكن بَابَك
وخواصه حملوا من الزاد ما أمكنهم حمله، وحملوا أموالهم ونفائسهم وهربوا،
ومضى بَابَك على بغلة وقد لبس ثياب الصوف، فكتب الأفشين إلى ملوك أرمينية
وبطارقتها بإذكاء العيون عليه في نواحيهم، حتى يأتوه به لأنه هرب ومن معه
باتجاه بلادهم. واختفى بَابَك في وادٍ كثير العشب والشجر، طرفه بأرمينية،
وطرفه الآخر بأذربيجان، لا تستطيع الخيل نزوله، ولا يُرى من يستخفي فيه
لكثافة غاباته وكثرة مياهه. وبينما كان الأفشين يهدم قصور البَذِّ ويحرقها،
فعل ذلك ثلاثة أيام حتى أحرق خزائنه وقصوره فلم يدع فيها بيتاً ولا قصراً
إلاّ أحرقه وهدمه، إذ ورد كتاب أمير المؤمنين المعتصم وفيه أمان لبَابَك،
وجاءت عيون الأفشين إليه فأعلموه بموضع بَابَك، وعيَّنو بدقة غَيْضَةً
التجأ إليها واختفى فيها. فأرسل الأفشين رجلان أحدهما ابن بَابَك، فقالا
له: اضمن لنا أنك تجري على عيالاتنا، فضمن لهما الأفشين ذلك فسارا إليه إلى
الغيضة التي حددتها العيون. فامتنع بَابَك من قبول الأمان وقتل الرجل
المرافق لابنه، وقال لابنه: قد صحَّ عندي الساعة فسادُ أمِّك الفاعلة، يا
بن الفاعلة، ولكنك من جنس لا خير فيه، وأنا أشهد أنك لست بابني، تعيش يوماً
واحداً وأنت أمير زعيم، خير من أن تعيش أربعين سنة وأنت عبد ذليل. فعاد
ابنه برفض بَابَك وامتناعه من قبول الأمان.


ورحل بَابَك من موضعه، وسار ومن معه في الجبال مستخفياً يريد عبور أرمينية،
واجتازها من شرقها إلى غربها، ليلحق بحليفه إمبراطور بيزنطة، وكان جميع
أمراء أرمينية وحكامها قد احتاطوا بنواحيهم وأطراف أراضيهم وتحفَّظوا،
وأوصوا جندهم ألاّ يجتاز عليهم أحد إلاّ أخذوه حتى يعرفوه، فكان الجند
والحراس متحفظين متيقظين.


وأصاب بَابَك ومن معه الجوع، وأشرف من مكانه فإذا هو بحرَّاث يحرث على
فدَّان له في بعض الأودية، فقال لغلامه: انزل إلى هذا الحرَّاث، وخذ معك
دنانير ودراهم، فإذا كان معه خبز فخذه وأعطه.


وقد ذكر الإمام الطبري رحمه الله في تاريخه قصة إلقاء القبض على بَابَك
قائلاً: أنهم دخلوا بعد ذلك منطقة محصنة لرجل يسمى سهل بن سُنباط كان هو
واليها. فلما رأى ابن سنباط بابَك عرفه، فترجّل له عن دابته، ودنا منه
فقبَّل يده، ثم قال له - وأراد أن يعمّي عليه -: يا سيّداه، إلى أين؟ قال
بَابَك: أريد أن أدخل بلاد الروم، فقال ابن سُنباط: إلى عند من تذهب أحرز
من حصني، وأنا غلامك وفي خدمتك؟ لن تجد موضعاً ولا أحد أعرف بحقِّك، ولا
أحقَّ أن تكون عنده مني، تعرف موضعي، وليس بيني وبين المعتصم عمل، وكل من
هاهنا من البطارقة إنما هم أهل بيتك، قد صار لك منهم أولاد. وذلك لأن
بَابَك كان إذا علم أن عند بعض البطارقة ابنة أو أختاً جميلة، وجَّه إليه
يطلبها، فإن بعث بها إليه تركه آمناً وإلا أسرى إليه فأخذها ونهب ماله
ومتاعه وأسره وسار به إلى البذِّ أسيراً.


ثم قال ابن سُنباط لبَابَك: صِرْ عندي في حصني، فإنما هو منـزلك، وأنا
عبدك، كُنْ فيه شَتْوَتَك هذه، ثم ترى رأيك. وكان بَابَك قد أصابه الضُّرُّ
والجهد، فركن إلى كلام ابن سُنباط، فأقام عنده في حصنه فكتب ابن سُنباط
إلى الأفشين يعلمه أن بَابَك عنده في حصنه.


