الحبيب بورقيبة سيرة حياتهولد في
حي الطرابلسية بمدينة
المنستير الساحلية، من عائلة من الطبقة المتوسطة (أبوه ضابط متقاعد في حرس الباي)، وكان أصغر ثمانيه إخوة وأخوات، تلقـّى تعليمه الثـّانوي
بالمعهد الصادقي فمعهد كارنو بتونس، ثم توجه إلى
باريس سنة
1924 بعد حصوله على
الباكالوريا وانخرط في كلية الحقوق والعلوم السياسية وحصل على الإجازة في سنة
1927، وعاد إلى تونس ليشتغل بالمحاماة.
تزوج للمرة الأولى من
الفرنسية ماتيلد وكانت تبلغ من العمر عندما تعرفت عليه 36 عاما، وكانت أرملة أحد الضباط الفرنسيين الذين ماتوا في
الحرب العالمية الأولى، كانت تكبره بحوالي 12 سنة، وهي التي أنجبت له ابنه الوحيد
الحبيب بورقيبة الابن، وتطلقا بعد 22 عاما من الزواج لكنه إستمر على وفائه وصلته بها كما قام بتوسيمها في أواخر حياتها قبل وفاتها سنة 1976.
تزوج للمرة الثانية من
وسيلة بن عمار رسميا في
12 أفريل العام
1962 وهي تونسية، في احتفال كبير بقصر المرسى. وسيلة بن عمار الثائرة التونسية التي قادت عددا من عمليات النضال الوطني ضد الاستعمار، حتى ألقي القبض عليها عام
1948 وسجنت.
بورقيبة بزي المحاماة عام
1927 الكفاح الوطني إعلان الجمهورية بورقيبة المصلح الإجتماعيكان بورقيبة متحمسا لتخليص المجتمع التونسي من النظرة التقليدية الضيقة للمرأة والزواج وحريصا على رفع المستوى المعرفي والثقافي والاقتصادي للتونسيين كما كان يسعى لبناء نواة صلبة للعائلة التونسية بعيدا عن مظاهر التفكك الأسري.
لم ينتظر بورقيبة كثيرا ليبدأ إصلاحاته، لذا إستثمر حالة الحماس والإلتفاف الشعبي حوله في فترة ما بعد التحرر، فقد أصدر البرلمان التونسي بعد ثلاثة أشهر فقط من الاستقلال عن
فرنسا، مجلة
مجلة الأحوال الشخصية، وفي هذه المجلة صدرت تشريعات كصدور قانون منع تعدُّد الزوجات وتحديد السن الأدنى للإرتباط. لكن التطبيق الفعلي لهاته القوانين لم يبدأ إلا بعد ستة أشهر أي في أوائل سنة 1957 حيث كان بورقيبة يسخر وقته وخطبه الإذاعية وموقعه كرئيس حكومة للتوعية بأهمية القوانين الجديدة وتأثيرها المستقبلي على المجتمع التونسي. كما شملت المجلة كذلك قوانين إجتماعية خاصة بالزواج والطلاق؛ مثل قانون يمنع الزوج من العودة إلى مطلقته التي طلقها ثلاثًا إلا بعد طلاقها من زوج غيره، وقانون يجعل من الطلاق إجراء قانونيا لا يتم الإعتراف به إلا عن طريق القضاء.
وأصدر أيضاً قانون يسمح للمواطن
بالتبني وأقر بورقيبة قانونا يسمح للمرأة بالإجهاض (وقد سبق في ذلك دولا مثل فرنسا) وذلك للتحكم في النمو الديمغرفي، ورفع سن زواج الذكور إلى عشرين سنة، والإناث إلى 16 سنة.
بورقيبة في التاريخ مع الملك
الحسن الثاني في العاصمة التونسية عام
1975ألقاب كثيرة أطلقت على الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة مثل "الزعيم" و"
المجاهد الأكبر" و"صانع الأمة" لكن الألقاب المثيرة هي تلك التي لاوجود لها في القاموس السياسي مثل "الرئيس الأبدي" و"الباي الجمهوري" أي الأمير الجمهوري حسب وصف الكاتب التونسي الصافي سعيد صاحب كتاب "بورقيبة.. سيرة شبه محرمة"، فقد كان الزعيم التونسي "أكثر من رئيس وأكبر من عاهل بكثير، لقد جمع بين يديه دفعة واحدة سلطات الباي
والمقيم العام الفرنسي ما بأنفسهم" لم يكن دمويًّا على طريقة الأنظمة العسكرية والفاشية، لكنه قرر إعدام العديد من معارضيه ببرودة شديدة، حدث ذلك مع "اليوسفيين" في مطلع الاستقلال، وعندما تدخل عرفات طالبًا تخفيف العقوبة على الشبان الذين قادوا عملية "قفصة" الشهيرة، أصدر بورقيبة أوامره من الغد بتنفيذ حكم الإعدام على 16 منهم.
