(بالرغم من أن موضوع زنا المحارم موضوع جد حساس ويدعو للتقزز.. فهو جريمة يتقزز منها كل صاحب فطرة سليمة..إلا أن الواقع المرير أصبح يفرض علينا تناول هذه المواضيع التي باتت تفتك بمجتمعاتنا العربية والإسلامية المحافظة وتنخر قواها أمام صمت الكثير ممن تقع عليهم مسؤولية مواجهة هذه الظواهر الاجتماعية الفتاكة..أترككم مع الموضوع الذي أرجو أن يستفيد منه كل إنسان يقرأه..)
إذا كانت الوقاية والعلاج أمرين مهمين عند التعاطي مع كل المشكلات والأمراض التي تواجه الإنسان، فإنها في حالة جريمة زنا المحارم تحظى بأهمية استثنائية قصوى؛ لأن وقوعها يترك آثارا مدمرة ما لم يتم التحرك السريع لمواجهتها في حال حدوثها.
لذلك يصبح من الأهمية بمكان وضع وسائل وقائية تجنب الأسرة والمجتمع الوقوع فيها، وأخرى علاجية تخفف من حدة التوترات والهزات التي تعتري الأسرة بعد حدوثها.
وفق المعطيات السابقة حاولنا الاجتهاد في وضع بعض الخطوات الوقائية التي تحول دون حدوث جريمة زنا المحارم، وبعض الإجراءات العلاجية التي يجب أن نتبعها في حال اكتشافنا وقوع هذه الجريمة، وما يتعين على الأسرة والمعالج النفسي اتباعه أثناء معالجة الضحية في حال اللجوء إليه.
إجراءات وقائية
1 - الوقاية داخل الأسرة:
الاستئذان قبل الدخول، ومراعاة الخصوصيات في الغرف المغلقة.
التفريق بين الأولاد والبنات في المضاجع.
عدم ظهور الأم أو البنات بملابس كاشفة أو خليعة تظهر مفاتن الجسد أمام المحارم الذكور، والعكس بعدم تبسط الذكور أمام محارمهم من الإناث.
التزام قدر معقول من التعامل المحترم بعيدا عن الابتذال والتساهل بين أفراد الأسرة.
يجب تجنب المداعبات الجسدية بين الذكور والإناث في الأسرة والتي تأخذ شكلا من أشكال المزاح.
عدم نوم الأبناء أو البنات في أحضان أمهاتهم أو آبائهن خاصة بعد البلوغ.
تجنب مشاهدة الأفلام الجنسية و الإباحية بشكل مختلط بين أفراد الأسرة( آباء وأبناءمعا، إخوة وأخوات معا..)
2 - إشباع الاحتياجات:
إن إشباع احتياجات الأفراد داخل الأسرة والمجتمع بشكل عام يقلل من نسبة حدوث الجرائم فيهما، خاصة الاحتياجات الأساسية من مسكن ومأكل وملبس واحتياجات جنسية مشروعة.
إن المحرومين من إشباع احتياجاتهم -خاصة الجنسية- يشكلون مصادر خطر في الأسرة والمجتمع، وهذا يجعلنا نأخذ خطوات جادة لتشجيع الزواج على كل المستويات بحيث نقلل -قدر الإمكان- عدد الرجال والنساء الذين يعيشون تحت ضغط الحرمان لسنوات طويلة، كما هو الحال الآن في معظم بلداننا العربية.
3 - تقليل التعرض لعوامل الإثارة:
إن تقليل التعرض لعوامل الإثارة من تبرج في البيوت أو الشوارع، ومن مواد إعلامية على الفضائيات أو المواقع الإباحية التي تثير الغرائز أمر في غاية الأهمية على صعيد التقليل من نسب حدوث جريمة زنا المحارم؛ نظرا لأن التقليل من مساحات التعرض للعري والإثارة الجنسية سيقلل من عوامل الحفز الجنسي التي تعمل بدورها على تآكل حاجز الحياء، واغتيال حدود التحريم داخل الأسرة والمجتمع.