وعندما تيقَّن الأفشين من ذلك، سيَّر لبَابَك رجلين ليحضراه، وأمرهما أن
يطيعا وجهات نظر ابن سُنباط. فاتفق ابن سُنباط مع الرجلين أن يكمنا في موقع
محدد، وسيخرج هو مع بَابَك للصيد، عندها يأخذانه مقيداً. قال ابن سُنباط
لبَابَك: قد ضجرت من هذا الحصن، فلو نزلت إلى الصيد، فوافق، وخرجوا في
اليوم المحدد، إلى المكان المحدد ومعهما أدوات الصيد. ولما نزل بَابَك من
الحصن، أرسل ابن سُنباط إلى رسولَي الأفشين، وأمرهما أن يوافياه، أحدهما من
جانب وادٍ هناك، والثاني من الجانب الآخر، ففعلا، لأنه ما أراد أن يدفعه
إليهما مباشرة، فبينما بَابَك وابن سُنباط يتصيَّدان، إذ خرج عليه الرجلان،
وأسرا بَابَك وقيَّداه فقال لابن سُنباط: قبحك الله، فهلا طلبت مني من
المال ما شئت، كنت أعطيتك أكثر مما يعطيك هؤلاء. وأحضر الرجلان بَابَك
بحراسة دقيقة، خوفاً أن يقتله أحد أو يجرحه ممن قتل أهله، أو أصابه ظُلمُهُ
وحَيْفُهُ، وعندما وصل إلى الأفشين سجنه، وكتب إلى المعتصم بذلك، فكتب
المعتصم إليه يأمره بالقدوم به عليه. ثم أمر أن يهيِّئوا فيلاً، ويخضبوا
أطرافه ويلبسوه من الحرير والأقنعة التي تليق به شيئاً كثيراً. وأُدخل
بَابَك على الفيل ليراه الناس كافة، وليشهر أمره ويعرفوه. فأمر المعتصم أن
تقطع يداه ورجلاه، فلما أن قطعت يده مسح بالدم على وجهه حتى لا يرى أحد أن
وجهه أصفر خيفة من القتل. ثم جُزّ رأسه وشُقَّ بطنه، ووجّه برأسه إلى
خراسان ليطمئن الناس ويأمنوا، وصُلب بدنه على خشبة بسامراء، وكان باَبَك قد
شرب الخمر ليلة قتله. وسيّر أخاه إلى بغداد، وأمر بضرب عنقه، وأن يفعل به
مثل ما فعل بأخيه.


وكان بَابَك قد قتل من المسلمين في مدة ظهوره وهي عشرون سنة، مائتي ألف
وخمسة وخمسين ألفاً. ولما قتله المعتصم توّج الأفشين وقلّده وشاحين من جوهر
وأعطاه عشرين ألف ألف درهم، وكتب له بولاية السند، وأمر الشعراء أن
يمدحوه.


وأما عن فتح عمورية فكما ذكرنا في المقدمة من أن بَابَك كتب إلى ملك الروم
البيزنطيين، عندما ضيِّق عليه الأفشين قائلاً: "إن ملك العرب المعتصم قد
جهَّز إليَّ جمهور جيشه، ولم يبقَ في أطراف بلاده من يحفظها فإن كنت تريد
الغنيمة فانهض سريعاً إلى ما حولك من بلاده فخذها، فإنك لا تجد أحداً
يمانعك عنها". كل ذلك للتخفيف عن نفسه بعض ما هو فيه. فخرج ملك الروم في
مئة ألف من جنده، فانقضَّ على مدينة "زِبَطْرَة" وأعمل فيها السيف، وقتل
الصغير والكبير بلا إنسانية ولا رحمة وسبى النساء بعد ذبح أطفالهن، ثم أغار
على "مَلَطْيَة" فأصابها على يد ملك الروم وجنده ما أصاب زِبَطْرَة، فضج
المسلمون في مناطق الثغور كلها، واستغاثوا في المساجد والطرقات، ودخل
إبراهيم بن المهدي على المعتصم، وأنشده قصيدة يذكر فيها ما نزل بزِبَطْرَة
ومَلَطْيَة والثغور ويحضه على الانتقام، ويحثه على الجهاد، منها:


يا غيرة الله قد عاينت فانتهـكي *** هتك النساء وما منهن يرتكب


هَبِ الرجال على إجرامها قُتِلَت *** ما بال أطفالها بالذبح تُنْتَهـبُ


فاستعظم المعتصم ذلك لما بلغه الخبر، وبلغه أن هاشميَّة صاحت وهي في أيدي
الروم: وامعتصماه. فأجاب وهو على سريره: "لبَّيك لبَّيك"، ونادى بالنفير
العام، ونهض من ساعته.


ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية عن ملك الروم أنه:
"سَبَى من المسلمات أكثر من ألف امرأة، ومثَّل بمن صار في يده من المسلمين،
وسمّل أعينهم وقطع أذانهم وأنافهم".


فنادى المعتصم في العساكر بالرحيل إلى الغزو، واستدعى القاضي والشهود،
فأشهدهم أن ما يملكه من الضياع، ثلثه صدقة، وثلثه لولده وثلثه لمواليه.
وتساءل قائلاً: أيُّ بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل له: عمورية، لم يعرض لها
أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية، وهي أشرف عندهم من
القسطنطينية، فسار باتجاهها، بجهاز عظيم من السلاح والعدد وآلات الحصار،
وبجحافل أمثال الجبال. ولما دخل الجيش الإسلامي بقيادة المعتصم بلاد الروم،
أقام على نهر اللاّمِس، وهذا النهر كان هو الحد الفاصل بين الخلافة
العباسية والدولة البيزنطية في آسية الصغرى، وعلى ضفتيه كانت تتم مبادلة
الأسرى. فبعد أن وصلت الطليعة إلى الموقع المقصود، حُفرت الخنادق، فقد كان
النظام يقضي بألاّ يعسكر الجنود قبل أخذ الحيطة من الهجوم المفاجئ، فإذا ما
وصل الجيش الرئيسي نُصبت الخيام في نظام بديع رائع، وخططت الشوارع
والميادين، وأقيمت الأسواق، كما لو كان المعسكر مدينة عامرة، وكانت توزَّع
الأرزاق، فتوقد المطابخ، وتنصب عليها القدور، مع بث مفارز الرَّصد
والدوريات المتحركة، ويقسمون الجند إلى عدَّة نوبات، بحيث يظلّ قسم منهم
جاهزاً دوماً على ظهور الخيل، لمشاغلة العدو ريثما يستعد الباقون، ويضاف
إلى كلِّ ذلك أفراد الحرس الدَّاخلي الذين كانوا يُفاجَؤُون في محارسهم
ليلاً، للتأكد من يقظتهم، وكان هؤلاء يستلمون الحراسة بالمناوبة، وكانت
نوبة حرس أوَّل الليل أطول من نوبة آخره عادة.