أظهر شراسة شديدة في مواجهة خصومة السياسيين حتى لو كانوا رفاقه في الكفاح، لقد استغَلَّ تأسيسه للدولة واحتكاره لها ليُجْهِزَ على المؤسسة الزيتونية الإسلامية التي كانت سندا لخصمه اللدود بن يوسف المدعوم من الشرق العربي والقوى القومية خصوصا عبد الناصر، ويطارد من عُرِفُوا باليوسفيين الذين وقفوا مع الكاتب العام للحزب
صالح بن يوسف، فقتل واعتقل العديد منهم، ولم يُغْلِق هذا الملف إلا بعد
اغتيال زعيمهم اللاجئ
بألمانيا. كما استغل
محاولة الانقلاب التي استهدفته عام
1962 ليجمد
الحزب الشيوعي، ويعطل كل الصحف المعارضة والمستقلة، ويلغي الحريات الأساسية، ويقيم نظام الحزب الواحد، مستعينًا في ذلك بالإتحاد العام التونسي للشغل الذي تحالف مع الحزب الدستوري إلى درجة قبول التدخل في شؤونه وفرض الوصاية عليه وعلى قيادته. ومع تبني
الاشتراكية في الستينيات، غاب المجتمع المدني، وهيمنت على البلاد أحادية في التسيير وفي التفكير وفي الإعلام وفي التنظيم.
على صعيد السياسة الخارجية، تحالف مع الغرب وكان من أوائل السياسيين العرب الذين رحبوا بالسياسة الأمريكية في المنطقة، ففي خطاب ألقاه في شهر مايو 1968م قال "إننا نعتبر أن نفوذ
الولايات المتحدة الأمريكية يشكل عنصر استقرار يحمي العالم من نوع من الأنظمة الاستبدادية. دون أن يدخل في نزاع مع
الاتحاد السوفييتي، رفضا قاطعا إقامة علاقات اقتصادية وعسكرية معه، معتبرا أن دخول خرطوشه واحدة من هذا المعسكر قادرة على أن تفتح الباب واسعا أمام الخبراء والأفكار "الهدامة" حسب تعبيره، بل أنه صرح أكثر من مرة في خطبه الرسمية بأن "المعسكر الإشتراكي لن يستمر طويلا في الحياة، وأن سقوطه أمر محتم." وبنى علاقات جيدة مع الأنظمة الملكية والخليجية. شهدت علاقاته مع
عبدالناصر توترات مستمرة، حيث اختلف معه في الخطاب والأيديولوجيا ومواقف من قضايا جوهرية، مثل: الوحدة والقومية وفلسطين، ذات مرة قال "لو خيرت بين
الجامعة العربية و
الحلف الأطلسي لاخترت هذا الأخير". كما كان حذرًا من
حزب البعث، وحال دون امتداداته التنظيمية داخل تونس، ثم تجدد صراعه مع
القذافي، ورأى فيه شابًّا "مُتَهوِّرًا" في السياسة، وكان يخشى أن تُطَوَّق تونس بتحالف ليبي - جزائري، لهذا وثق علاقاته مع فرنسا والولايات المتحدة، وعندما
تسربت مجموعة معارضة مسلحة ذات توجه عروبي ومدعومة من
ليبيا، وسيطرت على مدينة
قفصة في يناير 1980، استنجد بباريس وواشنطن الذين قدما له مساعدات عسكرية ولوجستية، مكَّنَت النظام التونسي من إنهاء التمرد بأقل التكاليف.
ضريح الزعيم بورقيبة
طيلة حكمه استعان بورقيبة بالوزراء الأول التالين:
الباهي الأدغم،
الهادي نويرة،
محمد مزالي،
رشيد صفر وأخيرا زين العابدين بن علي وكلهم أصيلو جهة
الساحل التونسي الذي كان أبناؤه يهيمنون على الحياة السياسية بتونس في عهده.
مراجع
محمد بوذينة، مشاهير التونسيين، تاطبعة الأولى، 1992
الصافي سعيد، بورقيبة.. سيرة شبه محرمة، الطبعة الأولى 2000م،
مدفن اللكتروني لـ "بورقيبة" على الإنترنت، موقع إسلام اون لاين.
خالد شوكات، تونس دولة دينية، العربية نت نقلا عن السياسة الكويتية بتاريخ 16/9/2005م
عام على وفاته: بورقيبة قاوم فرنسا وحفظ قصائد هوجر، صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 19 أبريل 2001م- العدد 8778
صلاح الدين الجورشي، بورقيبة... جامع المتناقضات، موقع إسلام اون لاين
لطفي حجي، بورقيبة.. أتاترك المغرب العربي
صوفي بسيس و
سهير بلحسن،
الحبيب بورقيبة، السيرة الذاتية (بالفرنسية) في مجلدين، منشورات جون أفريك، باريس، 1988.