إجراءات علاجية
وقع المحظور وحدثت جريمة زنا المحارم بالفعل.. فكيف نتصرف عندها؟ أو كيف يمكننا معالجة الضحية في حال ممارسة الجاني قهرا عليها حتى ترضخ لمطالبه؟
الإجابة على هذه التساؤلات في الخطوات الإجرائية التالية:
أولا- الإفصاح:
إن أول وأهم خطوة في علاج زنا المحارم هي تشجيع الضحية على الإفصاح، وذلك من خلال لجوئها إلى شخصية محورية داخل الأسرة، لها من السلطة ما يكفل لها ردع الجاني.
ووجد أن الإفصاح عن تلك العلاقة الآثمة من قبل الضحية يؤدي في أغلب الحالات إلى توقفها تماما؛ لأن الشخص المعتدي يرتدع خوفا من الفضيحة أو العقاب، إضافة إلى ما يتيحه الإفصاح من إجراءات حماية للضحية على مستويات أسرية وقانونية.
وعلى الرغم من أهمية الإفصاح فإن هناك صعوبات تحول دون حدوثه أو تؤخره، ومنها الخوف من العقاب أو الفضيحة، أو الإنكار على مستوى أفراد الأسرة، ولذلك يجب على المعالج النفسي في حال اللجوء إليه أن يفتح الطريق، وأن يساعد على هذه الخطوة (الإفصاح) دون أن يوحي للضحية بأشياء من تخيلاته أو توقعاته الشخصية، وربما يستدعى الأمر -بل غالبا ما يستدعي- تقديم أسئلة مباشرة ومتدرجة تكشف مدى العلاقة بين الضحية والمعتدي في حالة وجود شبهات أو قرائن على ذلك.
وتتفاقم المشاكل النفسية التي تصيب الضحية بسبب عدم قدرتها على البوح بهذا الأمر، فتكتم كل الأفكار والمشاعر بداخلها وتنكمش على نفسها، ومن هنا يكون العلاج بإعطاء الفرصة لها للحديث عن كل ما بداخلها مع تدعيمها ومساندتها وطمأنتها أثناء استعادة تلك الخبرات الصادمة، ثم محاولة إعادة البناء النفسي لها من جديد بعد تجاوز هذه الأزمة.
ثانيا- الحماية للضحية:
بمجرد إفصاح الضحية عن تعرضها للاعتداء الجنسي من قبل أحد محارمها يتعين على أفراد الأسرة الأسوياء تهيئة جو آمن لها لحمايتها من تكرار الاعتداءات الجنسية أو الجسدية ضدها.
وإذا صعب توفير هذه الحماية لها داخل أسرتها، عليها أن تلجأ إلى قريب تثق فيه (عم أو خال مثلا) وتطلب منه دعمها في مواجهة هذا الموقف العصيب الذي تتعرض له.
وإذا لم يتوافر لها حتى ذلك القريب فعليها الالتحاق بأقرب دار للرعاية الاجتماعية الآمنة والموثوق فيها، لحين بحث أحوال الأسرة، ومعالجة ما بها من خلل ومراجعة قدرة الوالدين على حماية أبنائهما؛ فذلك أفضل لها من العيش تحت التهديد المستمر للجاني.
وفي حالات أخرى يعزل الجاني بعيدا عن الأسرة؛ خاصة عند الخوف من تكرار اعتداءاته على أفراد آخرين داخلها؛ أو إذا كان مصابا بمرض يستدعي العلاج.
وبعد الاطمئنان على سلامة وأمن الضحية علينا بذل الجهد في محاولة معرفة ما إذا كان بعض أفراد الأسرة الآخرين قد تعرضوا لأي تحرشات أو ممارسات جنسية.
وننوه في هذا الصدد إلى أنه على الأمهات والآباء أن يكونوا واعين لممارسات كامل أفراد الأسرة، فإن لاحظت الأم مثلا على ابنها النظر لأي من أخواته بطريقة غير طبيعية، وتتأكد من ذلك فعليها ألا تتركها معه بمفردها إطلاقا، درءا لما يمكن أن يحدث، وعليها أن تنبه الابنة لضرورة الاحتشام ما دامت خارج حجرتها، وعليها أن تبذل مجهودا مضاعفا في زرع الفضيلة في نفس الابن، وحضه على الطاعة.