اجتمعت كلّ العساكر بقيادة المعتصم عند عمورية، وهي مدينة عظيمة كبيرة جداً
ذات سور منيع وأبراج عالية كبار كثيرة، فركب ودار حولها دورة كاملة،
وقسَّمها بين القُوَّاد، جاعلاً لكل واحد منهم أبراجاً من سورها، وذلك على
قدر كثرة أصحابه وقلَّتهم، وصار لكل قائد منهم ما بين البُرجَيْن إلى عشرين
برجاً. أمَّا أهل عمورية فقد تحصَّنوا داخل أسوار مدينتهم، متّخذين ما
استطاعوا من الحيطة والاحتراز.


وعلم المعتصم من عربي متنصِّر، تزوج في عمورية وأقام بها، أن موضعاً من
المدينة جاءه سيل شديد، فانهار السُّور في ذلك الموضع، فكتب ملك الروم إلى
عامله في عمورية أن يبني ذلك الموضع ويعيد تشييده، فوجّه الصُّنَّاع
والبنَّائين، فبنوا وجه السُّور بالحجارة حجراً حجراً، وتركوا وراءه من
جانب المدينة حشواً، ثم عقدوا فوقه الشُّرَف، فبدا كما كان ولما علم
المعتصم بذلك أمر بضرب خيمته تجاه هذا الموضع، ونصب المجانيق عليه. بدأت
المجانيق الضخمة تعمل عملها فانفرج السُّور من ذلك الموضع، فلما رأى أهل
عمورية انفراج السور، دعَّموه بالأخشاب الضخمة، كل واحدة إلى جانب الأخرى،
فكان حجر المنجنيق إذا وقع على الخشب تكسَّر، فيهرَع المحاصَرون لتدعيم
السور بأخشاب ضخمة جديدة، ليحموا السور من الانهيار. وعندما توالت قذائف
المجانيق على هذا الموضع الواهن، انصدع السور فكتب عامل عمورية إلى ملك
الروم كتاباً يعلمه فيه بأمر السور، وحرج الموقف، وقوة الحصار، ووجّه
الكِتاب مع رجل يتقن العربية، ومعه غلام رومي، كي لا يُكشف أمره عند اجتياز
صفوف الحصار، فإن تحدَّث معه عربي مسلم أو سأله، يجيبه بالعربية كي لا
يُشَكَّ في أمره. وأخرج الرجلين من مكان مسيل ماء، فعبرا الخندق الذي يلي
السور، فلما خرجا من الخندق، أنكرهما الجند، فسألوهما: من أين أنتما؟
فأجابا: نحن من أصحابكم، نحن منكم جنديان في جيش أمير المؤمنين المعتصم،
فقالوا لهما: مِنْ أصحاب مَنْ أنتما؟ فلم يعرفا أحداً من قُوَّاد أهل
العسكر يسميانه لهم، فأنكروهما، وجاؤوا بهما إلى المعتصم، وفتَّشهما، فوجد
معهما كتاباً إلى ملك الروم يعلمه فيه عامله على عمورية، أنَّ جند المسلمين
أحاطوا بعمورية في جمع كبير، وقد ضاق به الموضع، وأنه قد اعتزم على أن
يركب ويحمل خاصَّة أصحابه على الدَّوابِّ التي في الحصن، ويفتح الأبواب
ليلاً على حين غرة ويخرج ومن معه، فيحمل على المسلمين كائناً ما كان بعدها،
أُفلت فيه من أفلت، وأصيب فيه مَنْ أُصيب، حتى يتخلَّص من الحصار، مهما
كانت النتائج.


وفي صباح اليوم التالي أمر المعتصم بالرجلين الأسيرين، فأداروهما حول
عمورية ليحدِّدا مقر عاملها ومكان وجوده، فقالا: يكون في هذا البرج


وأمر المعتصم بالاحتياط في الحراسة ليلاً ونهاراً، وشدَّدها، وأمر أن تكون
بين الجند تناوباً، في كل ليلة يحضرها الفرسان، يبيتون على دوابِّهم بكامل
أسلحتهم، تحسُّباً من أن يُفتح باب من أبواب عمورية ليلاً أو أن يتسلَّل من
خلالها إنسان، فلم يزل جند المعتصم يبيتون كذلك بالتناوب على ظهور
الدَّوابِّ في السلاح، ودوابهم بسروجها، حتى انهدم السور ما بين برجين، من
الموضع الذي وُصف للمعتصم أنه لم يحكم عمله. ودوَّى في فضاء عمورية صوت
اهتز له جنباتها، إثر تهدم جانب السور، فطاف رجال بالجند المسلمين يبشرونهم
أن الصوت الذي سُمِعَ، صوت السور قد سقط، فطيبوا نفساً بالنصر.


وتنبه المعتصم إلى سعة الخندق المحيط بعمورية وطول سورها، فدفع لكل جندي
شاة، لينتفع من لحمها، وليحشو جلدها تراباً، وطرحها في الخندق كي يمكِّن من
الوصول إلى السور.


وفي صباح يوم جديد من الحصار بدأ القتال على الثُّلْمَة التي فُتحت في
السور، ولكن الموضع كان ضيقاً، لم يمكنهم من اختراق الثُّلْمَةِ، فأمر
المعتصم بالمنجنيقات الكبار التي كانت متفرقة حول السور، فجمع بعضها إلى
بعض، وجعلها تجاه الثُّلمة، وأمر أن يُرمى ذلك الموضع لتتَّسع الثُّلمة،
ويسهل العبور، وبقي الرَّمي ثلاثة أيام، فاتَّسع لهم الموضع المنثلم. وكان
الموكَّل بالموضع الذي انثلم من السور رجلاً من قوَّاد الرَّوم فقاتل
وأصحابه قتالاً شديداً باللَّيل والنهار، والحرب عليه وعلى أصحابه ولم
يمدّه عامل مدينة عمورية ولا غيره بأحد من الروم، فلما كان بالليل مضى إلى
قومه وقال: إن الحرب عليَّ وعلى أصحابي، ولم يبق معي أحد إلاَّ قد جُرح،
فصَيِّروا أصحابكم على الثُّلمة يرمون قليلاً، وإلاَّ افتضحتم وذهبت
المدينة، فأبوا أن يمدُّوه بأحد، وقالوا: سَلِمَ السور من ناحيتنا، وليس
نسألك أن تمدنا، فشأنك وناحيتك، فليس لك عندنا مدد، فاعتزم وأصحابه على أن
يخرجوا إلى المعتصم، ويسألوه الأمان على أهلهم، ويسلِّموا إليه الحصن بما
فيه من المتاع والسلاح. فلما أصبح خرج فقال: إني أريد أمير المؤمنين،
فأوصله بعض الجند المسلمين إليه، وأعطاه المعتصم ما أراد، من أمان له ومن
بجهته من الرجال، ثم ركب حتى جاء فوقف حذاء البرج الذي يقاتل فيه عامل
عمورية، فصاح بعض الجند بالعامل، هذا أمير المؤمنين، فصاح الروم من فوق
البرج: ليس العامل هاهنا، فغضب المعتصم لكذبهم وتوعَّد، فصاحوا: هذا
العامل، فصعد جندي على أحد السلالم التي هيِّئت أثناء الحصار، وقال للعامل:
هذا أمير المؤمنين فانزل على حكمه، فخرج من البرج متقلِّداً سيفاً، حتى
وقف على البرج، والمعتصم ينظر إليه، فخلع سيفه من عنقه، ودفعه إلى الجندي
المسلم الذي صعد إليه، ثم نزل ليقف بين يدي المعتصم، فضربه المعتصم بالسوط
على رأسه، ثم أمر به أن يمشي إلى مضرب الخليفة مهاناً فأوثق هناك ليعلن
سقوط عمورية بيد المعتصم وجنده. وذلك بعد حصار دام خمسة وخمسين يوماً، من
سادس رمضان إلى أواخر شوال سنة 223هـ. ثم أمر المعتصم بطرح النار في عمورية
من سائر نواحيها، فأُحرقت وهدمت، وأحرق ما بقي بعد ذلك من المجانيق
والدبابات وآلات الحرب لئلا يتقوى بها الروم على شيء من حرب المسلمين. وعاد
بعدها المعتصم بغنائم كبيرة وكثيرة جداً لا تحد ولا توصف، منتصراً ظافراً،
رادّاً على ملك الروم فعلته، كاسراً مخالبه التي تطاولت على زِبَطْرَة،
ومستجيباً لصيحة الهاشمية الحرَّة عندما صرخت "وامعتصماه"، فخلَّصها وقتل
الرومي الذي لطمها.


وكتب أبو تمام قصيدته المشهورة بمناسبة هذا الفتح العظيم لمدينة عمورية وقد
كرر إلقاءها ثلاثة أيام أمام المعتصم، وحوله المهنئون وعلية القوم، حتى
قال له المعتصم: لِمَ تجلو علينا عجوزك؟ ويجيب أبو تمام: حتى أستوفي مهرها
يا أمير المؤمنين، فأمر له بمئة وسبعين ألف درهم، عن كل بيت منها ألف درهم.


السيف أصدق أنباءً من الكتب *** في حده الحد بين الجد واللعب


بيض الصفائح لا سود الصحائف *** في متونهنّ جلاء الشك والريب


والعلم في شهب الأرماح لامعة *** بين الخميسين لا في السبعة الشهب


أين الرواية أم أين النجوم وما *** صاغوه من زخرف فيها ومن كذب


فتح الفتوح تعالى أن يحيط به *** نظم من الشعر أو نثر من الخطب


فتحٌ تُفَتَّحُ أبواب السماء له *** وتبرُز الأرض في أثوابها القُشُب


يا يوم وقعة عمورية انصرفت *** منك المنى حُفَّلاً معسولة الحلب


أبقيتَ جدَّ بني الإسلام في صَعَد *** والمشركين ودار الشرك في صَبَب


لقد تركتَ أمير المؤمنين بها *** للنار يوماً ذليل الصخر والخشب


غادَرتَ فيها بهيم الليل وهو ضحىً *** يشُلّه وسطها صبحٌ من اللهب


حتى كأن جلابيب الدجى رَغِبت *** عن لونها وكأن الشمس لم تَغِب


لو يعلم الكفر كم من أعصر كَمَنَت *** له العواقب بين السُّمر والقُضُب


تدبير معتصمٍ بالله مُنتقِم *** لله مرتقِبِ في الله مُرتَغِب


رمى بك الله برجيها فهدّمها *** ولو رمى بك غيرُ الله لم يُصِب


لبَّيت صوتاً زِبطرياً هَرَقَتْ له *** كأس الكرى ورُضابَ الخُرَّدِ العُرُب


أجبته معلناً بالسيف منصلتاً *** ولو أجبت بغير السيف لم تُجِب


حتى تركتَ عمود الشرك منعفرا *** ولم تُعرّج على الأوتاد والطُّنُب


ولّى وقد ألجم الخطِّيُّ منطِقَه *** بسكتة تحتها الأحشاء في صخب


والحرب قائمةٌ في مأزقٍ لَجِجٍ *** تجثو القيام به صُغراً على الرُّكَب


إلى آخر ما قاله أبو تمام في قصيدته العصماء التي ما أن يقرأها المسلم حتى
يشعر بنشوة الأيام الخالدة التي علا فيها راية الإسلام خفاقة فوق هامات
الشرك، أما اليوم والأمة تعيش حالة من الذل والهوان والخور، ليتها ترجع إلى
تاريخها وتقرأ عندما ارتفعت في تاريخنا الإسلامي أصوات استنجاد، وانطلقت
صرخات استغاثة، رفعتها حناجر المظلومين، وأطلقتها أفواه المحرومين، كان
الجواب الثابت على كل تلك الصرخات ثابت لم يتغير، وهو المسارعة للإغاثة
والمساعدة، ولم يحدث قط أن ماتت في أمتنا روح الحمية، وفضيلة النجدة، حتى
في أشد لحظات ضعفها وتمزقها.