ثالثا- العلاج النفسي الفردي:
يقدم العلاج النفسي الفردي للضحية لمداواة المشاكل والجراح التي لحقت بها من جراء الاعتداءات الجنسية، ويبدأ العلاج بالتنفيس والبوح في وجود دعم من الأفراد الأسوياء في الأسرة والمعالج النفسي، وفي وجود علاقة صحية تعيد فيها الضحية رؤيتها لنفسها، ثم للآخرين من منظور أكثر صحة، تعدل من خلاله رؤيتها المشوهة التي تشكلت إبان علاقتها بالمعتدي.
والمعالج النفسي المتخصص له دور مهم في علاج هذه الحالة؛ لأنه سيساعد الضحية في التعبير عن مشاعرها السلبية مثل الغضب وكراهية الذات والاكتئاب والشعور بالذنب وغيرها من المشاعر المتراكمة كخطوة أولى للتخلص منها، أو إعادة النظر فيها برؤية أكثر إيجابية.
وكثير من الضحايا يصبحن غير قادرات على إقامة علاقات عاطفية أو جنسية سوية فيما بعد؛ نظرا لإحاطة تلك الموضوعات بذكريات أليمة، أو مشاعر متناقضة أو محرمة، فيصلوا في النهاية إلى حالة من كراهية العلاقات الجنسية؛ مما يؤدي إلى فشلهن المتكرر في الزواج، وهذا كله يحتاج للمناقشة والتعامل معه أثناء الجلسات العلاجية.
وربما يحتاج المعتدي أيضا إلى مثل هذا العلاج خاصة إذا كان لديه اضطراب نفسي أو اضطراب في الشخصية أو احتياجات غير مشبعة أو كان ضحية للإغواء من جانب الضحية.
ومن الأهمية بمكان عند اكتشاف حالة "زنا محارم" داخل أي أسرة أن يتم تقييم حالة الوالدين نفسيا واجتماعيا بواسطة فريق متخصص، وذلك للوقوف على مدى قدرتهم على القيام بمهامهم الوالدية، وفي حالة وجود خلل في هذا الأمر يتم إخضاعهم لبرنامج تأهيلي، حتى يكونوا قادرين على القيام بواجباتهم نحو أبنائهم، وفي حالة تعذر الوصول إلى هذا الهدف يقوم طرف ثالث بدور الرعاية للأبناء حتى لا يكونوا ضحايا لاضطرابات والديهم.
رابعا- العلاج الأسرى:
بما أن زنا المحارم يؤدي إلى اضطراب الأدوار والعلاقات داخل الأسرة لذلك يستوجب الأمر إعادة جو الأمان والطمأنينة وإعادة ترسيم الحدود وترتيب الأدوار والعلاقات مع مداواة الجراح التي نشأت جراء تلك العلاقة المحرمة، وهذا يستدعي جلسات علاج عائلي متكررة، يساعد فيها المعالج أفراد الأسرة على التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم وصراعاتهم وصعوباتهم، ثم يساعدهم على محاولة إعادة التكيف مرة أخرى على مستويات أفضل.
وربما يحتاج المعالج، أو أي شخص محوري له مكانته وحكمته داخل إطار العائلة لأن يقوم بدور الأنا الأعلى (الضمير) لهذه الأسرة؛ خاصة إذا كانت القيم مهتزة أو غامضة أو ضعيفة لديها، ويستمر هذا الدور إلى أن ينمو الجهاز القيمى داخل الأسرة من خلال توحدهم مع الشخص المحوري أو المعالج وقيمه، ويكون أي منهما هنا رمزا للأبوة الصالحة أو الأمومة الرشيدة إلى أن يتعافى أحد أفراد الأسرة، ويأخذ هذا الدور من المعالج ليحمي بقية الأسرة من السقوط.
خامسا- العلاج الدوائي:
ويقدم للحالات المصابة باضطرابات نفسية كالقلق أو الاكتئاب أو الإدمان أو الفصام أو الهوس. وهذا العلاج يمكن أن يوجه نحو الضحية أو نحو المعتدي حسب حاجة كل منهما.