ولعل أول تلك الأصوات المستغيثة التي صدحت في أذن التاريخ، هو صوت المرأة
الأنصارية المسلمة، التي غدر بها يهود، في سوق بني قينقاع فكشفوا بعض
عورتها، فصاحت وصرخت واستنجدت، فجاءها الجواب من القائد الأول لهذه الأمة
المجاهدة، محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وزحف عليه الصلاة والسلام
بجنود الحق يدك أوكار اليهود حتى مزقهم كل ممزق.


ثم جاءت صرخة الهاشمية الحرة التي غدر بها الروم فأسروها، فصاحت صيحتها
التي غدت مثلا "وامعتصماه" فأجابها المعتصم من عراق التاريخ والأمجاد، على
ما تم تفصيله في هذه المحاضرة، وجهز جيشاً قاده بنفسه، واقتحم به عمورية،
وهي تركيا الحالية، فحرّك الجيش الإسلامي من العراق حتى تركيا، ولم يرجع
إلا بالأسيرة المسلمة وهي حرة عزيزة.


وأيضاً من هناك، من وراء البحار، من الأندلس الخضراء، صدح صوت امرأة مسلمة،
غدر بها الأعداء فأسروها، فصاحت: واغوثاه بك يا حكم، تقصد الحكم الأول بن
هشام الأول ملك قرطبة، وانطلق النداء يجلجل في أرجاء الكون، حتى بلغ الحَكم
ملك قرطبة، فصاح من فوق عرشه، وتحرك من فوره على رأس جيش يعشق الموت في
سبيل الله، حتى دهم العدو في عقر داره، وخلص إلى الأسيرة المسلمة، وقال
لها: هل أغاثك الحكم يا أختاه؟ فانكبت الأسيرة تقبل رأسه، وهي تقول: والله
لقد شفى الصدور، وأنكى العدو، وأغاث الملهوف، فأغاثه الله، وأعز نصره.


ولله در الحجاج بن يوسف الثقفي، يوم بلغه صوت عائلة مسلمة أسرها الديبل في
أعماق المحيط الهندي، فصاحت في أسرها: يا حَجاج. وانطلقت الصرخة تهز أوتار
الكون، حتى بلغت العراق، بلد النخوة والكرامة والنجدة، فصاح الحجاج بأعلى
صوته والتاريخ أذن تسمع، وأرسل جيشاً عظيماً جعل عليه أعظم قواده، محمد بن
القاسم، وتحرك الجيش المسلم، يحدوه صوت المرأة المسلمة المظلومة، حتى اقتحم
بلاد الديبل، وهي كراتشي حالياً، وقتل ملكها، وعاد بالمرأة المسلمة حرة
عزيزة.


واليوم ما أكثر أصوات الاستغاثة والاستنجاد، التي تطلقها أفواه المظلومين
وترفعها حناجر المسحوقين من أمتنا، ابتداءً من أطفال العراق ونسائه وشيوخه
المظلومين، الذين تتفنن قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية الظالمة في
تعذيبهم وإذلالهم، وما فضائح سجن أبي غريب عنا ببعيدة! ومروراً بأطفال
فلسطين الحبيبة وشيوخها ونسائها، الذين يتفنن اليهود أيضاً في ذبحهم،
وتكسير عظامهم، وبقر بطونهم، وتهديم بيوتهم، وتجريف أراضيهم، وها هي مآسي
رفح وغزة التي تقشعرّ منها الأبدان مستمرة تحت سمع وبصر أهل النخوة والنجدة
- زعموا -.


وانتهاءً بمآسي المسلمين في أفغانستان وكشمير والشيشان والبلقان، وغيرها
مما يشيب لهولها الولدان. ولا تزال الجرائم مستمرة، ولا تزال طاحونة الموت
والدمار تدور رحاها على هذه الأمة، ولا تزال آلاف الحناجر من النساء
والأطفال والشيوخ، تستصرخ وتستنجد وتستنصر، أن وا معتصماه ووا إسلاماه.


أفلم يعد في الضمير المسلم متسع لنصرة طفل مظلوم؟ أولم تبق في النخوة
العربية والإسلامية بقية لإغاثة امرأة ثكلى؟ وهل هانت قيم النخوة والرجولة
والمروءة في أمتنا، إلى الحد الذي صار فيه ذبح الأطفال، وبقر بطون الحوامل،
وقتل المصلين في المساجد وهم سجود، وهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها، أمراً
عادياً ومألوفاً؟.


إن حال الأمة اليوم يصدق عليها ما وصف به أحد الشعراء المعاصرين بقصيدة كتبها بعد نكبة 48م، والتي قال في مطلعها:


أمتي هل لك بين الأمـم *** منبر للسيف أو للقلـم


أتلقّــاك وطرفي مطرقٌ *** خجلاً من أمسك المنصرم


"ألإسرائيل" تعلو رايةً *** في حمى المهد وظل الحرم


كيف أغضيت على الذل ولم *** تنفضي عنك غبار التهم


أوَ ما كنت إذا البغْي اعتدى *** موجة من لهب أو من دمِ


فيم أقدمتِ؟ وأحجمت؟ ولم *** يشتفِ الثـأرُ ولم تنتقمي


اسمعي نوح الحزانى واطربي *** وانظري دمع اليتامى وابسمي


واتركي الجرحى تداوي جرحها *** وامنعي عنها كريمَ البلسمِ


رُبَّ "وامعتصماه" انطلقت *** ملءَ أفواه الصبايا اليتم


لامست أسماعهُم لكنها *** لم تلامس نخوة المعتصم


لا يُلام الذئب في عدوانه *** إن يكُ الرَّاعي عدو الغنمِ


ولكن الأمل كبير بعون الله، فالأمة لم تمت، بالرغم من كل مظاهر الضعف
والذلة والغثائية البادية، فإن في بطولات المجاهدين والمقاومين الرائعة،
وتضحياتهم المشرّفة، والتفاف الجماهير الإسلامية حولهم، واحتضانها لهم،
وتفاعلها معهم، في كل من فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وغيرها من
بلاد المسلمين المظلومة، لخير دليل على ذلك. وسيأتي اليوم لا نشك في أن
تنتصر فيه الجماهير المؤمنة من أعدائها وتنتقم من جلاديها (ويســألونك متى
هو، قل: عسى أن يكون قريباً).


والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رزان
مشرفة
مشرفة
رزان



 السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية    السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية Emptyالسبت مارس 23, 2013 2:54 pm

حركة الجهاد والفتح الإسلامي في عهد الدولة الأموية



مقدمة البحث




الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. قال الله
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُون}(1)، {يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(2)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}(3)، فلو أردنا أن نطلق على
دولة من الدول في العصور الإسلامية الأولى أنها دولة الفتوحات فلن نجد غير
الدولة الأموية تحظى بهذا اللقب، وليس شيء من شعائر الإسلام يثير رعب
أعدائه مثل الجهاد، وليس أمر حرص المستعمرون وأتباعهم على تشويهه وتفريغ
قلوب المسلمين وعقولهم منه كهذه الفريضة.


وما من مناسبة ذكر فيها المسلمون كلمة (الجهاد) إلا وكانت بمثابة ناقوس خطر
يثير في أعدائهم مزيجاً من مشاعر الرهبة والغضب، يوازيه عمل دائب بشتى
السبل للحد من أثر الجهاد النفسي والعملي، وفي فترة سبات طويل اجتمعت فيها
أسباب كثيرة جعلت المسلمين ينظرون إلى كثير من مفردات دينهم نظرة خاطئة،
ويجردونها من معانيها الأصلية، ويلبسونها معاني ليست لها، وهي في الحقيقة
معانٍ تعكس ضعفهم ورضاهم بالواقع، ويتمثل فيها خداعهم لأنفسهم وتسويل
الشياطين لهم، وكان مفهوم الجهاد من تلك المعاني التي تُلُوعِب في معناها،
فالتبس مفهومه على الكثيرين، مع أنه من أشد المفاهيم وضوحاً وتوضيحاً، سواء
في القرآن الكريم أو في السنة الشريفة، فمثلاً لم يكن يتصور أحد من
الصحابة رضي الله عنهم أن يحقق معنى الإسلام في نفسه دون أن يشارك في
الجهاد، وهكذا اندفعوا في كل اتجاه حاملين دين الله تعالى يبلغونه
للعالمين، فكم منهم مات في مسقط رأسه يا ترى؟ وهل يدري مسلمو اليوم كم قضى
من أولئك الحشد الكريم في البلاد البعيدة؟ وإلى أي مدى وصلت بهم هممهم
العالية؟ هكذا كان الرعيل الأول في التاريخ الإسلامي. ومع أن فقه الجهاد
وما يتعلق به محدد ومفصل في كتب الفقه، ومحفوظ ومدروس إلا أن الجهاد العملي
لا زال يتقلص وينحسر حتى هبت على المسلمين فترة انقلب فيها فهمه رأساً على
عقب، ووصل المسلمون في الأعصر الحاضرة إلى مرحلة فاصلة، عطلت فيها كثير من
أحكام الإسلام ومفاهيمه، وأجبر الناس جبراً، وعلى غير رضاً منهم، على
العيش في ظل مفاهيم غريبة عن عقيدتهم ودينهم، وأصبح الجهاد بمعناه الشرعي
بعيداً عن أفكارهم وتوجهاتهم، وذلك لا يمكن معالجته إلا بإدراكهم لحقيقة
دينهم وحقيقة واقعهم وما هم عليه من حال بعيدة عما يرضاه الله تعالى لهم،
ولكن الرضا عن هذا الواقع المؤلم والاحتجاج له بالحجج الواهية غير مقبول،
ولا يقل خطراً وأثراً تخريبياً عن المذاهب الهدامة والبدع المدمرة التي
يستعين مروجوها - إضافة إلى الحديد والنار وحيل الاستعمار - بشراء الفتاوى
الباطلة لتتقبلها الجماهير بأقل ما يمكن من التكاليف والجهود.


إن الجهاد هو الجهاد، بذل لكل ما يمكن من الجهود في سبيل الله تعالى،
ومدافعة أعداء الله تعالى وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم بكل ما يستطاع
من القوة: قوة البدن، وقوة السلاح، وقوة المال، وقوة العلم والمعرفة، على
هذا استقر الإسلام يوم استقر، وبعيداً عن هذا الفهم الجامع لمعنى الجهاد
نزلت بنا الكوارث، وفعلت بنا الأفاعيل.


وتمر الأمة الإسلامية اليوم بظروف عصيبة تكالب فيها الأعداء وتنادوا من كل
صوب، وتداعوا على حرب الإسلام وأهله الصادقين، وذلك في حملة شرسة وحقد
دفين، يبتغون من حربهم مسخ الإسلام في قلوب أهله، وجر المسلمين إلى التبعية
للغرب المستعمر الظالم، وساعدهم في ذلك المنافقون من بني جلدتنا، فجاءت
الحرب شاملة من خارج الأمة ومن داخلها، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ
يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ
يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون}(4). ومع إيماننا بحتمية
الصراع بين الحق والباطل، وأن جهاد الكفار أصبح أمرًا مفروضًا على المسلمين
دفاعًا عن الدين والعرض حتى لا تكون فتنة. والناظر في أحوال أمته اليوم
وما عليه من ضعف إيمان، وركون إلى الدنيا، وترهل في الهمم والأجسام، ويأس
وإحباط ليَشعُر بالخطر على نفسه وعلى أمته، ويفرض عليه ذلك المبادرة مع
إخوانه في وضع برامج علمية وعملية لإعداد النفوس وإحياء الجهاد وتحديث
النفس به.




- سبب اختيار البحث:


لقد بدأ اهتمامي وشغفي بالقراءة في التاريخ الإسلامي منذ زمن مبكر، وتكونت
لديَّ مكتبة متكاملة في هذا الباب، وقد قرأت واطلعت على عشرات المجلدات في
تاريخنا الإسلامي عند بداية الطلب وأثناء دراستي الجامعية، ومن خلال تلك
المطالعات استوقفني ذلك الانجاز المذهل في الفتوحات الإسلامية وما قدمه
أولئك الرجال من تضحيات وبذل، فحققوا في فترة وجيزة من عمر التاريخ ما تعجز
أمم بأكملها عن تحقيقه في مئات السنين.


واخترت أن يكون موضوع أطروحتي عن فتوحات الدولة الأموية بالذات مع أن
الفتوحات بدأت منذ أيام الخلافة الراشدة واستمرت إلى ما بعد الدولة
الأموية، بيد أني وجدتها هي دولة الفتوحات من حيث الانتشار والاتساع، حتى
وصل امتدادها في بعض الفترات، أنها كانت تفرض سيطرتها على البلاد الممتدة
من الصين شرقاً إلى أوروبا غرباً.


فرأيت أنه من المناسب إبراز هذا الانجاز للأجيال القادمة لتعرف تاريخها،
لعل ذلك أن يشحذ شيئاً من الهمم فتقتدي بأولئك الأفذاذ فيعيدوا للأمة شيئاً
من عزها الغائب في زمن الغربة.




- الهدف من البحث:


الهدف من هذا البحث هو خدمة الإسلام والتقرب إلى الله تعالى من خلال إخراج
بحث مستقل عن حركة الجهاد والفتوحات في عهد الدولة الأموية، ودراسة الآثار
والنتائج التي ترتبت على ذلك، والأهم منه معرفة الأسباب التي كانت وراء هذا
الإنجار الضخم في زمن قصير من عمر التاريخ؛ ليكون ذلك زاداً لأجيال الأمة
الناشئة، ونبراساً لها على طريق الجهاد، وإعادة صياغة هذه الأمة صياغة
جديدة لتعود إلى مجدها وعزها ومكانتها.




- البحوث السابقة:


هناك عشرات الكتب والرسائل والدراسات عن الدولة الأموية قديماً وحديثاً،
وهذه الكتب والدراسات إما أنها تتفرد بالعرض التاريخي بتسلسل عهد خلفاء
الدولة، وما حصل من وقائع وأحداث، وإما أنها تخصص بعض هذه الدراسات والكتب
والرسائل في جوانب معينة محدودة من تاريخ هذه الدولة العريقة، كأن يسلط
الضوء عن الجوانب المالية أو العسكرية أو السياسية لدى الدولة الأموية.


ولم أقف على بحث مستقل تخصص في دراسة حركة الجهاد والفتوحات لدى الدولة
الأموية من حيث استيعاب الحوادث ومعرفة الأسباب ثم النتائج المترتبة على
ذلك. ولا أدَّعي أني قد استكملت حلقات الموضوع، لكن هذا جهد المقل، وأسأل
الله تعالى القبول، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.




- حدود البحث:


اقتصر بحثي على الجهاد في الدولة الأموية فقط، دون البحث في حركة الفتوحات
السابقة لذلك، والفتوحات التي حدثت بعد الدولة الأموية، وسيبقى الجهاد إلى
قيام الساعة، وهذا قدر هذه الأمة أن تبقى تصارع أعدائها، فما دام هناك حق
وباطل في هذه الأرض فالصراع بينهما قائم ولا يهدأ ولا ينتهي.






- صعوبات واجهتني:


لم أواجه بفضل الله تعالى صعوبة في جمع المادة العلمية، ذلك أن فتوحات
الدولة الأموية قد استفيض الحديث عنها في العشرات من كتب التاريخ قديماً
وحديثاً، لكن هذا الموضوع حسب علمي لم يفرد ببحث مستقل بهذه الكيفية من
قبل، وإنما هو منثور في بطون كتب التاريخ والتراجم والسير، وتكمن صعوبته في
استخراج مادته وانتقائها بعد قراءة مستفيضة بل مطولة جداً في كتب التاريخ
حتى تتجمع المادة المطلوبة لموضوع الرسالة.


لكن الصعوبات النفسية كانت تلازمني ولا تفارقني وهي إحساسي بعمق وثقل
الرسالة، وخوفي ألاّ أوفي البحث حقه، ولعلي بما تيسر أكون أديت ما هو
مطلوب.






- منهج البحث:


لقد استقر الأمر بحمد الله تعالى على أن يجري الكلام في أربعة أبواب، وتحت كل باب عدد من الفصول.


وفي مجال التوثيق أذكر بعد الآية اسم السورة التي وردت فيها ورقم الآية.


وقد خرجت الأحاديث من كتب السنة المعتمدة.


وقد ترجمت للرجال الذين ورد ذكرهم في أصل الرسالة باختصار، وكذلك عرفت
بالأماكن والبلدان، معتمداً المنهج التاريخي في البحث ومتكئاً على المنهج
التحليلي والوصفي في استخلاص النتائج.


هذا وقد جرى البحث حسب الخطة الآتية:


المقدمة: وذكرت فيها سبب اختيار الموضوع وأهميته، وأهم الصعوبات، ولمحات في المنهج وخطة البحث.


الباب الأول: الدولة الأموية.


- الفصل الأول: التعريف بالدولة الأموية وخلفائها:


تناولت فيه قيام الدولة الأموية، وما أصاب تاريخ الدولة من التشويه، وعرضت
الاتهامات التي وجهت لبني أمية، ثم استعرضت خلفاء بني أمية من خلال الأسرة
السفيانية ثم الأسرة المروانية.


- الفصل الثاني: النظام الإداري في الدولة الأموية:


تحدثت في هذا الفصل عن أهم المؤسسات الإدارية والأمنية التي أنشأها كل من
معاوية رضي الله عنه وعبد الملك بن مروان رحمه الله من خلال إنشائهم
للدواوين، وحرصهم على توطين الأمن، ثم تعرضت لحركة تعريب الدواوين.


- الفصل الثالث: النظام العسكري في الدولة الأموية:


تناولت في هذا الفصل التخطيط الدقيق والمحكم لسياسة الدولة في الفتوحات،
واهتمامها بالحدود البرية، وبالأسطول البحري، وبديوان الجند والعطاء،
والمراكز العسكرية التي بناها الأمويون، وأدوات حربهم.


- الفصل الرابع: الجهاد في الدولة الأموية:


وقد تحدثت فيه عن: الدعوة إلى الجهاد، أهداف الجهاد عند المسلمين، من يأمر
بالجهاد ويشرف عليه، وجوب الثبات أمام العدو، موقف الإسلام من القاعدين عن
الجهاد، الهدنة أو السلم مع الأعداء، موالاة الأعداء، الإعداد للقوة في
الإسلام، مصادر السلاح، والإنفاق على الجهاد في الدولة الأموية.






الباب الثاني: ميادين فتوحات الدولة الأموية.


- الفصل الأول: الميدان الشمالي البيزنطي:


تناولت في هذا الفصل فتوحات الدولة الأموية في منطقة الشمال البيزنطي،
التخطيط للاستيلاء على القسطنطينية، الفتوح في أرمينية، الفتوح في أرض
الروم، وجهاد الدولة في البحر الأبيض المتوسط.


- الفصل الثاني: الميدان الأفريقي:


ويتناول جهاد عقبة بن نافع رضي الله عنه في فتح أفريقية، ثم فتوحات حسان بن النعمان الغساني، ثم فتح قرطاجنة.


- الفصل الثالث: الميدان الأوروبي:


يتناول فتح الأندلس، ثم معركة طولوشة، ثم توقف الفتوحات في معركة بلاط الشهداء.


الفصل الرابع: الميدان الآسيوي:


ويشمل فتوحات الدولة في إقليم بخارى، ثم في سمرقند، والسند.




الباب الثالث: الدعوة إلى الله تعالى وقادة الفتح في الدولة الأموية.


- الفصل الأول: الدعوة إلى الله:


يتناول هذا الفصل الحديث عن أهمية الدعوة إلى الله، فضائل الدعوة إلى الله،
لماذا الدعوة إلى الله، عالمية الدعوة والرسالة، مراكز الدعوة، بعثات
الدعاة، الدعوة والجهاد في العصر الحالي.


- الفصل الثاني: قادة الفتوحات في الدولة الأموية:


مسلمة بن عبد الملك، المهلب بن أبي صفرة، قتيبة بن مسلم، محمد بن القاسم،
أبو مسلم الخولاني، عقبة بن نافع، أبو محمد البطال، حسان بن النعمان
الغساني، موسى بن نصير.




الباب الرابع: أسباب انتشار الإسلام وترسيخ الفتح في العهد الأموي والآثار المترتبة عليها.


- الفصل الأول: أسباب انتشار الإسلام:


مشاركة عدد من العلماء في الجيوش الأموية، نشر العلم، القوة الإدارية لدى
الدولة الأموية، معاملة أبناء البلاد المفتوحة معاملة كريمة، الحرص على
سلامة الجيوش الإسلامية، الشورى في عمليات الفتح، الاهتمام بالحدود البرية،
سياسة عمر بن عبد العزيز رحمه الله في تثبيت الفتح.


- الفصل الثاني: الآثار المترتبة على الفتح:


الأثر الحضاري، الأثر الثقافي، انتشار الإسلام.


- خاتمة البحث: العالم لا يحترم إلا القوي، نهاية مؤلمة.


- خلاصة البحث.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السلفيون... الجذور والأفكار: دراسة وصفية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» دراسة حول فوائد القهوة
» دراسة: 54% من السعوديين مصابون بالكوليسترول
» لا رجم للزاني في الإسلام.."دراسة أًصولية موثقة"
» دراسة: ضعف الذاكرة لدى الرجال سببه النساء
» دراسة علمية : مخ الإنسان يسجد لله حتى لو كان كافرا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات يورانيوس :: مـقـالات و أراء مـخـتـلـفـة-
انتقل الى: